شبكة ذي قار
عـاجـل










العراق اليوم ليس استثناء في حالته السياسية المتوترة كما كان منذ عام الفين وثلاثة الى عام الفين وأحد عشر، فعدوى العراق قد اجتاحت المنطقة بأسرها. وفي غضون ثلاث سنوات اصبح الحديث عن الاستقرار تندرا. فلقد كان يُنظر الى العراق على انه بؤرة للأزمات على مدار الثلاثين سنة الماضية تخللتها صراعات مع ايران ثم مع الغرب المستأسد بسبب انهيار الند الأشتراكي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.


وكانت نتيجة هذه التوترات والأزمات ان خاض العراق مختاراً ومجبراً ثلاث حروب طاحنة وحصار قاس اجهزت جميعها على قدرته التنموية واضعفت كوامن التقدم العظيمة التي كان الجميع يراها فيه، اشقاؤه واصدقاؤه واعداؤه. وكأي حرب لم تكن حروب العراق استثناء فقد خرج منها العراق مدينا ومنهكا وشعبه العظيم تعب يبحث عن فرصة عيش بسلام وامان. ويتعمق الكثير من الباحثين والسياسيين وحتى المبتدئين منهم في البحث في اسباب تلكم الحروب والأزمات ولكن نتائج الأحداث اليوم امضى من اسبابها، بل هي تغني في البحث في اسبابها.


المهم انه عندما كان العراق استثناء في واقعه السياسي الخارجي والداخلي انذاك مقارنة بجيرانه ومحيطه الجغرافي لم ينتبه الكثير من الأشقاء والجيران الى امكانية توسع الأزمة العراقية لتشمل المنطقة بأسرها، بل وربما ابعد من ذلك بكثير، ليس لعيب في تحليلاتهم او في استراتيجية رؤيتهم للأمور ولكن لأن الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة اعطى ضمانات على المكشوف على انهاء الحالة العراقية الاستثنائية، وانه مع إنهاء حكم الرئيس صدام حسين ونظامه ستعود المنطقة آمنة مستقرة كما يتمناه ابناؤها.


ولم يكن يتصور البعض ان امريكا التي اصدرت هذا الضمان ولم يكن لديها رصيد سياسي او عسكري يغطيه. وان امريكا هذه الدولة العظيمة ليس لدى مقاتلها روحية القتال طويل الأمد. بل حتى اقتصادها ليس بقادر على تغطية نفقات حرب طويلة ليس ضد العدو الواضح مثل العراق فقط، بل وامام الأعداء المحتملين مثل ايران. فبعد حرب سريعة لأسقاط حكم الرئيس صدام حسين ساعد فيها الجهد الأيراني الأستخباري والعسكري، شعر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش انه قد انهى مهمته وهكذا شعر الكثير من جيران العراق ومحيطه الجغرافي.


لقد هرب الرئيس الأمريكي الى الأمام واعلن الأنتصار المبكر في العراق وكانت الحرب قد بدأت لتوها ولا زال الطريق طويلا. وعندما آن له ولأدارته ان يعلنا لمحيط العراق العربي وغير العربي عن رصيد الولايات المتحدة السياسي والعسكري لتغطية الضمان الذي تكفلّت به هي وحليفاتها من الدول الغربية، انسحبت امريكا من العراق تاركة العراق يغرق في بركة من الدم والفساد. الى هنا ولم يكن احد من جيران العراق يتصور ان الولايات المتحدة ستترك العراق وبأي ثمن بيد غريمتها المزعومة إيران. وأيران دولة اقليمية اصابها الورم نتيجة شعورها بالتفرد في قطبية المنطقة الأقليمية بعد غياب العراق وتراجع السعودية عن دورها لصالح قطر وانشغال تركيا باحلام الأنضمام الى منطقة اليورو، وهذا الورم له استحقاقاته الداخلية والخارجية، ومن استحقاقاته المشروع النووي الأيراني والندية للولايات المتحدة في حل مشاكل دول المنطقة، ومنها لبنان وسوريا وفلسطين والبحرين واليمن ومصر وقبلها جميعا افغانستان والعراق.


انسحبت الولايات المتحدة من المشهد المتصلب لتأخذ دور السياسي الوديع الذي يبحث عن الحلول قليلة التكاليف. لم يعجب هذا الدور الجديد الذي تمارسه الولايات المتحدة لا حلفاؤها الاستراتيجيون في الغرب و’اسرائيل’ ولا حلفاؤها التاريخيون على الضفة العربية من الخليج العربي. لقد تراجعت الولايات المتحدة عن أداء دورها السياسي والعسكري كقوة عظمى في عهد الرئيس اوباما ولم يكن حقيقة هو المسؤول عن هذا التراجع، بل سابقه بوش الذي شن حربا ضروسا لا يملك نهايتها ولكنه اعطى ضمانا سياسيا وعسكريا مكشوفا لجيران العراق من العرب، ولما حان سداده انفضح.


ستحاول اوروبا سداد فاتورة الولايات المتحدة وستقف لها روسيا بالند مستندة على التراجع الأمريكي وحيوية الغاز الروسي، وكل ما اتمناه ان لا يبقى العرب يراهنون على ضمانات بلا رصيد.



cbg@sign-ific-ance.co.uk





الاربعاء ٢٤ محرم ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور محمود خالد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة