شبكة ذي قار
عـاجـل










الحشد الجماهيري الذي غطى ساحة الشهداء والتي نحب أن نطلق عليها ساحة البرج والتي يطلق عليها اليوم اسماً حركياً هو ساحة الحرية، كان استحضاراً لمشهديه شهدتها هذه الساحة على تعاقب السنوات السابقة مع تعديل في المعطيات السياسية. والحشد الذي ملأ الساحة والطرق الموصلة والمتفرعة، أثلج قلوب مشاركيه ومنظميه الذي يقدمون أنفسهم تحت يافطة 14 آذار، ولم يرح الفريق الآخر الذي يقدم نفسه تحت يافطة 8 آذار، والذي أثبتت التجارب أنه قادر على تأمين حشد مواز إذا ما أراد ذلك.


إن المراقب لم يكن يحتاج إلى كثير تمحيص وعناء، ليتبين أن فريق 8 آذار لم يكن مرتاحاً لحجم الحضور الشعبي ذي التلاوين السياسية والمناطقية المختلفة. لأنه كان يعتقد ان العناوين السياسية التي رفعت تحت شعار اللاءات هي عناوين غير جاذبة، وأن المأزق السياسي لفريق 14 آذار سينعكس احباطاً شعبياً ،وبالتالي فإن عدم القدرة على تأمين التحشد الشعبي سيكمل نتائج الانتكاسة السياسية التي مني بها هذا الفريق في محطات مختلفة بدءاً من اتفاق الدوحة وحتى استقالة الحكومة.


لكن الذي حصل، أثبتت العكس، إذ أن الحشد كان كبيراً بكل المقاييس والمعابير. وهو بمئات الألوف. لكن الملفت للنظر أن إعلام 8 آذار عمد إلى إعطاء صورة مغايرة وتصوير الحشد وكأنه بضع عشرات الألوف ومن راقب الصور التي أبرزها إعلام 8 آذار لظن أن الحضور لا يتجاوز بضعة الاف.


هذا التعاطي الإعلامي مع التحشد الجماهيري، لم يكن موضوعياً، وأن وسائل الإعلام الكثيرة من مرئية ومسموعة ومقروءة وأعين المشاهدين التي سمرت على الشاشات رأت كم كان الحشد كبيراً بالقياسات النسبية. وهذا أن دل على شيء فإنما يدل بأن السلوك السياسي لأطراف الصراع المحوريين ما يزال يصر في تعاطيه السياسي عبر إعلامه ،بعيداً عن مقاربة الموضوعية. فلا يكفي أن تصور بعض وسائل الإعلام بعض الفراغات في الساحات لتقول أن الحشد لم يكن كبيراً، وهذا سلوك لا يقتصر استعماله على فريق دون آخر، بل تقضي الموضوعية أن تقال الحقيقة كما هي وأن تصور الوقائع على حقيقتها خاصة وأن المشهد منعقد في وضح النهار.
نقول هذا الكلام، لنؤشر على مسألة أساسية، وهي أن المقاربة غير الموضوعية للوقائع والحقائق ما تزال هي السائدة ،وهي لا تساهم في تقييم موضوعي لطبيعة الحراك الشعبي ولا في تقييم موضوعي لموازين القوى السياسية السائدة. وهذا الذي قاله ويقوله فريق 8 آذار عن حجم التحشد الشعبي، سيقول مثيل له فريق 14 آذار عن تحشد الفريق الآخر.


هذا الابتعاد عن المقاربة الموضوعية، يجعل أية مقاربة سياسية للبحث عن حلول تسوية وسطية بعيدة المنال، وفي ظل عدم قدرة أي فريق على تحقيق الغلبة السياسية الثابتة لمصلحته، فإن الارتجاج والاهتزاز في الوضع الداخلي سيبقى سيد الموقف.


إن عدم المقاربة الموضوعية، بطبيعة الحال لم تقتصر على التقييم الموضوعي لحجم التحشد الشعبي، بل أيضاً تطال كل المواضيع الخلافية، فلا موضوع السلاح تجري مقاربته بشكل موضوعي ولا موضوع المحكمة تجري مقاربته بشكل موضوعي أيضاً، ولا حتى موضوع إدارة الشأن العام المتعلق بتسيير خدمات الناس ومصالحها وتأمين استمرارية عمل المرافق العامة تجري مقاربته بشكل موضوعي. وطالما أن عدم المقاربة الموضوعية للقضايا ذات الصلة بأشكال التأزم السياسي هي السائدة فإن كل فرق سيبقى متخندقاً في مواقعه، ويبيح لنفسه قذف الفريق الآخر بكل سلاح توفر لديه ولا نقصد بذلك السلاح بمعناه التقني.


وإذا كانت المقاربة الموضوعية تقتضي الاعتراف، بأن السلاح والمحكمة هما قضيتان خلافيتان، وحلهما يتجاوز قدرة الأطراف الداخلية، لأنهما باتتا مرتبطتان بتأثيرات قوى الخارج أيضاً، فإنه لا بد من البحث عن حلول تدور الزوايا وتحد من غلواء الشحن السياسي المشدود إلى عصبيات مذهبية، وطائفية، لتأمين مساكنه هادئة تريح الجماهير التي تحتشد بمئات الالاف في ساحتي 14 و8 آذار. ريثما تتجلي ملامح المرحلة الضبابية التي تمر بها المنطقة وتنضج طبخة الاتصالات بين القوى العربية والدولية ذات الصلة بالوضع اللبناني لتوفير التغطية السياسية للتسوية الداخلية.


وان المقاربة الموضوعية بنظرنا، تفترض ما يلي:
1- الاعتراف المتبادل بأن البلد محكوم بتوازن سياسي محمي بتوازن شعبي لا تؤثر في نصابه بعض الاختراقات من هذا الفريق أو ذاك.


2- ان يُسقط منطق التخوين المتبادل، فلا كل من يتخذ موقفاً معارضاً لاستعمال السلاح في الداخل هو عميل إسرائيلي ومرتبط بمراكز القرار الأميركي، ولا كل من يتخذ موقفاً معارضاً للمحكمة هو عميل إيراني ومرتبط حتى العظم بمركز القرار السوري،والا لما كان في لبنان لبناني واحد.


3- إن يعاد بحث موضوع السلاح في إطار الاستراتيجية الدفاعية التي سبق ووضعت بنداً اساسياً على طاولة الحوار، بحيث يلتزم الجميع بأن تكون وظيفة هذا السلاح في سياق حماية لبنان من أي عدوان صهيوني، وان تتولى هيئة وطنية عليا مرتبطة بمجلس الدفاع الأعلى الاشراف على هذا السلاح وإدارته وتحديد وجهة استعماله. وبالتالي يتم سحب "اللاء" للسلاح من التداول.


4- ان يلتزم الجميع بأحكام العدالة الجنائية وأن لا يكون الاتهام الجنائي، اتهاماً سياسياً، وان يكون الجميع ضد أي إتهام يشتم منه رائحة الاتهام السياسي والتعامل مع مضبطه الاتهام وفق ما أعلنته سوريا، بأن يكون الجميع ضد اي قرار اتهامي غير معزز بأدلة ثبوتية.


ومقابل هذا الالتزام الملزم للجميع، يلتزم الجميع إعادة تصويب بعض الثغرات الدستورية والقانونية التي رافقت ظروف تشكيل المحكمة .وعندها يعمل إلى إخراج المحكمة من تحت أحكام الفصل السابع، ويتم التعامل معها برؤية وطنية موحدة وعلى قاعدة أن العدالة للجميع. وبالتالي يتم سحب اللاء للمحكمة من التداول.


5- على قاعدة هذا التوافق، يصار الى تفعيل إدارات الدولة لتأمين الخدمات والحاجات الأساسية، ذات الصلة بمصالح الناس وبتسيير أمورهم الحياتية.


إن هذا الذي نطرحه، نرى فيه مدخلاً لتسوية تحتوي مضاعفات التأزم، وأن كانت لا تشكل حلاً نهائياً، وأن ما يملي السير بطريقة احتواء مضاعفات الأزمة، أن التوازن السياسي قائم بين طرفي الاستقطاب الأساسيين، وان كل فريق لا يستطيع الغاء الفريق الآخر. وعلى الذين لم يرحهم منظر التحشد الشعبي في ساحة البرج عليهم أن يكونوا مرتاحين لذلك إذا كانوا راغبين في تسوية سياسية مرحلية أو نهائية، لأنه لا تسوية دون توازن قوى، والعكس صحيح. فهل تكون تظاهرة 13 آذار مدخلاً للبحث عن تسوية؟


ان 8 آذار عليها أن ترد بتظاهرة مماثلة، حتى يقتنع الجميع، ان التوازن الشعبي بتعبيراته الديموقراطية هو الذي يحمي التوازن السياسي، وهذا التوازن السياسي هو الذي يحمي أو يفرض تسوية سياسية.


إن اللبنانيين تعبوا لكنهم لم ييأسوا من تسوية متوازنة تعيد لهذا البلد وحدته وحريته وحصانته في وجه العدو وديموقراطية الحياة السياسية...

 

 





الخميس١٢ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة