شبكة ذي قار
عـاجـل










الذي قرأ يوما كتاب الأمير لنيكولو ميكافيلي ( الذي إبتدع المبدأ الميكافيلي – الغاية تبرر الوسيلة ) كان عليه أن يتوقف كثيرا أمام العبارة الشهيرة التي أوردها في كتابه وهي :

( الشجاعة تنتج السلم ..والسلم ينتج الراحة..والراحة يتبعها الفوضى..والفوضى تؤدي الى إضطراب ) ..ثم يقول : ( ومن الفوضى ينشأ النظام والنظام يقود الى الشجاعة ) ..

وعلى الرغم من تفسيرات الكثيرين إلا أن المقصود هو إن الشجاعة ستقودنا الى الفوضى والتي ستقودنا للنظام الذي يولد الشجاعة التي ستنمتج الفوضى!..

ومبدأ ميكافيلي هذا هو الذي هز وجدان الإنسانية وأصاب صميم القيم الأخلاقية وعناوين الرجولة والفروسية منذ أن تبنته سلطة الفرد والحاكم وآمن به المعارض له..

 

وكان هو الشعار الذي أُنتهكت تحت مضامينه كل معاني المنازلة الشريفة التي لم تكن في السابق يبحث فيها المتصارعون عن النصر فقط بل يقدمون عليه الموقف التأريخي الشجاع قبل التفكير بنتائج المنازلة..هذه المعاني والقيم التي أنهكها ميكافيلي ( ببدعه أو إبداعاته ) .. ( بحرائقه أو إضاءاته ) و ( بإثرائه أو تضليلاته ) و ( بحقه أو باطله ) عندما جعل الخيانة مشروعة..وتغيير الولاء ضرورة عندما تخدم هدف وأصبحت المصلحة الخاصة هي الهدف وكل الطرق الشريفة وغير الشريفة التي تقع باليد هي وسائل مسموحة للإستخدام للوصول الى هذه المصلحة حتى وإن كانت بالقتل والظلم والإستعباد والخيانة..وإن بنيت هذه الوسائل على الكذب والتضليل والخداع .

 

أهم ميزة لهذا المبدأ وعلى مر العصور هو إنه كان أداة قاطعة بيد الحاكم كما كانت أداة بيد الطامع بالحكم والسلطة ..

وتطور هذا المفهوم ليصبح أداة بيد النظام الذي تحكمه عقيدة أو لنقل بيد مجموعة أو حزب يسيطر على النظام وله عقيدة خاصة به..وتستخدم هذه الأداة إما لقهر الشعب أو لقهر الخصوم ..وهكذا تكرس مفهوم الوسيلة اللاأخلاقية وغير الشريفة كأداة بيد الظالم لإستعباد العامة وتكريس قوتهم لمصلحته الخاصة وليس لمصلحة الوطن الذي ينتمون اليه ..

وربطا لما حدث ويحدث عندنا..

 

فمن المنطقي أن يثور الشعب في مكان ما من بلاد العرب ويقود ثورته الشباب لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية المتسلطة التي تتكأ على هذا المبدأ وتستغله عذرا لممارساتها ومواقفها التعسفية..

 

ومن الطبيعي أن ما يحدث في بلد عربي ما طمعا في حباة جديدة تنعم بالإزدهار والتخلص من الظلم والإستبداد والقمع والتهميش على طريق طلب الحرية سيُحرك شباب البلدان العربية الأخرى للمضي نحو نفس الشمس التي إن أشرقت عمت بنورها ونارها..

 

وسيكون قفزا على الواقع إذا قلنا إن الذي يحدث من ثورات وإعتصامات وإحتجاجات عفوية في بلدان العرب سيكون بعيدا عن مراقبة ومتابعة وتدخل وإستغلال وتسخير الحركات السياسية الإسلامية والوطنية وغيرها والتي لها حضور في الساحات أو حتى تلك التي لم يكن لها وجود ..لأن هذا من حقها ..وعلينا ان لا نلومها بل إن من واجبها أن تستغل هذه الفرصة التأريخية..

 

وسيكون من الخطأ الكبير ان نقول إن الذي يحدث هو من تخطيط وتجميع لقدرات هذه الحركات..تماما كما سيكون من السذاجة أن نقول أن لهذه الحركات حضورا هامشيا!..

 

الغريب في ثورات ربيع شبابنا العربي الذي يجتاح كل البلدان العربية أن من ضمن أمواجها الهادرة تيارا ميكافيليا!..وهذا التيار ليس بقليل العدة والعدد وهو يؤمن بوجوب إسقاط هذا النظام أو ذاك ( الذي يثورون ضده ) بأي وسيلة وبأي أداة ..وأحيانا يفكرون بطائرات ودبابات الغير ووزراء دفاعهم وخارجياتهم! ..

 

الأغرب من ذلك أنه وحسب مقولة ميكافيلي ان أغلب هذه الثورات أنتجت فوضى عارمة ..التي ستنتج نظاما يقود الى شجاعة تعيد توليد حالة السلم والراحة لتتولد الفوضى لاحقا!..والفوضى التي لمسها الناس في ( ربيعن ) إن هي ال ( خريف للثورة ) وبداية فوضى أعمق من تلك التي بدأت بالتعرض في بعض البلدان الى رموز الوطنية الوظيفية التي تمثل جدار الصد الخارجي وإنحدرت الى استخدام القوة او التلويج بها تحت غطاء الديمقراطية التي تنعم بها ووفر لها مناخ النزول للشارع مع التلويح بالقوة!..

 

فإذا بد ( هؤلاء الثوار ) أيامهم الأولى في فجر الزحف الهادر بحثا عن الحرية والتقدم والرفاهية والعدالة والمساواة بأن يستخدموا وسائل ( مهما كان مصدرها وطبيعتها بغض النظر عن شرعيتها وصدقها وأخلاقيته ) فلننتظر عهدا جديدا من الديكتاتورية والظلم والظلام .. وهذه المرة سيكون الظلم والإنتقام والقتل والإستعباد بيد ( الذين كانوا ثوار ) ..من الذين ذاقوا مرارة الظلم وسقوا أرضهم بالدماء..

 

لأننا لم نسمع يوما أن المظلوم والمستعبد إذا ثار أو قرر أن ينتفض ضد الظلم والقهر ولإستبداد أنه سيستخدم نفس سلاح ظالمه وقاهره ومستعبده كما يدّعي!..

الأكثر غرابة !.. هو أن يجبرونا على أن نصدق بأن الذي ركب دبابة الأجنبي وعبر الحدود مع هذا المعتدي الطامع الى وطنه دليلا ومساعدا للإحتلال إن هو الا قائد لثورة الربيع العربي في هذا البلد !..

 

والذي يجعلنا نحتار ونستغرب بشدة أكثر..هو أن تثور من أجلنا حاملات الطائرات والغواصات النووية الغربية وصواريخ كروز العابرة للقارات والتي يتم إطلاقها من المحيط فوق كل شاخص حضاري أو سكني أو عسكري والتي لا تفرق بين الطفل وأباه ..ينتفض ويثور سلاح المحتل من أجل ربيعنا!..

 

عجيب ان يقبل شبابنا العربي في أولى ثوراتهم الربيعية بأن يلصق الطامعون والخائبون بهم صفة الخيانة التأريخية بالتنكر للوطنية في معناها وقيمها وتكوينها!..وأن يجعلوا الإنزلاق بطولة ..والرؤى المشروعة للشعب إرهابا وخيانة !..

 

 





السبت١١ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كامل المحمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة