شبكة ذي قار
عـاجـل










 وحدة – حرية – اشتراكية                                  أمة عربية واحدة          ذات رسالة خالدة

 

بعد أربع وستين سنة من النضال والصمود المبدئي في وجه القوي المعادية لعروبة تونس وهويتها الثقافية وانتمائها الحضاري تمكن البعثيون في تونس بصبرهم وتضحياتهم النضالية حد الشهادة من تثبيت حزب البعث العربي الاشتراكي حركة نضالية بأفاق وطنية وقومية وإنسانية علي الساحة التونسية حركة تستمد قيمها من القيم الخالدة لرسالة الأمة العربية تثبيت توافق والثورة الشعبية التي حطمت الكثير من المسلمات السلبية الشائعة التي تقلل من شأن الأمة والشعب العربي وتصفهما بالأنانية والتخلف والتردد والجشع وترجح صورة العربي الشجاع المقاوم الذكي الذي يضحي بالذات في سبيل المجموع خالقة الكثير من الحقائق والتأثيرات الجديدة في الوطن العربي ومؤسسة لمرحلة عربية وإنسانية بثقافة عربية جديدة. تثبيت الحزب كحركة نضالية علي الساحة السياسية يؤشر نهاية عهد السرية والانتقال إلي العلنية السياسية والالتحام بالجماهير والمشاركة في الاستحقاقات الوطنية سواء بالإجابة علي مبادئنا ومنطقاتنا الفكرية ولماذا البعث؟ وبطرح برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أسوة ببقية الأحزاب الوطنية الأخرى في البلاد من ناحية ومن ناحية أخري كتحد لسياسة التهميش والإقصاء التي مارسها النظام في تونس ضد التيار العروبي منذ الاستقلال وحني الآن


المنطلقات الفكرية
العلاقة بين الوطني والقومي


حزبنا حزب قومي في مبادئه وأهدافه ونضاله علي أسس صحيحة وديمقراطية فهو يؤمن بالترابط والتداخل بين القيم الوطنية والقومية والإنسانية فتونس جزء من الأمة العربية والأمة مكون من مكونات الإنسانية فالنضال الوطني الصادق هو النضال الذي يعزز وحدة الأمة ويفعل دورها الحضاري والإنساني  أنظر تجليات الثورة الشعبية في تونس وأي الساحات التي أثرت فيها  مما يعني أن القومية وجدت لخدمة الوطنية والصعود بها إلي أنضج صور العطاء والتكامل القومي الإنساني لذلك يؤكد فكرنا من أن أي انجاز حضاري علي المستوي الوطني هو إضافة نوعية في الصرح الحضاري للأمة العربية ومن أن الوطنية الصادقة هي القاعدة التي تنبني عليها القومية والوحدة العربية وبالتالي الوطنية الصادقة هي القومية والقومية الصادقة هي الوطنية نفسها فأي فعل وطني صادق وخير تتأثر به الأمة صعودا وكل فعل وطني منحرف يؤثر فيها نزولا  أنظر أثر كامب ديفد  في علاقاتها بالإنسانية مما يعني ترابط وتداخل بين الوطني والقومي من جهة وبينهما والإنسانية من جهة أخري لذلك يعتبر حزبنا الوطنية الشوفينية معادية للقومية والإنسانية كما أن القومية المتعصبة معادية للوطنية وللانسانية انطلاقا من هذا التداخل والتكامل الايجابي بين الوطنية والقومية فحزبنا يستمد منطلقاته الفكرية والعقائدية إلي جانب القيم والتجارب المحلية والوطنية والإنسانية من فلسفة وأدبيات القومية العربية التي يمثل حزب البعث العربي الاشتراكي أبرز رموزها السياسية وطليعتها النضالية باعتباره الحزب العربي الوحيد الذي يؤمن بوحدة الأمة العربية أرضا وشعبا وعقيدة وتراثا ولغة وطموحا وآمالا الحزب الذي ناضل ولازال يناضل من أجل قضايا الأمة والتضحية في سبيل عزتها وإعادة مجدها تحت شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة رغما عن التحديات المركبة التي تعترض طريقه واضعا جملة أهداف هي الوحدة والحرية والاشتراكية هي مبادئ إستراتيجية يتمحور حولها ومن خلالها نضالنا مستلهما في ذلك روح الماضي لا العودة المادية له ..


المبادئ الإستراتيجية لحركة البعث
منذ ولادته لم يكتف البعث بتحليل الواقع العربي المجزأ والمتخلف اقتصاديا واجتماعيا بل قدم الحلول والبدائل الموضوعية في ترابط جدلي علمي وبالتوافق وقدرات جماهير الأمة العربية وتطلعاتها المشروعة في حياة كريمة آمنة. حل جاء في شكل مبادئ وأهداف إستراتيجية كبري تمثلت في الوحدة والحرية والاشتراكية والتجديد الحضاري.


الوحدة العربية
تمثل الوحدة هدف استراتيجي في نضالنا فبدون تحقيقها كمشروع سواء جهويا وإقليميا وقوميا سيستمر العرب في تخلفهم الاقتصادي والاجتماعي وغير آمنين في وجودهم القومي والحضاري في ضل التحديات العاصرة التي حكمتها الثنائية القطبية سابقا والتي تمثلها القوي والكتل السياسية والاقتصادية حاليا الساعية إلي السيطرة وتحقيق مصالحها علي حساب الأمم الأخرى  وخاصة الأمة العربية.


بناء علي ذلك ربط الحزب نهضة الأمة وتطورها بتحقيق وحدتها القومية فالوحدة هي التي تمكن العرب من تجاوز الفقر ومقاومة العجز النفسي والمادي وتربطهم روحيا بماضيهم كما تمدهم بعناصر القوة والقدرة علي مواجهة الطامعين في ثروتهم من هنا اعتبر الحزب الوحدة ضرورة إستراتيجية ومنحها أولوية سياسية تتقدم جميع أهدافه القومية الأخرى ونادي بوضع لبناتها الأساسيةسواء علي مستوي الحكومات والشعب العربي إذ بدون انجازها سنبقي غير آمنين في وجودنا القومي والحضاري والإنساني فاقدين لاستقلالنا وحريتنا وكرامتنا أمام حجم التحديات ألآنية والمستقبلية التي تفرضها القوي الامبريالية في العالم. لذلك ركز الحزب علي تنمية الشعور القومي الذي تراجع في ظل التخريب الداخلي المستند إلي عوامل خارجية وخليط من الأدوات المحلية غير المسؤولة فالشعور القومي الايجابي والجدي والمسؤول حني في حدوده الدنيا ينشئ صحوة قومية بإمكانها أن تهز أعماق الأمة والشواهد عديدة علي ذلك. من هنا فالوحدة العربية في منظور البعث ليست قوة مادية فحسب بقدر ما هي قوة روحية مرهونة بانبعاث روحي لدي أجيال الأمة كما ورد في كتابات مؤسس البعث (تتحقق الوحدة العربية عندما يشعر العرب أنهم لم يوجدوا عبثا في هذه الحياة ولم يوجدوا ليعيشوا علي فضلات الآخرين وليكونوا عبيدا للآخرين ولم يوجدوا جماعات متناحرة تتنافس علي المادة والنفع الحقير وإنما وجدوا ليعطوا ما في نفوسهم وعقولهم وليعبروا أكمل تعبير علي إنسانيتهم ويرتفعوا إلي فوق النظرة التي تؤمن بالقيم والخلود وليرتفعوا إلي مستوي روحي يصهر نفوسهم من جديد وينسيهم خلافاتهم ويبدل ضعفهم إلي قوة وليشعروا بأن عليهم مسؤولية جدية تامة ) مما يعني أن الوحدة هي إدراك للذات والواقع وللرسالة الإنسانية الخالدة وبالتالي فالوحدة السياسية هي نتيجة عملية للوحدة القومية عندما يشعر العرب بأنهم أمة واحدة ولهم رسالة وأن عليهم مسؤولية تحرير أنفسهم ليرتفعوا إلي مستوي رسالتهم الإنسانية وعليه فالوحدة العربية مهما كان شكلها بين قطرين وأكثر جهوية وإقليمية مكسب تاريخي لأبناء الأمة يفرض تعزيزها وحمايتها والدفاع عنها ضد القوي السياسية المعادية سواء داخليا وخارجيا لذا علي البعثيين في تونس والمغرب العربي النضال من أجل تحقيق وحدة المغرب العربي تمهيدا لوحدة الأمة العربية سواء بتنشيط العلاقات الرسمية والشعبية وفي جميع المستويات وعبر كل أشكالها فوحدة المغرب العربي حقيقة تاريخية ثابتة ومتأكدة عبر مراحل وحني في أدبيات الحركات الوطنية مما يفرض تجسيدها علي أرض الواقع وبشكل ملموس.


الحرية والديمقراطية
ليس المهم أن يتساوى الناس في توزيع الطعام بقدر إتاحة الفرصة لكل فرد لإطلاق مواهبه وقواه .. والتعبير عن ذاتيته وإنسانيته *الحرية في مفهوم حزبنا هي احترام إنسانية الإنسان أولا وتوفير الشروط اللازمة له للتعبير عن نفسه وقدراته ومواهبه ثانيا. لذلك الحرية في فكر البعث أوسع وأشمل وأعمق من الديمقراطية فالديمقراطية في نظرنا هي الجانب التطبيقي لروح الحرية لذا يري البعث أنّ الاستعمار هو انتهاك لحرية الإنسان والأمم والشعوب* الاستغلال طعن في حرية الإنسان وكرامته* التجزئة طعن في حرية الإنسان وحقه في وطنه* التسلط والأبوية في العمل السياسي تنكر للحرية والاستقلالية *وهي كلها مظاهر وسلوكيات سلبية وآليات سياسية لتعطيل حرية الإنسان ولدوره الفاعل والايجابي تجاه نفسه وشعبه وأمته والإنسانية وبالتالي فالحرية هي تحرير الإرادة الشعبية للأمة من التسلط والوصاية السياسية لمجموعة وأقلية ونظام سياسي علي المجموعة الوطنية كما أن الحرية تعني الاختيار السياسي للأفراد بشكل لا يتناقض ووحدة الأمة ومنظومتها القيمية ومصالحها أما الديمقراطية فقد أكد الحزب ومنذ تأسيسه علي ممارستها في الحياة السياسية سواء علي صعيد الحزب الداخلي وعلي صعيد المجتمع وقد أكد دستور الحزب وبالنص علي *السيادة هي ملك الشعب والشعب وحده مصدر كل سلطة وقيادة وأن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها من إرادة الجماهير *ومن أن نظام الحكم في الدولة العربية المنشودة هونظام برلماني نيابي دستوري تكون فيه السلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة كما تؤكده المادة 14


بناء علي هكذا تقديم الديمقراطية أداة تعزيز لقيم الحرية والإنسانية وهي بالنسبة للطلائع الوحدوية ألأداة السليمة التي تمكن من تحقيق الوحدة العربية بحكم أنها تمنحها الفرصة للتعريف بإيديولوجيتها وتفسح أمامها النضال الجماهيري العلني والمشاركة في الانتخابات والتمثيل السياسي الذي يمكنها من الدفاع عن مشاريع الوحدة والاقتراب من انجاز جزء من برامجها وأهدافها بالنتيجة النضال من أجل الحرية والديمقراطية هو نضال من أجل الوحدة.


الاشتراكية

منذ التجليات الفكرية الأولي وحني قبل التأسيس وبالرغم من الانفتاح الفكري علي الآخر واعتباره الفكر الإنساني ملكية جماعية للإنسانية رفض البعث فكرة الشيوعية وإفرازها الاقتصادي والاجتماعي ممثلا في الاشتراكية لعدة اعتبارات منهجية وعلمية فهي نتاج فكري لخصوصية غربية لا يمكن نقلها وتبنيها في بيئة عربية إسلامية تختلف في تكوينها التاريخي والحضاري والروحي عن المجتمعات الغربية المثقلة بهيمنة الكنيسة مما جعلها (الشيوعية والاشتراكية) ذات نزعة علمانية معادية للدين .. وبالتالي فهي تعالج قضايا ذات علاقة بالمجتمعات الغربية رغم تقاطعها في بعض مفاصلها التحليلية مع ما يعانيه المجتمع العربي مجتمعات غربية هي نتاج الثورة الصناعية والحركات القومية المتعصبة والتمايز الطبقي والتوسع الاستعماري والصراع القومي .. من هنا اعتبر البعث نقل المفاهيم الغربية الشيوعية والاشتراكية حرف لنضال العرب في معالجة قضاياهم الجوهرية إذ تهدم هذه المفاهيم الشعور القومي لأمة لم تتكون قوميتها بعد وفي وقت لم يتحرر فيه العرب بعد من الظاهرة الاستعمارية.

 

مفاهيم ليست مجرد نظام اقتصادي بل عبارة عن رسالة مادية أممية تنفي حقيقة القوميات وتتنكر لعقائدها الدينية والروحية وفي مقدمتها رسالة الأمة العربية.

مفاهيم قامت في الغرب علي معاداة الدين ومحاربته ولها ما يبرر موقفها السياسي باعتبار أن مؤسسات الدين (الكنيسة) قد وقفت في صف الاستغلال (الحكومات) ولأن الرأسمالية والإمبريالية قد وظفتها أيضا في خدمة مصالحه .. في حين الدين عند العرب لم يزل علي نقاوته وعلي أهدافه التحررية والإنسانية فهو مصدر أمل الجماهير الكادحة في التحرر والنهضة وتحقيق تطلعاتها الوطنية والقومية الإنسانية المشروعة.

 

العرب أمة تاريخية بفعلها الحضاري وعظيمة برسالتها الإنسانية المتمثلة في التوحيد الإيماني والتحرر الإنساني .. ليست أمة صغيرة وثانوية بفعلها التاريخي حني تسير في ركاب أمم أخري لذا أن يتبنى العرب الاشتراكية الماركسية لنظام أممي يتجاوز السياسة والاقتصاد إلي الأخلاق والدين ونواحي الحياة الأخرى .. يشوه الاشتراكية الصحيحة التي يحتاجها العرب والمستمدة من روحهم ومن حاجات مجتمعهم .. اشتراكية تؤسس لإقامة تنظيم اقتصادي عقلاني يلغي الاستغلال والتمايز الطبقي والاجتماعي .. يحفز علي الإنتاج والإبداع يقدس العمل ويعمل علي تحرير الثروة القومية من الاستغلال الأجنبي وإقامة العدل بين أبناء الأمة.

 

فالاشتراكية التي يدعو البعث إليها هي الاشتراكية التي تراعي الشروط الخاصة للعرب كأمة لا تلك التي تعمل علي إحلال المادة مكان الروح والإلحاد مكان الإيمان .. اشتراكية عنوانها أن يشترك جميع مواطني الأمة العربية في ثروة وطنهم العربي لغرض تحسين حياتهم وتحسين حياة أمتهم .. وانطلاقا من هذا المفهوم يري البعث أن الاشتراكية مرادفة للقومية .. فالقوميون العرب هم اشتراكيون لأنهم يدركون أن الاشتراكية هي الطريق الصحيح لتحقيق نهضتهم ووحدتهم ومن أن النضال القومي يستوجب النضال الاشتراكي حني تؤمن الجماهير أن وحدتها القومية ستضمن لها العدالة والمساواة والعيش الكريم لذا فالنضال من أجل الوحدة هو في ذات الوقت نضال في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية للقضاء علي الاستغلال الطبقي والاجتماعي وعلي الفئات المستغلة للقضية القومية.

 

مبادئ تضع الطريق العملي لحل إشكالية الأصالة والاغتراب التي كثيرا ما توضع في الموضع الخاطئ وعلي أساس ثنائي وبشكل متعارض في إيديولوجية السلفيين التي تنادي بالعودة إلي الماضي وإيديولوجية المغتربين التي تنادي وتعمل علي الانقطاع عن الجذور بدعوي تجاوز العصر لها واقتباس تجارب شعوب وأمم أخري فما هي نظرتنا للتجدد الحضاري باعتباره عنوان التلاقي والافتراق النضالي إلي أمام.

 

التجدد الحضاري

هل هو العودة إلي الماضي أم تحريك روح الماضي إلي الحاضر؟ كيف نتعامل مع صيغ المعاصرة الآن والتي تستهوي البعض للانتماء الشكلي لها؟

 

ينطلق حزبنا في هذا الموضوع بالأساس من تحريك روح الماضي إليه وليس الرجوع المتدحرج إلي الماضي بتصور <<خطوة إلي الخلف>> وإنما بتصور وفعل خطوة إلي أمام .. فعندما نحرك الماضي أي بمعني نحضر الماضي بروحه وقيمه لأغراض التفاعل لتأدية رسالة الحياة في العمل إلي أمام .. فأننا في هذا لا نستنسخ الصيغ والفعل من الماضي وإنما نمد جسرا حيا يربط بين الماضي والحاضر وينفتح علي المستقبل بكل مستلزماته في التطور والفعل إلي أمام .. وبالتالي عندما نحضر حلقة من حلقات تجربة العرب الماضية وندرس تاريخ أحد الخلفاء الراشدين مثلا فأننا لا نستعير الصيغ التي استخدمها وإنما نأخذ الروح التي انطلقت منها الصيغة والصيغ التي استخدمها في معالجة موضوع م .. وعندما نقول أن فلانا كان مبدئيا وأمام المبدئية لم يجعل قيم الأرض ومغرياتها بديلا عن قيم السماء وحاول أن يحضر قيم السماء في الوقت الذي استخدم معطيات الأرض لخدمة قيم السماء بهكذا تصور وتفكير نتصرف علي ضوء تصرف هذا الجد الذي هو جزءا من تاريخن .. لكن علينا أن لا نستعير صيغا استخدمها هو قبل 1420 سنة .. وعلينا أن لا ننشغل بمناقشة ماذا نأخذ من تاريخ عمر وعلي وأبي بكر أو عثمان .. <<رضي الله عنهم>> من صيغ العمل وتطبيقاته .. وإنما علينا أن نفهم روح سيرة هؤلاء الأجداد ونفهم كيف نكون أصحاب مبدأ في النظرة إلي الحق والحقوق بين المواطن والحاكم بين المواطن والمواطن كيف نستحضر عدالة الأولين في روحها كيف نستحضر اشتراكية العرب المسلمين في روحها وقيمها العامة كما جاءت في تصرف عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وبالتالي فأننا عند دراسة فعاليات وتصورات العرب عبر تاريخ الأمة نستفيد منها كدروس بليغة لكي نجعل روح العصر ممتدة إليها في الوقت الذي نحرك روح الماضي إلي العصر هكذا يمكننا أن نستقي الدرس من التاريخ والتراث بدون تعصب ورجوع إلي الخلف يمنع ويعرقل التقدم إلي أمام وبذلك تكون قوانين الحاضر ومستلزماتها قد سجلت حضورا ثوريا حيا لأن التاريخ والتراث سيكونان جسرا ممتدا ومتحركا إلينا ولسنا حالة راجعة إليهم. بهكذا رؤية فأية حالة اقتباس وأية نظرة شكلية للماضي وأية نظرة شكلية للحاضر تقود للخطأ الجسيم .. إذ التخلي عن الماضي عبارة عن تشبث شكلي وانتماء مظهري للمعاصرة والتخلي عن الحاضر المتحرك للإمام ومستلزماته وقوانينه هوانتماء شكلي إلي الماضي وليس انتماء إنساني وثوري له .. علينا أن ندرك أن أجدادنا الأوائل كانوا منتمين انتماءا ثوريا إلي حاضرهم الذي أصبح ماضيا في الوقت الذي كان حاضرهم منتميا إليهم انتماءا ثوري .. لأنه كان متحركا إلي أمام بفعل القيم والممارسات التي كانوا يغيرون الواقع بموجبه .. فالنقطة الأساس في عظمتهم أنهم ثاروا علي علاقات ومقاييس متخلفة .. من هنا علينا أن نفهم أن أي صيغة من صيغ المعاصرة الآن التي تستهوي البعض للانتماء الشكلي لها إنما هي جزء من تاريخ أمم أخري لم تكن معزولة في حركتها عن عصرها الذي عبرت عنه في الفعل والتصور في الوقت الذي اتصلت بماضيها اتصالا حي .. لذا فنحن العرب عندما نقتبس مظاهرها وحلقاتها الخارجية لا ننتمي إلي أمتنا انتماءا صحيحا وعندها سننتمي للحاضر انتماءا شكليا مبتورا غير إنساني وغير ثوري في نفس الوقت .. من هنا فانفتاحنا علي معطيات حضارة الغرب فلكي نفهمها ونتفاعل مع ما ينبغي أن نتفاعل معه لا انتماء شكلي ألي أي منها والتي هي ثمرة مجهود قومي إنساني بالأساس تواصل فيه الماضي بالحاضر .. فالأمم الغربية تنتمي إلي تجاربها انتماءا متكاملا وهكذا تكون جزء من ماضيها في الوقت الذي تؤدي واجبها في الحاضر .. بينما نحن إذا انتمينا إلي المعاصرة التي هي حصيلة مجهود أمم أخري بصورة مظهرية فسنكون عمليا خارج أمتنا في الوقت الذي نكون فيه خارج الأمم الأخرى ونكون في هذا التصرف والتصور غير ثوريين ولا إراديين لأننا لا نقدم إضافة إبداعية للحياة ويقتصر دورنا علي النقل والتحريك الآلي لتجارب الشعوب.

 

لننظر إلي الحياة نظرة علمية تحليلية سنري وحني الآن أنه لم يثبت لدينا ولم نطلع ونعرف أن هنالك فاصلة في التاريخ والحياة الإنسانية كان فيها الإنسان يحس بالسعادة لمجرد الانتماء إلي المرئي والمحسوس في الأرض وما يبقي علي سطحه .. إذن الإنسان وعبر تاريخه كان يتطلع وباستمرار إلي ما هو أبعد من المرئي والمحسوس .. نطلع جعله في بعض الأحيان يتخذ من المرئي نفسه حالة وكأنها خارجة إرادته وخارج الحضور العملي لحواسه فيجعل من الصنم الذي يصنعه بنفسه من الحجر الاها له رغم أن الصنم في مادته جزء من الأرض التي يقف ويعمل علي سطحها إذن حاجة الإنسان إلي التطلع خارج ما يقع بين يديه وإلي الروح حني فيما هو موجود بين يديه من مادة وما هو مرئي منها حاجة قائمة لذلك نجده يجعل من الحجر صنما ينظر إليه علي أن له روحا. كما تشتد حاجة الإنسان إلي تجاوز المرئي إلي ما هو أبعد عندما يزداد تمتعه بها إلي الحد الذي يكون فيه قد أشبع كل حاجاته الإنسانية في جانبها المادي وصار يشعر بالاختناق والفراغ وعندما تسحقه ظروف الحياة وتتغلب عليه فيتملكه الشعور بالفراغ جراء عدم مقدرته في السيطرة علي شؤونها وتسخيرها لتحقيق مستلزماته وحاجاته منها كما ينبغي .. وهكذا يتطلع إلي الأعلى إلي الأفق متجاوزا المنظور .. عندما يتوفر له ما يطلب من حاجة مادية وعندما يعجز عن الحصول علي أبسط مستلزمات الحياة الصحيحة عندما يكون صحيحا معافى وعندما يكون مريض .. وإن اختلفت درجات التطلع من حيث الحاجة بين هذه الأصناف رغم أن التفكير في التطلع إلي الأعلى الغير مرئي غالبا ما يرافق الناس الذين تقسو عليهم شروط الحياة وظروفها سواء كانوا في الأراضي المنبسطة وفي الأودية بنسبة أعلي من سواهم من الأصناف. إذن العبادة وحالاتها مسألة إنسانية والحاجة إليها إنسانية كذلك.

 

لنأخذ هذا التقديم في علاقة بواقعنا القطري (أي تونس) الذي هو جزء من الأمة العربية بامتداداتها الإنسانية .. فسنري أن نظرتنا استنبطت من هذا الواقع فبالقدر ما هي حركة تسعي لتغيير هذا الواقع وتحريكه باتجاه يجدد إمكانات الأمة ليضعها في موقع تصبح معه قادرة علي العطاء والتوثب الحضاري واحتلال موقعها الإنساني بقدر ما يفرض علينا رفض القطع مع واقع وتاريخ الأمة العربية وكيف كان مليئا بحركة الأديان وبتطلعات الإنسان إلي العبادة .. لذلك لا يمكن للشعب أن يكون بلا علاقة بين الأرض والسماء (أي بين المادي والروحي) من هنا فالعلاقة التي نريدها تختلف في جوهرها عن نظرة دعاة الأصالة المتدحرجة بالتصور والفعل إلي الماضي ونظرة المغتربين الداعية للقطع مع الماضي واستقدام تجارب الآخرين .. هذا يقودنا إلي طرح موضوع العلمانية ..

 

هل ينظر إليها علي أنها تعني الإلحاد؟ أم ينظر إليها بأنها تعني أن يكون للدولة مهام وعليها أن لا تغرق بأية حالة دينية تصورا وسلوكا يجعلها منتمية علي وجه التخصص إلي جزء من الشعب في القطر الواحد وفي الوطن العربي دون أن تحض باحترام وموافقة الشعب كله .. وبدون أن يختلف الشعب عليها؟ إذن الدولة التي نفهمها والتي نهدف تحقيقها هي التي يعيش في ظلها الشعب كله بحرية تامة في أديانهم ومعتقداتهم في انتماءاتهم المذهبية .. الدولة التي تراعي المعتقد والدين وأماكن العبادة والطقوس دون أن تتدخل فيها وتنتمي انتماء تخصصيا فئويا إلي أي منها وبالتالي دولة تتجنب أن تكون {بيت} عبادة وفتوى عبادة ومفتيا للحياة من طريق ديني .. وأن تركز علي دورها وواجباتها بوصفها مفتي الحياة بيت حياة الشعب الذي يجمع أبناءه من مختلف الانتماءات والاجتهادات في ظله لأننا نأخذ جوهر الأمة في صلاتها بالروح هذا هو الأساس في صلة الإنسان بالدين وليس هناك من عاقل من أبناء الشعب ويفهم جوهر الدين ومستلزمات الحياة بمعانيها الواسعة والعميقة ويقع في خطأ يجعله يتجاوز هذه الحقائق .. لو سألنا كل الناس الذين هم يجزئون الأمة العربية في هذا القطر وذاك .. هل تريدون تجزئة الأمة؟ هل تريدون تجزئة الشعب لأجابوا أبدا لا وألف ل .. ولكنهم يتصرفون عمليا بهذا الاتجاه لأنهم ينطلقون من تفكير خاطئ يفضي إلي تجزئة الشعب في القطر الواحد وتجزئة الأمة في الوطن الكبير فالعاقل المخلص للشعب والأمة ولرسالتها والذي يحرص علي إبعاد مخاطر التشرذم والفرقة بين أفراد الشعب هو الذي ينتمي للأمة كلها لا لجزء منها هو الذي ينتمي إلي الشعب كله لا لجزء منه.

 

لنفهم حقيقة قائمة إن تحول الدولة إلي مركز للفتوى وللتخصص الديني الفئوي سيجعلها في أحسن الأحوال قد اختارت جزء من الشعب فنحن في تونس وإن كنا مسلمين بنسبة 98 % بيننا المالكي والحنبلي والحنفي والشافعي وبيننا طوائف أخري وإن كانت بنسب محدودة .. علي الدولة أن لا توقف الاجتهاد في المعتقد إذ أن هذا ليس من شأنها ليجتهد المجتهدون وليناقش رجال الدين فيما بينهم وليقل كل واحد منهم رأيه فيما يعتقد في المسألة الدينية ولكن علي الدولة أن لا تكون مجتهدا جديدا في الحياة من مدخل ديني إذ أنها إن فعلت ذلك فأنها في أحسن حالاتها ستعتبر مجتهدا دينيا جديدا عليه أن يصطف مع المجتهدين الدينين الآخرين يختلف ويتوافق معهم .. وفي هذا عليها أن تنتمي إلي مدرسة من المدارس الدينية ومذهب من المذاهب إذا عالجت شؤون الحياة من زوايا دينية وعندئذ ففي أحسن حالاتها قد تفوز بانتماء جزء من المواطنين إليها دون باقي الشعب.

 

يشير تاريخ المسلمين العرب بعد وحني أثناء عهد الخلفاء الراشدين أنهم اختلفوا بشكل واسع وعميق حول الطريقة الأجدى لتطبيق أحكام الدين علي الأرض وهم الذين كانوا أصحاب محمد(صلي الله عليه وسلم) عندما كانت تنزل عليه آيات القرآن وفي وقت لم تكن الأحكام الدينية قد أرهقت باجتهاد المدارس والمذاهب فكيف الآن إذا ما زجت الأحكام في إعطاء الفتوى بالممنوع والمسموح في شؤون الحياة التي زادت مفرداتها آلاف المرات علي ما كانت عليه قبل 1400 سنة من الآن. إن زج السلطة في إعطاء أحكام لشؤون الحياة من مدخل ديني لا بد أن يفضي إلي واحدة من الحالتين

 

1- عرقلة التطور في شؤون الحياة وتحويلها إلي جحيم لا يطاق من شأنه أن يقتل إبداعات الإنسان وتفاعله مع روح العصر ومستلزماته

2- إفراغ الدين من قدسيته ومهابته وروحه وتحويله إلي غطاء لتبرير الكثير من مفردات الحياة واجتهادات بما يسئ إلي الدين في جوهره وتجلياته.

 

لذلك ليس من مصلحة الشعب والأمة من الناحية النظرية ولا من الناحية العملية أن يفكر الناس الذين يريدون فعلا توحيد الشعب والأمة ووضعه ووضعها في حالة صيرورة جديدة من حيث الدور القومي والإنساني في أن يعالجوا الحياة من منظور ديني لأنهم في أحسن الحالات سيكونون مجتهدين دينيين يختلف معهم علي نطاق واسع وعميق ليس الدنيويون فقط وإنما الدينيون بالدرجة الأساس سواء صنفوا كمجتهدين صغار وكبار وبالنتيجة النهائية سينتمون إلي جزء من الشعب أو الأمة لا للشعب كله في القطر الواحد أو الأمة كلها في الوطن الكبير.

 

لذا الادعاء بتوحيد الشعب أو الأمة من منظور ديني نظرة سطحية خيالية غير صادقة ومتعصبة لذلك نرفض هكذا توجه الذي وجد قبل وبعد ظهورنا علي ساحة الوطن أو القطر ونرفض المنهج الإلحادي الذي وجد قبل وبعد ظهورنا كذلك.

 

قد يبرز من يقول أننا نضع القومية فوق الدين علي العكس تماما نقول أن هذه المفاهيم تضع القومية في مستواها ودورها الإنساني الحقيق والصحيح .. وتترك للدين دوره ومستواه القدسي دون الإساءة إليه .. فالدين الإسلامي لم يكن بديلا عن القومية في معانيها الإنسانية وليس حالة متعارضة ومتناقضة معها بل أن الإسلام قد أكد المعاني القومية المنفتحة الإنسانية وأكد الكثير من أخلاق وقيم العرب الأصيلة وأعطي للعرب دورا إنسانيا قياديا ليس داخل الوطن العرب فحسب وإنما خارج حدودهم القومية في الوقت الذي بلور وعمق أهم خواصهم ومقوماتهم القومية بعد أن عززها بروح الرسالة ودورها الإنساني وعزز إمكانات الرسالة علي الأرض بخواص العرب ومقوماتهم القومية الإنسانية الأصيلة.

 

فالإسلام عزز وحدة العرب بعد أن كانوا قبائل متناحرة ومتخلفة اجتماعيا لم يكن ضد العروبة أو وحدة العرب بل معززا للعروبة ووحدتها جاعلا من الخواص الايجابية عند العرب مرتكزا للانتشار إلي أبعد النقاط الجغرافية التي بلغه ..  لذا فان أي دعوة لا تضع هذه الرؤية في حساباتها وخاصة دور العرب القيادي في الدين وعدم تعارض الدين مع القومية العربية ومنهجها التحرري الإنساني لا يمكن إلا أن تكون معادية للعروبة ومنحرفة بالتصور والتصرف عن المفاهيم الصحيحة لجوهر الدين هذا لا يلغي فهمنا من ناحية ومن ناحية أخري عدم اختلافنا مع الدينين في أن الدين هو أداة معارضة وسلاح ضد الطغاة والمستبدين والفاسدين من الحكام في مرحلة من مراحل الحياة وفي ظرف من ظروفها لكن لا يجب أن يحجب هذا السلاح الأداة في ذهن المناضل بقية الأدوات الأخرى وأن ينتبه إلي أن لا يمسك هذا السلاح (السيف) من نصله فيقود استخدام الدين كسلاح أو غطاء للمعارضة إلي تمزيق الشعب وإحياء الآراء والنظريات المتخلفة وتعطيل تقدم الحياة وروح المعاصرة التي بدونها سنبقي شعب مستعبد وغير قادر علي العطاء والإشعاع القومي والإنساني ولكم في ثورة البلاد أبرز الأمثلة الحية.

 

 

رجيش / المهدية بداية فيفري ٢٠١١

 

 





الاربعاء٠٤ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حركة البعث - القطر التونسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة