شبكة ذي قار
عـاجـل










الثامن من آب لأربع وعشرين سنة خلت، لم يكن يوماً عادياً، في التأريخ الزمني، لأنه جسد بدلالاته وأبعاده، محطة نضالية في تاريخ العرب. وهذا اليوم يكتسب أهمية خاصة، ليس بكونه أرخ لنهاية حرب استمرت ثماني سنوات، وليس لكونه بمقدماته ومعطياته كان إعلاناً سياسياً بانتصار العراق في تلك الحرب التي فرضت عليه ، بل كان الأهم من كل ذلك، ان انتصار العراق، كان انتصاراً على المشروع المعادي الذي هدّد أمن العراق الوطني والأمن القومي العربي من مداخل الوطن العربي الشرقية، والذي كانت أداته التنفيذية والميدانية النظام الإيراني، فيما رعاته وداعموه كل الذين ناصبوا الأمة العربية العداء على اختلاف مشاربهم الفكرية ومشاريعهم السياسية، وفي طليعة هؤلاء التحالف الصهيوني – الاستعماري المشدود إلى مركز القرار الأميركي.


صحيح أن التكلفة لهذه الحرب كانت كبيرة، وأن التضحيات كانت جسيمة، لكن تحقيق هدف بحجم الإنجاز الذي حققه العراق في دفاعه عن وحدة العراق وعروبته ووحدة نسيجه المجتمعي، يجعل كل خسارة وتضحية تهونان أمام حماية المصير الوطني ووأد المشروع الذي أطل برأسه من الشرق والذي أريد له أن يكون الرديف الموضوعي للمشروع الصهيوني الهادف إلى تحويل احتلال فلسطين واغتصابها إلى مشروع للاستلاب القومي الشامل.
إن العراق الذي خرج من الحرب رغم أثقالها وأعبائها منتصراً، خرج منها أكثر اقتداراً على الصعد السياسية والعسكرية، وأثبت للقاصي والداني، بأن الشعب على استعداد للتضحية إذا ما توفرت له القيادة المعبرة عن أهدافه وأمانيه والتي تعمل لتوظيف التضحيات في سياق مشروع نهضوي تعم مفاعيل أرجاء الوطن بكامله.


ولما جاءت نتائج الحرب بمعطياتها السياسية والعسكرية، بعكس ما من النفس به حكام طهران ومن مد العون المادي لهم، بدأت التحضيرات العملانية في دوائر الغرب الاستعماري المتماهية مع الأهداف الصهيونية، لإسقاط نتائج هذه الحرب التي جاءت مهددة لأمن النفط وأمن "إسرائيل" بحسب المفهوم الصهيو-أميركي.


ولهذا فإنه ما أن وضعت هذه الحرب أو زارها، وبدأ العراق رحلة بناء وترميم ما تهدم، حتى وضع مجدداً في مرمى السهام السامة التي أرادات أن تصيب مقتلاً في الجسم العراقي عجز النظام الإيراني بكل ماكينته الإعلامية والسياسية والعسكرية عن اختراقها، لا بل أكثر من ذلك، فإن القوى التي تناصب العراق والأمة العربية العداء، لم تترك له فرصة لالتقاط الأنفاس، لإدراك منها بأن هذا الانتصار العراق لن تقتصر إثارة الإيجابية على بعده الوطني وحسب، بل ستطال مفاعيله البعد القومي. وأن العراق بعد خروجه من هذه الحرب بتماسك وطني وسياسي، وبقدرة عسكرية ميدانية وخبرة في ميدان التصنيع العسكري، سيكون القاعدة الارتكازية الأهم في الوطن العربي، لمشروع النهوض القومي تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي الطليعة منها فلسطين.


انطلاقاً من هذا التصور الشامل للدور الذي كان ينتظر العراق في مسيرة النهوض والتحرر القومي، كان استهدافه عبر آليات جديدة .ولو لم تشن عليه الحرب الأولى على أرضية الموقف من الأزمة مع الكويت وما تولد عنها من تداعيات، لكن شنت عليه الحرب على أرضية موقف آخر، في ظل حملة إعلامية هائلة موجهة من مراكز القرار الاستعماري الذي يستقر في العقل السياسي الأميركي حالياً، والاثبات على ذلك، ان العراق بعد خروجه من الكويت، لم يخرج من دائرة الحرب عليه، بل استمرت بأشكال مختلفة، من الحصار الاقتصادي الذي لم يشهد التاريخ مثيلاً له إلى الحصار السياسي والعسكري والذي توج بعدوان شامل عام /2003 وخارج إطار الشرعية الدولية، واستناداً إلى تقارير كاذبة وملفقة وباعتراف الإدارة الأميركية ذاتها.


من هنا، فإن الحرب على العراق الأولى منها والثانية التي أنتهت باحتلاله، لم تكن بسبب أكاذيب مزعومة حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وليس لعلاقة مزعومة مع القاعدة، وليس لعدم وجود تعددية سياسية وتداول للسلطة كما روج لذلك منظروا "الديموقراطية" الأميركية التي اختبرت عيناتها في "ابو غريب" والفلوجة، بل كان بسبب النتائج السياسية التي تمخضت عن الحرب مع إيران، ما كان منها واقعاً وما كان مقدراً واحتمالاً. ولهذا فإن الحرب التي قادتها أميركا على العراق كانت حرباً على نتائج الحرب مع إيران ولتحقيق ما عجزت عن تحقيقه الاخيرة في حربها التي دامت ثماني سنوات، وهذا أمر طبيعي أن يحصل، لأنه عندما يعجز الوكيل حتى إنجاز ما كلف به، يتقدم الأصيل ليكمل المهمة بنفسه.


على هذا الأساس، يجب النظر إلى دلالات يوم الثامن من آب لأربع وعشرين سنة خلت، فهو يوم وطني بامتياز ويوم قومي، لأنه كان استحضاراً لأيام ذي قار والقادسية الأولى، ولهذا كان تتويجاً معنوياً لأيام القادسية الثانية.
هذا اليوم، والتكلم عنه بصيغة الحاضر، لأنه يجب أن يبقى حاضراً، في الذهن الوطني العراقي وفي الذهن العربي، لأنه يوم أغر، لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق معطيات المسيرة النضالية التي أرست دعمائها ثورة السابع عشر - الثلاثين من تموز والتي بما حققته من إنجازات وفرت الأرضية للنصر الذي كان إعلانه الرسمي في الثامن من آب.


هذا النصر، الذي لم يرح، كل الذين وقفوا خلف قرار الحرب على العراق في الرابع من أيلول/1980، وزينوا الطريق له سارعوا الخطى لإسقاط مفاعيل ونتائج هذا النصر العراقي، وهم بما استطاعوا من تحشيد للقوى، واستنفار سياسي وإعلامي، طنوا أن يوم التاسع من نيسان /2003، هو الإعلان الرسمي لإنهاء مفاعيل يوم الثامن من آب، ولهذا، اعتبر النظام الإيراني، أن يوم وقوع بغداد تحت الاحتلال الأميركي، هو يوم نصر له، لأنه ثأر له من يوم الثامن من آب. وعندما يقول حكام طهران، بأنه لولا المساعدة الإيرانية لما استطاعت أميركا وحلفائها احتلال العراق، فهذا دليل قاطع في قوته الثبوتية، بأن النظام الإيراني كان شريكاً كامل العضوية في العدوان على العراق عام /2003 وما سبقه ذلك من عمليات تخريب أمين وسياسي واقتصادي.


لكن كما وقع النظام الإيراني في مطب الحسابات الخاطئة عندما ظن أن العراق سيكون لقمة سائفة عندما بدا حربه في الرابع من أيلول، وقع في المطب نفسه، الحلف الذي قادته أميركا. وان هذا الحلف خرج مندحراً تحت جنح الظلام، بعيداً عن بهرجة الإعلام المرئي والمسموح والهوليودي الذي رافق رحلة العدوان الأولى والثانية.


هذا الاندحار الأميركي، بفعل الدور الذي اضطلعت به المقاومة الوطنية العراقية، أسقط مفاعيل التاسع من نيسان، وأعاد إلى الواجهة دلالات يوم الثامن من أب، كيوم للنصر العراقي في القادسية الثانية الذي كان افصاحاً عن الإرث النضالي المختزن في البنية العراقية الوطنية والتي جعلت هذا الشعب الأصيل في انتمائه القومي، الحصن الذي حال دون تمكن المشروع الإيراني من اختراق بنى هذا المجتمع و بالقدر نفسه وفر الحاضنة الشعبية للمقاومة الوطنية التي استطاعت في ظروف غير متكافئة بمعطياتها المادية واللوجستية، ان تدمر الاحتلال، وتلحق الهزيمة بأعتى قوة عسكرية في التاريخ الحديث.


وإذا كان العراق، استطاع أن يتحرر من الاحتلال الأميركي، فإن جبهة الخلاص الوطني للجهاد والتحرير كممثلة شرعية للطموح العراقي في التحرر الوطني والبناء الديموقراطي، تعتبر أن مهامها لم تنته بطرد المحتل الأميركي وحسب، بل هي معينة أيضاً بالتصدي لكل من يحاول أن يرث هذا الاحتلال مباشرة أو بالواسطة، كنتائج أفرزها الاحتلال وفي مقدمة هذه الإفرازات، إسقاط الأدوات المحلية التي أنيط بها ملء الفراغ السياسي على خط التفاهم الأميركي، الإيراني، والتي باتت تشكل مرتكزات لدور إيراني، يسعى لاحتواء العراق والحاقه بالفلك الإيراني.


ولهذا فإن النظام الإيراني، الذي اندفع بقوة بعد الانسحاب الأميركي، لفرض هيمنة على العراق مستفيداً من واقع الحال القائم، يعمل لدفع الوضع العراقي نحو تكريس التطييف للحياة السياسية والمجتمعية والدفع أيضاً باتجاه تقسيم المقسم، واستغلال كل فرصة متاحة لاختراق المؤسسات العراقية، لإدراك منه، بأن القوى التي تدين بالولاء له حالياً، لن تدوم لها لها الامرة السياسية، خاصة وان شعباً مقاوماً استطاع أن يهزم أميركا، بإمكانه أن يهزم أية قوة أخرة، لأن من يستطيع فعل الأكثر يستطيع فعل الأقل.


من هنا، فإن المقاومة الوطنية العراقية في ظل قيادتها المؤتمنة على أماني الشعب والمجربة في ميادين النضال والملتصقة بمناضيلها وجماهيرها، لن تقبل أن يستبدل احتلال مباشر بآخر مقنع، وهي كما كانت معنية بمواجهة المحتل الأميركي، فإنها بعد طرد هذا الاحتلال، ستكون أولوياتها، لمواجهة المشروع الإيراني الذي يشكل استمراراً للاحتلال الأميركي ان لجهة تهديده لوحدة العراق وعروبته أو لجهة تفكيك تماسك نسيجه المجتمعي.


وما يجعلنا، نثق بقدرة الشعب عل مقاومة هذا القادم من الشرق لفرض هيمنة على العراق، هو أن من استطاع أن يدير حرباً لمدة ثماني سنوات ويخرج منتصراً منها، ومن استطاع أن يحمل لواء مشروع مقاومة، ويقاوم المحتل لأكثر من تسع سنوات، ويفرض الاندحار على هذا الاحتلال، لهو قادر على مواجهة التحديات الجديدة، وهو بات يختزن تجربة نضالية غنية، ويتكئ إلى خض شعبي دافئ، ولن يطول الوقت كثيراً حتى يكون للعراق يوم وطني آخر، يوم يعلن فيه رسمياً استعادة العراق لذاته وهويته ووحدته، يوم يكون مكملاً بنتائجه السياسية ليوم الثامن من آب، وما أكثر الأيام المجيدة في تاريخ العراق.

 

 





الجمعة ٦ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أب / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة