شبكة ذي قار
عـاجـل










لا نزعم أن العراقيين قبل الاحتلال كانوا منعمين أمنا ورخاء ، ولكنهم كانوا أفضل حالا مما عليه اليوم، مع أنهم كانوا خارجين من حربين غاشمتين استمرت عشر سنوات مع إيران ( 1980 - 1988 ) وبعد سنتين تلتها حرب الخليج الثانية مع أميركا، ثم جار عليهم الغرب الغاشم بأربعة عشر عاما حصارا تعد فيه على العراقيين لقيمات الخبز وأقلام الرصاص. ولكن الحكومة كانت قائمة ترعى المصالح بفضل البنية التحتية الرصينة التي أعدتها خلال الفترة التي سبقت الحرب، مما ساعدها على الحفاظ على أركان الدولة؟ وكان يفترض وفق وعود أميركا الكاذبة أن تتحسن الأحوال بعد الاحتلال برفع الحصار وإطلاق تصدير النفط، ولكن الأمور ساءت وتدهورت كما توقعنا، فحملة أميركا على العراق “استندت إلى خصٍ مائلٍ” اعتمدت عملاء بوجهين بنادقهم لها، وقلوبهم لإيران.أميركا جاءت لتنتقم ولتنهب وتمتص دماء العراقيين وليس لسواد عيونهم.


كانت للعراق قبل الاحتلال أجهزة أمنية يقظة حصنت البلاد، وبدفع من إسرائيل وتحريض عملاء إيران عرابي الاحتلال أقطاب العملية السياسية القائمة، حلتها أميركا وشردت منتسبيها سعيا لخراب البلد، فأحدثت فراغا سمح بالانفلات الأمني. وكان العراقيون وحدة متراصة لا يعرفون الطائفية، ولكن فتح الحدود سمح بتدفق مليوني إيراني صفوي والمليشيات وجلهم ممن كانوا يعيشون في العراق قبل الحرب مع إيران ورحلتهم الدولة لتبعيتهم الفارسية، فدربتهم إيران وأعدتهم وأوكلت إليهم المهمات والأدوار فهم يعرفون المناطق، ويجيد بعضهم اللهجة العراقية ليكونوا أداة للانتقام وتصفية الحسابات، وغرس بذور الفتنة بدءا من اغتيال ضباط الجيش والطيارين الذين اشتركوا في الحرب واختطافهم ومحاكمتهم في طهران للانتقام من العرب وإرهابهم وتهجيرهم.


وكانت للعراق قاعدة علمية رصينة في حقل التعليم والبحث العلمي تستند كوادرها إلى رصيد وتكوين مدروس اعد بوعي من خلال البعثات لتشرف على نهضة صناعية واعدة أوقفها الاحتلال، وأغلق مراكز بحوث الطاقة والتصنيع العسكري وشرد علماءها خارج القطر، ومع اشتداد الفتنة الطائفية المذهبية بدأت المليشيات الوافدة من إيران بتصفية الكفاءات فقتلت واغتالت واختطفت عشرات الآلاف من الأساتذة الجامعيين والأطباء والمهندسين والصحافيين والفنانين والباحثين والمثقفين على الهوية، لتفتح المجال أمام جيل من مزوري الشهادات والحاصلين زورا وبهتانا على شهادات عالية من حوزات قم الصفوية ويحتلون الجامعات والمعاهد والوظائف العليا، وفي العراق اليوم أكثر من مئة ألف شهادة عليا مزورة تعرف وزارة التعليم العالي أصحابها ولكن لا تجرؤ على محاسبتهم لأنهم من المنتفعين بدولة المالكي وهو منتفع منهم، بينهم وزراء ونواب ومستشارون وسفراء ومديرون وأساتذة جامعات وليس هناك من يحل محلهم. فخربوا التعليم، وتفشت الرشوة والفساد، وضاعت المسؤولية، وتدهور الأداء، وأخفقت الحكومة في السيطرة على مقاليد الأمور فتهاوت أركان الدولة.


وكان في العراق نظام اجتماعي متماسك وعادات وتقاليد وأعراف استحكمت في الناس لا يتهاونون باختراقها، ووضعت الدولة حدودا قاسية على البغاء واللواط والاغتصاب والمخدرات والسرقات. وأجهزت على هذه الظواهر الخبيثة، وقد يقول قائل جعل الحصار الناس يعيشون على الكفاف، ولكن كانت هناك حصة تموينية توزعها الدولة على الأسر حسب عدد الأفراد تحتوي ثمانية عشرة مادة أساسية تسد حاجة الناس بأسعار أقل من أسعارها في السوق بـ 90 %، وكان في العراق دور أيتام وملاجئ لأبناء الدولة. ورواتب لأبناء شهداء الحرب، وبعد الاحتلال شرد مليونا عسكري وموظف بالاجتثاث حرموا من رواتبهم واستبدلوا بمليشيات وعملاء الحرس الثوري الإيراني، وشرد الأيتام، وأبناء الدولة وأصبحت مراكزهم مقرات للجيش الأميركي وجعلوا الفتية والفتيات الأحداث هائمين في الشوارع عرضة للإغراء والموبقات، ودفعت الفاقة النساء العراقيات إلى العمل مع القواعد الأميركية فتعرضن للتحرش والاغتصاب، كما شاع زواج المتعة المقنع المنتشر في إيران، وتفشى تعاطي وبيع المخدرات التي تدخل عمدا وبسهولة عن طريق إيران، فانتشرت الإمراض وعلى رأسها الايدز والإدمان وبخاصة في مناطق العرب الشيعة المحافظة في الجنوب، ومن لا يصدق فليطلب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة العراقية ولاسيما في النجف وكربلاء وسائر المحافظات الأخرى.


وكانت في العراق منظومة تأمين صحي وخدمات مجانية راقية، واليوم فيه أعلى نسبة مصابين بأمراض السرطانات بفعل استخدام المحتل الأسلحة المحرمة وشاعت الأمراض الجنسية كالايدز وإدمان المخدرات والأمراض النفسية، وأربعة ملايين مهجر في الداخل والخارج، و70 % من الشعب دون خط الفقر، كل هذا لتفكيك البنية الاجتماعية، فضلا عن مليشيات بدر، وجيش المهدي، وجيش المختار، وحزب الله، وجماعة أهل الحق، الذين يعيثون في الأرض فسادا وظلما، وليس لدى المرجعيات ما تدعو إليه إلا السير على الأقدام من المحافظات إلى العتبات، وإقامة مواكب العزاء والنواح، والدعوة، إلى الثأر من بني أمية والنواصب وليس لهم وجود إلا في عقول الملالي، المبحرين في مجهول الخزعبلات والأساطير والخرافات؟.

 

 





الخميس ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة