شبكة ذي قار
عـاجـل










الانتفاضات الشعبية التي نعايشها هذه الأيام في أقطار عربية مختلفة أشعل شرارتها الأولى المواطن التونسي المرحوم محمد ألبو عزيزي والتي أدت الى هروب الطاغية التونسية زين العابدين بن علي الى المملكة العربية السعودية. انتقلت رياح تلك الانتفاضة الى مصر العروبة لتبدأ حركة التغيير هناك، التي في النهاية هزت كرسي الدكتاتور المحنط حسني مبارك وأطاحت به. استمرت رياح التغيير في هبوبها لتصل الى أقطار عربية أخرى مثل اليمن والجزائر والأردن وليبيا والبحرين والعراق لتشمل مؤخرا المغرب. الأهداف المبتغاة لهذه الإنتفاضات وحسب فهمنا لها هو التغيير الجذري للنظم العربية الفاسدة وإعادة الكرامة المفعمة بالحرية الى الشعب العربي والقضاء على الفقر والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإقامة نظم ديمقراطية تسودها العدالة واحترام كينونة المواطن العادي ومعتقداته وتكافؤ الفرص السياسية والوظيفية لكل التجمعات الشعبية ضمن الأطر الوطنية والقومية. النجاح الذي حصل في إزالة رؤوس النظم - وليس النظم بعينها - في تونس ومصر لم يتحقق في الأقطار العربية الأخرى لحد الآن.


واجهت الانتفاضات الشعبية الكبرى في تونس ومصر عنف قاسي متوقع من قبل الأنظمة وقواها الأمنية ومؤيديها وبلطجياتها المأجورة وراح ضحيتها المئات من القتلى والآلاف من الجرحى والمعتقلين. العنف القمعي الأحادي الجانب أيضا حصل ويحصل في العراق ضد الاحتجاجات الشعبية في مختلف محافظات القطر التي قام بها المواطنين المحتجين على الأوضاع الفاسدة التي يعاني منها الشعب العراقي في ظل الإحتلال المزدوج للوطن وآخر هذه الانتهاكات حصلت مساء أمس في ساحة التحرير ببغداد حيث قامت كلاب العميل نوري المالكي المسعورة باستعمال الهراوات والسكاكين في اعتدائها الغاشم على المعتصمين سلميا هناك. العنف الذي حصل في الاحتجاجات الشعبية في الأقطار العربية الأخرى كان من قبل الجانبين وحسب الأخبار المنشورة ويبدو أن هناك عناصر مندسة وعميلة بين المتظاهرين تحث على استفزاز القوى الأمنية لإحداث معارك بين المحتجين وتلك القوى وذلك لإثارة السخط والاحتجاج العالمي ضد السلطات الحاكمة. فمثلا وعلى سبيل المثال وليس الحصر نرى في البحرين أن المتظاهرين كانوا رافعين صور الدجال خميني والدجال خامنئي وآخرين رافعين شعار "لا للعربي الخوان تحيا تحيا إيران" ويهتفون بسقوط النظام الملكي والتأييد لإيران، هذا إضافة الى استعمال العنف ضد قوى الأمن البحرينية. هذا يشير الى أن هناك عناصر إيرانية مندسة بين المحتجين أو أن الاحتجاج موجه من قبل عناصر شيعية صفوية بحرينية تابعة لنظام ملالي قم وطهران.


الوضع السياسي العربي في ظل الإنتفاضات الشعبية المنتشرة من المحيط الى الخليج أصبح معقدا جدا ومشحون بأسئلة لابد من طرحها لمعرفة نوعية الغيوم التي تحيط بجوه. في كل كتاباتنا المنشورة أثناء الانتفاضتين التونسية والمصرية كنا نأمل ونتمنى أن تعصف رياح التغيير في كل أقطارنا العربية لتخلص الشعب العربي من حكامه ونظمه الفاسدة الخنوعة والعميلة للغرب والكيان الصهيوني وبناء نظم ديمقراطية شفافة تساعد مستقبلا على تحقيق الوحدة، والتكامل السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي والعسكري بين أقطارنا العربية المشتتة من أجل بعث روح التجديد في الجسد المكلوم لأمتنا المحتضرة كي تساهم بشكل إيجابي في تقدم الحضارات الإنسانية كما كانت في الماضي السحيق.


الغريب في خضم كل هذه الإنتفاضات وكما ذكرنا في مقالاتنا السابقة هو التأيد الرسمي والإعلامي الغربي خصوصا الفرنسي والبريطاني والأمريكي لها على الرغم من أن أهداف الإنتفاضات الشعبية كانت التخلص من النظم العربية المنبطحة والعميلة للغرب والكيان الصهيوني. خمنا أثناء الانتفاضتين التونسية والمصرية بأن القوى الغربية واستخباراتها أخذت على حين غرة ولم تتوقع في البداية ان نتائج الاحتجاجات قد تصل الى ما وصلت إليه ولهذا كانت معاييرها السياسية والإعلامية مزدوجة ومتأرجحة بين تأيد الطغاة والتأيد ألمستحي للمنتفضين قبل ان تصمم في الوقوف الى جانب الشعب المنتفض ولكن بتحفظ. نفس الإسلوب استعمل في حالات الاحتجاجات التي حصلت في اليمن والأردن والبحرين على الرغم من عدم قابلية هذه الاحتجاجات تحقيق مثل ما حصل في تونس ومصر. الملفت للنظر في هذا السياق أيضا هو ان هذا الإسلوب الإنتقادي اخذ منحى آخر فيما يخص الاحتجاجات التي حصلت وتحصل الآن في ليبيا الغنية بالنفط حيث أن الرأي السياسي والإعلامي الغربي وحتى الإعلام العربي – قناة الجزيرة مثلا - يقع ومنذ البداية في كفة ميزان التخلص من الرئيس الليبي معمر ألقذافي. الفرق بين معمر ألقذافي – على الرغم من آراءه المثيرة للجدل القديمة والحديثة ومساعدته للعصاة الأكراد في شمال العراق سابقا - وبين الحكام العرب الباقون هو قلة انبطاحه أو عدم انصياعه لمعظم الضغوط الغربية وموقفه من الاعتداء على العراق عام 1990-1991 والغزو الأمريكي له عام 2003 وقضية اغتيال القائد الأسير الشهيد صدام حسين المجيد. الملفت للنظر هنا أيضا هو الموقف الغربي والعربي المائع اتجاه ما يحصل في إيران وعدم اكتراثه بالتدخل السافر الإيراني في الاحتجاجات الحاصلة في أقطارنا العربية خصوصا في البحرين واليمن. إيران تستغل الوضع الحالي المتأزم في الأقطار العربية وتشجع وتحث الشعب العربي على الاحتجاج ضد حكامه الطغاة ولكنها في نفس الوقت تقمع الشعوب الإيرانية بالحديد والنار ضد أي تحرك احتجاجي على سياستها القمعية في مدنها المختلفة وخصوصا في الاحواز العربية المحتلة. كل هذا يحصل في غياب الانتقاد الإعلامي العربي الواسع خصوصا من قناة الجزيرة التي تصف القوى الشعبية المؤيدة للقذافي بالبلطجية والمرتزقة الأفارقة ولكنها ساكتة فيما يخص الوضع في إيران. قناة الجزيرة أيضا لم تبدي اهتماما كافيا أيضا لما يحصل في العراق مقارنة بتغطيتها الإعلامية في مصر وتونس والجزائر واليمن وليبيا والبحرين، وفي الحقيقة يكاد ذلك الاهتمام معدوما. كذلك ملفت للنظر هو تفادي النظام السوري واللبناني والسعودي وباقي المحميات الخليجية – الكويت وقطر وعمان والإمارات العربية المتحدة - من حدوث احتجاجات شعبية كما حدثت في أقطار عربية أخرى. لماذا وكيف؟!!! هل أن العاصفة التي هبت من تونس لم تصل الى هذه الأقطار؟!!! وهل أن هذه النظم مثالية وديمقراطية حقة تحترم فيها إرادة شعوبها؟!!!


في خضم تناقضات الإنتفاضات الشعبية المشتعلة في وطننا العربي الكبير لابد أيضا طرح بعض الأسئلة الأخرى حول الى أين تبغي هذه الإنتفاضات وما هي مقاصدها على الرغم من شرعيتها الملحة؟!!! وهل هناك قوى خارجية تسيير هذه الإنتفاضات العفوية أو المدروسة من خلف الستار، أو تحاول الالتفاف على مكاسبها وتحويلها الى هياكل دون الوصول الى الغاية المقصودة منها ألا وهي التغيير الجذري للنظم العربية؟!!! هل هناك تواطؤ غربي صهيوني إيراني مقصده مساعدة الولايات المتحدة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد بعد التخلص من عملائها القدماء دون أن تتدخل عسكريا أو تطلق رصاصة واحدة في الهواء من خلال الوقوف الى جانب المتظاهرين وتأيدهم وتشجيعهم على الاحتجاج ومن ثم توجيههم الى حيث ما تبغي أمريكا والقوى المتحالفة معها علنا أو تحت الطاولة، خصوصا بعد الفشل العسكري الذي عايشته الولايات المتحدة بعد غزوها للعراق؟!!! ما هي طبيعة الدور الإيراني الخفي والمعلن فيما يحدث الآن في أقطارنا العربية؟!!! لماذا أرسلت إيران باخرتين حربيتين عبر قناة السويس الى سوريا؟!!! هل هذه محاولة تحويل النظر عما يحدث في داخلها من احتجاجات شعبية؟!!! لو أخذنا بنظر الاعتبار "العداء" بين الكيان الصهيوني وإيران، هل لإيران إمكانية خسارة أو تضحي ببارجتين بحريتين - التي من السهولة تدميرها من قبل القوة الجوية والغواصات الإسرائيلية – لمجرد الوصول الى الموانئ السورية؟!!!! ماهي الغاية من عرض العضلات الإيرانية في منطقة البحر البيض المتوسط؟!!! هل هي لحماية سوريا أم حزب الله أم ماذا؟!!! لماذا سمحت السلطة العسكرية المصرية الحاكمة بعبور هذه البوارج بعد ثلاثة عقود من القطيعة مع إيران؟!!!


هل حققت الجماهير العربية المحتجة مطالبها الملحة التي من أجلها اندلعت الإنتفاضات؟!!!


بالنسبة لما حصل في تونس ومصر هو ان رؤوس تلك الأنظمة سقطت وهربت ولكن باقي أجزاء أجساده ما زلت جاثمة على صدور الشعبين التونسي والمصري. مع هذا فقد حصلت بعض التغييرات الشكلية والجوهرية منها لكن لم يحدث أي تغيير جذري للنظامين لحد الآن. ففي تونس أستبدل منصب الطاغية زين العابدين بن علي برئيس مجلس الشعب فؤاد المبزع الذي أصبح رئيسا للجمهورية والذي يحاول توسيع صلاحياته الرئاسية، وبقى رئيس وزراءه السابق – محمد الغنوشي - في نفس المنصب وشكل حكومة انتقالية جديدة تحتوي على العديد من الوزراء السابقين لحين "إجراء" التغيرات الجذرية كما يوعدون الشعب التونسي بذلك. وأما في مصر وبعد تنحي الطاغية المحنط حسني مبارك من منصبه استلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الأمور في البلاد وأبقى الحكومة التي كان يترأسها أحمد شفيق في محلها لتصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة قبل أو بعد الانتخابات المقبلة. المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدر بعض القرارات المهمة منها حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور وتشكيل لجنة لتعديله أو لإعادة صياغة بعض مواده، لكن حالة الطوارئ لم تلغى لحد الآن ولم يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين كما طالبت الجماهير المصرية المنتفضة. كذلك أصدر بيانا طمأن فيه العالم الخارجي بالالتزام بكافة الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر سابقا ومن ضمنها تصدير الغاز الى الكيان الصهيوني بنفس الأسعار المخفضة مما أثار تحفظات بعض السياسيين المصريين المشاركين في الانتفاضة. إضافة الى ذلك، أصدر الحكومة الجديدة بعض القرارات منها منع المفسدين من المسؤولين السابقين وتقديمهم الى المحاكم.


لكي نكون منصفين يجب الاعتراف بأن إحداث التغييرات الجذرية المطلوبة تحتاج الى وقت لتحقيقها لكن في نفس الوقت يجب أن لا نغض الطرف عن تحركات العناصر المفسدة والمنتفعة التابعة للنظم السابقة التي تحاول الالتفاف على الثورات وإبقاء الأمور - في هذه المرحلة الحرجة من فترة فتور الزخم الثوري بعد الإنتفاضات العارمة - كما كانت سابقا مع بعض التغييرات التجميلية وهذا في الحقيقة ما يحدث حسب الأخبار المنشورة في مصر وتونس.


نعرج هنا على الأحداث التي تحدث في عراقنا المغتصب وعن الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في عدة محافظات من شماله الى جنوبه بعد مضي ثمان سنوات من الإحتلال وتدمير بناه التحتية، وبيع ونهب خيراته، وقتل أكثر من مليونين ونصف، وتشريد ما يقارب ستة ملايين، وتيتيم ما يقارب أربعة ملايين من أبناءه. هدف المنتفضين "سلميا" في وطننا المغتصب لم يكن الاحتجاج والاعتصام على بقاء الإحتلال بحد ذاته ومن أجل إنهائه كما ينبغي وإنما الاحتجاج كان على الفساد وقلة الخدمات التي تقدمها الدولة مثل توفير الماء والكهرباء، إضافة الى خلق فرص العمل للمواطنين خصوصا خريجي الجامعات. على الرغم من أن حق التظاهر والاحتجاج بطريقة سلمية مذكور في الدستور البريمري الذي تعتمده حكومة الإحتلال الخامسة إلا أنها في الحقيقة لا تعيير أهمية لذلك حيث أنها استغلت نقمة الشعب بشكل ملتوي وحاولت الظهور إعلاميا على أنها تأخذ مطالب الشعب بشكل جدي، ولهذا أرسلت كلابها المسعورة للاعتداء على المعتصمين في ساحة التحرير كما ذكرنا أعلاه، ورمي المتظاهرين في بغداد قرب المنطقة الخضراء وفي المحافظات الجنوبية بالرصاص وقتلت وجرحت العديد من منهم. إضافة الى ذلك أنها تنوي إرسال عملائها وخنازيرها للأنطمار بين المتظاهرين الذين ينون الخروج بمظاهرات احتجاجية يوم الجمعة القادم المصادف 25 فبراير/شباط 2011 في ساحة التحرير ببغداد الحزينة وذلك لرصد كل من يرفع شعارات تحرض على إسقاط الحكومة العميلة أو إنهاء الإحتلال. وفي هذا السياق يجب أن نذكر أيضا أن الانتفاضة التي حدثت في محافظة السليمانية قبل عدة أيام قام بها شعبنا الكردي هناك ضد الفساد الذي تقوم به وتمارسه حكومة العصابات الكردية العميلة وراح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى جراء إطلاق العيار الحي عليهم من قبل مليشيات البيشمركة التابعة للعميل المخضرم مسعود البرزاني.


لذا، ندعو شعبنا المظلوم من شماله الى جنوبه الى الانتفاضة العارمة والنهوض الكامل والانضمام الى المقاومة العراقية المسلحة الباسلة لدك أصرح العملاء والخونة وطرد قوات الإحتلال من أرضنا الطاهرة والبدء ببناء عراق حر ديمقراطي جديد. المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تحل قبل طرد الإحتلال والقضاء التام على عملائه. نأمل أن تكون المظاهره الاحتجاجية في الخامس والعشرون من هذا الشهر هي شرارة الانطلاق على طريق التحرير. الحرية لا تعطى مجانا بل تأخذ بعد دفع ثمنها من خلال التضحيات.


أخيرا وليس آخرا نود القول أنه في الوقت الذي فيه نستهجن كل الأحداث الدامية في ليبيا ندعو الشعب العربي الليبي الى حقن الدم وتغيير النظام من خلال الاحتكام الى العقل وليس من خلال الحرب الأهلية التي تدفعها بهذا الاتجاه بعض القوى الخارجية لأن ليبيا ليس بلد محتل من قبل قوى خارجية كما هي الحالة في العراق التي قد نفهم فصولها إذا حصلت صدامات مسلحة بين المقاومة وعملاء الإحتلال.

 

 





الاثنين١٨ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة