شبكة ذي قار
عـاجـل










"العرب شعب لا يقرأ، واذا قرأ لا يفهم، واذا فهم لا يطبق" - وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان

 

قبل إنشاء الدولة الصهيونية بعدة أعوام قال بن غوريون:

"إن عقب أخيل (أي نقطة الضعف) في الائتلاف العربي هى سيادة المسلمين في لبنان فهى سيادة زائفة، يمكن بسهولة قهرها.. وبدلاً من ذلك ستقوم دولة مسيحية تكون حدودها الجنوبية على نهر الليطاني، وستكون الدولة الصهيونية على استعداد لتوقيع معاهدة مع هذه الدولة..وبعد أن نكسر الفيلق العربي ونضرب عمان بالقنابل  سوف يكون بإمكاننا إزالة دولة الأردن  وبعد ذلك سوف تسقط سوريا  وإذا اجترأت مصر على محاربتنا فسوف نقصف بورسعيد والإسكندرية والقاهرة  وهكذا ننهي الحرب ونقضي قضاء مبرماً على مصر  وآشور بالنيابة عن أسلافنا".

 

أليس غريبا وعجيبا ان نرى اليوم مفكرين كبار يتحدثون عن مخططات قديمة جدا لتقسيم وتفتيت كل دول المنطقة من الباكستان مرورا بالعراق وسوريا وفلسطين والسعودية ودول المغرب العربي الى الدرجة التي تجعل المرء يفكر وكأنه أمام فيلم هوليودي قديم لم يتسنى لنا مشاهدته بسبب إنشغالنا بمشاكل صغيرة أفقدتنا الرؤية الثاقبة وسلبتنا البصيرة ونحن نقرأ عن خطط وضعت في في الأربعينات وجرى البدء بتطبيقها مطلع الثمانينات واليوم ننتظر وبعد أكثر من ثلاثين عام على ذلك التأريخ لنشاهد كيف تتواتر الأحداث وكأنها أشجار خبيثة تتجه لعنان السماء بعد كل تلك السنين والصبر والمطاولة في الزراعة والسقاية والرعاية!.

 

ماهي تفاصيل هذا المشاريع وأين نحن من مراحلها اليوم؟

قبل أن نتناول بالتفصيل هذه المشاريع علينا أن نفهم بدقة المصطلحات التالية التي تمثل وسائل تحقيق الأهداف التي أستخدمت لإشاعة أهمية التقسيم والتفتيت لدول المنطقة لنتأكد كم نحن بعيدين عن تخطيط الأعداء ولا نقرا ولا نحلل ولا نتعض :

لنفهم أولا معنى العولمة.

ثم لنفهم معنى الفوضى الخلاقة.

ثم معنى الشرق الأوسط الجديد.

ثم معنى الشرق الاوسط الكبير.

ثم نبدأ لنلمس بوضوح خيبة مفكرينا وقياداتنا.

 

مشروع الشرق الأوسط الكبير ..لماذا وضع على الرف؟

لقد كان إقرار وإستخدام مصطلح “الشرق الأوسط” منذ البداية يهدف الى تسويق مبدأ التخلي عن الهوية العربية والإسلامية بعد تكوين دولة إسرائيل كجسم غريب في المنطقة حيث حاولت وتحاول الدول الكبرى إرغام الجميع على التعايش معه كضرورة للحياة تحت ذرائع عديدة منها وحدة المصير للمنطقة!..والضرورة التأريخية لوجود إسرائيل ووجوب التعامل والتعاون معها وإستخلاص العبر من إسلوب حياتها وتقليدها والقبول في النهاية بقيادتها للمنطقة!.

 

ومع مرور الزمن (وغفوة أصحاب البساتين والحقول!) تم التخطيط والتنفيذ لتسويق أفكار جديدة لإستخدام هذا المصطلح بحيث وصل هذا المفهوم لحدود تأريخ ومكونات التراث العربي الإسلامي ليتغير تدريجيا ليصبح تراثاً “شرق أوسطي” وتتحول العادات والتقاليد وكل الموروثات وحتى المأكولات الى “عادات وتقاليد وموروثات ومأكولات شرق أوسطية” في سعي محموم لطمس الهوية العربية والإسلامية وجعلها "هوية شرق اوسطية"..وبتغيير هذه الهوية مع كل أصولها التأريخية أصبحت عملية إعادة ترسيم الحدود وتقسيم مكونات شعوب هذه المنطقة وبلدانها سهلة وقابلة للتغيير وفقا للمصالح الخارجية.

وتحولت هذه المنطقة بحكم أهميتها الإستراتيجية الى حقل للتجارب ومسرح لطرح الأفكار والمشاريع التقسيمية ..فما كان يصلح في زمن ماضي أصبح اليوم مركونا على الرف!..

وما كان مثار نقاش وتهذيب وإضافة بالأمس وضع على الرف أيضا بسبب التغيرات المفاجئة لحركة الشعوب في المنطقة!..

 

وحتى الذي يطرح اليوم فهو قابل للتغيير وفقا لضوابط ومعايير المصالح الخارجية للدول العظمى المؤثرة والطامعة ..حتى وصل الأمر بوأد أي مشروع جرى التأكيد والترويج له وحتى تبنيه رسميا إن كان هناك من يرى بأن الظرف غير مناسب اليوم لتطبيقه!..

 

هي إذا رفوف للإنتظار وليس للإهمال!..

أن الواقع الذي نعيشه يشكل فرصة مناسبة لإعادة تشكيل وصياغة الجغرافيا السياسية في المنطقة انطلاقاً من النتائج التي ستحدثها الترسانة العسكرية الأمريكية والأيدي اليهودية المنفذة للعدوان في فلسطين ولبنان. فبعد الحديث عن “شرق أوسط كبير” وتطوره إلى “شرق أوسط جديد”... لتبقى مسميات حائرة تكشف الغطاء المطلوب لإدامة التجزئة في المنطقة واستكمال تبعيتها، بمخطط قديم يزداد بشاعة يوماً بعد يوم على نحو ما رأينا في فلسطين منذ عقود وفي العراق منذ سنوات وعلى نحو ما نرى اليوم فيما يجري على أرض لبنان لإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

 

أوضاع سيُعاد ترتيبها، تحالفات سيعاد إحياؤها، وأخرى سيتم إقصاؤها، تلعب فيها الدول العربية إلى جانب الكيان اليهودي صمامات أمان لهذا الشرق الجديد، وحديث عن خريطة جديدة للمنطقة بأكملها، ليفرض علينا مسمى جديد اسمه “الشرق الأوسط الجديد”!!.

 

تطرقنا سابقا الى التفاصيل الكاملة لمشروع "الشرق الأوسط الكبير" حرفيا لكي نؤمن الى أي مدى هم يفكرون والى أي أهداف هم يخططون..

ومع أن هذا المشروع فيه من الرؤى التي تجعله قادر على تحقيق مجمل الأهداف التي تسعى اليها الدول الطامعة إلا ان الملاحظ ان هذا المشروع لم يرى النور!..

 فقد تطور الأمر بسرعة وحال الإعلان عنه للتفكير "بشرق أوسط جديد" كما ذكرنا إستنادا الى أفكار وتقسيمات لاتبتعد كثيرا في أهدافها عن مشروع الشرق الأوسط الكبير .

ومن إطّلع على  كتاب شمعون بيريس المعنون “الشرق الأوسط الجديد” الذي أصدره عام 1993 يلاحظ كيف وصف بيريس الشرق الأوسط الجديد بانه: “الأسلوب الجديد في التفكير للوصول للأمن والاستقرار، الذي يتطلب منا جميعاً نظام أمني وترتيبات إقليمية مشتركة واسعة النطاق، وتحالفات سياسية لدول المنطقة ككل”.

 

وهكذا تم إشاعة مفهوم "النمط الجديد من التفكير السليم!" وهو إطار عام يقبل التأويل وفيه من المرونة التي تتيح لإسرائيل إستخدام القوة لفرض هذا النمط وتتيح للدول العربية طرقا متعددة المسالك لتطبيع علاقتها مع إسرائيل عدا إستخدام القوة!..

 

والوصول الى أمن وإستقرار منطقة مشتعلة ولاتنطفيء النار فيها ..هو هدف "سامي وكبير"ولايمكن تحقيقه إلا بإطفاء هذه الحرائق المشتعلة!..

وإطفاء هذه الحرائق لايمكن أن يتم بدون إعادة تقسيم دول المنطقة وجعل إسرائيل صاحبة الفضل في "قيادة هذه المنطقة وتعميم تجربتها الحضارية على دولها!".

وإذا كان من الضروري إشعال حروب داخلية بلهيب نار جديدة داخل المكونات التي سيتم تجزئتها فلابأس!..

لأن ذلك سيكون "ضرورة حضارية"!.. ويعلل بيريس فشل الحروب التي إجتاحت المنطقة وأهمية السلام فيها مبررا بأن الحروب التي خاضتها إسرائيل كانت فقط لضمان الأمن والاستقرار بقوله:

"أننا خضنا الحروب من أجل ضمان الأمن والاستقرار".. نافيا بنفس الإسلوب رغبة إسرائيل بالسيطرة على المنطقة وتوجيه دولها بقوله:

" ولم نكن يوماً بالشعب الذي يرغب في التحكم بالآخرين"!!.

ويضاف: "يتوجب علينا جميعاً التحرك للأمام لبناء إطار يحمل السعادة والرخاء لكافة شعوب المنطقة"!!..

 

ويعبر "بيريس" بشكل واضح عن الهدف الرئيسي من المشروع وكيف أنه يهدف الى عقد "شراكات تسويقية وتعاقدية بين إسرائيل ودول المنطقة تكون فيها إسرائيل هي الدولة المصدرة والمتحكمة بالسوق وبقية الدول المحيطة بها تكون دولا إستهلاكية" بقوله:

 

"إن عظمة"إسرائيل"تكمن في عظمة أسواقها". وبذلك فإن "بيريس" يرى في هذا الشرق الأوسط الجديد كونه:

"مؤسسة إقتصادية وتسويقية كبيرة تقودها تل أبيب..مؤسسة تدعو في الظاهر الى الرفاهية والحضارة وفي حقيقة تكوينها إن هي إلا دول بمكونات مفككة متناحرة ومتقاتلة مع بعضها ومكونة من أعراق وطوائف ومذاهب وعلى ان تكون جميع هذه الطوائف المتناحرة متصالحة مع إسرائيل!.وستكون البضائع والتقنيات هذه المرة هي الأسلحة الرئيسية في المعارك القادمة"!.

 

ولكي يتحقق حلم “الشرق الأوسط الجديد” فلابد من تجزئة البلد الواحد وتجزئة البلد المجزأ!..بهدف إحداث تغيرات جذرية في المنطقة وفقا للأجناس والطوائف والأصول القومية والمذاهب لكي تتحول دول المنطقة الى دويلات إثنية ودينية مع سلخ أي عامل تأريخي يؤمن ترابطها!..وخلق وتغذية وتعميق قدر محدد من الصراع بين هذه المكونات وبالوسائل التي يمكن التحكم بهذا الصراع.

 

وأضافت "كونداليزا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية لتبشر بولادة "شرق أوسط جديد”، سينمو ليحقق "حلاً سحرياً" لعلاج أزمات المنطقة المزمنة!! حيث وصفت العدوان الظالم على لبنان بأنه “آلام مخاض لولادة شرق أوسط جديد”!! ووضحت عبارتها بالآتي:

 

"حان الوقت لوجود شرق أوسط جديد.. حان وقت القول لمن لا يريدون شرق أوسط جديد أن الغلبة لنا"!!

نعود الى مشروع " الشرق الأوسط الكبير" ..

 

فور الإعلان عن هذا المشروع أدركت الولايات المتحدة ومعها الدول الثماني الكبار عقمه ليس لأنه (لايحمل أفكارا جديدة لإعادة رسم المنطقة) بل لأن المفاهيم الذي إستندت اليها الإستراتيجية الأمريكية وفقا لهذا المشروع والتي دعت فيه الى دفع مسيرة الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي قد أدت عمليا إلى صدمة شديدة في نتائج تطبيق هذه السياسة والتي تمثلت بتقدم الإسلاميين في كل إنتخابات عربية أجريت خلال عامي 2005 و2006م. وبفعل تأثيرات هذه الصدمة الغير متوقعة إضطرت واشنطن وحلفاءها إلى التراجع عن رفع لواء الديمقراطية والإحتماء بشعاراتها والاكتفاء بخطوات محددة ومحسوبة لا تسبب الصداع لأصدقائها في المنطقة والتي لاتفضي لنتائج مفاجئة وعلى أن يعاد ترتيب الأوراق من جديد  من خلال إعتماد برامج ثنائية دقيقة مع كل نظام عربي على حدة ووفقا لظروفه وطبيعة علاقته معها!!.

 

 “مؤسسة كارينجي للسلام الدولي” المشرفة على برنامج “التحول الديمقراطي في العالم العربي” كانت السبّاقة في الإعتراف بهذا التخلي عن المشروع من خلال  “مارينا اوتاوي” كبيرة الباحثين في هذه المؤسسة وذلك في 12/يونيو/2006 وقبل شهر واحد من بدء الهجوم الصهيوني على لبنان حيث ذكرت بأن:

 

(المبادرة التي أطلقها جورج بوش تحت عنوان "الشرق الأوسط الكبير" ماتت من دون أن يتطوّع أحد إلى إعلان نبأ وفاتها أو إقامة مراسم دفنها، وأن ما تبقى من المبادرة الرامية إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط يمكن اختصاره في ثلاث نقاط أساسية:

 

الأولى: التكرار والبهرجة اللفظية التي يلجأ إليها الرئيس الأميركي في كل مناسبة للتأكيد أن واشنطن لم تتراجع عن ضغوطها لـ“دفع مسيرة الحرية والديمقراطية في المنطقة”.

الثانية: النشاطات المتواضعة أو الخطوات المدروسة التي تموّلها الحكومة الأميركية من خلال مبادرة الشراكة والتعاون مع حكومات المنطقة, مثل دعم حقوق المرأة, إصلاح نظم التعليم, الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي, تدريب الأحزاب السياسية, تدريب الكوادر النسائية على تنظيم حملات انتخابية فعّالة, مع الحرص على تجنب الدفع في مجالات تشكل تهديداً لعلاقات واشنطن الودية مع زعماء الدول الصديقة في المنطقة.

والثالثة: الانحدار المتواصل في مستوى الضغط السياسي, وهو ضغط لم يكن كافياً منذ إطلاق المبادرة". )

 

وباختصار شديد :

- إن ما تطلبه الولايات المتحدة الأمريكية يتعارض مع كل ما هو قائم في منطقة الشرق الأوسط، وقد كانت للولايات المتحدة تجربة قريبة في العراق وقبلها في أفغانستان، وهي تجربة اصطدمت بالواقع وأكدت على أن عملية التغيير لا يمكن أن تحدث دون فهم للواقع.

 

- الجديد في مشروع الولايات المتحدة هي كلمة الكبير التي أضيفت إلي تسمية الشرق الأوسط، ولا معنى لهذه الكلمة إلا بإضافة إسرائيل. ويبدو ذلك واضحاً بتأكيد الولايات المتحدة على أن مشروع الشرق الأوسط الكبير لا يشترط حل القضية الفلسطينية، أي أنه يمكن أن تبدأ الدول العربية تطبيق المشروع قبل أن يوجد حل للقضية الفلسطينية.

 

- مايتعلق بتحرير الإقتصاد فليس المقصود منه إحداث نقلة نوعية في اقتصاديات هذه الدول، بسبب طبيعة الاقتصاد في الدول العربية والتي لاتساعد على إعتماد التبادلية بشكل واسع ولكن المقصود هنا بالدعوة لتحرير الإقتصاد هو فتح المجال أمام الشركات الصهيونية العالمية لتدخل في بنية الاقتصاد العربي لتسيطر عليه كما تسيطر علي بنية الاقتصاد العالمي.

 

- أما موضوع تحرير المرأة وإحداث تغييرات في نظم التربية العربية، فليس المقصود منه بكل تأكيد تحديث المجتمعات العربية وإنما الهدف منه ضرب النظام الذي يؤثر على منظومة القيم والمفاهيم التي تؤمن بثقافة متأصلة بتقييم أصل وجود الكيان المغتصب للأرض العربية.

 

- إن مجمل هذا المشروع الأمريكي يهدف لتكريس الوضع القائم في الأراضي المحتلة وإعطاء إسرائيل مزيداً من الأرض والقوة على حساب الدول العربية  مع تزامن عملية التقهقر في مواقفها التي كانت تدعم وتساند أسس القضية الفلسطينية حيث تحول إهتمام الأنظمة العربية  بشكل كبير بإتجاه الحل السلمي!.

 

يتبـــــــــع .....

 

 





السبت ٢ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كامل المحمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة