شبكة ذي قار
عـاجـل










تصريحان خلال اسبوع واحد يفتحان ابواب التأويل على مصاريعها في موضوع القلق الخليجي والسعودي تحديدا من موضوع التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط ،احدهما لرئيس الاستخبارات السعودية الحالي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ، والثاني لرئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير تركي الفيصل ، الأمير مقرن قال في مؤتمر أمني خاص عقد في العاصمة البحرينية المنامة " إن أصل المشكلة النووية في الشرق الأوسط ليس في إيران كما تحب الولايات المتحدة أنْ تُصوِّر، ولكن أصل المشكلة في الترسانة النووية الاسرائيلية ، ليس هذا فحسب بل إن مشكلة الترسانة النووية الصهيونية تمكن بالأساس لمساعي الكيان الصهيوني لاحتكار السلاح النووي في المنطقة." ، أما الأمير تركي فقال في مؤتمر (الخليج والعالم) الذي عقد بالرياض في الخامس من ديسمبر الجاري " اذا فشلت جهود اقناع اسرائيل بالتخلي عما لديها من أسلحة للدمار الشامل ومنع ايران من الحصول على أسلحة مماثلة فيجب على القيادة السعودية كواجب نحو بلدها وشعبها النظر في كل الخيارات المتاحة بما في ذلك الحصول على هذه الأسلحة.".


الرجلان ضليعان بواحد من أهم مراكز المخابرات في منطقة الشرق الأوسط ولديهم الدراية والمعرفة الكافية بمجريات الأمور إلى الحد الذي يصعب فيه تجاوزر المعلومات المؤكدة لدى جهاز المخابرات السعودي، وهذه المعلومات تقود إلى دور أمريكي مزدوج في موضوع حصار العرب والخليج تحديدا بقوى نووية تجعلها واهنة وضعيفة في المستقبل وتحت وصاية أمريكا إلى الأبد حيث يؤكد الأمير مقرن" إن الترسانة النووية الصهيونية هي المهدد الأكبر للأمن القومي في الخليج وليس البرنامج النووي الإيراني الوليد، بخلاف وجهة النظر الأمريكية والغربية بطبيعة الحال."، فيما أشار الامير تركي الى ان من المعتقد على نطاق واسع ان اسرائيل لديها ترسانة نووية وان كثيرين يعتقدون ان ايران تطور أسلحة ذرية، وان قيادة البلاد يجب ان تنظر في الحصول على أسلحة نووية لمواجهة التهديدات من ايران واسرائيل.".


لعل من اللافت في هذه الموضوع هو توقيت طرحه ومستوى من يطرحه ، حيث تقف منطقة الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان على شفا حفرة من النزاعات والتوترات الخطيرة المهددة لأمنها وأستقرارها لا بل وحتى سيادتها الوطنية ؛ فالسعودية ومن ورائها دول الخليج يعتبرون الولايات المتحدة الحليف الأستراتيجي الأول لها ، ولكن ما تظهره الوقائع وربما المعلومات المؤكدة أن هذا الحليف لايسعى بالقدر الكافي الذي يمنع الأعداء التقليديين والتاريخيين من التفوق الهائل عليها عسكريا وتسليحيا وبما لا يمكّن المملكة من الحفاظ على أمنها المحلي والأقليمي ، نعم ، فقد ذكرت معلومات صادرة عن واحد من أهم المعاهد الأمريكية المتخصصة بالقدرات النووية (راند) أن "إيران راكمت ما يكفي من اليورانيوم المخصب وصولا إلى حد الصلاحية للاستخدام العسكري في صنع قنبلة نووية" ، وذكر أحد أبرز خبراء المعهد في الشؤون النووية وهو جريجوري جونز" أن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم منخفض التخصيب الذي باتت إيران تمتلكه بالفعل يمكن أن يستغرق 8 أسابيع فقط إذا ما أصدرت القيادة الإيرانية قرارا بذلك". هذه المعلومات تتطابق تماما مع معلومات (مشروع ويسكونسين) وهو مركز بحثي أميركي رصين يقول فيها" أن كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي تمتلكه إيران أصبحت كافية لصنع ثلاثة أسلحة نووية على الأقل" !!.


الشيء الخطير في المعلومات التي اكتشفها جهاز المخابرات السعودي على ما يبدو أن الغارات الجوية المكثفة لم تعد تكفي لتدمير مكونات البرنامج الإيراني حيث أن أيران بلغت مرحلة تجاوزت فيها هذا الخيار ولم يبق امام من يستهدف تدمير برنامجها النووي إلا خيار استخدام القوة العسكرية الأرضية لإفشال هذا البرنامج ، وهو أمر يمكن اعتبارة تهورا لايمكن معرفة نتائجة ، حيث تؤكد معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان إيران لديها الآن 38,3 كيلوجراما من اليورانيوم الذي يصل تخصيبه إلى 19,7% وإن ذلك يتيح لها الحصول على نحو 20 كيلوجراما من اليورانيوم الذي يصل تخصيبه إلى نحو 90% والملائم بالتالي لصنع قنبلة نووية.


لقد تابع المراقبون طيلة أكثر من عقد من الزمن السلوك الأمريكي في موضوع الملف النووي الإيراني وكيف سمحت امريكا من الناحية العملية لإيران بإنجاز برنامجها النووي تحت غطاء إعلامي وسياسي مخادع يرتكز على التلويح بالخيار العسكري او بعقوبات عرجاء ، في حين لم تمهل العراق أية فرصة للأستفادة من الطاقة النووية السلمية وسمحت لإسرائيل بضرب مفاعل تموز النووي السلمي وتدميره بشكل كامل عام 1981 م ثم دفعت العالم لوضع العراق تحت حصار وعقوبات لم ولن يكن لها مثيل منذ بدء تكون المجتمعات الأنسانية وحتى آخر الزمان ، وأمام اقتراب تحول الخطر الإيراني بشكله العقدي التاريخي وشكله الطائفي إلى خطر نووي يمثل طرف كماشة نووية تشكل اسرائيل طرفها الثاني لم يتبق للمملكة العربية السعودية ودول الخليج من خيارات سوى الطرق على أبواب الولايات المتحدة بقوة لإعلان رفضها سياسة التسويف والمماطلة التي مارستها بإتجاهين طيلة عقود من الزمن ، سياسة قريبة تتمثل في الترويج لكذبة كبرى تتعلق بمحاولات أمريكية حثيثة لثني إيران عن إكمال برنامجها النووي بكافة الوسائل المتاحة ، وفي نفس الوقت لم تقدم الولايات المتحدة ما يحقق رغبة المملكة العربية السعودية منذ أكثر من ثلاثين سنة من أجل البدء ببرنامج نووي سعودي سلمي غرضه الرئيس كان آنذاك تغذية محطات لتحلية مياه البحر تعمل بالطاقة النووية حيث تتكلف السعودية ودول الخليج مليارات الدولارات سنويا لهذا الغرض،إضافة إلى تطوير مستويات البحث العلمي في المملكة وعموم المنطقة العربية .


لم يكن هذا الطموح السعودي مرضيا للولايات المتحدة وبالتحديد لإسرائيل فتم إيصال رسائل متنوعة (لتجاهل) الطلبات السعودية ووضع المطبات السياسية والتقنية أمامها ، مما حدا بالمملكة الى تأجيل هذه الفكرة لغرض اعطاءها مزيدا من الوقت والبحث والدراسة كما قامت بدعم مشاريع نووية عربية واسلامية سلمية في العراق وباكستان .


أعود إذن إلى تزايد الإحساس السعودي والخليجي ، وهو العربي في الحقيقة ، بسبب قرب تمكّن إيران من أمتلاك قدرة أنتاج سلاح نووي ، وتولّد قناعات في البيت الأمني والسياسي السعودي أن المنطقة تمضي وفق مخطط صهيوني أمريكي لتمكين اسرائيل وإيران من تهديد أمن دولها بما تملكه أو ستملكه من أسلحة نووية ، ولا أبالغ حين أقول أن هناك حالة من الندم الكبير ظهرت لدى المناخ السياسي العام في المملكة جراء موافقتها على إسقاط نظام صدام حسين في العراق والذي كان بمثابة جبل نار بين إيران والمنطقة العربية عموما ، ولم يعد بالأمكان أنتظار تمرير الوعود الأمريكية فيما يخص إيران تحديدا ، لذا جاءت تصريحات تهديدات الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس جهاز الاستخبارات السعودية بالبدء في "برنامج نووي مثيل لذلك الذي لدى إيران أو الكيان الصهيوني انطلاقًا من اعتبارات الأمن القومي السعودي" ، هذا الأمن بات الآن في أوضاع حرجة بعد أن مكنّت واشنطن إيران من العراق وساعدتها في تثبيت الكتل السياسية الشيعية على رأس السلطات هناك بالتزامن مع حملات أمريكية أو إيرانية برعاية أمريكية للقضاء على القوى السنيّة بشكل عام في هذا البلد العربي الأستراتيجي، هذا بالرغم من إعلان حكومات العراق بعد الأحتلال وبأوقات وطرق ومناسبات مختلفة تقاطعهم ومعارضتهم للخط السياسي والطائفي للمملكة ، إضافة إلى تزامن كل متغيرات العراق باوضاع شيعة الخليج وبخاصة في المنطقة الشرقية من المملكة والذين باتوا جزءا لا يتجزأ من مخطط إيراني واضح لإضعاف النظام السياسي الخليجي ومشاغلة نظامه الأمني بشكل منظم، هذا بجانب مراقبة المملكة عن كثب لسعي إسرائيل لتطوير ترسانتها النووية بإستمرار وخطورة هذه الترسانة على أمن وسلامة المملكة ودول المنطقة نظاما وشعوبها .


لقد بين الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس جهاز الاستخبارات السعودية وكذلك فعل سابقه الأمير تركي الفيصل أحقية المملكة ودول الخليج في ولوج عالم التسلح النووي وان اتخاذ مثل هكذا القرار يأتي بناء على المتطلبات التي يفرضها الواقع وان الأمن الوطني لأي دولة لا يمكن أن يكون رهينة للمجاملات ، لذا يمكن القول أن المملكة بصدد إضافة ترسانة نووية إلى ترسانتها العكسرية ، فلا قيمة لمئات المليارات التي أنفقتها السعودية ودول الخليج العربي على شراء أسلحة تقليدية فيما تمكّن الولايات المتحدة أعداءها شرقا (إيران) وغربا (أسرائيل) من التفوق النووي الذي لا يقهره أي سلاح تقليدي ، إن الطلب السعودي واضح : أسلحة نووية وليست محطات لتحلية مياه الخليج العربي تعمل بالطاقة النووية والفرق بينهما يعني الأمن والسيادة معا .

 

 





الخميس١٩ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. فارس الخطاب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة