شبكة ذي قار
عـاجـل










في التأسيس تلتهب ذاكرة التوثيق وتزهو ذاكرة الفعل الثوري كيما تتواصل حقائق الواقع الموضوعي ؛ فالعملية الثورية لم تتم بمعزل عن إرادة الجماهير العربية وقيادة تيار الحياة الكفاحي بإتجاه الهدف ذلك أن الماضي النضالي لم يكن يوما رهين محبسين بل هو الآن بالنسبة لتجربة حزب البعث العربي الإشتراكي إضاءة غنية لدرب طويل مشيد بدماء الشهداء ومعمد بالتضحيات تستشرف منه الأجيال الجديدة لتمدّ في نسغه صعودا الى إرواء شجرة الحياة النضالية وجني ثمارها.


لقد كان فتية الأربعينات من نمط الإقتحاميين البواسل في الحلم الثوري وفي العمل الميداني معا ... حين تمردوا على الواقع ورفضوه ولم يتوقفوا عند الرفض وحده بل قدموا تصورهم للمستقبل من خلال توفير المرشد النظري والبديل الواقعي ... حين قادوا عمليا وبجسارة نادرة حركة الثورة العربية نحو تحقيق أهداف الأمة والجماهير في الوحدة والحرية والإشتراكية .


فحين وضعوا أفكارهم ونظريتهم على محك الواقع والتطبيق لم يصدّق أحد سواهم أن هذه الأفكار ستكون يوما إنجازات ثورية ترفد حركة الحياة وتغذي بل وتقود حماسة الجماهير وإندفاعها الأصيل لتعميق جدوى الكفاح وبالتالي لدفع حركة الثورة العربية مسافات قياسية على طريق تحقيق الأهداف السامية النبيلة .


لقد كان فتية الأربعينات وشبابها من نمط الحالمين الثوريين بإنقلاب يشمل الإنسان والواقع والأمة وكان الناظرون الى النجوم رومنطيقيين في نظر البعض من ذوي النظر القصير ... لكن هؤلاء الرومنطيقيين لم يضعوا لبنات فكر البعث العربي الإشتراكي كرهان نزق ضد التيارات الفكرية والسياسية السائدة في المنطقة آنذاك بل كانوا يدركون أن معارضتهم لأساسيات توجه تلك التيارات لم تكن إلا وليدة الضرورة الموضوعية ...


إن ربط النضال الطبقي بالنضال القومي ووحدة الأمة العربية وتحررها وبناء المجتمع الإشتراكي العربي الموحد عبر أفعال إنقلابية ثورية يمتزج فيها الفكر العلمي القومي الإشتراكي الوحدوي بالروحانية والإيمان لم يكن مجرّد حلم أو يوتوبيا منعزلين عن الحياة بل كانا أساسا منطقيا وراسخا للنضال الحازم لحزب البعث العربي الإشتراكي ضد الإستعمار والصهيونية والتبعية والتجزئة والتخلف الإجتماعي .


وإن القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله ورفاق دربه الأوائل حينما وضعوا البنية النظرية لفكر الحزب وعقيدته والأساس التنظيمي لحركة الثورة العربية كانوا على ثقة تامة بالمستقبل وكان إعتمادهم على جماهير الشعب الكادح في محله إذ إنطلقت شرارة البدء المنظم والرصين عبر إنعقاد المؤتمر التأسيسي الأول في السابع من شهر أفريل سنة 1947 ... وقبل ذلك كان التمهيد نظريا ملتحما بالفعاليات النضالية التي مهدت مع مرور الزمن للإنتقال من تكاملية الرؤية الى تكاملية الأسس النظرية لفكر لحزب وهي ذات الأسس التي إغتنت وتطورت مع تطور الواقع العربي.


لقد نحتت المقاهي الأولى والبساتين وقاعات الدروس ودروب دمشق وجدرانها ذكريات البدء والولادة فكانت تشكل أرضية متواضعة تحيطها الجماهير بالوفاء الخلاق والحماية الرائعة والحدب المتواصل والتجاذب المبدع ... ولأن الحزب إعتمد على الجماهير في المكان والزمان وخارج الحدود الإستعمارية المصطنعة وتبريكات أنظمة الذل والمهانة فقد خاض نضالا مريرا من أجل قضية فلسطين وتحرير كامل التراب القومي من ربقة الإستعمار والصهيونية والرجعية العربية .


ولأن الحزب جاهر الجماهير بالحقائق ... صارحها وحاورها ... إعتمد عليها وأحتمى بها ... تعلم منها وعلمها وقادها وغذاها بنكران الذات والتضحية في سبيل المبادئ ... ولأن الحزب تواصى بالحق وتواصل مع أقصى نقطة قاعدية في الوطن العربي كله فقد تمكن من تحقيق المعجزات وباتت أحلامه حقائق راسخة في الزمن والتاريخ ومجرى الحياة في ظرف قياسي وإستثنائي .


إن الذين شككوا في يوم ما بأن الحزب سيعجز عن بناء تجربة الحكم الإشتراكي ذي الطريق الخاصة النابعة من خصوصية الحركة القومية العربية والنابعة من مبادئ أصيلة تلتصق بأرض العروبة وخصائصها .. أدركوا بعد سنوات أنهم مخطؤون في التقييم والتصور وأن أولائك الذين وصفوهم بالناظرين الى النجوم لم يكونوا مطلقا مثاليين في النظرة والعقيدة وإنما كانوا مثاليين في النموذج والتطبيق ... مثاليين بمعنى الكمال والطموح ومثاليتهم هي سمو في النظرة الى المستقبل مع ربط الصلة الحية بالشروط الذاتية والموضوعية وقوانين المجتمع وحركة الحياة والعصر فجاءت تجربة التطبيق الإشتراكي في القطر العراقي نموذجا لقدرة الحزب والأمة على بناء طريق خاص للإشتراكية يتلاءم مع طبيعة المجتمع والدولة في بلدان العالم الثالث ولا يتناقض مع روح الإيمان التي تسري في عروق أبناء الشعب .


وإن الوحدة العربية التي شكلت أهمّ مكونات الشعار المركزي للحزب وجدت طريقها الى التطبيق على يد أولائك الحالمين من بعثيي الرسالة الخالدة الذين صنعوا أمجاد الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 ورغم رياح الإنفصال وتعثّر المسيرة والتداعيات النفسية لسقوط التجربة سنة 1961 فإن طريق الوحدة لازلت تسكن قلوب وعقول البعثيين على إعتبار أنها طريق حتمية للمرور الى النهضة والتقدم وإحتلال الموقع الطبيعي لأمة الجهاد والتحرير وسط أمم العالم .


وبما أن غاية البعث العربي الإشتراكي هي في المحصلة النهائية تحقيق إنسانية الإنسان فإن الحرية هي قدر الإنسان العربي فردا في الأمة وفردا من الأمة وأمة في الزمن والتاريخ والحضارة ولهذا فلا رجوع ولا تراجع عن مطلب الحرية كمطلب أساسي يعيد للبعث العربي الإشتراكي صفاءه ورونقه وحيويته ويعيد للأمة العربية كرامتها المسلوبة لتتمركز من جديد وتحتل مكانها الطبيعي بين الأمم الفاعلة في التاريخ .
ولقد أثبت البعثيون الذي وصفوا بالحالمين أن الإشتراكية ليست من نسج الخيال ولا هي فكرة مستوردة إذ مارس أبناء البعث الإشتراكية في حياتهم الخاصة والعامة وأعطوا النموذج للإنسان العربي الإشتراكي عبر تقاسمهم لرغيف العيش داخل خلايا الحزب وصلب تنظيماته ومع جماهير الشعب فكانوا يشيرون الى أنفسهم حينما يسألون عن معنى الإشتركية لأنهم حققوا تفاصيلها في ذواتهم وسلوكهم اليومي قبل أن يحققوها على أرض المجتمع ... وبذلك كان البعثيون ولازالوا عشاقا للعدل والعدالة يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ويقتحمون الصعاب طلبا لحق المظلوم ويمنحون دماءهم فداء للأمة ومصيرها ومستقبلها ... إنهم الهادرون بحارا كلما إشتدّت معارك الحق ضد الباطل والمؤمنون بالشعب وطاقاته الخلاقة المبدعة كلّما شكّك مثقفوا الصالونات في قدرة الشعب على الفعل الثوري .


إن الجماهير لم تكن يوما كلمة ترد في المقالات والمنشورات والبيانات والخطب للإستهلاك والكسب الآني وإنما كانت الجماهير العربية الكادحة المناضلة وستظلّ الى الأبد حقيقة البعث العربي الإشتراكي الراسخة ومنهجه في الفعل والممارسة وطريقه لتحقيق أهداف الوحدة والحرية والإشتراكية فلا وحدة بدون الجماهير ولا حرية أو إشتراكية لغير الجماهير المسحوقة المستعبدة المظلومة.


ومن هناك كان الذين وصفوا يوما بالناظرين الى النجوم رعيلا من نمط خاص ومن طينة خاصة طليعة لأمة المستقبل تربط ماضي الأمة بحاضرها تمهيدا لإقتحام التاريخ وصناعته ورسم ملامح الأمة – الطبقة كما تصوّرها البعث العربي الإشتراكي وتحدثت عنها أدبياته الفكرية وجسدتها حصيلة سنوات من النضال والتضحية والإستشهاد في سبيل القيم .


فالى أبناء البعث العربي الإشتراكي ألف ألف تحية وهم يرابطون في مواقع الجهاد والتحرير والبناء ومقارعة قوى البغي والعدوان والرجعية ولتكن ثقتهم كبيرة بالأمة وطاقاتها الكامنة ولا تغرنّهم موجة الردّة في زمن صعود الظلامية فكرا ومنهجا إذ أن تاريخ الأمة لم يسجّل لخائن أو عميل نشوة دائمة ولا عمرا مديدا قائما على الظلم والقهر والإستبداد .


ولكم أيها البعثيون الشرفاء في كلّ الأرض العربية في تاريخ حزبكم العظيم شهادة ناصعة وتجربة ثرية تؤكد أن النصر يكون دوما حليف القوى التي تؤمن بالجماهير هدفا ووسيلة من أجل عزتها وكرامتها وتحررها ... ولكم في رفاقكم القادة الشهداء خير نموذج ينير لكم طريق الوحدة والحرية والإشتراكية...

 

 





الاثنين١٧ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عز الدين بن حسين القوطالي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة