ما كان لأنســـــــــان أن " يثــــور " لولا احساس قاس ومرير وعميق بــ " الظلـــــم " يدفعـــه للتحدي والمواجهــة الى ما بعد الشعور بــ " الغضــب " . فالغضب يظل بحدود ما كان باعثه وسببه , يبقى نوع من أنواع الأنفعــــــــــــال , فلا يكون الا .. رد فعــل .. لفعـــل , آني , في المواجهة والتعامل مع أمر من الأمور وحال من الأحوال . .
" الثـــورة " في جانب من جوانبها , نوع من أنـــــــــــــــواع " الغضــب " ,
وبهــذا فهما قد يلتقيان في القــاعدة / الأساس , ولكن بالتأكيد يختلفان في
الطبيعـــة والقصـــد . الغضب .. انفعــــال في حال من حالاته . ومـــداراته لاتأتي
الا بالحـــــلم . والثــــورة .. وعـي , على مستوى عال من الفهم والأدراك
والأستعداد للمواجهــة والتضحيــــة , وليس لها الا أن تؤجج و تستنفر وتســــــتثار
, من أجل رفعـــة ومجــد القــــــيم والمثل والمبادئ السـامية , في حيــــاة حرة
كريمـــة .
الظلــــم .. اليوم هو في أغرب أسبابه وأشكاله وأعجب بواعثــه ومعطياته , بأن يأتي
من طرف يــــــــــــدعى " المظلوميــــة " في مرجعية لاتســتند الا الى هزيــــل
تاريخ لا أحد يعرف على مــــاذا ترتكز مصداقيتــــــــــــــه , ان كان هناك شيئ
منها فعـــــلا . مظلومية .. لامرجع لها الا الى تلفيقيـــة وهمــية . فتصل بذلك
الى حال من تعجل وفوضى في التطلع الى استيفاء ما وقع من ظلم في الوهم , ليتــحول
الى ظلم في الواقع . ليقع على أطراف ليس لها علاقة بالأمر لامن قريب ولا من بعيد ,
وليكون انقـــلابا في الممارسة لحال " المظلـوم " في الأدعــــاء والذي كان عليه ان
يعي ما يعني أثر وقوع " الظلــم " من أي نوع كان بآثره وأضراره , فلا يتــــحول الى
" ظالــــم " , واذا به يتحول فعلا الى " ظالم جائـــــــــر " ومتماديـــــــــــا
, ليذهب الى أبعد حـــد في التعسف المجنـــــــــون .
وفي حال افتراض أن هناك " مظلوميــة " قد حصلت في الماضي , فان أية " مظلوميـــة "
لايمكن أن تظل على حالها دون أن ينتهي حكمـــها الى " تقــادم " تنتهي به . فكيف بـ
" مظلوميــة " مشكوك في أمــرها وأحوالها في الأساس , وقد مر عليها في الحساب
المقدر مئات السنين . مع أمر بالغ الأهميـــة , وهــــــــــو أن " المظلوم " الأول
الذي تعود اليه دعوى " المظلومية " افتراضا هو من "ســــــكنة جنـــة
النعــــــــــــــيم ". و" الظــالم " لابد أن يكون قد تلقى الحســـاب . وفق "
عدالة الســـماء " والتي ليس هناك من عدالة أعــــدل منها . والأمر في الحالتين
موكول الى " الخالق العظـــــيم ـ جلت قدرته وسمت عدالتــــــــــــــه " . والا
يكون الشك في عدالة السماء في " ملمح الورود " قائم , وهــــــذا .. ما يفتح بابا
الى الشـــــرك .
تبقى ملاحظـــة اخرى ... ان مصدر الحديث عن " المظلوميـــة " كان في الأساس صراع
على السلطة , مهما جاءت المحاولات لأعطاءه صبغة ذات طابع " دينــي " . وكان أن
انتصر طرف على آخر . ليوصف المنتصر بـ " الظالم " .. وهكــــذا أصبح الذي لم يكتب
له النصـــر " مظلومــــا ".. فذهب الى تنظيم حاله في معارضة ذات طابع سري . ليبقى
في المعارضة ما يقرب من قرن , لينتهي الأمر به الى نوع من انشقاق , في ذات العائلة
من " آل بيت النــبي الكريم ـ ص " , لتكون حركة ذات رأسين " علوي " و " عباسي " ,
ليبـــــــــــدأ الصراع على أشده بينهما ... والتاريخ يحدثنا بالكثير حول هذا
الموضوع . فيأتي السؤال اذا كان الأمر قد أخـــذ هذا الحال فمن هو " الظالم " ومن
هو " المظلوم " في العائلــــــــــــــــــة الواحدة ..؟. وعلى مـــاذا كان الخلاف
في حقيقته , هل يمكن أن يكون على قضية تخص عقيدة اسلامية جوهرية , استوجب أمر الحكم
فيها مثل هذا الصراع , والذي بلغ مبلغه بما ســــفك فيه من دمــاء , فيصبح الأمر
محكوما بأن طرفا كان أمينا على الأسلام والأخر خارجــــا , وهذا الذي لم يحصل ولم
يشار اليه , في ما جاءت به وقائع التاريخ . أم أن الصـراع كان على السلطة .؟.
وبهــــــذا ينفتح باب لامجـــــــــــــــال لأغلاقــــه .
أمر معروف .. , ففي أي " عقدة ـ من العقـــد " في شــؤون الحيـــاة , بكل
أنواعهــــــا وتصانيفها وطبائعـــها , اذا لم تعامل بالعقل , فان " العقـــــــــل
" يذهب الى " غيـــــاب " , يختلف بدرجة واخرى , في كل حال بما يمثلها ,
لتــــــــــــــحل " العاطفــــة " , وفي الجانب المتخلف والمنفعـــــل
منهـــــــا . فيكون الحال محكومـــا , بالجهـــــــــل ... , فكيف الأمر بـــعقد
لا تستند الا الى" طائفيـــة مذهبيـــة " مقيتــــــــــــــــــة . لاتمت الى
الأســــلام الحـــــــنيف بشيئ .
الأســــلام .. ســـلام ومحبة ورأفــــة ومروءة ورحمـــة ....." المسلم من سلم
الناس من لســــــانه ويــده " ... " أحبب لأخيك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها
" ... و " الدين المعاملـــــــــــــة " ............
الأســـــلام ... كامــل .. " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممــــت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الأسلام دينـــــا " . و بهـــــذا فان " الكامل .. لا يكمــــــل ". خصوصا
عندما يكون هذا " الكامــــــل " هو ما قد جاء من الخالق العظيــم ـ جلت قدرته .
وعليه فان كل ما جاء في المذاهب لايخرج عن كونه .. شرح وتبســـيط . وما يأتي من
خلاف في " الشرح والتبسيط " لايجوز أن يشكل خلافا , يصل به الحال الى ..
الأقتتـــال . والى التصفية على " الهويـــــــــــــــة " . وهـــــــــذا الذي هو
ليس من الأســــــــلام , بشــئ .
لم يأت الحديث .. في القرآن الكريم ولا في الحديث الشريف شيئا بخصوص ... "
المــــذاهب ". وما جاء في باب " الأجتهاد " ليس أكثر من محاولات للبيـــان
والأيضــــاح . فكيف للمسلم أن يقبل أن ينتهي " الأســـــلام " الى ما يراد له أن
ينتهي اليـــــــــه , على يــد أدعيـــاء ومتأســـلمين , ورجال نصبوا أنفسهم وكلاء
في عرض " قضية الــــدين " . وهم بشر ليسوا بمعصومين , عندما لاتكون العصمة حتى لـ
" الرسول الكريم ـ ص " وما أنت عليهم بوكيــــــــــــــل " . فكيف يجوز ان يقبل
لرجال لم يؤتوا " العصمــة " أن يحكموا في " الـــدين " حسب مايرون , وهذا الذي
يرون ليس أكثر من " رأي " حتى وان كان له شيئا مما يســــوغه , في الطبيعة
والظـــرف , الا أنه لايمكن أن يكون له شيئا مما يضعه في .. " قاعــــدة
الأحكــــام " بالوجــــــــــوب . لذا يذهب أكثر الذين يدركون شيئا من هذا الأمر
من رجال الدين , أن يذيلوا ما يذهبون اليه في الرأي الى .. القـــول .. " والله
أعلــــــــــم " . وهنا بقــــاء نقطـــة " الشــــك " , الى اللا ...
وجـــــــــــــــوب . ليدخل في باب " الجــــــــواز " وهــــذا ما يدخل في
بـــــــــــــــــاب " الخيــــــــار " , في أن تأخذ بالأمر أو لاتأخــــذ
بــــــــــــــه . فالأمر لايمكن أن يكون ملزمـــــــــا . وتبقى " النوايــــا "
في صدق ايمانــــها .
تتلمــــذ .. أربعة أئمـــة على يــــد " الأمام جعفر الصادق ـ ر " وهم .. "
المالكي , الشافعي , أبا حنيفة وابن حنبــل ـ ر " فماذا تلقوا من اســـتاذهم ,
وماذا أخذوا منه وماذا تركوا ..وعلى ماذا اختلفــــوا معـــــه .. أولا . وعلى ماذا
اختلفـــوا فيما بينهم , لتكون المذاهب .. المعروفـــــــــة ... اترك الأمر للمسلم
الحق .
هل سيقدر لنا نحن البشر جميعـــــــــا , في اليـــــوم الذي ســتشخص فيه
الأبصــــــــــار الى خالقها العظـــــــــــيم . أن نسأل عن " المذهب " الذي
ننتمي اليــــــــــــه ..؟. أم أن الحكم سيكون على وفق ما جاء في محكم قولـــه
تعالى : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند اللـــه
أتقـــــــــــــاكم " .
" أتقأكـــــــــــــــــــم " .. أي " التقــوى ".. هي الحكم الفصــــــــــل .
وليذهب كل من يهمه الأمر الى ما تعنيــــــــــه , ويضاف من أجل تعزيز القصــــد ,
قوله تعالى : " يوم لاينفع مال ولا بنــون الا من أتى اللــه بقلب ســــــليم " .
فما هو هــــــــذا ... " القلب الســـليم " ..؟. ويطــــــــــــول الحديث ... .
لنقف أمام حقيقــــة , لايأتيها الباطــــــــــــل ..... , وهي أن "
المظلوميـــــــــة " التي يمكن الحديث عنها جهارا .. نهــــارا , هي " مظلومية ,
قائمــة اليــوم ..على شعب بكامله ـ هو شعب العــــــــــراق " وعلى مدى أكثر من
قرن .. وتحديدا منذ أن قامت الدولة العراقية الحديثة . ولا نريد أن نذهب الى ما هو
ابعـد , ليتكثف الظلم بشكل لامـــثيل له في العقد ما بعد الأحــــــــــــــتلال
... وحـــــــكم وكــــــــلاءه . ظلــم .. بكل أشكاله وأنواعـه ومراميـــه .
ظلـــم .. لم يقع له مثيل على شعب من الشــــعوب . وعلى مدى التــــاريخ .
وأمام أحكـــــــــام هذه " المظلوميــــــة " ... والتي لم يمرعلى العراق وشعب
العــــــــراق " مظلــــومية " أوسع في الشــمول وأعمق في الأذى والضـــرر , بما
هو أمر وأقسى منها على مر العهـــــــــود .
الثـــــــــــــــورة ... اذن بســـــــــبب " ظلــــــــــــم " تجاوز كل
حــــــــــــد . أمـــــــــــــا .. الى أيــــــــــــن ..؟ فــــالى .. دولة
العـــدالة والنظـــام والمؤسسات واحـــترام الأنسان وحقوقـــه, والدســــتور الذي
يعبر عن أماني وطموحات شعب عريق , له كل الحق في الحيـــــــــــــــــاة
الحـــــرة الكريمـــــــــــــة . وكفى لكل عهــــــــــود الظلم والتخلــــف .
والى عـــــــــــراق .. يعيد مجــــد الحضـــارات , ويأخذ مكانه اللائق بين
الأمـــــــــــــم .