شبكة ذي قار
عـاجـل










في كل أزمة أو مشكلة تعصف بالمشهد السياسي العراقي البائس والفاشل أصلاً، يطل علينا عمار الحكيم بالتنظير المعهود الذي يعتمد به غالباً على الحروف المستقبلية من السين إلى سوف، وعلى قراءآت آتية يغفل بها عمداً صلة الماضي. ورغم ذلك لم نشهد يوماً تطبيقاً واحداً إلى تلك التنظيرات تجاه الفساد المالي والإداري وغيرها. ولا نود أن نخوض بما قاله سابقاً، بل نتناول المبادرة التي طرحها حول محافظة الأنبار. ولا ندري لماذا خص بهذه المبادرة ذات النقاط العشر الأنبار وحدها، دون المحافظات الست الثائرة؟ فالمواجهات المسلحة للعشائر الثائرة تعم معظم مناطق تلك المحافظات.


على أي حال، إذا أستعرضنا مبادرة عمار الحكيم، سندرك الخديعة الناعمة التي حبكها لإيقاع ثوار العشائر في شركها من ناحية. ومن ناحية أخرى، لإنقاذ كتلة التحالف الوطني من الورطة التي وضعهم فيها نوري المالكي. ولنبدأ بتحليل نقاط المبادرة.


أولاً: "إقرار مشروع أعمار خاص بمحافظة الأنبار بقيمة 4 مليار دولار على مدى أربع سنوات...". أن لغة الإقرار تخص السلطة التنفيذية، وهذه السلطة بيد نوري المالكي الذي لم يستجيب للإعتصام المدني المسالم طيلة سنة كاملة، فكيف يستجيب المالكي لهكذا إقرار؟ وما الضمان بإتمام وإلتزام البناء لاربعة سنوات قادمة؟ وهل سيرضخ المالكي بعد إنجلاء المشكلة؟ ثم أن المالكي قد تنصل عن عهوده ووعوده مع شركائه في العملية السياسية، ومنها تنصله عن "إتفاقية أربيل" 2010، فما المانع بالتنصل مرة أخرى؟


ثانياً: "رصد ميزانية خاصة لدعم العشائر الأصيلة التي تقاتل الإرهاب". بغية تقوية أمكانياتها، وتعويضها للشهداء والجرحى. وأياً كان نوع هذا الرصد المالي، فإنه إستغلال للأوضاع الحياتية والمعيشية والعوز الذي خلقته الحكومة بحق الشعب. فالبناء الإقتصادي مفقود طيلة السنوات الماضية، فهل "رصد ميزانية" للعشائر الثائرة سيكون حلاً ناجعاً؟ أَم أنه إصطياد للمحتاجين لتفكيك التراص المتنامي في "المجالس العسكرية"؟ هذا إن لم نشير إلى ربط إرادة العشائر بالحكومة، مما يفقدها أو يُحجم حريتها ضد سلبيات الحكومة.


ثالثاً: "إنشاء قوات الدفاع الذاتي من عشائر الأنبار" لتأمين الحدود، ودمجها بالجيش، ويقودها العسكريين من أبنائها. السؤال هنا : هل هذه القوات العشارية ستكون أستنساخاً إلى قوات الصحوات؟ وما الفرق بين مصير الصحوات السابقة عن مصير قوات العشائرية اللاحقة؟ فالجوانب العسكرية والمالية والتجهيزية تقترن بالحكومة التي يهمين عليها كتلة سياسية أثبتت الأحداث والمعطيات أنها خاضعة وتابعة إلى القرار الإيراني.


رابعاً: "الدعوة لتشكيل مجلس أعيان الأنبار" ويتمتع بصفة رسمية برسم الخطط التي تخص المحافظة. أن هذه الدعوة تعني قذف الكرة بين العشائر لكي تتزاحم بينها لتسجيل هدف لطرف على حساب الطرف الآخر. ناهيك بالكلام عن ما هو دور المحافظ ومجلس المحافظة، والإدارات المحلية تجاه هكذا مجلس جديد. إذ مَنْ يتبع مَنْ؟ وماذا عن تشكيل مجالس الأعيان في بقية المحافظات، أبتداءاً من المحافظات الجنوبية؟


خامساً:"الحفاظ على التنمية المعنوية والإجتماعية لعشائر الأنبار الصامدة التي قاتلت وما زالت تقاتل الإرهاب... وبدأ حملة البناء والأعمار". في الشق الأخير وقفة توجب علينا التمحيص والتنبه. فعن أية بداية يقصد عمار الحكيم؟ قطعاُ المقصود هو بداية إنهاء ثورة العشائر ضد الظلم والتعسف والطغيان الذي لحق بهم على مدى سنوات. إذن الكلام عن "التنمية المعنوية والإجتماعية" مجرد تسويق لفظي لتمرير خدعة ناعمة تتوغل في تسويف ثورة العشائر وإنهائها.


سادساً: "الدعوة إلى لقاء القيادات العراقية العليا للتشاور وتدارس التطورات الحساسة التي تشهدها البلاد عموماً ومحافظة الأنبار على وجه الخصوص، والأتفاق على الصيغة النهائية للحل الشامل...". بالإختصار الدخول في هالة المفاوضات وسلسلة الإجتماعات التي تفضي رويداً رويداً إلى إضعاف مَنْ هم خارج السلطة. وهي ذي إحدى فقرات خديعة عمار الحكيم في هذه المبادرة.


سابعاً: "تقديم الدعم الكامل مادياً ومعنوياً لقواتنا المسلحة الباسلة بكافة صنوفها ولقوات الأمن في حربهم الشرسة مع الإرهاب...". ماذا عن "قوات سوات" التي تشن هجوماتها القاتلة ضد المواطنين، وهي بلا غطاء قانوني ولا دستوري؟ ماذا عن دائرة دمج الميليشيات التي ترفد قطعات الجيش والشرطة بالعناصر الميليشية التي لا تحمل شيئاً عن العقيدة الوطنية العسكرية؟ ماذا عن أغلب القيادات العسكرية والأمنية من الشيعة الموالين للسلطة لا للوطن؟ ماذا عن قيادات العمليات في المحافظات المرتبطة بمكتب المالكي لا بوزارة الدفاع؟ ماذا وماذا، أسئلة كثيرة علينا أن نجابهها قبل أن نتكلم عن "الدعم الكامل" للقوات المسلحة. وقبل أن نقول: أن "القوات المسلحة والجيش هو الخط الأحمر الذي لا نسمح المساس به وبوطنيته"!


ثامناً: "أصدار تعليمات خاصة من مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة المحترم لتعويض أبنائنا من رجال الجيش والشرطة والعشائر المشاركة معهم في العمليات العسكرية ضد الإرهاب...". هنا فيه أكثر من خلط، وخلط مقصود لإضاعة حقيقة الإصدار. فالعسكري الذي يموت بسبب تأدية واجبه، له حقوق قانونية على الدولة. وبالتالي لا يحتاج من عمار الحكيم أن يطالب الحكومة بالتعويض. ثم أن محاربة الإرهاب شيء، ومحاربة ثوار العشائر شيء آخر. فعلام هذا الخلط التعسفي؟


تاسعاً: "أستكمال الجهود المبذولة من الحكومة العراقية في تلبية مطالب أبناء الأنبار الأصلاء والمحافظات الأخرى ضمن سياقات الدستور والقانون...". جوابنا على هذه الفقرة: إن مجزرة الحويجة التي أرتكبتها "قوات سوات" والشرطة الإتحادية الميليشية بحق المعتصمين السلميين في 23-4-2013، لم تجف بعد دمائها، فأين هي حقوقهم؟ ولماذا لم يستجيب المالكي لمعتصمي الأنبار على مدى سنة كاملة؟ ولماذا يستخدم العُنف ضد المدنيين المعتصمين؟ وأن تقرير "منظمة حقوق الإنسان" الأخير ينص على أن المالكي هو المعتدي، وأن بعض قادته أرتكبوا القتل غير القانوني. فعلى الحكيم أن لا يسرد قولاً فارغاً عن فحواه، وأن يدس الدستور والقانون الذي تُطبق بنوده على جهة دون أخرى.


عاشراً: "إنطلاقاً من رؤيتنا في معالجة ملف الإرهاب ضمن رؤية أقليمية ودولية شاملة، فإننا ندعو الحكومة العراقية الموقرة إلى مناشدة القوى الدولية المتصدية لملف الإرهاب لتقديم الدعم التسليحي والإستخباري والسياسي للعراق في هذه المواجهة...". بمعنى أن الحكيم يؤيد ما جاء من واشنطن وطهران بدعم المالكي ضد الإرهاب. ولكن ما فشلت فيه الولايات المتحدة هل سيتمكن المالكي من تحقيقه؟ وهل يُعقل أن ست محافظات ثائرة ضد جبروت وطغيان المالكي تؤخذ بجريرة حفنة عناصر إرهابية أستطاعت مجاميع الصحوات أن تطردها في العام 2008. والمالكي شخصياً هو مَنْ فتت هذه المجاميع، وسمح بعودة الإرهابيين. وحديث وزير العدل حسن الشمري ما زال ماثلاُ للعيان. وبذا لماذا زج الكل بلون الجزء؟ هل هذه القراءة يُراد منها خدمة الوطن والمواطن، أم زرع بذرة الإتهام المسبق للمناطق ذات الغالبية من العرب السّنة؟


ومما جاء بالفقرات العشر السالفة الذكر، ندرك أن ما يسعى إليه عمار الحكيم ليس أكثر من خديعة يُراد منها وقف ثوار العشائر بعد أن أثبتموا قدرتهم ومقدرتهم بالتصدي لقوات المالكي الطائفية، وألحقت فيها الخسائر بالأرواح والمعدات. وأذا كان عمار الحكيم حريصاً في مبادرته على الوطن وشعبه، فعليه أن يرد المالكي الذي قال: أن أحفاد الحسين سوف يقاتلون أحفاد يزيد. وعليه أيضاً أن ينقد ما يقوم به مقر حزب الدعوة في مطار المثنى الذي يدعو المتطوعين للجهاد ضد الإرهاب. إن هذه الكلمة "الإرهاب" التي يستخدمها المالكي بالجهاد ضدها هي كما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "كلمة حق أُريد بها باطل". وهذا هو ما يؤلمنا ويحزّ في نفوسنا أن نتقاتل بيننا نحن العراقييون، والمستفيد بالدرجة الأساس هما الصفوية والصهيونية


صفوة القول على عشائرنا الثائرة أن لا تنخدع بالمبادرة التي طرحها عمار الحكيم. وأن لا يستجيبوا للحلول الجزئية أو المرحلية، فهي تصب في صالح الكتلة الحاكمة المتسلطة، وأن عمار الحكيم أحد أركانها. بل عليهم إتخذا مناطقهم المحررة نقاط تتجه نحو تحرير ربوع الوطن من هذه العملية السياسية البائسة والفاشلة التي لم يجني منها شعب العراق غير المزيد من التدهور والإنحدار في كافة المجالات والميادين. أن النصر صبر ساعة، وأن هذه الساعة بعون الله تعالى قد حانت، فلا تضيعوا لحظة التاريخ بل عضوا عليها بالنواجذ. ولا تنجروا خلف خديعة عمار الحكيم يا ثوار العراق.
 

 

 





الجمعة ٩ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة