شبكة ذي قار
عـاجـل










عشية الذكرى الثامنة لشن العدوان الأميركي على العراق واحتلاله، ما يزال المشهد السياسي على حالة إلا من بعض المتغيرات التي طالت نصاب التحالف الدولي الذي قادته أميركي، فيما الثوابت الأساسية ما تزال قائمة.

 

الثابتة الأولى، أن الاحتلال الأميركي لم يزل قائماً، وأن إعادة انتشار القوات الأميركية لم يغير من طبيعة هذا الوجود الاحتلالي، بل كان الهدف منه تخفيف التحشد العسكري وتضييق ما أمكن من مديات انتشاره الأفقي، لغايتين: الأولى، تخفيف نسبة الخسائر في صفوف القوات الأميركية بعدما بلغت بحسب الإحصاءات الأميركية، ما يقارب الخمسة الاف قتيل وما يزيد عن اثنين وثلاثين ألف جريح، عدا الذين أخرجوا من الخدمة لأسباب مختلفة. أما الثانية فهي سحب بعض هذه القوات لتعزيز القوات الأميركية في أفغانستان بعدما بدأت قوات الاحتلال الأطلسي تواجه معوقات وصعوبات أدت إلى ارتفاع نسبة الخسائر في صفوف القوات المحتلة.

 

الثابتة الثانية، ان المقاومة الوطنية في العراق، ما تزال تواصل فعالياتها القتالية عبر عمليات نوعية لم تستطع كل إجراءات المحتل الأميركي العسكرية والاستخباراتية أن تحول دون تمكن المقاومة من ضرب المواقع الأميركية التي تمركزت خارج المدن. وإذا كان الإعلام لا يعطي عمليات المقاومة حقها من التغطية، فإن الأميركيين يعرفون هذه الحقيقة جيداً كما كل الذين على تماس مع الواقع المقاوم في العراق.

 

الثابتة الثالثة، ان الإدارة السياسية التي أنيط بها إدارة شؤون العراق في ظل تقاطع التفاهمات الأميركية – الإيرانية، ثبت بالحس والملموس بأنها لا تملك من عناصره القوة، إلا تلك التي تمنحها لها التغطية الأميركية الإيرانية لإدائها السياسي، والنهم الشره لنهب ثروة العراق عبر عملية تقاسم النفوذ والمال والغرق في الفساد والمحسوبية وارتكاب القباحات .

 

إن الاستفراس السلطوي لنهب المال العام وهدره وتوزيعه على الازلام والمحاسيب، جعل المؤسسات الدولية التي تعني بتصنيف الدول انطلاقاً من قواعد الشافية، تصنف العراق في مصاف الدول الفاشلة.

 

وإنه في ظل الاحتلال الأميركي المباشر، والهيمنة الإيرانية التي لم تعد مستترة، والتشكيلات السياسية التي عملت تحت لواء الاحتلال وإشرافه أو تلك التي أفرزها، قدم النموذج الحسي للنظام السياسي، الذي قيل عنه، بأنه نظام أقيم لتطبيق ديموقراطية العمل السياسي، ولتحقيق توزيع عادل ومتكافئ للثروة الوطنية، ولإقامة نظام المسألة والرقابة الشعبية.

 

هذا النظام الذي أفرزه الاحتلال ووفر له النظام الإيراني التغطية المطلوبة، أين هو اليوم من الشعار ات  التي رفعها أو التي برر المحتل الأميركي عدوانه لوضع هذه الشعارات موقع التطبيق؟؟

 

إننا لن نعود إلى استحضار الكذبة الأميركية الكبرى التي استندت إليها الإدارة الأميركية لشن الحرب، إلا وهي امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، أو لعلاقة مزعومة مع القاعدة. لأن هذه الكذبة أصبح الكلام عنها ممجوجاً، كونها أصبحت ثابتة غير قابلة للدحض بعد اعتراف أميركا بأنها مارست سياسية الكذب في هذا المجال.

 

إن الذي نود تسليط الضوء عليه في هذه المناسبة، هو الكلام عن الشعارات التي أطلقت عشية الاحتلال وبعده عبر وعد العراقيين بجنات" النعيم السياسي". فأين هو هذا "النعيم السياسي" بعد ثماني سنوات على الاحتلال؟؟

 

في البعد الوطني، كان العراق كياناً وطنياً متماسكاً، يهابه القريب والبعيد، ويمارس دوره كقاعدة ارتكازية للعمل السياسي في المدى القومي والمحيط الإقليمي، وإذ بالعراق يتحول بعد الاحتلال من دولة فاعلة إلى دولة موضوعة تحت وصاية دولية وهيمنة إقليمية ملخصة بشكل أساسي بالدور الإيراني مع أدوار أخرى أقل تأثيراً.

إن العراق الذي كانت دولته من الدول الأساسية في المكون القومي العربي، ودولة محورية في المحيط الإقليمي، أسقطت دولته المركزية وكافة مؤسساته الارتكازية، وتحول الى مجموعة مقاطعات وأقاليم، تسعى كل واحدة منها لأن تعطي لنفسها إطاراً دستورياً بحيث يتحول التقسيم الواقعي الى تقسيم دويلاتي بحدود متعارف عليها وكما يسعى إقليم كردستان لذلك عبر تقديم نفسه بأنه كيان مستقل.

 

وفي البعد الاقتصادي ،كان العراق الذي كان رائداً في سيطرته على موارده الوطنية وخاصة النفطية، أعيد وضع نفطه تحت سيطرة الشركات الدولية الاحتكارية، وما يبقى من فتات يوزع على الرموز السلطوية وكتلها السياسية التي يناط بها الإدارة السلطوية في ظل الاحتلال.

 

هذا النهب المشّرع لثروة العراق النفطية أدى إلى بروز واقع اقتصادي مزرٍ، انعكس أزمة اجتماعية، لعل أبرز مظاهرها جيوش العاطلين عن العمل، وانعدام قدرة شرائح اجتماعية واسعة عن تلبية حاجتها الأساسية، وتحول التسول الفردي إلى ظاهرة شارعية في كل مدن العراق.

 

وفي البعد الاجتماعي والتربوي، فإن العراق الذي كان يمتلك نظاماً استشفائياً عالي الكفاءة والخبرة، أصبحت الأمراض لصيقة بقطاعات واسعة، وأصبحت المعالجة الطبية المجدية حكراً على قلة من أصحاب النفوذ والمال.

 

وفي الجانب التربوي، تدني مستوى التعليم، وتحول إلى سلعة في سوق العرض والطلب، والعراق الذي نال جائزة الأونسيكو نهاية السبعينات على إدائه المميز في حقل التربية والتعليم، عادت الأمية لتضرب في جنبات المجتمع العراقي.

 

وفي البعد السياسي، فالسؤال اكثر الحاحاً أين أصبح العراق في ظل الاحتلال وفي ظل ما يسمى العميلة السياسية؟

 

لقد طيفت الحياة السياسية تطييفاً كاملاً، والعراقيون الذين كانوا يُعرفون ويعرفِّون عن أنفسهم بأنهم عراقيون، أصبحوا سنة وشيعة ويزيدين وصابئة ومسيحيين، وأكراد، وعند الأكراد ملل ونحل الى آخر التسميات. وبذلك تكون أولى إنجازات الاحتلال في صياغته للنظام السياسي الجديد، أنه أسقط الهوية الوطنية العراقية لمصلحة الهويات الطائفية والمذهبية، وهذا الإسقاط للهوية الوطنية كرس في النص وطبق في الممارسة الميدانية.

 

أما الديموقراطية السياسية التي وُعد العراقيون بها، فتجلت نماذجها "الباهرة" من خلال تطويع النص لمصلحة مراكز القوى، واستنباط الاجتهاد حيث لا نص، لحماية مواقع القوى ذات العلاقة المكشوفة مع المحتل والمرتهنة لأولياء النعمة السياسية. وفي سياقات الديموقراطية السياسية التي تندرج ضمن تعبيراتها قضية الحريات والحقوق الأساسية وخاصة حقوق الإنسان، فيكفي أن يؤشر على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي مارسها الاحتلال أو تلك التي مارستها الأجهزة السلطوية التي ترتبط بمراكز القرار التنفيذي. ليتبين حجم الفظائع التي ارتكبت بحق الإنسان العراقي الذي أفصح عن رأيه بالمقاومة أو بالقول تصريحاً أو تلميحاً. ولعل ما يجب التوقف عنده هو الأسلوب الذي تعاملت معه السلطة القائمة حالياً، مع مظاهر الاحتجاج والتظاهرات التي شملت كل نواحي العراق. وهذا المشهد الأخير هو الأهم لأنه أماط اللثام عن حقيقتين.

 

الحقيقة الأولى، ان شعار الديموقراطية الذي رفعه الاحتلال ومن يناط به إدارة ما يسمى بالعملية السياسية، إنما كان كذبة كبيرة على غرار الكذبة الأميركية بوجود أسلحة دمار شامل في العراق. فالمالكي الذي تقاطعت عليه التفاهمات الأميركية الإيرانية، والذي يجمع بين يديه كل سلطات القمع ويدير كل الأجهزة الأمنية التنفيذية، وقف محذراً من التظاهرات حتى تلك التي كانت تطالب بالرغيف وفرص العمل. وهذا الذي يدعى أن الحكم في العراق مستقر له ويحوز على التغطية الدولية الإقليمية لإدارته السياسية، لم يجد وسيلة لحماية نفسه إلا قمع التظاهرات وشن حملة اعتقالات واسعة، ووضع الخراسانات على الجسور لمنع اندفاع الجماهير إلى المنطقة المسماة خضراء حيث مقرات الحكومة والأجهزة الأمنية، ومع هذا استطاع المتظاهرون أن يزيحوا السواتر، مما جعلهم عرضة لإطلاق النار.

 

وان يُقدِم المالكي على إقفال مقرات الحزب الشيوعي في العراق، فهذا ليس إلا أول الغيث على نمطية السلوك السياسي للنظام الطائفي الذي لا يستطيع رموزه الذين يمارسون السلطة على أساس طائفي، أن يتعايشوا مع قوى لا طائفية، وأن كانوا قطعوا سوية مسافة طويلة في مرحلة المساكنة السياسية والمعارضة للنظام السياسي الذي كان يقوده حزب البعث.

 

إن ما تتعرض له الحركة السياسية اللاطائفية في العراق حالياً، ليست إلا سياق طبيعي لعملية تطييف الحياة السياسية، والتي هيأ الاحتلال مسرح عملياتها عبر إسقاط الكيان الوطني وضرب مرتكزات الدولة، وإعادة تركيب سلطة جديدة وتنظيم حياة سياسية، لا دور فيها للقوى الوطنية وخاصة القوى القومية منها. وما قرار اجتثاث البعث، إلا المقدمة لهذا التركيب السياسي. ومن اعتبر نفسه وطنياً وطُرب لقرار اجتثاث البعث، ها هو اليوم على سكة الالغاء. وهؤلاء ينطبق عليهم قول "اكلت يوم أكل الثور الأبيض".

 

أما الحقيقة الثانية، وهي الأهم، فهي التي تمثلت بشمول التظاهرات كافة المدن العراقية في شماله وجنوبه ووسطه وغربه وبشكل خاص ساحة التحرير في بغداد. والأهم من شمولية هذه التظاهرات، هي وحدة الشعارات التي رفعت، وتناولت الاحتلال، ورموز السلطة ونظام المحسوبية والفساد والرشوة والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وبهذه الوحدة في الشعارات التي رفعت تبين أن معاناة العراقيين هي واحدة. معاناتهم من الاحتلال، كما معاناتهم من الذين يناط بهم إدارة شؤون البلاد. وهذا أن دل على شيء فإنما يدل، بأن العراقيين مشدودين إلى وحدتهم الوطنية، والى وحدة معاناتهم ،ووحدة مصالحهم الحيوية اقتصادياً واجتماعياً وسياسية. أكثر مما ظن الذين يعملون على تفتيت وحدة النسيج المجتمعي العراقي خدمة لأهدافهم ومصالحهم المناطقية والفئوية.

 

بعد التظاهرات والتحركات الشعبية التي عمت العراق، وبعد الأسلوب القمعي الذي تعاملت معها الأجهزة السلطوية و أطلق  البعض شعار "نادمون" وهذا الندم وجهه أصحابه إلى مشاركتهم في العملية السياسية، لكن فات هؤلاء، بأن هذه العملية السياسية جاءت في سياقات الاحتلال واستمراره وإفرازاته. ولهذا فإن هذا الندم وأن شّخص حالة تذمر شعبي وسياسي، إلا أنه يبقى دون المطلوب وطنياً.

 

إن المطلوب هو أكثر من ندم على مشاركة في عملية سياسية ،لم تنصف بعض أطرافها بحكم موازين القوى المتحكمة بالساحة العراقية. لأن هذه العملية ليست بالأساس عملية وطنية. وماذا لو أعيد تجميل هذه العملية بإعادة توزيع مقاعد السلطة على أطرافها، هل سيبقى هؤلاء يتلون فعل الندامة؟؟ بطبيعة الحال... لا

 

إذاً،  من يريد ان يتلو فعل الندامة، عليه أن يبدأ بمراجعة سياسية شاملة، تبدأ بنقد موقفه من العدوان مقدمات ونتائج، ومن أطراف العدوان الظاهرين والمستترين، وأن يكون مدركاً جيداً، أن لا ديموقراطية في ظل الاحتلال، لأن من تستلب إرادته الوطنية، تصادر حريته في التعبير السياسي، ومن تنهب ثروته الوطنية، يحرم من خيرات بلده، ومن يحكم من رموز الطائفية والفساد لا تستقيم معه ممارسة سياسية وطنية، ونظام مساءلة ورقابة شعبية او قضائية.

 

إذاً، المطلوب مراجعة شاملة، وهذه المراجعة يجب أن تنطلق من مسلمة، أن مواجهة ما يسمى بالعملية السياسية ورموز الفساد والقمع ،لا يمكن أن تستقيم إلا بإزالة الاحتلال، وتحرير العراق من أشكال الوصاية والارتهان، والمدخل لذلك، هو الانخراط في العمل المقاوم بأشكاله المختلفة، العسكرية والسياسية والثقافية.

 

هذه المقاومة بما هي مشروع كامل متكامل للتحرير والتوحيد، هي مشروع الإنقاذ الوطني الذي يعيد للعراق اعتباره، بوحدته ،وحريته، وعروبته، وديموقراطية الحياة السياسية فيها. وان المشروع السياسي للمقاومة، مشروع يتسع للجميع ومن يريد ان يعيش بحرية وكرامة، ويمارس سياسية وطنية، فسبيله الانخراط في هذا المشروع المقاوم. ومن يشارك في هذا الجهد النضالي سيكون له حصة حكماً في الحصاد السياسي. أما سياسة إغراق الرؤوس في الرمال، فهي أسلوب لا يستقيم وحجم التحديات التي تواجه العراق.

 

في الذكرى الثامنة للعدوان الاحتلال، والتي تحولت مع المقاومة لانطلاقة متجددة لمقاومة المشروع الاستعماري الذي تقوده أميركا، فإن الفرصة متاحة أمام من كل من يعتبر نفسه أنه أخطأ ووقع في سوء التقدير والحسابات، لأن يراجع نفسه ومواقفه، انطلاقاً من وضوح المشهديه السياسية، حيث لا وسطية بين الاحتلال والمقاومة.

 

ان  من يريد أن يعيش حياة كريمة حرة، ويمارس دوره السياسي على قاعدة الولاء لحرية العراق ولوحدته وعروبته، فموقعه الطبيعي في المشروع السياسي المقاوم، النقيض الموضوعي لمشروع الاحتلال، والعراق بحاجة إلى جهد كل أبنائه، وإسقاط إفرازات الاحتلال لن تتم إلا بإسقاط الاحتلال. فالاحتلال هو الرأس وإفرازات الاحتلال ومنهم أطراف العملية السياسية ليسوا سوى الأذناب..

 

 





الجمعة٠٦ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة