شبكة ذي قار
عـاجـل










تنظر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ال "سي آي أي" ، إلى ما جرى ويجري في اليمن بإهتمام بالغ الدقة ، على أعتبار مركزي واحد يتمثل برؤية هذه الوكالة لليمن بإعتباره مركزا لتنظيم القاعدة ، وأنه من القوة والقدرة بمكان يجعله يشكل نقطة ساخنة للإرهاب ، تهدد بشكل مباشر الأمن القومي للولايات المتحدة ، وقد عزز من هذه المخاوف الأمريكية نجاح عناصر هذا التنظيم في السّيطرة على بعض الأجزاء من محافظتي "أبين" و"شبوة" في جنوب اليمن مؤخرا ، وبسبب التقارير الواردة من عملاء الوكالة في اليمن من جهة ، ومن بعض العمليات النوعية التي كانت اليمن ممرا لها أو مسرحا لحدوثها من جهة أخرى.


إن التطور الذي يؤكد هذا القلق الأمريكي وربما الغربي عموما ، أعتراف الإدارة الأمريكية لأول مرة ، بحسب تقرير للبيت الأبيض أرسل إلى الكونغرس الأمريكي ونشر يوم الجمعة 15 يونيو/حزيران الماضي ، بأن الولايات المتحدة لا تكتفي بمراقبة عناصر "القاعدة" في اليمن فقط ، بل ستشن عمليات عسكرية نوعية للقضاء عليهم ، وقد نرى في الأفق القريب تطور في طريقة التعامل الأمريكي والحكومة اليمنية مع تنظيمات القاعدة وصفتها الإدارة الأمريكية ب " عملية إزالة الخطر " . ولعل المخاوف التي تنقلها الحكومة اليمنية لحلفاءها تكمن في تمكن القاعدة من تنظيم وكسب عناصر من الجيش اليمني لصفوفها وتكليفهم بعمليات نوعية ودموية ذات تأثير إعلامي مباشر كالعملية الانتحارية التي قتل فيها 107 جندي وأصيب المئات في ميدان السبعين بصنعاء في21 مايو الماضي . والعملية التي أحبطتها الأستخبارات العسكرية اليمنية مؤخرا والتي يفترض أن يقوم بها أفراد من الجيش اليمني من خلال تنفيذ أربع عمليات أنتحارية بإحزمة ناسفة تستهدف مئات الضباط والجنود في وحدات عسكرية نوعية مقاتلة في صنعاء ، ولعل الأخطر في هذا الموضوع تحديدا ، هو تخوف عسكري رسمي في وزارة الدفاع اليمنية من أختراق تنظيم القاعدة لإهم الأجهزة الأمنية في البلاد " المخابرات ، الأستخبارات العسكرية ، الأمن " وهو ما يعني تمرير المعلومات بشكل يساعد التنظيم على تنفيذ عملياته ومفاجأة السلطات دون أن تكتشف خيوط عملياته أو أن يتم تمويهها عن عمد .


معروف أن تنظيم القاعدة في اليمن برز عقب عودة من عرفوا باسم "الأفغان العرب"من أفغانستان، وقد استهدفت أول عملية للتنظيم عام 1992 عناصر من قوات البحرية الأمريكية "المارينز"، في فندق عدن ألذي كانت تقيم فيه قبل توجهها إلى الصومال ، بعدها بدأت القاعدة تنفيذ سلسلة من العمليات منها استهداف سياح بريطانيين واستراليين في "أبين" في ديسمبر عام 1998، ثم تفجير المدمرة كول التي أودت بحياة 17 بحارا أمريكيا، ثم تفجير ناقلة النفط الفرنسية (ليمبورج) في نوفمبرعام 2002 . وحدث في مطلع عام 2009 تطور مهم حيث أعلن عن دمج تنظيمي القاعدة في اليمن والسعودية ، أطلق عليه "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، هذا التنظيم أصبح بعد إعلانه مباشرة مصدر قلق وتخوف حقيقين من أجهزة الأمن في الدولتين ، إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية عديدة ، وقد زاد من نشاطه خلال تزايد مظاهر أعتصامات المعارضين للرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، فاستهدف الجيش اليمنى، وفي ظل الفوضى التي خلفتها المشاكل المصاحبة لحالة الفوضى السياسية والعسكرية في البلاد ، وبعد أن قصف المقر الرئاسي وإصابة الرئيس اليمني ومغادرته اليمن للعلاج ، سيطر مسلحو التنظيم على مدن يمنية مثل محافظة شبوة و مدينة زنجبار في الجنوب اليمني ومناطق أخرى في أنحاء مختلفة من اليمن ذو التضاريس الصعبة والمتنوعة .


هناك إذن قواسم مشتركة للتخوف من تنظيم القاعدة المتمركز في اليمن ، الغرب بشكل عام والولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص ، المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ، إضافة إلى الدولة المعنية بشكل مباشر ، اليمن ، فلم لم تستطيع هذه الدول ، وهي ذات أمكانيات كبيرة سياسيا وعسكريا واستخباراتيا وأقتصاديا ، من تحجيم دور تنظيم القاعدة في اليمن ؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل ترتبط بعدة عناصر ، أهمها :
أولا - طبيعة اليمن تضاريسا ( مناطق وعرة ، جبال ، صحارى ، مناطق نائية لايمكن الوصول إليها بسهولة ) ، وشعبا ( التوجه القبلي ، الطبيعة التدينية ، أنخفاض مستوى المعيشة ، أرتفاع نسبة الأمية ..ألخ) .


ثانيا - تناول الغرب للملفات الخاصة بتنظيم القاعدة بحسب أهميتها ، وأهميتها هنا تعني ؛حجم الخطر الذي يمكن أن تحققه على دوله ، ومصالحه ، وسفاراته ..الخ ، على ذلك ، كان وجود اسامة بن لادن ، زعيم التنظيم حرا طليقا مسألة مؤرقة لمخابرات الغرب عموما والمخابرات امريكية خصوصا ، ثم ظهور التنظيم بقوة في العراق بعد عام 2004 وبروز أسم قائده هناك أبومصعب الزرقاوي كعنصر معادي بقوة للقوات الأمريكية الموجودة هناك ، وهكذا ، كان تنظيم القاعدة في اليمن في ظل عمليات متباعدة وسلطة مركزية قوية نوعا ما بقيادة علي عبدالله صالح آخر ملفات القاعدة المؤثرة بقوة على الغرب .


ثالثا – تمكن تنظيم القاعدة في اليمن من الأستحواذ على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الحربية ، بسبب عدم وجود ضوابط تحكم سوق السلاح في اليمن من جهة ، وبعد تمكن هذا التنظيم من السيطرة على مواقع للجيش اليمني وإستحواذه على مخازن الأسلحة فيها ، هذه المواقع هاجمها التنظيم في الآونة الأخيرة في جنوب وجنوب شرق اليمن، نتيجة الانشغال الكامل بموضوع إسقاط النظام ورحيل الرئيس والأنقسامات الكبيرة في الجبهة العسكرية الرسمية مع أو ضد النظام .


رابعا - وجود قواعد للتدريب والتحشيد دون الخشية من إجراءات حكومية مؤثرة بسبب حالات الأختراق الأمني والمعلوماتي التي حققتها القاعدة من خلال عناصرها الذين كسبتهم للتنظيم من داخل المؤسسة الأمنية اليمنية ، مما دفع أمريكا لتنفيذ عمليات بطائرات من دون طيار أو بضربات صاروخية لمثل هذه الحشود معتمدة على معلومات عملائها في المنطقة أو صور الأقمار الأصطناعية المراقبة للمنطقة .


خامسا – الشعور العام المعادي للولايات المتحدة لدى الشعب اليمني خاصة بعد أحتلالها للعراق وأرتكابها جرائم بشعة ضد أبناء الشعب العراقي هناك ، عزز من فرش أرضية جيدة لتقبل طروحات القاعدة المعادية للولايات المتحدة بشكل مباشر .


إن الفترة المقبلة قد تشهد تصعيدا خطيرا في اليمن ، فتنظيم القاعدة هناك يسعى لتحقيق هدفه المحدد ، وهو إنشاء "دولة إسلامية" في اليمن تكون نواة لخلافة أسلامية كبرى تضم كل جزيرة العرب ( دول مجلس التعاون الخليجي) ، هذا السعي بات الآن حثيثا بعد سلسلة العمليات التي قام بها التنظيم في اليمن وسيطرته لإحايين مختلفة على مدن ومحافظات يمنية ، وبعد أختراق ما يبدو لتنظيمات ألجيش اليمني ومؤسسات الدولة الأمنية ، لذلك فإن المتوقع أن تشترك الجهود الأمريكية وربما حلف الناتو لمساعدة القوات اليمنية على محاربة عناصر وقيادات هذا التنظيم الذي يبدو حتى الآن أن تماسكه وتداخله مع القبائل يمنحه التفوق على القوات الحكومية اليمنية ولو بشكل مؤقت ، وقد عزز الرئيس الامريكي باراك اوباما بشكل واضح هذه التوقعات بقوله: "سنستكمل تعاوننا مع الحكومة اليمنية لاحباط عمليات القاعدة وتحديد اماكن قادتها وهو امر مهم لإمن الولايات المتحدة ولاستقرار اليمن والمنطقة".


إن موضوع تنظيم القاعدة في اليمن إذن ، لم يكن شأنا يمنيا رئيسا بشكل مطلق ، فاليمن وخلال السنوات الماضية وما زالت ، مهددة من ثلاث قوى في آن واحد، دون أن ترتبط هذه القوى باي توافق فكري أو عقائدي ، لكنها كانت جميعا تريد إسقاط النظام المركزي في صنعاء، هذه القوى هي ؛ تنظيم القاعدة ، والحوثيون ذوي التوجهات الشيعية والمدعومون من إيران ، و قوى التمرد الجنوبي ، تقوى وتضعف بحسب قوة الحكم المركزي في صنعاء ، أما الولايات المتحدة فهي تراقب أوضاع المنطقة عموما في ظل متغيرات كبيرة وكثيرة طرأت عليها بدءا من أحتلال العراق عام 2003 وأنتهاءا بما يجري في سوريا مرورا بما سمي بالربيع العربي ، ولعل الكثير من الهواجس بالنسبة لحسم ملف سوريا يعود في جزء رئيس منه إلى تنظيم القاعدة في اليمن ، نعم ، فوزارة الدفاع الأمريكية أبدت في أكثر من مناسبة تخوفها المرتكز إلى تقارير وكلاء المخابرات المركزية في اليمن وسوريا من قيام هذا التنظيم بإرسال مقاتليه لينضموا بقوة إلى المعارضين السوريين لنظام بشار الأسد ، إضافة إلى تمكن أعضاء هذا التنظيم من بسط نفوذهم على مساحات ومدن عديدة في أجزاء من اليمن ، ولعل من أكثر المخاوف الأمريكية البريطانية هي أن يمتلك تنظيم القاعدة في اليمن القدرة على تهديد الملاحة في مضيق باب المندب وما يعنيه ذلك من تأثير مباشر على واحد من أهم المضايق البحرية في العالم ، إضافة إلى إمكانية بسط النفوذ على الأرض وإعلان أول دولة أسلامية للقاعدة في اليمن تكون شوكة في خاصرة جزيرة العرب.

 

 





الاثنين ٤ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. فارس الخطاب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة