شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد المجزرة المروعة التي ارتكبت في الحولة بقضاء حمص، وتلك التي أعقبتها في "القبير" بريف حماه، انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور أمينها العام ومبعوثه كوفي أنان، لتطل على الأزمة في سوريا من نافذة حقوق الإنسان، وبعد مناقشات مجلس حقوق الإنسان التابع لهذه الهيئة، والذي حمل النظام في سوريا مسؤولية هذه المجازر التي ذهب ضحيتها الأطفال والنساء والشيوخ والعزل من المدنيين.


هاتان المجزرتان اللتين اهتز لهما الرأي العام، وكانتا موضع إدانة شاملة، ممن هم مع النظام، وممن هم ضده، وممن هم في منزلة ما بين المنزلتين، ليستا الوحيدتين في سياق تداعيات الأزمة، وبطبيعة الحال لن تكونا الأخيرتين لأن أزمة تندفع بسرعة لتأخذ بعد حرب أهلية، لا بد وأن ترافقها مجازر كالتي وقف العالم على مشاهدها المروعة، وأن يكون المدنيون هم أولى ضحاياها.


إن ما لفت النظر، خلال مناقشة الهيئة العامة للأمم المتحدة، ليس كثرة الذين قدموا مداخلات حول الموضوع، وليس بلاغة المفردات التي استعملها مندوبو الدول في الهيئة العامة، وليس التباكي بحسن نية وتأثر من البعض أو بخبث من البعض الآخر، بل ما لفت النظر هو تباكي مندوب الكيان الصهيوني على دماء الأبرياء في سوريا واستنكاره للمجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري التي تشكل بنظره انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان ولأحكام القانون الدولي الإنساني.


إن تتناول مداخلات المندوبين، انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، امر مفهوم، لأن الذي حصل يرتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية أياً كانت الجهة التي ارتكبت مثل هذه الجرائم، ومن ارتكبها، يجب أن يدان ويحاسب لأن ذلك يشكل فعلاً لا قولاً انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان الواجب احترامها في أوقات السلم والحرب والحروب الأهلية.


أما أن يقف المندوب الإسرائيلي ليندد بهذه الجرائم، ففي ذلك المفارقة الكبرى. لأن من يتباكى على انتهاك حقوق الإنسان يجب أن يكون على الأقل منسجماً مع موقفه في احترامه لحقوق الإنسان، وأن لا يكون تاريخه حافلاً بالانتهاكات الخطيرة لهذه الحقوق، وأن لا تكون يداه ملطختين بدماء الأطفال والنساء والشيوخ والعزل من المدنيين.


إن تاريخ الكيان الصهيوني منذ بدء التحضير لإقامته على أرض فلسطين، دونت محطاته الأساسية، بالجرائم التي بدأت مع عصابات الهاغانا وتستمر إلى يومنا هذا، وهي مفتوحة على الزمن، طالما بقي هذا الكيان يجسد ذروة الاستلاب القومي لأرض طرد شعبها منها، وبقي عرضة للقتل والتنكيل والتجير في داخل الأراضي المحتلة وخارجها من قبل آلة الحرب الصهيونية.


فهل نسي العالم، مذابح دير ياسين وكفرقاسم، ومدرسة بحر البقر، واغتيال القادة الثلاثة وعدوان 1978، واجتياح 1982، ومجزرة صبرا وشاتيلا وقانا الأولى والثانية، وجنين والحرم الإبراهيمي والمجزرة الكبرى المتواصلة فصولاً ضد غزة وقس ذلك لما لا يتسع المقال لذكره.


إن تاريخ "إسرائيل"، هو تاريخ حافل بارتكابها الجرائم ضد الإنسانية، وهذه باتت القاعدة التي تحكم سلوك هذا الكيان الغاصب، وعكس ذلك هو الاستثناء وأن يندفع المندوب الإسرائيلي لذرف الدموع على ضحايا المجازر في سوريا ففي هذا المفارقة الكبرى.


إن حال "إسرائيل" في التفنن باستعمال المفردات التي تدين سلوك النظام السوري ضد ما يرتكبه بحق المدنيين، هي كحال العاهرة التي تحاضر بالعفة.

 

 





الاثنين٢١ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة