شبكة ذي قار
عـاجـل










في العقود الثلاث المنصرمة تطورت نظرية الأوتار بشكل متسارع على يد نخبة من علماء الفيزياء الغربيين، حيث حققت أفكارهم العلمية خطوات مذهلة وخطيرة سواء الجمع بين النظريتين المتنافرتين: النظرية النسبية والنظرية الكمومية، أو في تفسيرهم الشمولي الجامع لقوى الكون الأربعة: القوى الجاذبية، القوى الكهرومغناطيسية، القوى النووية الشديدة، القوى النووية الضعيفة. بيد أن هذه النظرية بالقدر الذي قدمت فيه طرحاً فيزيائياً جديداً للطبيعة وللكون، بالقدر الذي إلتفت حول نفسها بخيال علمي هندسي يقوم على فرض الرياضيات في فهم الوجود بأسره.

وفي الوقت الذي غالى فيه أتباع هذه النظرية في مواقفهم ومبادئهم التي تنتظر البرهنة على فرضياتهم وتنبؤاتهم العلمية، فإن البعض الآخر قد دحض مفاهيم نظرية الأوتار جملةً وتفصيلاً. وفي هذه الصدد الذي نستعرض فيه مسار تطور نظرية الأوتار، فإننا سنركز في قرائتنا على الجانب الفلسفي في إستنباط النتائج العقلية تجاه نظرية علمية مادية تنفي وجود الله الخالق من جهة، وتزعم إنها "نظرية كل شيء" من جهة أخرى.

نظرة عامة
في 1968 كان الفيزياوي الإيطالي جبريل فينيزيانو ( 1942- ) منشغلاً في البحث عن بعض المعادلات الرياضية التي تصف القوى النووية الشديدة التي تحافظ على تماسك نواة الذرة، وفي مكتبته عثر على كتاب يعود إلى عالم الرياضيات السويسري ليونارد يولر ( 1707-1783 ) ، حيث ساعده على كشف السلسلة التي يمكن أن تصف التفاعل الحاصل بين الجسيمات المتفاعلة بقوة؛ وأستغرب كيف أن هذه المعادلة الرياضية التي تصف تلك القوى وصفاً فعلياً أن تكون مهملة كونها مجرد فضول رياضي. كما وأن هذا الإكتشاف الذي إقترن بأسمه كان الخطوة التمهيدية لتأسيس نظرية الأوتار، رغم أنها في ذلك الوقت لم تظهر بالشكل الذي يمكن أن تؤدي إلى نظرية جديدة في الجاذبية الكمومية.

إلا أن الفيزياوي الأمريكي ليونارد سسكيند ( 1940- ) إكتشف إن معادلة يولر لا تقتصر على وصف الجسيمات فقط، فالرموز الرياضية تصف أكثر من شيء، منها إنها تقدم متحولات تصف إهتزازات، وتصف خيوطاً؛ فقام بدراستها بعناية وجدية، فوجد إنها عملياً تصف خيوطاً مهتزة مثل الخيوط المطاطية حرة الطرفين. علاوة على أن هذه الخيوط بالإضافة إلى صفتها في التمدد والتقلص فهي تهتز بشكل دائري أيضاً. وحاول سسكيند أن ينشر بحثه، فتم رفضه بدعوى عدم أهميته علمياً.

وطيلة السبيعينات إنزوت النظرية وعلمائها في الظل المهمل، رغم أن جون هنري شوارتز ( 1941- ) ، بدأ بوضع تعديلات مهمة للنظرية مع الجاذبية، وإفتراض أن حجم تلك الأوتار أصغر بمئة مليار مليار مرة من الذرة. بعد أن كانت النظرية تعاني من مشكلات عويصة، منها: تنبأها بوجود جسيمات عديمة الكتلة تستطيع أن تنطلق بسرعة أكثر من سرعة الضوء، مما يجعلها في تضاد مع النظرية النسبية. وكانت النظرية أيضاً تتنبأ بجسيمات عديمة الكتلة تماماً، فهي لا مرئية، ولا يمكن التحقق من وجودها كونها منطوية على ذواتها. فضلاً عن إحتياج النظرية إلى عشرة أبعاد بدلاً من الأبعاد المكانية التقليدية: الطول والعرض والإرتفاع، مع البُعد الرابع الزمني. ناهيك بأن نتائج النظرية الرياضية متضاربة مع بعضها البعض، حيث تعطي أرقاماً تتناقض مع معادلاتها.

ورغم أن شوارتز أستطاع أن يحل المعضلة التي تعرض لها زميله ومواطنه الأمريكي ستيفن وينبرج ( 1933- ) في "النموذج القياسي" الذي يفتقد لوصف الجاذبية على المستوى الكمي، إلا أن النظرية أستمرت بالظل ولم تحظ بإهتمام العلماء. ومع ذلك فقد واظب شوارتز بالتعاون مع الفيزياوي البريطاني مايكل كرين ( 1946- ) ، إذ بعد سنوات عديدة تمكنى من التوصل إلى حل المشاكل الرياضية في النظرية، لا سيما في 1984 عندما توصلى إلى إلغاء فكرة الخروج عن القياس في نموذج نظرية الأوتار الأولى؛ وهذه الرؤية سميت: "آلية كرين- شوارتز"، حيث كانت منطلق ثورة "نظرية الأوتار الفائقة". وأخذت النظرية بوصف القوى الأربعة المسيطرة على هذا الوجود الطبيعي والكوني.

كما ونصت النظرية على أن الأوتار الدقيقة لها القابلية في التمدد إلى غشاء هائل عظيم بحجم الكون متعدد الأبعاد؛ أي أن الكون ليس أكثر من غشاء واحد ضمن فضاء أوسع متعدد الأبعاد. مثل القطعة الواحدة التي يمكن تقسيمها إلى أجزاء، فالكون ما هو إلا قطعة واحدة، وعليه هنالك أكوان أخرى متعددة قد تكون مشابهة لهذا الكون أو لها قوانينها الفيزائية الخاصة فيها. وأدى هذا الإكتشاف إلى تهافت العلماء على هذه النظرية بنحو كبير، حيث أوصلوا الأبعاد إلى 26 بُعداً، ثم تقلصت إلى 10 أبعاد. ولقد تم تسميتها: "نظرية الكل"، فهي حسب زعمهم قد وصفت كل شيء؛ وأيضاً يسمونها إختصاراً بالإنكليزية :

. ( M-Theory (
إن أهمية النظرية يكمن في إستيعابها على توحيد القوى والجسيمات التي تتكون منها الذرات الناشئة أصلاً من "الكواركات" التي هي أصغر من مكونات الذرات: بروتونات، نيوترونات، ألكترونات. حيث تعتقد هذه النظرية أن تلك الكواركات هي مادة على شكل أوتار أو خيوط في منتهى الصغر من الطاقة تهتز بعدة إتجاهات ونواحي، وفي كل إهتزاز معين لها يعطي الجسيم خصائص مختلفة. إذ قد يشكل الإهتزاز جزيئاً مكوناً لذرات المادة أو الشحنة أو الطاقة أو الجاذبية. فالكون كله عبارة عن أوتار تعزف موسيقى متناسقة.

وهكذا صارت نظرية الأوتار أو النظرية الخيطية عبارة عن مجموعة أفكار فيزيائية تستند على معادلات رياضية معقدة في فهم التركيب الكوني، وإن القاسم المشترك لتلك الأفكار من العلماء تنص على أن المادة مكونة من أوتار ذات حلقات من الطاقات مفتوحة وأخرى مغلقة، ويبلغ صغرها أن لا سُّمكَ لها، فهي ذي بُعد طولي واحد، مثل الخط. وأن هذه الأوتار هي أساس العناصر الدقيقة في مكونات الذرات.

ومن مفاهيم هذه النظرية أن العالم أو الكون ليس وحيداً في وجوده، وإنما هنالك عوالم وأكوان أخرى عديدة موجودة، وإنها متصلة ومتداخلة مع بعضها البعض. وبذا فإن الحيز الواحد في العالم أو الكون قد يكون مشغولاً أيضاً بأكثر من جسم عبر عوالم وأكوان مختلفة. ومن الممكن معرفة كل شيء من خلال معرفة تلك الأوتار التي يتشكل منها الوجود بأسره. فكما نعرف أوتار العود أو الكمان ونغماتها المختلفة، فإن الكون يعمل وفق أوتاره النغمية التي علينا معرفتها ليس إلا.

بعبارة أخرى، أن الذرات في المادة إنطلاقاً من العالم الطبيعي وأجساد كائناته الحية وصولاً إلى الكواكب والنجوم المتناثرة في الكون الفسيح، تتكون من أوتار دقيقة مهتزة، وبمقدرونا معرفة العالم والكون من خلال معرفة الأوتار ونغماتها، تلك الأوتار التي تراها النظرية رغم إنها عائمة حرة في الفضاء، لكنها تحت توتر أو ضغط تفسره عبر معادلة رياضية تصل فيها إلى أن مربع طول الوتر عبارة عن مقدار صغير جداً يصل إلى 10^-13 سم؛ أي أصغر بمئة مليار مليار مرة من نواة الذرة. وأن الأوتار على نوعين : مغلق ومفتوح، الأول يمكن أن يتحول إلى مفتوح. الثاني لا يمكن أن يتحول إلى مغلق.

كما وأن نظرية الأوتار جعلت من فكرة ألبرت آنشتين ( 1879-1955 ) : الإنتقال عبر الزمن، أو الإنتقال بين مكانيين ذات بُعد شاسع في لحظات قصيرة، مسألة ليست مستحيلة. وذلك بتجاوز المفهوم الأفقي المسطح للمكان الطبيعي أو الكوني، وأن نتصور المكان يحتوي على طيات عمودية. وبذلك تكون فكرة الإنتقال بين المسافات الزمنية أو المكانية البعيدة بشكل علّوي وليس سطحي، وذلك من خلال ثقوب دودية، وهي ممرات دودية داخل الثقوب السوداء؛ رغم أن هذه الفكرة ما زالت ضمن خيالات الرياضيات.

نظرة نقدية
إن نظرية الأوتار تنفي ما توصل إليه العلم بأن محتوايات الكون عبارة عن جسيمات أولية داخل تراكيب الذرات، وتنص على أن أوتاراً أو خيوطاً دقيقة تتحرك وفق ذبذبة مهتزة للأمام وللوراء، فالأوتار هي مقومات مجهرية فائقة الصغر تتكون منها الجسيمات الدقيقة التي منها تنشأ الذرات في كل شي موجود حياً أو جماداً. بيد أن هذه الجواهر الوترية أو النقط الصغيرة لا يمكن مشاهدتها قط. ويزعم أصحاب النظرية أن أدوات القياس الحالية لم تصل بعد في تقنياتها إلى المستوى الذي تستطيع فيه أن تتحسس تلك الجواهر الوترية. وهذا يعني علينا أن نسلم بالطرح الرياضي بجعل طول الوتر المجهري أصغر بمئة مليار مليار مرة عن نواة الذرة، لحين أن نطور تقنية القياس، وهكذا طرح يفرض نفسه علر أُسس رياضية خيالية لا يمكن التسليم به، إذ أن الفرض العلمي دون البرهنة والإثبات يبقى مجرد فرضاً نظرياً لا قيمة عملية له.

أما جعل الأوتار أن تكون مضمومة عنوة مع الكواركات، بغية أن تكون هي الوصف الوحيد للقوة التي تمسك بالكواركات معاً، فهذا تخريج نظري ضمن دائرة النظرية في مجال الكم، حيث تحتاج إلى إثبات وبرهنة عينية لهذا الإلتصاق الجامع فيما بينهما. فالوتر، حسب مفهون النظرية، هو الأصل في بنية الدقائق من عناصر ألكترونات وبروتونات ونيترونات وكواركات، وبذا من المحتمل أن يكون عبارة عن خط دائري مغلق أو يكون مفتوحاً بطرفين. القوى الثلاث: الجاذبية، النووية القوية، النووية الضعيفة، يكون الوتر مفتوحاً في "طرفين ملتصقين" بغشاء الكون، أما قوة الجاذبية فالوتر عبارة عن خيط دائري ليس له طرف ليرتبط بهذا الكون، وإنما له الحرية بحركة الدخول والخروج من هذا الكون. كما في المغناطيس والمسمار مثالاً. ومع ذلك لم يستطيع علماء هذه النظرية أن يقدّموا أي إثبات عملي على هذا التنظير، لأن الأوتار تبقى خارج نطاق المشاهدة.

إن نظرية الأوتار تدعي بأنها تقدم فهماً لجميع الأحداث التي جرت عند نشوء الكون ووقوع "الإنفجار العظيم"، حيث يعتقد الفيزياوي البريطاني ستيفن هوكنيغ ( 1941- ) إن الحرارة الهائلة للإنفجار العظيم تؤدي إلى إنعدام الفوارق بين الزمن والفضاء، ويُصبح الزمن بُعداً فضائياً. إلا أن هوكينغ يعتمد في رؤيته الفيزيائية على الأعداد التخيلية في تطبيقه لمفهوم الزمن "المتفضأ". إن الإلتجاء إلى الأعداد التخيلية تسير ضمن السمة العامة لنظرية الأوتار التي تقوم على الفرض الرياضي والهندسة العلمية الخيالية، أي هي تنفع أفلام هوليود في الخيال العلمي أكثر من الواقع الحقيقي. إذ أن الأعداد التخيلية لا تقود بالضرورة إلى اليقين العيني، بل تبقى ضرباً تصورياً من الخيال المحض.

أما براين غرين ( 1963- ) فيذهب بخياله العلمي إلى أبعد من هوكينغ، حيث يشير إلى أن في ومضات زمنية قصيرة جداً، نحو واحد إلى عشرة ملايين الترليونات، الترليونات، الترليونات من الثانية؛ ومسافة قصيرة جداً، نحو واحد من مليار ترليون، ترليون من السنتميتر، تشوه إضطرابات آلية الكم والفضاء والزمن إلى حد أن المفهوم التقليدي للإتجاهات: اليمين واليسار، الأمام والوراء، الأعلى والأسفل، القبل والبعد، يصبح لا معنى له. والهدف الذي يبغيه غرين هو حصر صورة الخلق الذاتي للمادة في وهلتها الأولى، ولو بطريقة رياضية خيالية لا واقع حقيقي لها.

إن نظرية الأوتار عبر مراحل تطورها قد توزعت في نظريات وترية عديدة، منها "البوزونية" التي تحدد 26 بُعداً، وإن الوتر عبارة عن جسيمات تنقل القوة فقط، سواء كان وتراً مفتوحاً أو مغلقاً. لكن المشلكة في هذه النظرية، إنها تعتبر الوتر عبارة عن جسيم أطلقت علية أسم "تاكيون" أي الجسيم التكويني، وهو ذو كتلة إفتراضية تخيلية سرعته تفوق سرعة الضوء. وإنتهت هذه النظرية إلى طريق مسدود بعد أن أدرك وآضعوها إن مجالات الكتلة الإفراضية لا تنتج في الواقع جسيمات أسرع من الضوء.

أما بقية النظريات الوترية فإنها تتفق على وجود 10 أبعاد، 4 تقليدية معروفة، و6 يفترض أن تكون خفية غير منظورة؛ لكنها تتفاوت مع بعضها البعض في وصف "التناظر الفائق" للوتر. لذلك يعترف جون شوارتز بوجود صعوبات جمة تواجه تلك النظريات الوترية، نذكر منها ما يلي :

1- إفتراض جسيم بلا كتلة بواسطة معادلات رياضية إلزامية، والمفروض أن تكون عبر مجموعة الجسيمات الخاضعة للتجرية والمشاهدة في العمليت النووية المعتادة.

2- إن الأبعاد الإضافية للنظرية فيها خطورة في مجال توصيف الجسيمات النووية، حيث أن الوضع العلمي والعملي لا يحتمل مزيداً من الأبعاد.

3- هناك مشكلة عويصة في محاولة فهم النظرية، إذ كل فريق يدعي عنده الحل الأفضل، بينما لا يوجد معياراً رياضياً واحداً لإختيار مَنْ عنده الحل الأفضل.

4- لا يمكن إخضاع النظرية بصورة عملية في دائرة المختبر، بسبب الحيز المتناهي الصغر الذي تفرضه النظرية.

نظرة عقلية
إن العلماء والمفكرين الماديين الذين يؤمنون بوجود المادة من الأزل وإلى الأبد، ويطرحون تصوراتهم وأفكارهم وفق مراحلهم الزمنية ومُعطياتها؛ إلا أنهم، وعبر التاريخ، لم يثبتوا قط بالمشاهدة والتجرية على أن المادة قائمة بذاتها، ومنها حدث الخلق والتطور. فكل ما يقدمه أولئك الماديون ليس أكثر من إفتراضات نظرية تحتاج إلى البرهنة والإثبات، ويمضي الزمن وتبقى فرضياتهم حبيسة الأفكار الخيالية. وبما أن موضوعنا عن نظرية الأوتار، لذا تجد الوتريون من فينيزيانو إلى براين غرين يرومون إلى إثبات النظرية علمياً لتكون حصناً لماديتهم التي تنفي وجود خالق أول للمادة. علِماً إنه لا يوجد أي مانع علمي أن نفترض وجود الخالق مثلما نفترض وجود ألمادة ألخالقة.

نقول إن وجود الخلق يوجب وجود الخالق القادر على خلق الوجود، وإن وجود الله والمادة يوجب وجود أحدهما بالأولوية، وإذا ثبت لأحدهما الأولوية، يجب أن يكون الآخر مخلوقاً له. ومن العقل والمنطق أن نسلم بوجود كائن حي خالق، أفضل من التسليم بمادة ميتة خلقت الحياة والوعي والنظام الصارم في الطبيعة والكون، وإذا كان ذلك كذلك فإن الله هو الأول وإن المادة والروح وكل شيء موجود مخلوقاً له. أما السؤال : إن المادة مرئية ومحسوسة، بينما الله لا مرئي ولا محسوس، فإن الجواب يتعلق بالمادة نفسها، فكل ما يتم إثباته علمياً في دقائق الذرة من ألكترونات ونيترونات وبروتونات وكواركات لم نراها بالعين المجردة، ولكن نتائجها في المختبرات العملية تثبت على وجودها، وبما أنها موجودة ولا مرئية، فهي إثبات إلى وجود الله اللامرئي.

إن هوكينغ وغيره من أقطاب نظرية الأوتار عندما يستندون في تصوراتهم على الجانب الخيالي فيزيائياً ورياضياً، فذلك ناتج عن ضعفهم في مواجهة الدقة الشديدة في الأنظمة والقوانين السائدة في الوجود الطبيعي والكوني، مما يدل على وجود خالق عظيم القدرة وجليل الحكمة، وإن لهذا الخلق رعاية وعناية إلهية. أما مفاهيمهم العلمية عن "الوتر"، فيكفي تفاوتهم مع بعضهم الآخر في الفهم الأفضل للنظرية، وعدم إمكانية خضوعها لحقل التجربة والإختبار، كما أشار صاحبهم شوارتز.

عندما يعتقد براين غرين أن العالم مقبل على ثورة كبرى، ستكشف النقاب عن الطبيعة الجوهرية للزمن والفضاء، وما سيترتب من صيغ جديدة لقانون طبيعي جديد، يدفع بالعلماء إلى التخلي عن المفاهيم التقليدية عن الفضاء–الزمن، نحو عالم مجرد من الفضاء والزمن. فهذا الموقف فيه مبالغة شديدة، ومكابرة لصالح النظرية. خصوصاً وأن الأمر كله يتعلق بالإحتكام إلى الرياضيات التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية ودون قصد، كما حدث لكثير من النظريات. كما وأن العلم الخالي من الإيمان، يدفع بصاحبه لهكذا مبالغة طائشة.

إن نظرية الأوتار التي إستطاعت أن تكون حلقة الوصل بين النظريتين النسبية والكمومية، لكن إستطاعتها هذه، قائمة على الإفتراضات الوهمية الهادفة إلى الإقرار بالبناء الذاتي للمادة. ومن هنا تأتي النواقص والإحتياجات التي تعانيها النظرية، فهي تفرض الأوتار الفائقة الصغر، وتزعم أن تقنية أجهزة القياس الحالية بالية لا يمكنها رصد الأوتار. وهذا هروب من التسليم بأن ما يفرضونه خيالي لا واقع له. وإذا كانت المراهنة على المستقبل في تقنية متطورة ترصد الأوتار وآثارها في قاعات المختبرات، فهذا أيضاً هروب عن مواجهة الحقيقة، لأن الفرض الوهمي الذي يعتمد على الزمن المستقبلي في إثباته، يعني أن فيه خللاً. وبدلاً من المناورة في الكلام، علينا أن نسلم بأن المادة لا يمكن أن تكون قائمة بذاتها، وإلا ما كانت هنالك كمّاً هائلاً من الإفتراضات المادية التي عفى عنها الزمن ولم تحقق شيئاً يذكر. وإذا كان بالأمس القريب، الحديث عن إحتفاظ المادة بطاقتها الذاتية، فإن نظرية "الصفر المطلق" أثبتت فشل هذا الإدعاء. وإن نظرية الصدفة والإحتمال في الخلق المادي أصبحت من الماضي، بعد أن أثبت علماء الرياضات إستحالة هذا الفرض. واليوم تأتينا نظرية الأوتار لتثبت بطريقة خيالية إن المادة ذات بناء ذاتي موسيقي.

وبذا فإن التسليم بوجود الله الخالق يُسهل علينا عملية التفكير في فهم الوجود الطبيعي والكوني، فالنظام لا يأتي من لا نظام، والحياة لا تأتي من ميت. وعليه فإن أي إفتراض في فهم أي عملية مادية في نظرية الأوتار أو غيرها، يجب أن لا تنحصر في المادة نفسها فقط، بل بالتسليم أولاً في وجود الله الخالق للمادة والحياة والروح.

 





الثلاثاء ٢٠ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة