شبكة ذي قار
عـاجـل










من يزرع أولا يحصد قمحا .. ومن يحصد متأخرا يحصد قشا

مثل دانماركي

 

 

في الحلقة الأولى التي كان عنوانها " من الذي يزرع ومن الذي يحصد" تناولنا إعترافات مؤسسة مهمة وهي الواشنطن بوست عن غيوم الفساد التي إجتاحت العراق منذ عام الإحتلال في  2003 .

ومن المؤكد إن الذي زرع بذور الفتنة والفرقة والفساد في العراق في تلك الفترة العصيبة لم يبالي بحصاد ما بَذَر بل ترك العراقيين يحصدون مازرع ..

ولأن الذي زرع في العراق لم يكن يقصد قمحا ليأكل منه العراقيون ويسارعوا لحصاده ويتركوا القش لمن ينام للضحى!..

بل بَذَر ليزرع أشواكا مسمومة وقاتلة..

فالذي سارع للحصاد جنى السم الزعاف..

والذي تأخر في حصاده جنى الخيبة!..

 

ولكي ندين الفاعل من فمه..وبعد أن نشرت الواشنطن بوست تحقيقا عن خيبة الأمل الأمريكية في نتائج صرف مئات المليارات من الدولارات لإعادة بناء البنى التحتية للعراق المدمر.. وصف باتريك كوكبيرن مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية في تقرير مفصل حجم مأساة العراق وكشف النتيجة النهائية للغزو الأمريكي وهي ظهور بيئة ومنظومة حكومية حاضنة ومرتع خصب للفساد بقوله:

" إن العراق أصبح بعد عشر سنوات من الغزو الأميركي مرتعا للفساد بمختلف أشكاله"!.

ويضيف بانه " من المستحيل إصلاح النظام بواسطة الحكومة القائمة لأن أي محاولة للإصلاح ستضرب الآلية التي تحكم بها"!.

 

وكذلك:                   

" إن أحوال العراق لصوصية وفساد تحميه الحكومة".

إذا هذه المنظومة الحكومية هي التي تحمي هذا الفساد وتحارب أي محاولة للإصلاح.

وقال كوكبيرن في وصف دقيق للجهات التي تستفاد من حياة اللصوصية والفساد وتحمي مصالح سارقي قوت الشعب بأنها تعيش حياة غامضة وتتخفى في المنطقة الخضراء بحماية الدروع العسكرية وقوات الأمن والشرطة وكمايلي :

 

" إن النخبة الجديدة التي يحمي مصالحها الحكم تمارس حياة غامضة وتتخفى وراء متاريس المنطقة الخضراء أو تتجول بشوارع بغداد في قوافل مدرعة، وتتصف بنهم شديد للفساد المالي والاستحواذ على الثروة" .  

بين كوكبيرن أن الفساد المالي والقضائي والسياسي مستشري وهنالك تدهور كبير في الخدمات والذي يؤدي الى شلل فعالية مؤسسات الدولة الخدمية بسبب هذا الفساد وكيف أن الفساد يعقّد الحياة اليومية للعراقيين ويسممها خصوصا حياة الفقراء وقال:

 

"أن الأضرار فادحة جراء السرقات بالجملة للمال العام وبالرغم من مليارات الدولارات التي تُنفق من خزينة الدولة فلا يزال هناك نقص في إمدادات الكهرباء والإحتياجات الضرورية الأخرى".

وقال كوكبيرن :

 

"إن أسعار العقارات بالعاصمة بغداد عالية جدا، ورغم ذلك هناك مشترون كثيرون. ونقل عن أحد سماسرة العقارات ويُدعى عبد الكريم علي قوله بعد أن ضحك "هناك مستثمرون من كردستان العراق والبحرين، لكن أغلب المشترين الذين تعاملت معهم هم من لصوص 2003 الذين لديهم الكثير من الأموال. هؤلاء الناس يشترون أفضل العقارات لأنفسهم" ".

 

وأشار التقرير ( والذ لم تصدره جهات معارضة للحكومة أو دخيلة أو غير راغبة بالعملية السياسية) إلى أن معظم الأموال المسروقة تذهب خارج البلاد، ويبقى جزء ضئيل بحسابات بالمصارف المحلية أو يتم استثمارها بحذر في العقارات.

 

وإنتقل التقرير إلى صورة أخرى من صور الفساد وهي تخويف المعارضين وتهديدهم وقتلهم قائلا:

إنه وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 2011، تم إغتيال الناقد الصحفي البارز ضد الحكومة مهدي المهدي بمنزله وهو من قادة الاحتجاجات بالشوارع. وقال إن مهدي وقبيل ساعات من إطلاق النار عليه كتب في صفحته على فيسبوك أنه "يعيش في رعب" وقد تم تهديده من قبل موالين للحكومة".

 

وعن الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة خاصة الخدمية ذكر التقرير في تشخيص دقيق ومباشر موضحا سبب تدهور الخدمات وإنعدامها بقوله:

" أن أغلب مديري عموم المرافق والمؤسسات الحكومية كانوا قد حصلوا على مناصبهم بالمساومات السياسية وأنهم لا يتمتعون بالخبرة أو التأهيل اللازم للتخطيط لما يجب أن يُنفذ لذلك فإنهم يختارون عدم فعل أي شيء حتى يتفادون الفصل من الخدمة".

 

ونقل المحرر في الإندبندت عن غسان العطية الناشط والمحاضر بالعلوم السياسية قوله:

 "الفساد لا يمكن تخيله. لا يمكنك الحصول على وظيفة في الجيش أو الحكومة إلا إذا دفعت. كما لا يمكنك الخروج من السجن إلا إذا دفعت. وحتى إذا حكمت محكمة بالإفراج لصالحك، فلن تستطيع الخروج من السجن إلا إذا دفعت لإدارة السجن. وإذا خرجت من السجن ربما يقبض عليك أحد الضباط لمجرد رغبته في الحصول على مال لتعويض ما دفعه رشوة للحصول على وظيفته".

 

ونقل عن أحد المعتقلين السابقين قوله:

"أنه كان يدفع مائة دولار لحارسه للسماح له بالاستحمام مرة واحدة".

وأضاف التقرير أنه وعلاوة على سرقة عوائد النفط من قبل موظفين وأحزاب وسياسيين وصفهم بـ "المجرمين" يقول منتقدو رئيس الوزراء:

" إن أسلوبه في السيطرة السياسية هو الرشوة ومنح عقود العمل والاستثمار لمؤيديه أو أصدقائه ومعارضيه المترددين الذين يريد كسبهم إلى صفه ويقوم رئيس الوزراء أيضا "بتهديد المنتفعين بالتحقيقات القضائية والفضح إذا تخلوا عن الولاء له"".

 

و"أن المالكي يستخدم ملفات ضد خصومه وأصدقائه".

 

وذكَرَ المحرر في تقريره :

" أن مؤسسات مكافحة الفساد تتعرض لعرقلة النشاط أو التهميش أو التخويف".

 

ولفت المحرر الإنتباه إلى:

" أن مسؤولا كبيرا بالسفارة الأميركية ببغداد شهد أمام الكونغرس قبل خمس سنوات بأن المالكي أصدر "أوامر سرية" يمنع فيها "لجنة النزاهة" إذا كانت هذه القضايا "تتعلق بكبار المسؤولين الحكوميين بعد 2003"".  

وحسب تقرير كوكبيرن الذي ذَكَرَ فيه أن المسؤول بالسفارة الأمريكية وصف في شهادته أوامر المالكي تلك بأنها "ترخيص صريح بالسرقة".

 

ونتسائل ونطلب الإجابة:

لماذا يتم تثبيت التجريم وتقديم الإثباتات وليس هنالك من يبالي أو من يتابع أو على الأقل يدين ويفكر في إيقاف الدعم والتأييد؟

 

وما هو الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة المسؤولة أخلاقيا وقانونيا عن كل ما جرى بعد إحتلالها للعراق؟

 

وفي مسلسل نشر غسيل الفساد والتآمر قالت صحيفة (الغارديان) البريطانية في مقال لها بأن العراق اليوم هو:

"من الدول الأكثر فسادا في العالم حسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية" وكشفت الصحيفة عن قيام وزراة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بإرسال خبير أمريكي وهو الكولونيل جيمز ستيل خبير متقاعد من الخدمة في القوات الخاصة الأمريكية يبلغ من العمر 58 عاما الذي كان له دور في "الحروب القذرة" التي شنتها الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى حيث إختاره وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد لمساعدته في تشكيل والإشراف على وحدات خاصة في العراق وتنفيذ عمليات اعتقال سرية وإقامة مراكز تعذيب لانتزاع معلومات من المقاومين العراقيين الذين أسماهم (بالمتمردين) وقمعهم بالقوة بوعلم وإشراف ديفيد بتريوس الذي ينشر عن تورطه في هذه الإنتهاكات للمرة الأولى وهو الذي صورته عجلة الدعاية الأمريكية ببطل الأبطال!.

 

كما تم تعيين خبير ثاني وهو الكولونيل جيمز كوفمان الذي تعاون مع ستيل في مراكز الاعتقال التي أقيمت بتمويل أمريكي يصل إلى ملايين الدولارات. المتمردين. وتقول الصحيفة في تقريرها الصادر في آذار 2013 بأن مراكز التعذيب هذه إستخدمت أساليب تعد الأسوأ منذ شن الحرب الأمريكية على العراق والذي كان له دور في دفع البلاد إلى الانزلاق في حرب أهلية واسعة النطاق.

 

والسؤال المهم الآن:

هل يستطيع أي محلل ومُخَطِط إستراتيجي أن يضع وسائل فعالة لمنع تسرب تأثير الحالة العراقية على دول المنطقة إذا إستطاع أن يقنع قادة هذه الدول بان الذي يجري في العراق هو شأن داخلي فقط؟

 

وإذا كانت دول المنطقة المحيطة بالعراق وعموم الشرق الأوسط تتأثر بشكل مباشر بما يجري اليوم من هدم لمنظومة القيم والمباديء والإمتهان لكرامة الإنسان بعد أن تم هدم الدولة ومؤسساتها فسيكون بالتأكيد من مصلحتها أن يتم إصلاح هذه المنظومات وإشاعة الأمن والإستقرار والقانون لكي لاتكتوي هذه الدول بنار الفساد والإمتهان الذي يبتلع العراق!..

 

ويبقى أن نعي بأن مايجري في العراق اليوم من مآسي إن هو إلا صفحة من صفحات منهج تآمري يستهدف المنطقة أيضا وليس العراق وحده.

 

وإن محاربة الفساد ووقف الإمتهان لكرامة الإنسان وسرقة المال العام في العراق وفي وضح النهار بدون وازع وبلا خوف حتى من الله عز وجل يحتاج الى قيادات مخلصة ومسؤولة لإيقاف هذا الإنحدار الخطير في البنية الإنسانية والإجتماعية للمجتمع العراقي..

 

وان تكون هذه القيادات مؤمنة أولا بشعبها وحريصة على تأريخه وضمان مستقبله ولا يحق لها تجاوز مطالبها ..

 

وعلى هذه القيادات ان تسارع لتنفيذ طلباتها المشروعة وتحاورها بعقل مفتوح وحسن نية ورغبة صادقة في طلباتها غير المشروعة وحتى غير المعقولة..فنبض الشارع أصدق من نبض الحاكم.

بدون هذه القيادة وبفقدان هذا التواصل مع الشعب سيغرق العراق.. وعندها لن ينفع الندم..

 

اللاهم إلا إذا كان الذي يجري هو الهدف وهو المُراد!..

أما في دول الإقليم وبغياب تلك القيادة التي تتصدى للإنهيار في الداخل العراقي فسيكون من واجب قياداتها تنفيذ برامج الوقاية التي مهما كانت صارمة ودقيقة فستكون عرضة أيضا للإنهيار في زمن قادم لامحالة عند بقاء الحال على ما هو عليه اليوم إن لم نقل إذا إزداد تفاقما!..

 

وفي أول فعل مؤثر للوقاية هو إيجاد تلك الأيادي الخبيثة الخارجية الدخيلة على الشخصية العراقية التي تحتضن وتموِّل وترعى برامج نشر الفساد وسحق كرامة الإنسان وتتستر عليها.

 

وسيكون من واجب الإقليم حينها السعي الجاد ليس بقطع ما يصلهم مما ينبت على أرض العراق من زرع فاسد وسموم وعبوره لهم فوق سطح الأرض بل بالسعي والتعاون لإقتلاع هذه الآفات من جذورها!..

 

لأن هذه الجذور تمتد عميقا وتنتشر في كل الإتجاهات وهي لاتعترف بالحدود ولا تتحسسها منظومات المراقبة ومعدات الكشف المتطورة وسيتقبلها أي تراب..

تماما مثلما تقبلتها وإحتضنتها التربة العراقية الطاهرة!.

 

 





الخميس ٢ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كامل المحمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة