شبكة ذي قار
عـاجـل










ظل الكثيرين من المثقفين والحكام العرب على مدى الـ" 60عاماً " المنصرمة ، مشغولين حتى النخاع بجدلية " من يحكم من .. الكيان الصهيوني أم الولايات المتحدة الأمريكية !؟ " ، حتى جاءت وثائق ويكيلكس لتحسم هذا الجدل " البيزنطي " الذي تحوًل في كثير من الأحوال إلى شماعة تُرمى عليها صنوف العجز والخنوع والاستسلام العربي ، الذي توٍٍج في يومٍ من الأيام " بالصك " الرسمي العربي الذي فرًط بحقوق الأمة وسلًم مقاليدها للإدارة الأمريكية ، ذلك الصك المتمثل بجملة الشؤم الشهيرة القائلة "بأن 99%من حلول المنطقة بيد الولايات المتحدة الأمريكية !!؟ ".


لقد جاءت " ويكيلكس " لتُسقط تلك الأكذوبة الاستسلامية ، ولتؤكد إنً الحلول لا تكون إلاً في يد أصحاب الحقوق .. ولتثبت لأصحاب ذاك " الجدل العربي العقيم " وكل من كان كالعرب في الانقياد لأمريكا ، إنً "البيت الأبيض" يقع فعلاً في واشنطن ، ولكن حاكميته مزروعة في " تل أبيب " !! كما جاءت " ويكيلكس أيضاً " لتُشعر البيت الأبيض – أيٍ كان ساكنه – إنً الكيان الصهيوني خط أحمر ومصيره مرتبط بمصير واشنطن، ولتذكير كل أمريكي يتقرر أن يسكن هذا البيت الأبيض ، بما تستطيع الجيوب الصهيونية في المؤسسات الأمريكية فعله ، فيما لو تخلًت الإدارة الأمريكية عن هذا الكيان ، أو حجًمت من دعمها لمشاريعه الاستيطانية الاستعمارية في فلسطين والدول العربية المجاورة !؟


صدًق " أوباما " المغدور مسرحية إنه أنتخب بجدارة ، وأصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بإرادة الشعوب الأمريكية ، وليس بإرادة آلتها العنصرية المعروفة !، واعتقد المسكين إنًه بهذا الموقع الذي مُنح له لظروفٍ وأهدافٍ معروفة ، قادرُ على تنفيذ بعض قناعاته التي " لمقتضيات الحبكة " ولترميم سمعة أمريكا التي مرًغها " بوش الابن في الوحل " سُمح له بالتعبير عنها في حملاته الانتخابية ! ، فحاول بجدية أن يترك له – ولو أثرٍ إيجابي واحد – خلال " مأموريته في البيت الأبيض " ، كي يُذكر من خلاله بالخير في قادم الأيام ، فاختار لسوء حظه ولجهله بخبايا وأدوات الحكم في النظام الأمريكي " القضية الفلسطينية " التي أصبح التعرض لها - بالنظر لتجذر واتساع هيمنة الصهاينة على مفاصل آلة الحكم ومؤسساته في الولايات المتحدة الأمريكية والربط المصيري للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة بالمصالح الحيوية العالمية لأمريكا - وعلى الأخص خلال سنوات حكم " آل بوش " – مسألةُ من شأنها تهديد مستقبل ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العالم ، ومكانتها الدولية لمخاطر يصعب تحملها ! ، ولأنً " أوباما " أراد أن يحافظ على وعوده الانتحابية ، ولاعتقاده الساذج بأن " حل الدولتين " الذي تبناه " بوش الابن " كان قراراً أمريكياً جدياً في الإستراتيجية الأمريكية ، فقد ذهب بعيداً عن المألوف الأمريكي في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية ، منذ بداية حملته الانتخابية ، فأصرً بعناد على موقفه بحل الدولتين ، وأدلى بالعديد من التصريحات ، واتخذ جملة من المواقف والخطوات المؤيدة والساعية " لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط ، يُرتكز على قيام دولتين كاملتي السيادة " ، وعلى "حق الشعب الفلسطيني بدولةٍ مستقلًةٍ بحدود 1967م ، وضرورة وقف الاستيطان ، باعتباره إجراء غير شرعي " ، وفي خضم خلافها مع قيادة الكيان الصهيونية حول " الاستيطان " صرًحت إدارة اوباما على لسان وزير خارجيتها ، " إنً الولايات المتحدة الأمريكية ، عازمة على اقتراح وصياغة حلول جذرية لما يتعلًق بالوضع النهائي ، تأخذ بالاعتبار مصالح كل الأطراف ، وإقناع الطرفين بتبنيها ، لأنً المحادثات المباشرة الحالية لن تؤدي إلى نتائج فورية !!" ورافق ذلك ، الضغط ألترغيبي الذي عرضه ومارسه أوباما على الكيان الصهيوني ، والمتمثل " برشوة " السلاح مقابل وقف الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر " الذي رفضته الدولة العبرية ، إضافةً إلى العديد من المحاولات المكثًفة ، التي لم تألفها أروقة البيت الأبيض ، مورست لإعادة بعض اليسير المنقوص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وفقاً للرؤى والشروط الأمريكية !! ، ولكنها اصطدمت بجدارٍ فولاذي من الرفض الصهيوني داخل الإدارة الأمريكية وخارجها ، جاءت موجاته الفورية من كل الاتجاهات ، لتصبً على رأس اوباما وإدارته .. بدأت من اجتماع الحكومة العبرية في 12/9/2010م الذي قرر " رفض تصريحات الرئيس أوباما بشأن الاستيطان وفكرته لإقامة الدولتين " ، ثمً رد " نتن ياهو " على تصريحات أوباما في 9نوفمبر2010م عشية استقباله للوزيرة كلنتون حين قال " إنً القدس ليست مستوطنة بل العاصمة الموحدة لإسرائيل ، وسنواصل الاستيطان بها كما كان منذ 40عاماً رغم بقاء خلافاتنا حول هذه المسألة !!" وتوجت تلك الردود برفض الحكومة العبرية لرشوة " السلاح مقابل الوقف المؤقت للاستيطان " .. وحتى يضعون هذا " الذي صدق أنه رئيساً!! " في حجمه الطبيعي ، ويُفهموه من هُم الحكام الحقيقيون للولايات المتحدة الأمريكية ، تحرًك الإخطبوط الصهيوني في الإدارة الأمريكية بالعصا الغليظة المتمثلة " بوثائق ويكيلكس " لتذكير " الرئيس " بحدود ملعبه ، وإلى المصير الذي ينتظر بلده – أمريكا - إذا ما واصل إصراره على نهجه وضغوطاته على الكيان الصهيوني فيما يتعلق بخطط الاستيطان في القدس والأراضي الفلسطينية الأخرى ، وفي إعاقة المشروع الصهيوني المرسوم للمنطقة !؟ ، فنُشرت أولى وثائق ويكيلكس بتاريخ 13اكتوبر2010م ، وفي 2ديسمبر 2010م أُجبرت الإدارة الأمريكية على إبلاغ الإدارة الفلسطينية بتراجعها عن الاستمرار بمهمة إقناع الحكومة العبرية بوقف الاستيطان في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلًة عام 1967م !!؟ ، ومع استمرار تدفق " الوثائق " عبر الشبكة العنكبوتية والمحطات الفضائية والصحف العالمية ، يصادق الكونجرس الأمريكي بتاريخ 14ديسمبر2010م – أي بعد نشر الوثائق بيوم واحد فقط – على قرارٍ باستخدام " حق الفيتو / النقض " في مجلس الأمن للحيلولة دون الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967م !!" ، تبعته ضغوطٍ أمريكية غير مسبوقة على السلطة الفلسطينية والدول العربية للقبول بالأمر الواقع ، والبدء بالتفاوض حول المسألة الأمنية للكيان الصهيوني !!؟ ... يقول الخبير في شؤؤن الأمن القومي الأمريكي " وين ماديسون " في مقابلة له في قناة روسيا اليوم " إنً الوثائق التي سربها موقع ويكيلكس جاءت انتقائية خدمة للمصالح الإسرائيلية !؟ " .. فيما يُجمع المتابعون دون استثناء ، أن لا جديد غير معروف أو متوقع في الوثائق المنشورة ، سوى إحراج الولايات المتحدة الأمريكية وتعريض مصداقيتها في العالم للخطر ، فمن المستفيد من ذلك وفي هذا التوقيت بالذات ؟ ، وهل يُعقل في ظل التدابير الأمنية والإستخبارية الغاية في الشدة والتدقيق والإحكام ، المتخذة في الولايات المتحدة الأمريكية عقب أحداث 11سبتمبر ، أن يتمكن مجرد " جندي " إحداث كل هذا الضرر بالمصالح الأمريكية !؟.


لقد كانت ويكيلكس – كما تؤكد كل الشواهد والقرائن - " قرصه " صهيونية تأديبية في أُذن الإدارة الأمريكية ، لتعريفها بحجمها الحقيقي في الميزان الصهيوني ، ولإشعار من يبحث عن مصالح أمريكا في هذه الإدارة ، إنً بلادهم عموماً بدون الصهيونية العالمية لن تساوي شيئاً ، وإنً بمقدور الصهيونية وكيانها الغاصب في فلسطين ، أن تُقطع أواصر علاقات أمريكا الدولية ، وأن تُلحق بمصالحها أبلغ الإضرار والخسائر ، وأن تجعل من البحار ، جداراً مماثلاً لجدار العزل العنصري في فلسطين المحتلة ، لعزلها عن العالم خلف المحيطات .. بل وأن يحولونها – إذا لم تعتبر من هذه " القرصة " التأديبية – من دولة " تملك 99% من الحلول لمشاكل العالم بفضلهم " إلى دولة هامشية من دول العالم الرابع بدونهم !!؟.


هكذا أرادت الصهيونية أن تكون رسالتها القاطعة لأمريكا من خلال وثائق ويكيلكس ، عندما حاولت الإدارة الأمريكية الجديدة ملامسة قضية فلسطين من منطلقات القرارات الدولية ذات الصلة ، وعلى قاعدة " التسويات " التي لا نشك في تفريطها بالحقوق المشروعة الكاملة لشعبنا الفلسطيني العظيم ! ، وهكذا وجدنا العديد من مثقفينا ونخبنا السياسية " المقلٍدة والمجرورة من قفاها دائماً للمصالح الغربية " ومحطات الإثارة الفضائية العربية ، تلتقط الطُعم – كعادتها – لتجعل من " وثائق ويكيلكس " جزءً من معاركها " الشمشونية " ضد طواحين الهواء في المنطقة ، وتتحوًل إلى آلة ترويج إعلامية عمياء البصيرة ، تصل الليل بالنهار ، خدمةً لحدثٍ ، تشير كل القرائن إلى أنه صنيعة وحبكة صهيونية خالصة ، بشهاداتٍ صهيونية - أمريكية موثًقة !!؟ .

 

 





الاربعاء٠١ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الواحد هواش نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة