شبكة ذي قار
عـاجـل










تسابقت السلطات في بغداد وطهران في البحث عن الزعامة. كان هوسهم بها يفوق الحد لأنها تعني أضفاء الشرعية على حكوماتهم المأزومة، ومنفذا للهرب من الضغط الشعبي الداخلي وضغط المحيط الخارجي، بالايحاء بالحصول على المقبولية والقدرة على مواجهة التحديات. حكومة بغداد بحثت عن الزعامـة طويلا في أروقة مؤتمر القمـة العربي الذي انعقـد في شهر اذار- مارس المنصرم. كان عـار الاحتلال يلاحق ساستها الذين قدمـوا مع القوات الاجنبية وقبلوا أن يكونوا دمى. كانـوا عـراة مـن أية شرعيـة ثوريـة او ديمقراطية أو دوليـة، فظنوا ذلك المؤتمر حبل نجاة لهم وسوف يكسي عوراتهم، فأضحت تصريحاتهم ناعمة توافقية، ولبسوا أقنعة عربية على الرغم من طائفيتهم، وباتوا عروبيين أكثر مـن كـل العرب، وتوسلوا بالزعمـاء وأرسلوا طائراتهم الخاصة لجلب بعضهم، ووعـدوا أخرين بتسهيلات نفطيـة ومساعـدات ماليـة، وهللوا بنجـاح المؤتمر حتى قبل أنعقـاده. ومـا أن عُقدت لهم زعامـة القمـة وجلسوا فوق كومـة قش النظام الرسمي العربي، حتى أنقلبوا على ماقالـوا وعـادوا يشتمون هـذا القطر العربي وذاك، ويصنفون أبناء الامـة على أسس طائفية. وها هي الامة تغرق في بحر الاضطراب وتجول في المجهول، ومؤسسة القمة التي يتزعمها العـراق أزدادت شللا بتربعه على عرشها، وهـو الكسيح والفاقـد الهويـة والمضطرب في جميـع شؤونه والمتراجـع عـن دوره، لكنهم يعتقدون بأنهم حصلوا على الشرعية بعد عقده.


أمـا طهران التي تعيش أزمة مجد أمبراطوري غابر، وحلم دور شرطي الخليج والمنطقة الذي أنتزع منها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، فهي الأخرى ظنت بأن عقد مؤتمر عدم الانحياز على أرضها سيكون لافتة كبرى تكتب عليها مطالبها، في موضوع البرنامج النووي الذي تتصارع فيه مع الغرب، والحصار الاقتصادي الذي بات يضيق عليها، والعزلة الدولية التي تعانيها الحكومـة، وسعيها لحشد الدعم كي لا تُكسر حلقة أمنها القومي في سوريا وفق رؤيتها. لكـن فاتها بأن منظومـة عـدم الانحياز لم يعد ينطبق عليها هـذا الوصف أطلاقـا، حيث باتت مجموعة دول غالبيتها ترتبط بمعاهدات وأحلاف سياسية وأقتصاديـة مـع الولايـات المتحـدة الامريكية والغرب عموما، وأضحت مصالحها وتوجهاتها السياسيـة متناقضة فيما بينها تماما، ومن المستحيل أن تضحي أية دولة فيها بمصالحها مـن أجل التضامن السياسي مع الحكومـة الايرانية. وقـد بان ذلك بوضوح شديد منذ الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بالموقف المصري، الذي شكل تقاطعا حـادا مـع الاهداف الايرانية من عقد المؤتمر، وصدمة كبيرة للتوقعات السياسية التي كانت تعول على الحضور المصري الرسمي الكبير. فقد رسم الساسة الايرانيون سيناريو ذلك الحضور بأنـه سيكون صفعـة دوليـة كبرى للولايات المتحدة، وصفعـة أقليمية مدوية للمحور العربي المؤيد للاحداث في سوريا، لكن توقعاتهم باءت بالفشل الذريع. لقد تشاركت حكومتا بغـداد وطهران في التفاؤل المفرط بالمؤتمرين الذين عقدا برعايتهما، مؤتمر القمة العربي ومؤتمر عـدم الانحياز، لكن خيبتهما كانت مشتركـة أيضا مـن حيث النتائج التي حصداها من هذين الحدثين السياسيين. فـلا مؤتمر القمة العربي فك العزلـة العربية عـن نظام الحكم الطائفي في العراق، ولا مؤتمر عدم الانحياز كان قادرا على الضغط على المشاركين فيه للانحياز التام للتوجهات السياسية الايرانية.


ولعل المفارقة الكبرى أن حكومة بغداد طرحت ما سُمي نظام أصلاح الجامعة العربيـة ومؤسسة القمـة العربيـة، في الوقت الذي ثبت لجميع المتابعين للشأن السياسي العراقي، أن هذه الحكومة أول من رفع أسم العراق من قائمة الدول العربية، بعد أن نزع دستورهم عنه هذه الصفة، كما أن كل تصريحاتهم ونهجهم السياسي كانا أبعد مايكون عن التضامن العربي، لذلك لا غرابة ان يكونوا أول المتخلين عن مشروعهم للاصلاح حـال أنفضاض مؤتمر القمة العربي، لأنهم أرادوه غطاء سياسيا ومحفلا يُظهرون فيه وجودهم على الساحة العربية لاغير، كذلك حكومـة طهران طرحت ما سمته العـودة الى الجذور الحقيقيـة التي قامت عليها حركـة عـدم الانحياز، كحق تقرير المصير، والسلامـة الاقليمية للدول، ورفض أستخدام القـوة والتهديد بهـا، بينما تؤكـد في منهجها السياسي اليومي على العمل بالضد من كل هذه التوجهات التي دعت اليها. فلازال عرب الاحواز محرومون من حق تقرير المصير ومن كل حقوقهم السياسية والمدنيـة والدينية، وكذلك بقيـة القوميات الاخـرى. كمـا أنها تهـدد يوميـا السلامـة الاقليمية لدول الجـوار، وتخرق سيادتها كمـا هـو حاصل في العراق، الذي صادرت قراره السياسي والاقتصادي والامني وسيطرت حتى على مؤسساته الدينية، كما تستمر بالقصف العشوائي لقرى شماله وتقطع المياه عن روافد الانهار المارة فيه. كذلك بات التهديـد بأستخـدام القـوة هـو الهراوة التي يحملها كافـة المسؤولين فـي أيـران، فيهددوا بها دول الخليج العربي خاصـة والـدول العربيـة عامـة، حتى وصلت أذرع حرسهم لتتلاعب بأمـن دول حركـة عـدم الانحياز نفسها في جنوب شرق أسيا وشمال أفريقيا. وبذلك فأنهم اول من نسف مبادىء حركة عدم الانحياز من أجل مشروعهم. أن زعامـة المؤتمرات والمؤسسات السياسيـة الاقليميـة والدولية، تفرض على زعمائـها أنتهاج أساليب تعـزز مـن التكاتف والتلاحـم السياسي والاقتصادي والامني بين المجموعات الاقليمية والدوليـة المتشاركة في هـذه التجمعات، وأن تبتعد عن وسائل تحقيق السياسـة بالطرق العنجهية العارية القوة حتى تستطيع تحقيق الاهداف المرجوة منها. وبخلاف ذلك تصبح هذه المؤتمرات مجرد نوادي لالقـاء الكلمات وأستعراض العظلات المضمحلة، وتبقى الزعامـة فيها على عروش خاوية.

 

 

صحيفة القدس العربي اللندنية

 

 





الثلاثاء ١٧ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة