شبكة ذي قار
عـاجـل










التحدي الإيراني ، في الآونة الأخيرة، تجاوز المألوف ، في تصريحات ملفتة للنظر ، لاكثر من طرف وبالذات أمريكا ـ ترمب ،فها هي طهران تهدد الإدارة الامريكية "انها قادرة على انتاج اليورانيوم عالي التخصيب خلال يومين اذا ما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي "؟! وعلي اكبر ولايتي المستشار السياسي لخامئني يهدد ومن بغداد قائلاً: "ان ايران والعراق وسوريا لن يسمحوا للامريكان بالنفوذ في مناطق الاكراد"! وزاد بهرام قاسمي الناطق باسم الخارجية "ان ايران ستقاتل أمريكا بشباب العراق وامواله لخدمة مشروع الامام خميني "؟! وحول الانتخابات القادمة قال قاسمي " بان طهران ترتب لجعل القرار السياسي بيد الحشد ومن يتحالف معه من سنة العراق !" وأضاف ولاياتي " ان قيادة خامئني والصحوة الإسلامية لن تسمح للشيوعيين والليبراليين بالعودة الى الحكم في العراق "!؟ وايران ،باسم الحكومة العراقية ، طالبت "الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق "!وفي رسالة عدائية وجهها حسين دهقان وزير الدفاع الإيراني الى أمريكا والحكام العرب قال فيها "ان العراق اصبح جزءاً من الإمبراطورية الفارسية ،وان لدى طهران قوة الحشد الشعبي التي ستسكت أي صوت يطالب بارجاعه الى محيطه العربي ،ونحن بامتلاكنا القوة الصاروخية الباليستية ووجود جيش إيراني آخرممثل بالميليشيات في العراق ولبنان وسوريا واليمن اصبحنا اسياد المنطقة" واعلن رحيم بورازغدي عضو المجلس الأعلى للثقافة "ان ايران هي من اعدمت صدام حسين بعد اكتشاف سعي الولايات المتحدة الاحتفاظ به!" وأضاف " آن الأوان لاعلان الإمبراطورية الفارسية ومن قلبها النابض العراق " وحتى امير طاهري الكاتب والصحفي المتخصص بالشأن العربي والعلاقات العربية ـ الإيرانية لم يختلف عن عقلية أي فارسي متعصب في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط في 2 آذار / مارس الجاري بقوله "ان بغداد كانت محل عاصمة كيستفون الفارسية "!؟

فالخطاب التصعيدي الجديد لايتماشى والسياسة الإيرانية المعروفة بسياسة البازار التي تقوم على أسس النفس الطويل والنعومة واخفاء ما في الباطن ( التقية )! ومن خبرتنا معهم في التفاوض بعد حرب الثمان سنوات لمسنا ذلك مع خبث ودهاء وخداع ومماطلة كسباً للوقت اذ لم ولن تحصل منهم على موقف واضح حتى انهم يعجزون المقابل بهذه السياسة ،فقد كانت ايران الملالي توحي وتتصرف على انها مع شعب العراق قبل عدوان 1991 وحتى الاحتلال في 2003 ،وكان الرئيس رفسنجاني ووزير خارجيته ولاياتي يصران على اللقاء باي مسؤول عراقي كبير يمر بطهران في مهماته الخارجية لاظهار القلق الزائف على العراق وشعبه والايحاء انهم مع العراق ضد قوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر ممثلاً بالولايات المتحدة! وفي الواقع كانوا يحاولون معرفة إمكانات العراق القتالية وفيما اذا كان العراقيون قادرين على المواجهة ! وقد يكونوا مكلفين بهذا الدور لانهم ،وهذا ما ثبت لاحقاً، كانوا شركاء أساسيين في كل ما حصل للعراق من عدوان وحصار وتدمير واحتلال ! وكان الثمن ، بعد الاحتلال ،منح العراق لايران والسماح بالتمدد على حساب العرب ليبلغ بالملالي الصلف الى اعلان سيطرة نظام المرشد الأعلى على 5 دول عربية والمجاهرة بانهم بصدد إعادة امبراطورية فارس؟! ومن امثلتها مفاوضات الملف النووي مع مجموعة 5 +1 والتي استغرقت عدة سنوات انتهت، بعد تواطؤ إدارة أوباما الامريكية ، باتفاق فيينا النووي لصالح ايران وإيقاف العقوبات الاقتصادية واطلاق الأرصدة المجمدة

ولعل الغرابة ان سياسة التحدي الجديدة تأتي مع وجود موقف قوي معلن بعدم الرضى عن طهران من قبل الرئيس ترمب ،فضلاً عن الرفض الدولي والاقليمي لسياستها التوسعية ولممارستها ورعايتها الإرهاب ، ومع مواجهة نظام الملالي لانتفاضة شعبية شملت 54 مدينة والتي لم تخمد كلياً منذ أواخر العام الماضي ،رغم القمع الوحشي ،وان هناك ثورة ضد التسلط للعنصر الفارسي الذي لاتتجاوزنسبته 40% من مجموع السكان المتمثل بالعرب والكرد والبلوش والاذريين والافغان والارمن والتركمان اذ لايمر شهر دون اعدام مجموعة من الشباب الثائر في الاحوازاو سنندج الكردية او كرمان واذربيجان، كما ان هناك خلافاً متسعاً بين خامئني ومعه قادة الحرس والباسيج المتعصبين،وبين الرئيس روحاني والاصلاحيين باعتراف خامئني الذي انتقد سياسة روحاني الاقتصادية مؤكداً ان " الاعتدال والإصلاح يعني نهاية نظام طهران " فمجمل الأوضاع يدعو الى التهدئة وليس الى التحدي ! وبالتأكيد ان هناك ما شجع طهران على هذا النهج المتشدد والاندفاع في مواجهة منتقدي سياسة واجندة الملالي المتطرفة لاسيما وان الفرس معروفون بالدهاء!؟ فالسياسة اللينة والمتواطئة التي تمارسها الولايات المتحدة مع النظام الإيراني رغم الانتقادات العنيفة وتحميلها مسؤولية الفوضى وفقدان الامن في المنطقة والعالم لدعمها الارهاب ومساندتها المنظمات والميليشيات الإرهابية وتحديداً منذ عام 2011 عندما اجبرت المقاومة العراقية الباسلة القوات الامريكية من الانسحاب من العراق ومنح العراق لإيران فمكنّت الأحزاب التابعة للملالي من السيطرة على السلطة ونهب ثروات العراق وتشكيل ميليشيات مسلحة وممارسة العنف ضد أبناء العراق الاصلاء فكان القتل والاعتقال والمطاردة والاجتثاث والافقار وبث الجهل والامية والتشريد في الداخل والخارج ، وكانت الولايات المتحدة تتدخل لإنقاذ سلطة بغداد كلما اقتربت من السقوط رغم دمويتها وفسادها والرفض الشعبي لها وللوجود الإيراني ،ونتيجة السياسة الامريكية أضحت ايران من يتحكم بالعراق ويتوسع على حساب العرب!وبفضل الاتفاق النووي توفرت لإيران بحدود 300 مليار دولار من الأموال المجمدة إضافة الى رفع العقوبات الاقتصادية وما يتوفر من سرقات النفط العراقي من الابار التي سيطرت عليها بحجة الحدود المشتركة والتي وظفت لتطوير سلاحها الصاروخي مع استمرار دعمها للمنظمات الإرهابية واتباعها من خلايا نائمة في دول الجوار فضلاً عن عدم توقف مسعاها للحصول على السلاح النووي وهذا ما يؤكده تهديدها الامريكان بتمكنها من تخضيب اليورانيوم بدرجات عالية ،أي بما يسمح بصنع السلاح النووي؟! وادي الانفلات والاستهتار الى الايغال بقمع شعوب ايران المظلومة ،والعذر الأمريكي ان مصالح واشنطن تتطلب التنسيق مع طهران في محاربة الإرهاب ! والحقيقة ان مصالحهما واحدة وان ايران تشارك الامريكان في مخطط تدمير واضعاف العرب وتفتيت البلدان العربية وفق الرسمة الجديدة لخارطة المنطقة العربية !فالهيمنة الإيرانية المتسعة في العراق والممتدة الى دول الجوار ،جعل ملاليها يتصورون انهم قوة يخشاها الجميع لاسيما وان صواريخها الباليستية صارت تدك اهدافاً في اليمن وفي غوطة دمشق ، ووصلت الى ايدي حزب الله اللبناني وبعض ميليشيا الحشد العراقي ، فالعراق سلطة ومعها الحشد واموال النفط العراقي في خدمة الاجندة الفارسية ، كما انها بنت قواعد عسكرية لها في العراق وسوريا وربما في صنعاء!ولذلك لاغرابة في قيام طهران بتهديد الامريكان اذا ما فكروا في محاربتها! كما ان التحالف الإيراني ـ الروسي ـ السوري فيما يتعلق بالوضع في سوريا الذي رجح كفة نظام بشار وكذا الوضع في اليمن حيث الغلبة الظاهرية للحوثيين ،كل هذا زاد من اندفاع طهران بتحديها ، كما ان حكام ايران يدركون ان الولايات المتحدة بعد الهزيمة في العراق وبعد ما يسمى بـعقدة " متلازمة فيتنام والعراق" لن تجرؤ على شن حرب مماثلة فمخلفات حروبها

السابقة وبالأخص الأخيرة في العراق مازالت تشكل احد اهم مشاكل الإدارات الامريكية ،وهذا ما تأكد من خلال بعض مواقف الكونغرس المعارضة لبعض سياسات الرئيس ترمب! فضلاً عن ادراك طهران ان هناك محددات داخلية ومعيقات اقتصادية وسياسية تكبل اقدام الولايات المتحدة على شن حرب خارجية ! ومن جانب اخر ان ايران الولي الفقيه! ومراجعها الدينية على علاقات جيدة وصلات وثيقة بحاخامات صهيون في الولايات المتحدة و إسرائيل يجمعهم هدف هدم الإسلام ! وهذا ما أكده مارك هولمز في مقال نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية نشر مطلع أذار /مارس الجاري ، فضلاً عن اتساع التعامل التجاري الملياري بين طهران وتل ابيب من تجارة الفستق والكازو والمرمر والسجاد الإيراني ،فهذه العلاقات وماتحقق من قيام تحالف إيراني ـ امريكي ـ إسرائيلي بعد الاحتلال ،والاتفاق على هدف تدمير العراق وتمزيق الامة العربية ! واذا ما اضيف لذلك ،الموقف العربي المهلهل وخيانات وتواطؤ بعض الحكام العرب مع ملالي ايران وغياب الرادع والمصد العراقي القوي هو ما جعلهم يرون انفسهم كأنهم بالون منتفخ من القوة القادرة على سحق الاخرين؟!

صحيح ان الظرف الدولي والإقليمي يختلف كلياً عن ظرف تسعينات القرن الماضي حيث الانفراد الأمريكي كقوة عظمى وحيدة على الساحة الدولية وذهول العالم بصدمة الانهيار المفاجيء والسريع للاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي ،وان ايران اليوم القريبة من دخول نادي الدول النووية والتي تمتلك قوة صاروخية هائلة وهذا الجيش العرمرم والحرس الثوري والميليشيات والهيمنة على 4عواصم باموالها وشبابها! ووصولها الى البحر المتوسط على طريق إقامة امبراطورية فارس الحلم ؟! ايران التي مازلت تمسك بورقة الإرهاب والمنظمات الإرهابية وبالذات ورقة داعش وبما يهدد المصالح القومية الامريكية وامن وسلام العالم ! هي ليست،لا حجماً ولا تعداداً ولا مساحة كالعراق المحاصر انذاك والخارج من عدوان وحشي شاركت فيه قوات اكثر من 30 دولة ؟! كل هذا صحيح وهذا ما جعل ملالي طهران وقادة الحرس والباسيج المتطرفين من الاندفاع الى هذا المستوى من التحدي المباشر للولايات المتحدة ولكل من يقف بالضد من مخططها التوسعي! ولكن مازالت الولايات المتحدة الى اليوم هي القوة العظمى المنفردة دولياً وان الموقف من السياسة الإيرانية ورعاية الإرهاب لم يضعف بل سيفعّل بابعاد تيلرسون عن وزارة الخارجية وحل محله بومبيو المؤيد لمواقف ترمب !،ثم ان لإيران الملالي مشاكلها الداخلية المتفاقمة مع شعوبها المضطهدة المتوثبة في كل يوم للانتفاض والثورة ،إضافة الى وضع اقتصادي متردي بسبب الموازنة الكبيرة والمصروفات الباهضة على المجال العسكري والباليستي والنووي وتكاليف دعم الإرهاب والميليشيات والاذرع النائمة في دول الأخرى !فالفاقة الاقتصادية شبه المستديمة والمعاناة الشعبية جراء سياسة الاضطهاد الطائفي والعرقي وسياسة الافقار والتخلف ،فضلاً عن مشاكل النظام الخارجية حيث الرفض الدولي والإقليمي لسياسة التوسع ودعم ورعاية الإرهاب ،وحتى الغلبة المؤقتة لاتباعها في العواصم التي تتباهى بضمها سرعان ما تنتهي بزوال ظروفها فالعراق ،على سبيل المثال، لن يكون بدون محيطه العربي ،وان العرب وحماية لانظمتهم التي اهتزت وضعفت بالتفريط بالعراق وجعلتهم تحت رحمة الاعداء والطامعين بالنفط العربي ،سيدركون ذلك ! فها هي السعودية تتحرك بهذا الاتجاه حيث المساهمة بالاستثمار بمليار دولار وبقرض نصف مليار للاعمار في العراق وخطت باتجاه التصحيح بافتتاح قنصلية سعودية في البصرة ومكاتب للشركات السعودية الكبرى في بغداد ،وهذا ما اغاض طهران فتحركت لإقامة منطقة تجارة حرة على الحدود مع البصرة ؟! ثم ان هناك حقيقة قد تكون غائبة عن الملالي بسبب ما تحقق! وهي ان الولايات المتحدة والغرب والصهاينة وإسرائيل لن يطمئنوا لنظام يحمل اسم الإسلام وحكامه معممون ! مع معرفتهم بان حكام ايران حاقدون على الإسلام والعرب ،ولكن شكل ايران بعمامة قد خدم مصالحهم في هذه المرحلة حيث يجمعهم هدف تمزيق العرب وفق الخارطة الجديدة ! فواشنطن ومن معها يفكرون في المستقبل ولن يغفلوا عن مخاطر الجمهورية الإسلامية وتطرف ملالي طهران في احلامهم غير المقبولة .





الاحد ١ رجــب ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. سامي سعدون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة