شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أن فجر شباب مصر ثورتهم المجيدة في ميدان التحرير بالقاهرة في الخامس والعشرين من الشهر الماضي ومخاضها يزداد عسرة. فالوليد الجديد عملاق ينمو شعبياً وجماهيرياً بسرعة فائقة يوازي فيها ضخامة العقود الثلاث المنصرمة التي إستفحل فيها الظلم والطغيان وشدة البؤس والحرمان التي سببها الرئيس حسني مبارك ونظامه الذي حول مصر من صف القيادة العربية والإقليمية والدولية إلى دولة مقودة تنفذ الإستراتيجية الأمريكية والمصالح الإسرائيلية؛ ومن صف الإنتاج والبحبوحة المعيشية إلى التردي الإقتصادي والتفاوت الطبقي والتأخر الخدمي في أغلب المجالات.


لذا فإن ثورة شباب مصر التي يساندها ويؤازرها عموم الشعب المصري بكافة مكوناته وفئاته هي ثورة بالقدر الذي تعكس فيه مدى الضغط الذي رزح تحت نيره المصريون، فإنها تبرهن أيضاً على قوة وأصالة هذا الشعب العظيم. إن ثورة مصر التي جاءت متزامنة مع ثورة تونس الرائدة، هي إثباتات جلية على إنبثاق عصر الثورات العربية التي يتوق إليها وإلى تحقيقها كل حر غيور عربي. وإذا كانت سمة هذه الثورات هي شبابية روحاً ودماً وجسداً، فإن المستقبل سيتسم بالحيوية والفاعلية التي تعمل على رفع شأن هذه الأمة من قاع القهر والعبودية الذي سببه لها حُكامها المستبدين والفاسدين.


إن المخاض العسير الذي تمر فيه الثورة في أرض الكنانة، يجعل أنفاسنا تصعد وتهبط مع أنفاس كل ثائر بمصر الحبيبة. فالخوف والحرص على هذه الثورة، إنما هو التطلع لحال هذه الأمة من محيطها إلى خليجها. فمصر الذي جعلها الله بقلب العرب جغرافياً وتاريخياً وسكانياً، هي المركز الذي ترتهن فيه أوضاع الأمة في قوتها أو ضعفها. وبما أن ثوار مصر أثبتوا عمق وعيهم وإدراكهم تجاه كل ما حاق ويحيق بهم من محاولات وصلت إلى حد إستخدام وزارة الداخلية "البلطجية" ورعيل "البغال والجمال" في تمزيق نسيجهم، فإن هذا الوعي والإدراك كافٍ لحماية هذه الثورة الشبابية الوليدة.


ولكن هل الوعي يكفي لتصل ثورة مصر إلى بر الأمان ليسطع بريقها على بلدان العرب ؟


إن قراءة سريعة لِما يجري داخل وخارج مصر في الأسبوعين المنصرمين، يوجب علينا أن نكون حذرين ومنتبهين في آن واحد. فالإستدراج الحواري الذي بدأه النظام المصري مع بعض القوى الوطنية المشاركة في هذه الثورة الشعبية، والتراجع التدريجي الملحوظ من قِبل الإدارة الأمريكية، والغموض المتناقض لأوروبا الغربية، والموقف المريب لدى روسيا والصين؛ علاوة على تحرك بعض الأنظمة العربية الغير حيادي، ومماطلة مبارك العنادية بالبقاء في دفة السلطة، يملي علينا القول بأن مخاض ثورة مصر مازال عسيراً، ويتطلب تعاضداً وتظافراً من كل أحرار مصر، بل ومن كل أحرار العالم أينما كانوا.


نعم إن ردة الفعل الهائلة والجبارة لملاين كثيرة وعديدة في أنحاء وأرجاء مصر توازي بل وتفوق تحركات النظام المصري ومن يسانده داخلياً وخارجياً. ففي هذا اليوم الأربعاء المصادف في 10-2-2011 وصل عدد المتظاهرين في القاهرة وحدها نحو 3 ملايين. ورغم إن هذا الحراك وفق حقائق التاريخ سينتهي لصالح ثورة الشعب، إلا أن كثيراً من الثورات قد إنحرفت أو تشوهت أو صُدِرت لأسباب لا مجال للغوص فيها الآن، فهل ثورة الشباب ستصاب بشيءٍ من هذا القبيل؟ لاسيما وإن جموع الشباب الغفيرة يمتلكون الحماسة والإندفاع والتضحية، لكنهم يفتقرقون إلى الخبرة والحنكة والتجربة، وهنا على الوطنيين من سياسييين ومثقفين ومهنيين وغيرهم من الإسراع أكثر في إحتضان هؤلاء الشباب الثوار. وفعلاً هذا ما فعله ويفعلة المصريون اليوم، وهذا ما يجعلنا مطمئنين على إن ثورة مصر مهما كان مخاضها عسيراً، لكنها ستشرق بشمسها على ربوع الوطن مصرياً وعربياً.

 

 





الخميس٠٧ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة