شبكة ذي قار
عـاجـل










بدايةً تحية كبيرة لدكتور الواثق كمير لطرحه هذه الورقة، والتي اعتبرها قفزة نوعية لأحد الذين اعتمدوا الكفاح المسلح كخيار لفترة طويلة فى حياتهم، وكان له، ومازال، مساهمات متميزة. وأهم مافى الورقة إنها تجاوزت الشخصي إلى ما هو فكري وسياسي وموضوعي.

بدايةً، أنا من أنصار النضال المدني السلمي، ولدي موقف مسبب من نجاعة الكفاح المسلح في السودان.

الكفاح المسلح كصيغة نضالية معروفة تاريخياً، ولديها نجاحات ضخمة في الكثير من المحطات النضالية للشعوب في مختلف بقاع العالم، ولكن برأيي ليس هنالك مشروعية مطلقة لصيغة نضالية معينة، إنما مشروعيتها تكمن في نجاعتها وقدرتها ضمن ظروفها على تحقيق الأهداف المنشودة.

فالبلدان التي تعرضت للظاهرة الاستعمارية والاحتلال، يستمد الكفاح المسلح مشروعيته النضالية المعبرة عن إرادة الشعب وتطلعاته واستعداده العالي في مواجهة الاستعمار والإحتلال وحتى التحرير الشامل، بينما النضال السلمي المدني هو طريق التصدي الأجدى في حل قضايا النضال الوطني لتعزيز الممارسة الديمقراطية والحلول السلمية للخلافات وتداول السلطة سلمياً.

ولذلك ألخص عدم قناعتي بالكفاح المسلح كوسيلة في حلحلة الأزمة الوطنية السودانية في :

1. تاريخياً لم يحدث الكفاح المسلح أي اختراق حاسم في الانتصار على أي نظام في السودان، بل دائماً ما ينتهي به الأمر إلى تسويات فوقية، خاصة في ظل الأنظمة الديكتاتورية، والتي لاتقبل - بحكم طبيعتها - المساس بجوهر سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.

2. الكفاح المسلح بحكم طبيعته يحتاج إلى ظهير إقليمي ودولي، مما يؤثر على استقلالية قراره، والذي يكون عرضة للتحولات الإقليمية والدولية على مستوى المصالح والأجندة، وقد تبدى ذلك في :

أ) موقف الحركة الشعبية من انتفاضة مارس / أبريل واستمرارها في التصعيد العسكري والتصعيد المضاد الذى مارسته الجبهة الإسلامية وعجز الصادق المهدي، مما أدى إلى تمهيد الطريق للجبهة الإسلامية بقيادة الترابي، لتقويض الديمقراطية.

ب) إتفاقية نيفاشا الكارثة والتي أدت الى فصل الجنوب، وللمصادفة كانت الاتفاقية بين نفس طرفي التصعيد الذي أدى إلى تقويض الديمقراطية الثالثة.

3. الكفاح المسلح ينتج ثقافة بديلة لثقافة العمل السياسي وكنتيجة لذلك نجد :

أ) ضعف الأداء السياسي.

ب) الفشل في إنتاج منظومة سياسية مؤسسة، حيث تتركز السلطة والقرار وبالتالى المؤسسة كلها في شخص واحد ( نظرة لكل الحركات المسلحة ).

ج) ظروف الميدان هي التي تصنع الخط السياسي، والتي ربما تنتج خطاً سياسياً مغايراً للشعارات المطروحة.

د) غياب أي هامش للخلاف بصيغته المدنية والذي يتم حسمه عبر الرؤية والقرار العسكري.

ه) انتشار الثقافة العسكرية يؤدي في المستقبل إلى أن تعبر المعارضة عن نفسها بصيغة عسكرية ( جنوب السودان نموذجاً ).

4. الوضع الإجتماعى :

السودان لم تكتمل فيه ملامح المواطنة لأنه اجتماعياً مازال يرزح في مرحلة ما قبل الوطنية، وهي المرحلة القبلية والجهوية والعشائرية وتفشي ثقافة وقيم هذه المرحلة.

العمل المسلح يستخدم هذه المفردات المتخلفة في التجييش والتعبئة ( مفردات القبيلة والعشيرة والمنطقة )، وكذلك السلطة، بالمقابل، مما يؤدي إلى تسييس هذه المنظومات الاجتماعية، ويجعلها في مقابل بعضها البعض تحت شعارات مثل تحرير ( الشعوب ) السودانية، مما يؤدي بدوره إلى شروخ خطيرة في النسيج الاجتماعي للبلاد، وبالتالي يتم إفراغ الكفاح المسلح من أي بعد تقدمي ليتحول إلى حالة يمينية متخلفة تستثمر في القبيلة وفي العشيرة والمنطقة، بينما هي التي يجب أن تستهدف بأي فعل نضالي تجاوزها.

ومن هنا ينتج سؤال: هل الوضع الاجتماعي في السودان يتحمل الكفاح المسلح؟

5. الكفاح المسلح في السودان لم ينتج أي تقدم على المستوى الإنساني والتعليمي في المناطق التى يتواجد بها، بل العكس، فقد كانت تداعياته الإنسانية والاجتماعية فوق التصور على الذين باسمهم تم رفع السلاح.

والنتيجة الكبيرة والنهائية للكفاح المسلح في السودان، هي التباحث حول كيفية إيصال الإغاثة والمعونات الإنسانية لإنسان تقزمت طموحاته من البحث عن دولة العدالة والقانون والمساواة، للتباحث باسمه حول الإغاثة والمعونات الإنسانية ليستمر على قيد الحياة.





الاربعاء ٢٨ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / شبــاط / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أحمد بابكر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة