شبكة ذي قار
عـاجـل










إن التغيير السياسي الذي تسارعت خطواته في مصر وتونس واتخذ طابعاً سلمياً بشكل عام، لم يسحب نفسه على أقطار عربية أخرى بالنظر للأساليب العنفية التي رافقت وتعاملت مع حركات المعارضة والاحتجاج في العديد من الأقطار العربية الأخرى.


والمشهد الأكثر تميزاً في اتخاذ المواجهة السلطوية مع المعارضة طابعاً عنفياً هو المشهد الليبي أولاً، ومن ثم المشهدين البحريني واليمني.
إن المشهد الليبي اتخذ طابع الصراع المسلح الشامل، بحيث تناوب كل من طرفي الصراع السيطرة على المواقع والمدن على طول الشريط الساحلي الفاصل بين بنغازي في الشرق الليبي وطرابلس الغرب.


وبقدر ما كان الموقف العربي الرسمي ملتبساً في التعامل مع الحدثين التونسي والمصري، مقابل وضوح في الموقف الدولي لجهة الضغط السياسي والإعلامي ضد سلطتي بن علي ومبارك وحاشيتهما، فإن العكس حدث في التعامل مع الحدث الليبي. إذ ان الموقف الدولي بدا ملتبساً منذ البداية فيما الموقف العربي الرسمي اتسم بالوضوح وعبر عن نفسه في موقف لجامعة الدول العربية، التي أعلنت تجميد حضور النظام الليبي بداية ،ومن ثم دعوة مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على ليبيا.


هذا الموقف الرسمي الأخير للجامعة العربية والذي تحفظت عليه بعض الدول العربية، كسوريا واليمن والسودان والجزائر، لم يستطع أن يشق طريقه للتبني والتنفيذ من جانب مجلس الأمن الدولي لأسباب بعضها يرتبط بمعارضة بعض الدول الكبرى وبعضها يرتبط بتحفظات على الإقدام على مثل هذه الخطوة.


وأنه باستثناء موقف فرنسا، التي سارعت لقطع الجسور مع سلطة القذافي، وأقامت خط اتصال سياسي مع المعارضة عبر المجلس الوطني الانتقالي، فإن الموقف الأوروبي راوح بين التحفظ والاعتراض، وانتظار الوقت تحسباً لما سترسو عليه نتائج المواجهة على الأرض. وبطبيعة الحال فإن الكل ينتظر الموقف الأميركي ليبني علي الشيء مقتضاه لجهة التدخل العسكري في ليبيا تحت مسميات مختلفة. وهذا الموقف الأميركي الذي يبرز تحفظاً على التدخل العسكري مستحضراً درسي العراق وأفغانستان، ما يزال مفتوحاً على أكثر احتمال ويبدو انه يريد قبل التدخل توفر ثلاث عوامل. الأول: استغاثة ليبية داخلية وطلب واضح للتدخل، وطلب عربي واضح وتغطية دولية دون تحفظ أو ممانعة واعتراض. وبانتظار توفر هذه العوامل مجتمعة فإن الموقف الأميركي يراقب وينتظر.


وإذا كانت الاستغاثة الداخلية الليبية لم تصل حتى الآن حد الطلب الصريح والواضح، وان كانت الأصوات بدأت ترتفع مطالبة بفرض الحظر الجوي، فإن الموقف العربي الذي عبرت عنه الجامعة العربية، تسجل عليه العديد من الملاحظات. لأنه بدل أن تكون جامعة الدول العربية صاحبة مبادرة للمساعدة على إيجاد حل للوضع المتفجر في ليبيا، أصبح موقفها موقع إشكالية. والملاحظات التي تسجل على طريقة تعامل الوضع الليبي، يمكن اختصارها بالتالي:


أولاً: كان على الجامعة العربية وقبل أن تقدم على تعليق عضوية النظام الليبي في الجامعة العربية ومن ثم دعوتها مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي، أن تبادر إلى إطلاق مبادرة سياسية لإيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا تحت المظلة العربية وعلى قاعدة أخذ مواقف جميع أطراف الأزمة بعين الاعتبار من كان منهم في السلطة أو في معارضتها.


أما وان الجامعة العربية قد اتخذت موقفاً، بفتح قناة اتصال مع المعارضة ولم تبق على اتصالاتها مع السلطة، فهذا افقدها دورها كأداة وسيطة تريد المساعدة على إيجاد حل سياسي، لأنها صنفت نفسها طرفاً، فيما الموضوعية تقضي أن لا تقدم نفسها بداية كطرف منحاز لأحد أفرقاء الصراع، وهذا ليس في مصلحة تعريب الحل، وبالتالي فإنه يفسح المجال أمام تدويل للأزمة، يكون فيها الدور العربي مغيباً أو ملحقاً هامشي التأثير.


ثانياً: إن الجامعة العربية التي بموقفها الذي اتخذته تكون كمن استقال من دوره ورمى العبء على غيره. لذا كان يمكن أن تكون أحرص من أي طرف آخر على استبعاد تدويل للأزمة. وانها بدعوتها مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على ليبيا لا تسقط دورها وحسب، بل تعمل على استحضار دور دولي عبر توفير تغطية شرعية عربية لتدخل خارجي بأشكال مختلفة. وهذه سابقة خطيرة، أن تبادر الجامعة العربية لتدويل الأزمات الوطنية العربية عبر التدخل العسكري وغيره.


ثالثاً: إن الجامعة العربية التي كان عليها أن تطرح مبادرة سياسية عبر الاتصال بالجميع، السلطة والمعارضة وعلى قاعدة ان من يكون جزءاً من المشكلة هو بطبيعة الحال جزء من الحل، واستنكفت عن ممارسة هذا الدور، أفسحت المجال أمام تقدم مبادرات أخرى كالتي طرحها الاتحاد الأفريقي وأيضاً ما طرحه رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، والذي كان بإمكان الجامعة العربية أن تطرح مبادرة ضمن هذا التصور بحيث تؤكد من خلالها على رفض أشكال التدخل الخارجي الدولي بالشأن العربي الداخلي، وتقارب أسباب الأزمة التي فجرت الأوضاع في ليبيا من زاوية عربية.


إن جامعة الدول العربية، باتخاذها الموقف اللاموضوعي حيال التعامل مع الأزمة في ليبيا، لم تقدم دليلاً حسياً على عجزها عن التدخل لحل أزمات وطنية عربية، وحسب، بل أعطت ورقة مجانية لتبرير تدخل أجنبي في الشؤون العربية، عبر توفير التغطية العربية الرسمية لمثل هكذا تدخل، وبما لا يستقيم والدور الذي يفترض أن تؤديه الجامعة العربية، وهذا يرتقي بنظرنا إلى مستوى الإثم السياسي.


إن هذا الإثم السياسي الذي ارتكبته جامعة الدول العربية بدعوتها لفرض حظر جوي على ليبيا، يوازيه الإثم السياسي الذي ارتكبته عندما وافقت على عقد القمة العربية في العراق وهو ما يزال تحت الاحتلال.


لقد كان أجدى بجامعة الدول العربية، أن يكون موقفها حازماً في رفضها أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في الشؤون الليبية ،خاصة، وان الإمكانية لم تكن منعدمة بداية أمام مبادرة سياسية، تحتوي مضاعفات الأزمة بما يجنب ليبيا، هذا الصراع الدموي، ويفتح باب النقاش السياسي على إصلاحات سياسية على قاعدة توفير ركائز متينة للأمن الاجتماعي والسياسي، والمساعدة على إعادة تشكيل مؤسسات النظام بما يكفل حماية الحقوق الأساسية وخاصة حرية الرأي والتعبير وديمقراطية الحياة السياسية.


إن ملاحظات عديدة تسجل على أداء النظام في ليبيا، سواء لجهة إدارته شؤون المجتمع وخاصة في مجال الممارسة السياسية، أم لجهة المزاجية السياسية التي تتحكم بسلوكه تجاه العديد من القضايا ذات الصلة بالشأن القومي.


لكن الموقف النقدي لسلوك هذا النظام، لا يبرر تحت أي ظرف طلب تدخل أجنبي في شؤون ليبيا، وهذا التدخل الذي اختبر في ساحات عربية أخرى، وخاصة في العراق وبعدها في السودان وأقطار عربية أخرى، لن يكون في أي حال من الأحوال لمصلحة ليبيا كياناً وطنياً، ومصالح وحقوق مشروعة لشعب ليبيا.


لقد ثبت بالحس والملموس والقراءة الموضوعية لأبعاد التدخل الأجنبي، ان هذا التدخل لا يحصل إلا إذا كان يهدف إلى تقسيم البلد المُتدخل به، جغرافياً أو طائفياً أو اثنياً، ووضع اليد على ثرواته الطبيعية وخاصة النفطية.


ألم تر الجامعة العربية ما حل بالعراق وما حل بالسودان؟ وهل تريد أن تكون ليبيا موضوعة على سكتي العراق والسودان عبر استدراج التدخل الأجنبي؟


إن الموقف المبدأي يقتضي رفض هذا السلوك، والموقف السياسي يقتضي العودة عن هذه الخطيئة، والعمل لإطلاق مبادرة سياسية، تساعد على حل الأزمة واحتواء مضاعفاته وليس زيادة عناصر التعقيد فيها. وإلا فإن هذه السابقة لن تكون في مصلحة الأمة العربية بشكل عام وليست في مصلحة جامعة الدول العربية بشكل خاص واستمراريتها كمؤسسة حاضنة للعمل العربي المشترك...

 

 





الخميس١٢ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة