شبكة ذي قار
عـاجـل










تنجح الحكومات بسبب اتخاذ التخطيط أساساً لعملها، وتنجح اكثر عندما تعرف كيف تعالج مشاكلها من خلال وضع خطط استباقية علاجية لكل مشكلة ولو كانت محتملة، والحكومات التي تعمل على بناء اوطان قوية لا تترك ثغرة او حتى احتمال ضعيف الا وتضع له خطة لتلافي مشاكل ربما تكون اكبر تؤثر بالاساس على شعوبها وامن شعوبها ورفاهيته.

من ناحية اخرى فإنّ الحكومات التي تحكم بلدان تركيبتها الاجتماعية الاساسية هي تركيبة عشائرية فإنها تعمل على احتواء هذه التركيبة ودمجها بالمجتمع المدني من ناحية، حتى لا يطغى العرف العشائري على المدنية والتحضر، ومن ناحية اخرى فإنها ( اي الحكومة ) تعمل على تعزيز القانون وسلطته حتى لا يصبح العرف العشائري هو سيد الموقف في النزاعات والخلافات والمشاكل، ومجتمعاتنا العربية اغلبها عشائرية، لذلك فإنّنا نجد أنّ حكومات تلك الدول تعزز من سلطة القانون دوما مع تقريب العشائر من المجتمع حتى يصبح المجتمع والعشيرة حالة واحدة مكونة للدولة، لا تسيطر إحداهما على الاخرى، والاثنتان مظلتهما القانون، وهذا ما كان حاصلا في العراق حتى نيسان 2003، وهو تاريخ تدمير العراق من قبل الاحتلال ومن اتى معه من مرتزقة ولصوص وقتلة، ومن دعمه من حاقدين واعداء للعراق وشعبه وقيادته.

فبعد هذا التاريخ ونتيجة لحلّ ( كل ) اجهزة الدولة العسكرية والامنية والاستخبارية، والمدنية التشريعية منها والتنفيذية، غاب القانون وسلطته تماما عن الشارع وعن المجتمع العراقي، كما غابت هيبة الدولة، فأصبح المواطن مذعورا بسبب انتشار قوات الاحتلال والمرتزقة القادمين معهم ومع بدأ عمليات السطو والاختطاف المتعمدة، والموجهة قصدا من قوات الاحتلال والداعمين لها، فكان لا خيار له سوى الإلتجاء لعشيرته، وهذا حال كل المواطنين، فبعد ان كانت الدولة وقانونها هي المظلة اصبحت العشيرة هي الملاذ في ظل غياب القانون، ومن هذه الثغرة وجد المخربون ( الاحتلال، والممولين له، والداعمين له من أعداء العراق وشعبه من الحاقدين ) فرصة جديدة لتخريب المجتمع المدني المتامسك فبدأوا بإغراء العشائر بشراء السلاح، بل إنّهم زودوهم بالسلاح احيانا دون مقابل تحت عناوين طائفية وعنصرية لكي يجنوا من هذه الثغرة أمرين :

أولهما : ضمان بقاء النزاع الطائفي ضمن العراق الى ما لا نهاية، حيث ان تزويدهم بالسلاح يعني استمرار النزاع بينهم، ونوع من سباق تسلح محلي تتحكم به الاطراف التي تريد تأجيج النزاعات، سواء كانت طائفية او عنصرية او اثنية وفي اي وقت تريد.

ثانيهما : اضعاف سلطة القانون الغائب عمدا او قسرا، حيث ان تقوية العشائر يعني انها وافرادها لن يكونوا محتاجين لسلطة الدولة او قانونها في حلّ مشاكلهم ونزاعاتهم، وان وجود السلاح معهم هو بحد ذاته قانون وسلطة يجعل الجميع يهابهم.

وهذا ما يحدث اليوم تماما على ارض العراق، فمحافظة البصرة مثلا، وباعتراف حكومتها المحلية، تعاني من نزاعات عشائرية تصل الى حد الاقتتال بالاسلحة المتوسطة ( والسؤال هنا من اين اتت تلك الاسلحة لهذه العشائر؟ ) أوليس الدولة قد فرضت سطوتها القانونية على ( كل شبر من ارض العراق ) كما تدعي؟! ولماذا لا تستطيع الدولة ان تتدخل امنيا لفرض هيبتها على تلك المناطق التي تتنازع فيها العشائر؟! أوليست الاحزاب المتأسلمة الحاكمة تتبجح يوميا بتصريحات لم يصرح بها ادولف هتلر نفسه عندما كان يحتل كل اوربا ؟

وللايضاح فقط فإنّ الاسلحة المتوسطة الحجم، تستخدم عالميا وحسب العرف العسكري والأمني، من قبل قوات مكافحة الارهاب وقوات حفظ النظام، واحيانا تستخدمها بعض صنوف القوات المسلحة في المعارك متوسطة الشدة، وهي اسلحة تكون مقذوفاتها اكبر نسبيا من مقذوفات الرشاش الآلي والمسدس، وتأثيرها مميت بنسب اعلى من الاسلحة الخفيفة، فمن اين حصلت عليها العشائر وكيف اشترتها ولماذا تستخدمها اذا كانت الدولة قد فرضت السيطرة تماما على العراق ؟.

في تقرير اوردته بعثة الامم المتحدة الخاصة بالعراق فإنّ عام 2017 شهد وحده مقتل 117 شخصا في محافظة البصرة فقط، واعداد اخرى مقاربة في كل من محافظة ميسان وذي قار والمثنى كل على حدة، وإن النزاعات التي حصلت كانت لها تأثيرات اخرى، منها تلف في المال العام و الخاص و تعطيل الدوام الرسمي في مناطق النزاع لعدة ايام، وتهجير العديد من العوائل المنتمية للعشيرتين المتنازعتين.

هذا بالاضافة إلى سيطرة العشائر القوية ( بسلاحها ) على المنافذ الحدودية الدولية في تلك المحافظات، وايضا سيطرتها على دوائر الكمارك وفرضها اتاوات وضرائب على اصحاب الشاحنات الذين يعبرون تلك المنافذ، سواء المغادرين للعراق او الداخلين اليه، ومع كل ما سلف، فإنّ الشرطة المحلية وأيّة سلطة امنية اخرى لا تستطيع ان تتدخل، لانها ببساطة ستعادي تلك العشائر وبالتالي سيكون افرادها وضباطها هدفا لهم، ولأن الاجهزة الامنية ضعيفة امام سطوة تلك العشائر وسلاحها ( المتوسط ) !!

وهذا كله ان دل على شئ فإنّما يدل على ان الحكومة ضعيفة، او انها في افضل احوالها تتعمد اضعاف العراق واظهاره بمظهر المشتت المفكك، وانها لا ترغب بأن يكون للقانون سطوة وهيبة حتى تجمع كل مكونات الشعب من كل عشائره في مجتمع واحد تحت مظلة دولة قوية حكيمة تخاف على وطنها وشعبها، ليبقى العراقيون يقتلون بعضهم ويبقى السراق يتنعمون بخيرات العراق واموال شعبه.

يتبـــــــــــع ...

لجنة الثقافة والإعلام
هيئة طلبة وشباب العراق / تنظيمات الخارج





الاحد ١٧ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحفاد حمورابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة