شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم أن سياسة التعتيم الإعلامي الذي تتبعه إدارات البيت الأبيض في إخفاء حقيقة قتلى الجنود الأمريكان في العراق صارت مسلكاً مألوفاً، ورغم أن بعض الجهات الأمريكية غير الرسمية تكشف عن عدد القتلى الحقيقي، جمعية المحاربين القدامى نموذجاً؛ إلا أن إعلان الجيش الأمريكي المتكرر عن ذكر قتلاه الذين وصلوا في شهر واحد إلى 15 قتيل، يعني لنا أكثر من أمر خفي وعلني.


ففي الجانب العلني، يعني وجود مقاومة باسلة تكبل المحتل الأمريكي خسائر بشرية مضنية. كما وإن إستمرارية هذه الضربات القاتلة تأتي تأكيداً على أن المقاومة العراقية مازالت بيدها زمام المبادرة الهجومية زمانياً ومكانياً. وهي التي تحدد أولوية الأهداف وفق حساباتها الميدانية ومعلوماتها الاستخبارية وغاياتها الإعلامية.


أما الجانب الخفي، فإن البنتاغون لا يسمح لقادته العسكريين في العراق أن يكشفوا إعلامياً عن هذا الكم من القتلى، دونما أن تكون في دهاليز صناعة القرار السياسي الأمريكي شيئاً ما! وإلا كيف نفهم إتهام الجيش الأمريكي إلى ميليشيات مدعومة من إيران بتنفيذ تلك الهجمات. وهل يُعقل لإيران أن تدعم هكذا هجمات، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي زار بغداد في 3 آذار/مارس 2008 ولمدة ثلاثة أيام هو فيها ضيف المنطقة الخضراء، تلك المحمية الأمريكية! وبعدها بسنة جاء إلى بغداد أيضاً رئيس مصلحة النظام الإيراني هاشمي رفسنجاني ليتمتع بنفس الحماية والرعاية الأمريكية! والأهم من هذا وذاك: لماذا دائماً يكتفي القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين بالتصريحات فقط عن تلك الهجمات الميليشاوية دون تقديم أدلة ما؟ وهل يصعب على المحتل الأمريكي قمعها؟ كما فعلت في معركة النجف عام 2004 عندما خرجت المراجع الدينية إلى عواصم العالم بحجة المرض أو الزيارة.


أن الذي يكيل الضربات ويواصل الهجمات على قوات الإحتلال الأمريكي، هم فصائل المقاومة البطلة التي لا يجمعها مع العدو المحتل غير حدّ السيف. أما الذي له صلة توافق سياسي مع الاحتلال، فليس بمقدوره أن يجمع بين الزناد والمنصب. بمعنى أن التيار الصدري الذي خضع لإتفاق أمني وأشترك بالعملية السياسية، فإن فصائله: اليوم الموعود وعصائب أهل الحق، لن تجرؤ على شن الهجمات، فأمر كيانها بيد طهران أصلاً، والأخيرة متعاونة مع واشنطن في إحتلال كابول وبغداد،؛ ألم يعترف بذلك حميد رضائي ورفسنجاني وغيرهم من أقطاب النظام الإيراني الصفوي الطائفي.


إذاً فإن الإتهام الذي يلصقه الجيش الأمريكي بالميليشيات الصدرية أو غيرها المرتبطة بإيران كحزب الله – العراقي أو عناصر تنظيم القاعدة، هي محاولة تمويه من الإدارة الأمريكية لكي لا تعطي أرضية ميدانية للمقاومة العراقية. إذ أن أي نوع من الإقرار لصالح المقاومة، يعني إعترافاً ضمنياً بلظى هذه القوى الوطنية المسلحة. وبما أن خبرية هذا الوضع القتالي تريد أمريكا طمسه بكل ما أُتيت من سطوة إعلامية داخلياً وخارجياً. لذا يسعى صنّاع القرار السياسي في البيت الأبيض بتزييف الحقائق وتدليس المعلومات بغية فرض هدفها في بقاء جزء من قواتها قبل إنتهاء الشهور الست القادمة.


مرة أخرى، أن البيانات الرسمية المتزامنة الوقت من قِبل الجيش الأمريكي التي تعلن فيها سقوط قتلاها المتصاعد العدد في غضون شهر واحد، ثم إتهام ميليشيات موالية لإيران بهذه الهجمات، هو تضليل وخداع مكشوف. وإلا لذكرت تلك البيانات ولو جزءً بسيطاً من التفاصيل الميدانية، بدلاً من الوقوف عند حدود الكلمات الصماء التي يرومون فيها إلى تغيب العقول.


وبناءً عليه يمكننا القول: أن تلك البيانات العسكرية الرسمية الأمريكية هي إشارات واضحة ترسلها إدارة أوباما للذين يدورون في فلكها أو المتواطئون معها، حول زمنية بقائها في العراق. أعني تحديداً حكومة إمعات الاحتلال في بغداد، وحكومة الملالي العنصرية في طهران.


ولكن هل ستجني إدارة أوباما ثمرة زيادة دماء قتلاها؟ جواب السنوات الثمان الماضية تثبت وتؤكد أن أرض الأباء والأجداد لا تروى إلا بدماء أبنائها النجباء، وأن دماء الأمريكيين مهدورة ومتبخرة قطراتها قبل أن تلامس أرض الرافدين.

 

 





السبت٣٠ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة