شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أن لمت القوات الأمريكية أذيالها لتجرها مهزومة على أيدي أبطال المقاومة العراقية، ورغم أنها أتمت أنسحابها قبل أسبوعين من نهاية موعدها الرسمي في 31-12-2011، إلا أن المالكي ما يزال يرى الواقع وفق تصوره الأشول السقيم. ففي حضور عسكري داخل ملعب لكرة السلة في بغداد، بمناسبة إنتهاء الإنسحاب، تحدث المالكي بما وصفه "يوم العراق" قائلاً:
"أن بلدكم أصبح حراً وأنتم أسيادٌ تستحقون، وليس على أبناء العراق المخلصين إلا الحفاظ على سيادته ووحدته وإستقلاله".


ومن جملة ما تطرق إليه المالكي، هذه النقاط الرئيسة:


أ- أن العراق أستعاد عافيته سياسياً وأقتصادياً وأمنياً خلال فترة زمنية قصيرة وفي ظل وجود القوات الأجنبية على أراضيه.
ب- أن تباين المواقف السياسية حالة طبيعية في النظام الديمقراطي ما لم تتحول إلى عمل مسلح وتصفيات وإغتيالات.
ت- الإحتكام إلى الدستور الذي يُعد الملاذ الوحيد للإنطلاق في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز العملية السياسية والنهوض بعملية البناء والإعمار.
ث- أن العراق وشعبه وأمنه وأستقراره وسيادته ومصالحه العليا خط أحمر لا يمكن تجاوزها أو الإضرار بها.
ج- أن الإنسحاب هو ثمرة لإستراتيجية التفاوض التي أعتمدها حكومة الوحدة الوطنية في التعاطي مع وجود القوات الأجنبية.
ح- العزم على تسريع الخطى لتعزيز القوات المسلحة لتكون على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية التي لا تزال تزاجه العراق.
خ- أن مشروع المصالحة الوطنية هو خيار إستراتيجي مستمر أسهم في دعم العملية السياسية وتثبيت الأمن والأستقرار وتعزيز اللحمة الوطنية والمجتمعية.


ولكي نفند النقاط السالفة الذكر، نرد بما يلي:


أولاً: يؤكد المالكي: أن البلد حر وله سيادة، بينما العراق لم يصبح حراً بعد، وأن سيادته ما تزال مسلوبة. وإلا كيف نفسر ما جرى قبل أيام قليلة ومنها: قدوم نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى العراق، ومستشار المالكي نفسه المدعو علي الموسوي قال: أن الحكومة العراقية لم تُبلغ رسمياً بهذه الزيارة. وكذلك دخول رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ديفيد بيترايوس وطلبه للإجتماع بالقادة العسكريين العراقيين الخمسة من غير إذن مسبق من المالكي كونه القائد العام للقوات المسلحة العراقية. وبدلاً من أن يبوخ المالكي بيترايوس على هذا التجاوز المشين، وجدناه يستجوب شخصياً أربعة من القادة العسكريين؛ حيث رفض رئيس الأركان، من الكتلة الكردستانية، بابكر زيباري المثول أمام المالكي! فعن ماذا يتحدث المالكي؟


ثانياً: كيف أستعاد العراق عافيته السياسية والأقتصادية والأمنية بفترة وجيزة وفي ظل قوات الإحتلال؟ أليس الأجدر بالمالكي أن يقدم لنا بعضاً من الأدلة الواقعية بدلاً من الإكتفاء بسرد الأقوال اللفظية؟ أَم أن حقائق الواقع تبرهن وتجافي تماماً ما يطرحه رئيس حكومة الاحتلال الخامسة. فالمالكي منذ ست سنوات يترأس مجلس الوزراء، وقرابة السنتين ممسكاً بالوزارات الأمنية الثلاث، والعراق يسير نحو الهاوية أكثر فأكثر. ناهيك بالإشارة إلى عبارته التي ترى أن عافية العراق قد أستعادها في "ظل وجود القوات الأجنبية على أراضيه"! أيعقل هكذا حديث يوجهه المالكي لشعب العراق الأبي؟


ثالثاً: تطرق المالكي إلى طبيعة النظام الديمقراطي في تقبل التباين بالمواقف السياسية من غير تصفيات وإغتيالات. فهل المالكي طبق الطبيعة السياسية للديمقراطية أثناء خسارته الإنتخابية في 7 آذار/مارس 2010؟ ولماذا ما زالت حكومته ناقصة الشريعة للآن؟ إن لم يتحمل المالكي كلمة "مستبد" وعزل بسببها نائبه صالح المطلق، وطالب المجلس التشريعي بحجب الثقة عنه لكي يحاكمه، فيا تُرى كيف ينظر المالكي إلى الوطنيين المقاومين له وللإحتلالين الأمريكي والإيراني؟ يكفي أن نعلم بتصاعد أعداد المعتقلين يومياً، إذ حسب الوثيقة التي نشرها موقع ويكيليكس: أن 180 ألف معتقل في سجون المالكي حتى أواخر عام 2009. وهذه الحالة تبين لنا طبيعة المالكي، لا طبيعة النظام الديمقراطي الذي يتشدق به.


رابعاً: أما قوله: أن الدستور هو الملاذ الوحيد للإنطلاق وفي بناء مؤسسات الدولة...الخ. فهذا الدستور قد وضع أُسسه اليهودي الأمريكي نوح فيلدمان، وفرضه رئيسه جورج بوش على حكومة الاحتلال الثالثة في بغداد لغايات وأهداف تخص المحتل الغازي، لا العراق أرضاً وشعباً وتاريخاً. ولقد تم التصديق عليه في مجلس النواب بتاريخ 15-10-2005، وبطريقة ملتوية وبدون إستفتاء شعبي حقيقي لمختلف شرائح المجتمع العراقي. ومع ذلك فأن أزدواجية المعايير التي يتبعها المالكي تجعل من تطبيق الدستور مشلولاً لا عدالة تحكمه. وإلا كيف نفسر، على سبيل الذكر لا الحصر، إلحاحه منذ أسبوعين على تطبيق الدستور بحق ما يسمى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، بينما صدرت مذكرة إعتقال من القضاء العراقي بحق مقتدى الصدر منذ تسع سنين تقريباً، ولم ينفذها المالكي. بل نجد أن المالكي في تحالف مع رئيس التيار الصدري بغية دعمه في تولي منصب رئاسة مجلس الوزراء.


خامساً: أشار المالكي إلى أن العراق وشعبه وأمنه وسيادته...الخ خط أحمر لا يمكن تجاوزه. فكيف إذاً كان يتهم النظام السوري بأرسال الإرهابين والمفخخات التي تفتك بالعراقيين وتسفك دمائهم؟ وخصوصاً في التفجيرات التي أكتسحت بغداد في شهر آب/أغسطس 2009 التي أصابت نحو 700 شخص بين قتيل وجريح. حيث طالب المالكي حينها مجلس الأمن بالتدخل وتشكيل محكمة جنائية دولية ضد سوريا بتهمة أيواء الأرهابيين. وبعد إنطلاقة ثورة الشعب السوري ضد النظام الحاكم في 15 مارس/آذار 2011، فأن المالكي بعد شهرين من هذه الثورة، قال: أن أمن سوريا من أمن المنطقة! أما عن النظام الإيراني فحدث ولا حرج، فرغم كل الأدلة الجلية التي يرتكبها بحق العراق وشعبه، من قتل ودمار وتمزيق للنسيج الاجتماعي بسموم طائفية صفوية، فأن المالكي لا يرى حقائق هذا الواقع، ولا غرو فهو من صنيعتهم.


سادساً: عندما يعتبر المالكي أن مسألة الإنسحاب هي ثمرة لإستراتيجية التفاوض التي أعتمدها حكومة الوحدة الوطنية في التعامل مع قوات أجنبية. فهنا نحن أمام ثلاثة قضايا:
أ- "الإنسحاب هو ثمرة لإستراتيجية التفاوض". وهذا محض أفتراء وتجني فاضح إلى حقائق الواقع الميداني الذي يصول ويجول فيه مجاهدو فصائل المقاومة العراقية المظفرة. فالخسائر الجسيمة التي تكبدتها أمريكا بالأرواح والمعدات والأموال جراء المقاومة الضارية، جعلتها تنكسر وتنسحب مذلولة.


ب- "حكومة الوحدة الوطنية". وهذه نكتة سخيفة وسمجة. فلو كان هذا هكذا، لِما وقع المالكي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2008 الإتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن، التي أعتبرها إحرازاً شخصياً له. ثم تملص عنها وترك الأمر للمجلس التشريعي في إقرار بقاء أو جلاء القوات الأمريكية. هذا إن لم نذكر التسويق الإعلامي الذي بثه المالكي وقتها: إن لم نوقع هذه الإتفاقية فأن العراق لن يخرج من الفصل السابع من عقوبات الأمم المتحدة. ولحد هذه اللحظة يرزح العراق تحت نير هذا البند المجحف.


ت- "وجود القوات الأجنبية". بينما هي قوات إحتلال غازية يقرها القاصي والداني. حتى أن إدارة جروج بوش أتجهت للأمم المتحدة من أجل الحصول على صيغة قانونية كونها "قوات إحتلال" عليها أن تحافظ على دستور وأعراف البلد الذي أحتلته.


سابعاً: يؤكد المالكي على "العزم" في تسريع تسليح القوات المسلحة لتكون على أهبة الإستعداد للتحديات الأمنية التي لا تزال تواجه العراق. ولكن نصف فصيل إيراني توجه نحو الأراضي العراقية وأحتل بثر فكة النفطي بمحافظة ميسان منذ سنة كاملة. ولم يفعل المالكي شيئاً غير السكوت والخنوع. في حين، عندما قرر شباب ورجال العراق أن تنطلق ثورتهم السلمية والمدنية في 25 شباط/آذار 2011، حصدت قوات المالكي أرواح 27 شهيداً في اليوم الأول من الثورة. وهذا غيض من فيض.


ثامناً: عندما ينص المالكي على أن مشروع المصالحة الوطنية هو خيار إستراتيجي للعملية السياسية والأمن والاستقرار للوطن والمجتمع. فلو كان صادقاً لتم إنجاح المؤتمر الأول الذي تبنته الجامعة العربية في القاهرة عام 2005. وكذلك لتم توطيد مؤتمره الثاني في بغداد عام 2006. بدلاً من المماحكة والتملص في إقصاء تدريجي للآخرين، حتى أصبحت مؤتمرات المصالحة تعني فقط الذين ينخرطون ويتقبلون كل ما تمخض من الاحتلال دون قيد أو شرط. بل نتيجة للفشل الذي ترتكبه حكومة المالكي بحق المصالحة الوطنية، وجدناها تدلس الحقائق وتخلق الأكاذيب. ويكفي ما جرى في المهرجان السنوي للمصالحة الوطنية الذي عقد في بغداد مؤخراً، 29-12-2011. حيث أدعت حكومة المالكي أن كثيراً من فصائل المقاومة على إستعداد للتخلي عن السلاح والإنضمام للعملية السياسية. فردت عليها فوراً الفصائل المسلحة بإستمرارها الثابت في تحرير البلاد والعباد.


لا نود أن نتشعب أكثر، ولكن مخاطبة المالكي للشعب العراقي فيه تمويه ومواربة لا تنطلي على العراقيين. فما يعتبره حول الإنسحاب: يوماً وطنياً، وعيداً للجميع، وفجر يوم جديد أطل على بلاد وادي الرافدين. فهذه رؤيته التي لا ترى وجود 3500 عسكري أمريكي بيدهم السيطرة الكلية على سماء العراق، وجزء كبير منهم في قاعدة بلد شمالي بغداد. وفرقة كاملة في أج ثري غربي العراق، مدينة عسكرية تقع على تخوم الصحراء بين الحدود العراقية الأردنية. فضلاً عن السفارة الأمريكية في بغداد التي تُعد قاعدة بحد ذاتها، وإلا ما معنى وجود 16 ألف فرد فيها، منهم خمسة آلاف مرتزق. وما يزال 150 شركة أمنية تعمل في العراق. فأين الفجر الجديد الذي يتبجح فيه نوري المالكي؟

 

 





الاثنين١٥ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة