تعتبر العلاقات و الروابط الشعبية أكثر ديمومة و ثباتا من التي تبنى بين المؤسسات و الجهات السياسية الرسمية. لأنها ترتكز بالدرجة الأساسية على المعيار الثقافي و الاجتماعي و الأخلاقي و الوجداني، عكس العلاقات السياسية الرسمية التي تخضع بالدرجة الأولى للمعيار السياسي و المصلحي. و المثال الساطع على ذلك هي العلاقات التي أسس لها النظام الإيراني في جنوب لبنان التي كانت أكثر ديمومة و ثباتا من العلاقة بين النظام السوري و لبنان لأن علاقات إيران أخذت الجوانب الاجتماعية و المذهبية و الاقتصادية بعين الاعتبار و لكن علاقة النظام السوري أغفلت هذه الجوانب و أخذت اتجاها أمنيا و سياسيا فقط.
دأبت الدول و المؤسسات للتمدد بين الأوساط الشعبية و التوسع بينها منتهجة طرقا ذات طابع ثقافي و اجتماعي و اقتصادي، متخطية الأطر السياسية و الرسمية، من أجل تنفيذ استراتيجياتها و تحقيق أهدافها.
و القضية الأحوازية لا تشذ عن هذه القاعدة العامة، فهذه القضية تحتاج إلى بناء علاقات واسعة و وثيقة في الأوساط الشعبية على المستوى الداخلي (الأحوازي) و على المستوى الخارجي (العربي و الدولي ) بغية الحفاظ على ارتباطها الطبيعي و عمقها الاستراتيجي الذي أصابته بعض الأضرار بفعل السياسة الفارسية، و أيضا تحقيق الحد الأدنى من المصالح و الأهداف الحيوية.
تعد العلاقات الشعبية بين مختلف أطياف المجتمع الأحوازي، أو المجتمع الأحوازي و المجتمعات العربية الأخرى من أهم المؤثرات التي تساهم في تقدم القضية الأحوازية. لذلك عمد الاحتلال الفارسي إلى قطع هذه الروابط و تفتيت لحمته الوطنية و قتل انتمائه القومي. و بعض نتائج هذه السياسة يمكن لمسها بكل وضوح .
بسبب السياسية الفارسية و التخاذل من قبل الجهات المعنية تم تقزيم الوطن الأحواز في العقل الجماعي، فاختصر بمناطق دون غيرها و خضعت العلاقات الأحوازية للمعيار الجغرافي و الفئوي متناسية الرابط القومي و الوطني. و أما العلاقات الأحوازية _ العربية اختصرت في غالب الأحيان فقط على الشق السياسي و الرسمي و لم يول الجانب الشعبي و الاجتماعي الاهتمام اللازم.
تجزأ الوطن في عقول أبنائه و خضعت علاقاته و ارتباطاته للتقلبات و التغيرات السياسية، و تبعت قراراته للغير، و حُددت أهدافه حسب مصالح و طموحات الآخرين. و بعد مرور ما يقارب تسعة عقود عن عمر الاحتلال الفارسي للأحواز مازالت القضية الأحوازية لم ترتق إلى المستوى المطلوب في ضمير المواطن الأحوازي و المواطن العربي و لم تأخذ مكانتها الحقيقية في المحافل و الملتقيات و الندوات الأحوازية و العربية و الدولية.
لذا من الصواب إعادة النظر في العلاقات الموجودة بين أبناء الشعب العربي الأحوازي و انتشالها من الدوائر الضيقة و الارتقاء بها إلى المستوى القومي و الوطني، و أيضا إعادة النظر في العلاقات الأحوازية _ العربية و تقييمها، و عدم الاكتفاء بالجانب السياسي، حتى و إن كان هذا الجانب في سلم أولويات الشعب العربي الأحوازي و تنظيماته الوطنية. و هذه الإعادة من المفترض أن تقوم بها الطبقة السياسية الأحوازية و تأخذ بعين الاعتبار الآليات التالية.
الآليات الداخلية
1 - الخطاب السياسي يجب إعادة صياغته و الخروج به من المجال الضيق أي الخطاب النخبوي إلى مجال أوسع و هو الخطاب الشعبي الذي يلامس مشاعر و أحاسيس الجماهير.
2 - الطبقة السياسية من المفترض أن تحافظ على ارتباطها الطبيعي مع الأوساط الشعبية شكلا و مضمونا و أن لا تبتعد عن شعبها أو تبعده عنها.
3 - المشاركة أو دعم المشاريع و الأعمال الطوعية و الخيرية و الأعمال ذات الطابع الاجتماعي في الأحواز و مدها ماديا و ثقافيا.
4 – بناء علاقات غير تنظيمية مع شخصيات ذات مكانة اجتماعية و دينية و ثقافية و اقتصادية في المجتمع الأحوازي.
الآليات الخارجية
1 - الجاليات الأحوازية في البلدان العربية و بالأخص الخليجية منها من المفترض أن يتم التركيز عليها و توظيف علاقاتها خدمة للقضية الأحوازية و جعلها علاقة هادفة على المدى الاستراتيجي.
2 - الجانب المذهبي يجب أن يتم استثماره بالطريقة الصحيحة و المناسبة و ذلك بإخراج هذه العلاقة المذهبية من مجرد علاقة مصلحية و سياسية مؤقتة إلى علاقة مذهبية و دينية خالصة و دائمة.
3 - صلة الدم و رابطة القرابة الموجودة بين القبائل المكونة للشعب العربي الأحوازي و القبائل الموجودة في بلاد الرافدين و الجزيرة العربية من المفترض أن تستخدم في الإطار الوطني الأحوازي.
4 - استخدام عامل الجوار و التاريخ المشترك حيث له دور كبير في بناء علاقة جيدة و مميزة مع أشقائنا في المناطق المجاورة.
5 - تطوير العلاقات مع الشخصيات الأكاديمية و الإعلامية و الدينية و الأدبية و الاقتصادية و الفنية في الوطن العربي و خارجه، و توثيق الارتباط معها.
و العديد من الآليات الأخرى التي يمكن استخدامها في سبيل بناء علاقات شعبية و توطيدها قدر الإمكان.