شبكة ذي قار
عـاجـل










انطلق البعث من الحب لأمته، الحب لعروبته، الحب لتاريخه، وهذا شرط ضروري وأساسي لفهم التاريخ، فالموضوعية في البحث والفهم العلمي الذي لا يستضيء بالحب هو عاجز عن النفاذ إلى العمق، إلى الجوهر، لذلك زود هذا الحزب منذ بدايته بقوة حية متجددة على الأيام، إذ انه لم يقتصر على الرؤيا السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية، وإنما غاص في الأعماق وحاول أن يجدد صلته بعبقرية الأمة وان يسلك إلى ذلك طريق النضال والجهاد وليس طريق المعرفة فحسب او التأمل فحسب وإنما أن نفهم الماضي من خلال تحملنا لمسؤولية الحاضر، أن نعيد إلى الماضي حضوره وكأنه يعمل في الآن. هذه النظرة لا أجد أعمق من فهم أبطال العراق لها خلال المعركة التاريخية التي يخوضونها لأنهم طبقوها عمليا واستحضروا التاريخ العربي المجيد في كل يوم من أيام قتالهم واستبسالهم وتضحياتهم.


هذه الحركة القومية، حركة البعث العربي الاشتراكي انطلقت من مصدر أساسي من نبع أساسي من نبع روحي هو الإسلام العظيم، الذي أضاء لنا الطريق، ولقد حمل هذا الحزب منذ بدايته البسيطة المتواضعة هذا القبس الروحي، هذه النفحة التي ميزته وطبعته إلى زمن طويل ومستقبل بعيد، وهذا هو سر تجدد حيوية هذا الحزب، وحزب البعث لا يمكن أن يفهم إلا إذا أدركت هذه الناحية، وإلا إذا اعتبرت أساسية، بل الأساس الأول لانطلاقته ولتصوره للقضية القومية وتاريخها ودورها ومستقبلها، وفي البعث اقترنت العروبة بالإسلام اقترانا مصيريا، وهذا لا يتعارض مطلقا مع وضوح قومية الأمة بل يغنيها ويكشف عن أبعادها الروحية والأخلاقية والإنسانية.


والإسلام ولد في أرض العروبة وضمن تاريخها وأهلها، ولكنه أصبح هو أباها، لأنها ابتداء من الإسلام ولدت ولادة جديدة، وأصبحت أمة عظيمة تاريخية، لها دور أساسي في تاريخ الإنسانية، وفي صنع مستقبل الإنسانية.. الإسلام أعطى للأمة العربية هذه الأبعاد، أعطاها مسؤولية الدور الإنساني العظيم، وأعطى العرب مذاق الخلود وطعم الحياة الحقيقية، التي هي جهاد قبل كل شيء، وفكرة ومبدأ وعقيدة، ولا خوف على العروبة ما دامت مقترنة بالإسلام، لأنه كفيل بان يجددها ويوقظ فيها هذه النزعة إلى السماء، إلى الخلود، إلى الأفق الكوني، إلى البطولة وحمل الرسالة.. وعندها تتهاوى الأمراض العالقة والمشاغل المادية والآنية التي لا تليق بأمتنا ولا تعبر عن حقيقتها وحقيقة رسالتها.


لذلك كان البعث منذ البداية في نظر البعثيين هو حزب الوحدة، وعندما ذكرتكم بذلك التبني الذي يعتز به الحزب لثورة العراق عام (1941) سوف تجدون في الكتابات التي أصدرها الحزب عن تلك الثورة أن الوحدة العربية كانت هي المطلب وهي الغاية.. فالبعث كان يناشد العرب في كل مكان أن يهبوا لنصرة العراق لان العراق يضطلع بمهمة توحيد العرب وبالفعل أيها الأخوة نحن من جيل نشأ منذ الصغر على هذا الإيمان، هذا هو الجو القومي الذي كان سائدا في سوريا بأن العراق هو المؤهل لتحقيق وحدة العرب. إن مهمتكم في إعادة كتابة التاريخ العربي، هي ان تكشف عن هذا العداء المتعدد الجوانب والأطراف الذي يجمع أطرافا عديدة لمقاومة نهضة العرب، ولاستلاب دور العرب الحضاري، فالغرب الاستعماري منذ الحروب الصليبية إلى اليوم يحاول هذه المحاولة.. ثم تقوى بحليف جديد هو الصهيونية، ثم استطاع مع الآسف الشديد أن يجد حليفا له في شعب مسلم واقع تحت تأثير الشعوبية، ويعاني من العقد الشعوبية.


ومعركة العراق كانت بالفعل معركة المستقبل العربي، معركة الأمة العربية كلها، ومعركة المستقبل العربي لأنها تصدت لكل هؤلاء الأعداء، وكان صمود العراق، الصمود التاريخي النادر فاضحا لهذا التحالف بين أطراف كان يظن بأنها متباعدة، أي أن يكشف عن التحالف بين إيران ونظامها الشعوبي وبين عنصرية الصهيونية، وبين أطماع الغرب الاستعماري التوسعي، فهي معركة المستقبل لأنها المعركة الصعبة التي لم يخض العرب معركة بمثل صعوبتها حتى الآن، لأنها تتطلب مستوى عالي من الإيمان والإخلاص لقضية الأمة والغيرة على مصيرها، ولئن أشكل الأمر في بداية الحرب على بعض العرب والمسلمين، ولكن صمود العراق التاريخي أوصل إلى النصر المبين عندما انكشفت العلاقة الصميمية بين إيران والكيان الصهيوني في فضيحة الأسلحة التي تقدمها إسرائيل للخميني منذ بداية الحرب والتي هي مستمرة حتى الآن لم تتوقف.

 

 





الاربعاء٠٣ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة