شبكة ذي قار
عـاجـل










كمبدأ عام فان مفهوم عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى هو من المبادئ الأساسية العامة في القانون الدولي, والتي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادة 2 / فقرة 7 منه, وكذلك نصت عليها المادة 8 من ميثاق جامعة الدول العربية كونها منظمة دولية أيضاً ولكنها إقليمية.

والتدخل المقصود في ضوء أحكام المادتين أعلاه, هو تعرض دولة أو منظمة دولية لشؤون خاصة بدولة أخرى سواء أكان ذلك مباشراً بأستعمال القوة أو غير مباشر بالسماح أو تمويل ودعم النشاطات المسلحة والأرهابية لتغيير نظام الحكم فيها.

وبالتالي فهو يؤدي الى تقييد حريتها والأعتداء على سيادتها وأستقلاها السياسي, وهو أمر يتنافى بالمطلق مع قواعد القانون الدولي.

إذن الأصل في المبدأ هو عدم جواز التدخل, إلا أن الفقه الدولي يورد لنا بعض الإستثناءات على هذا المبدأ, ليسمح لهذه الدولة أو تلك أو للمجتمع الدولي بشكل عام بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى, وذلك في حالات معينة منها :

1- التدخل الدولي طبقاً لميثاق منظمة الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين؛
2- التدخل الأنساني لحماية حقوق الأنسان وتحقيق الحماية الأنسانية؛
3- التدخل دفاعاً عن حقوق الدولة بأستعمال حقها في الدفاع الشرعي؛
4- والتدخل بناءاً على طلب, إستجابة لطلب من حكومة شرعية.

كما أن الدولة وطبقاً "لمبدأ الأختصاص المحفوظ" يكون من حقها أن تمارس كافة سلطاتها القانونية ومنها إتخاذ القرارات السياسية المهمة وغيرها لحفظ أمن الدولة وسيادتها, ومن هذه القرارات طلب التدخل من دولة أخرى لمساعدتها في القضاء على كل مايهدد شرعية نظامها السياسي من نزاعات أهلية أو جماعات إرهابية مدعومة من خارج الدولة وغيرها.

والتدخل بناءاً على طلب الحكومة الشرعية, هو في الواقع مايهمنا في هذا المقام , خاصة بعد أحداث عملية "عاصفة الحزم" في اليمن التي جائت إستجابة لطلب الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية ( عبد ربه منصور هادي ) في تأريخ 7/مارس من المملكة العربية السعودية, لحماية سيادة وأمن اليمن من تهديد التنظيمات الأرهابية التي تعرضت لها اليمن في الداخل من قبل مايسمى بالميليشيات الحوثية المدعومة عسكرياً من إيران.

فضلاً عن ذلك, فتدخل المملكة العربية السعودية في اليمن حظي بإجماع دولي وعربي كبير, إذ أيدت ذلك كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وحتى باكستان, وتشارك المملكة في عملية "عاصفة الحزم" كل من البحرين, قطر, الكويت, الأمارات, الأردن, المغرب, مصر والسودان. كما أن أعمال القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ, جائت مترجمة لهذا التأييد والدعم لعملية "عاصفة الحزم" في اليمن.

كذلك الحال بالنسبة للأمم المتحدة التي أكدت في بيانها الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 22/ مارس, على شرعية الرئيس اليمني ( عبد ربه منصور هادي ), وعلى عدم المساس بوحدة وسيادة واستقلال اليمن، وضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان فيها. ومن الواضح, أن مجلس الأمن الدولي الذي يمثل الشرعية الدولية قد استنكر ما قامت به الميليشيات الحوثية المسلحة وأكد على شرعية الرئيس اليمني ومسؤوليته في الحفاظ على السيادة وأمن الدولة في اليمن.

إذن تدخل المملكة والدول العربية المشاركة معها في عملية "عاصفة الحزم" هو تدخل مشروع, ولايثير أي جدل على الإطلاق حول موقعه من أحكام وقواعد القانون الدولي العام.

وبطبيعة الحال, فالأمم المتحدة وكمبدأ عام، تمنع اللجوء من استعمال القوة في العلاقات بين الدول, وهذا مانصت عليه المادة 2/ فقرة 4 من الميثاق ( امتناع الدول جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يخدم مقاصد الأمم المتحدة ).

لكن هذا المنع في حد ذاته ليس مطلقا, والأستثناء الوارد عليه في حكم الميثاق ذاته, يتمثل بسلطات مجلس الأمن التقديرية في إتخاذ التدابير العسكرية طبقاً للفصل السابع من الميثاق والتي تتعلق بحالات تهديد السلم والأمن الدوليين وحالة العدوان.

يبقى التساؤل الذي قد يثار حول مدى شرعية عملية "عاصفة الحزم" من عدم شرعيتها ؟ ونجيب عن ذلك بالقول: أن من يبحث في هذه المسألة, سيجد في التدخل الأيراني غير المشروع ( خير مثال على ذلك ) في الدول العربية عموما وفي العراق بشكل خاص. والذي لايستند لأية معايير قانونية أو عرفية لقواعد القانون الدولي, منذ سقوط الملكية في إيران عام 1979 ولحد الآن.

والتدخل الأيراني يقوم على أساس عرقي مذهبي, وذلك لتغيير الهوية العربية ليس في العراق والخليج العربي فحسب, بل أمتد تأثيره الى دول المغرب العربي كذلك.

فضلاً عن ذلك, فالأعتداءات والتجاوزات الأيرانية على الدول العربية باتت واضحة ومكشوفة للعيان, ويمكن إيجازها بمايلي :

1- تدخلها في المملكة العربية السعودية, إذ أعدت خطتها الخمسينية منذ عام 1979م, لسيطرتها الطائفية على بلاد الحرمين الشريفين, وذلك من خلال محاولاتها المستمرة في زعزعة أستقرار أمن المملكة, في إحداث الفتن الداخلية خاصة في مواسم الحج لإظهار حكومة المملكة السعودية على أنها غير قادرة على تولي شؤون الحج والحجاج. وخير دليل محاولاتها في تفجير الحرم المكي عام 1986م, خلال فترة تأدية مناسك الحج.

- فضلاً عن عدوانها السافر عام 1980 عندما أخترقت طائراتها الحربية للأقليم الجوي للمملكة, حيث قصفت مدينة الجبيل الصناعية ( مصنع البتروكيمياويات ).

- كذلك مهاجمة السفارة السعودية في طهران عام 1987م, ومن ثم أحتلالها الذي يعد عمل غير مشروع دولياً وبالتالي يثير بكل تأكيد مسؤولية إيران الدولية.

- ومن ثم تفجيرات مكة المكرمة عام 1989م التي كشفت عن ضلوع إيران فيها.

2- إحتلال الجزر العربية الإماراتية الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ) منذ 30/11/1971م.

3- إحتلال أراضي عراقية وهيمنتها المباشرة عليها, حيث أحتلت جزيرة أم الرصاص وبئر الفكة ومئات الدونمات من الأراضي العراقية المتاخمة للحدود مع إيران. وطالبت رسمياً بضم ميناء خور العمية في البصرة, ومازالت تهيمن على شط العرب بل ومرافق الدولة بالكامل من خلال مؤيديها وأتباعها من الميليشيات المسلحة في العراق, وأخيراً إدعائها بأن بغداد عاصمتها الأبدية, كل ذلك يكشف عن الأطماع الأيرانية اللامتناهية في المنطقة.

4- المطالبة بالبحرين إذ تعتبرها جزءاً لايتجزأ من الأراضي الأيرانية, وقد طالبت الأمم المتحدة بها رسمياً بعد إنسحاب بريطانيا منها عام 1970م.

5- تسمية الخليج العربي بالفارسي وإصرارها على هذه التسمية.

6- فضلاً على تدخلها السافر في اليمن ودعمها للجماعات المسلحة مادياً وعسكرياً الذي دعا باليمن الى مناشدة التدخل العسكري لإعادة اليمن الى شرعيته الدولية. كذلك تدخلها في شؤون لبنان الداخلية, وفي فلسطين, ومحاولاتها المستمرة في مصر وليبيا وتونس والمغرب وصولاً الى موريتانيا.

من خلال ماتقدم, يتضح أن التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية يشكل عدواناً سافراً مستنداً على الأساس الديني الطائفي والعرقي الأستعماري. إذ تعتمد في تدخلاتها غير المشروعة على ولاء أتباعها لإحداث الفتن وعدم الأستقرار الداخلي للدول, من أجل فرض هيمنتها وسيطرتها على مقدرات الأمة العربية بالكامل.

هذا هو الفرق مابين شرعية التدخل العسكري للدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية بعملية "عاصفة الحزم", والتدخل الأيراني غير المشروع في الدول العربية كافة.

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين






الثلاثاء ٢٥ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي خليل اسماعيل الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة