شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد تصدى الدكتور رحيل الغرايبه لهذا الموضوع يوم الاثنين الماضي فكتب مقالة بعنوان " المكونان الديني والسياسي للأمة توأمان " , إذ كنت أنوي كتابة هذا الموضوع منذ مدة , ليس ردا على الشعوبيين الجدد فحسب , ولكن لإعادة ترسيخ العلاقة بين العروبة والإسلام . كذلك لتعثر المؤتمرات التي شهدتها بيروت بين القوى القومية والإسلامية, تحت مسمى " المؤتمر القومي ـ الإسلامي " .وللأسف لم تخرج تلك المؤتمرات بفعل مؤثر في الساحة العربية التي تشهد ما سمي " ربيع الثورات العربية " , وفي الوقت نفسه تشهد نزعة قطرية مريبة .


كما أن الشباب العرب لم يعطوا هذا الموضوع حقه من الاهتمام, ولم يدرسونه ويحيطون بكل ظروفه وتفاصيله وملابساته, لان فيه عظة بالغة, وفيه تجربة هائلة من تجارب الإنسانية الغنية.كما أن الإسلام منذ ظهوره هو حركة ثورية, ثائرة على كل الأشياء, على المعتقدات والتقاليد والعادات التي نقضها الإسلام. وبهذه المعاني الجليلة, لم يفهم الإسلام إلا الثوريون المؤمنون حقا.


ليس من باب الادعاء أن البعث كان من الداعين إلى عدم الفرز بين العروبة والإسلام
حيث كانت نشأة الإسلام نشأة عربية خالصة, والتي كان فيها الإنسان هو الإنسان العربي, وكان المجتمع العربي هو المجتمع المسلم أيضا. وفي تلك المرحلة يصح أن يقال فيها , أن الإسلام هو العروبة , وأن الإسلام هو روح العروبة . وفي هذه المرحلة كان الإسلام حركة قومية ثورية تستهدف تجديد العروبة, أو إعادة بناء العروبة من جديد على أساس جديد, وهو النظام الإسلامي ذاته.


أما المرحلة التاريخية الثانية فهي المعاصرة , التي ندعو فيها إلى حركة قومية ثورية تخرج بها الأمة العربية من التخلف إلى التقدم , ومن التجزئة إلى الوحدة , ومن التبعية إلى التحرر , ومن كل ما هو فاسد إلى كل ما هو صالح , ومن كل ما هو ضار إلى كل ما هو نافع .


المرحلة الأولى كانت هي الخطوة نحو قيام علاقة بين العروبة والإسلام, وهي الخطوة التي قدرها الله, وليست من تقدير احد من الناس. فملحمة الإسلام لا تنفصل عن مسرحها الطبيعي الذي هو ارض العرب, ولا تنفصل عن أبطالها العرب الذين حملوا السيف والرمح بأيديهم, والإيمان في صدورهم, ونشروا رسالة الإسلام في كل بقاع العالم.


وقد اختار الله تعالى أنبياءه من هذه الأمة ذات السحنة السمراء , ولم يختارهم من الأمم الأخرى ذات السحنة البيضاء , كما اختارهم من هذه البقعة الجغرافية , التي هي ارض العرب , واختار سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من العرب الاصلاء من قريش ومن ال هاشم حصرا .كما اختار الله تعالى العرب لتبليغ رسالة الإسلام ولم يختار أية أمة من الأمم الأخرى . واختيار الله زمن الرسالة أو عصرها كان في وقت كان العرب قد نضجوا وتكاملوا لقبول الرسالة الجديدة وحملها إلى البشرية,
فقد كانوا على اتصال مع الأمم الأخرى وتفاعلوا معهم في علم الفلك والتجارة والسياسة والدبلوماسية , حيث كان عمر بن الخطاب سفير قريش مع الأقوام الأخرى سواء من الجزيرة العربية أو من خارجها .


واللغة التي نزل بها الإسلام هي العربية, وفهمه للأشياء كان بمنظار العقل العربي, والفضائل التي أقرها الإسلام هي فضائل عربية, والعيوب التي حاربها الإسلام كانت عربية وكانت في طريقها إلى الزوال.


مما سبق وغيرها من الحقائق, أن علاقة الأمة العربية بالإسلام علاقة خاصة مصيرية وحيوية لها وللإسلام, فلا يمكن فهم الإسلام من أي شعب كما فهمه العرب.
والأمة التي ظهرت فيها رسالة الإسلام وحملتها إلى العالم, ترفض الخنوع, وترفض التبعية الفكرية والحضارية, وهذه الأمة لا يمكن أن تكون قوميتها سلبية تعصبية عدوانية كما زعم البعض في الماضي والحاضر. فقوميتها هي أخلاقية وإنسانية تحمل مبادئ العدل والمساواة والحرية والديمقراطية ( الشورى ) .


من هذه المعطيات عبر ميشيل عفلق بالقول :" فالإسلام روح العروبة , ومكون شخصية الأمة العربية , ومع ظهوره دخلت القومية العربية مرحلة جديدة ناضجة وحاسمة , حتى ليمكن القول بأنها خلقت مع هذا الحدث التاريخي العظيم , فالعرب أصبحوا مع الإسلام أمة عظيمة , وقوتهم من قوته ."


الدعوة إلى إحياء الأمة العربية , ليس من باب التعصب , بل من أجل النهضة , ومن أجل أن يكون لها شأن في العالم , وأن تكشف عن حقيقتها , وتطلق كل إمكاناتها , وأن تعيش عصرها وتتفاعل معه , وتتفاعل مع الفكر ومع روح الحرية . أما حقيقة الأمة لا تكتمل إلا بالإيمان . والعيش مع العصر لا يعني التخلي عن تراث الأمة, وهنا يكمن الربط بين التراث والمعاصرة, فالأمة لن تتخلى عن تاريخها وتراثها العريق, وفي الوقت نفسه لا تنزوي عن روح العصر أو الحداثة. " فأبناء الأمة العربية ظامئون لنهضة حضارية , ومتهيئون ليقظة روح الرسالة العربية فيها , كما أنهم لن ينسوا تاريخهم , الذي شهد البطولات والانجازات الحضارية والأخلاقية التي خلقت للإنسانية مناخا من السمو الروحي الراقي .


الفكر القومي لا يدعي إيجاده شيئا جديدا, وكل ما فعله هو انه أصغى لروح الشعب,
والتقط الصوت العميق لضمير الشعب, والتطلع الصادق لما تريده الأمة العربية, من توق إلى نهضة شاملة, وحياة يسودها الانسجام, ويختفي فيها التناقض.


ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه الروح المتوثبة , الطامحة إلى الحرية الحقة , والى العدل والمساواة , في زمن ساد فيه الفساد والمحسوبية والظلم والتبعية .وأحوج ما نكون إلى التحلي بالحوار الصادق الذي لا يرفض الأخر ويعترف بأفكاره ,ولا يحتكر المعرفة بالأشياء ويدعي امتلاكه الحل لكل المشكلات المعاصرة .


وعندما نضع أيدينا على هذه الحقيقة وهذه الميزة للأمة العربية, بهذا الوضوح وهذه الواقعية وهذه القوة, فلا شك أنها توحي بطريق خاص للثورة العربية. فالأمة تنفرد دون سائر الأمم بهذه الخاصية , فيقظتهم القومية اقترنت برسالة مفصحة عن تلك اليقظة القومية , فلم يتوسعوا من أجل التوسع , ولم يحكموا البلاد لحاجة اقتصادية أو لنزعة عنصرية , أو شهوة في الحكم وحب السيطرة والاستعباد , بل ليؤدوا واجبا دينيا كله حق وهداية ورحمة وعدل , ومن أجل هذه المبادئ بذلوا دمائهم وأقبلوا على الشهادة غير هيابين من الموت , بل فرحين لملاقاة ربهم الذي وعدهم بالجنة .

 

 





الاربعاء١٠ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة