شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تنفك الدراسات الطبية الأمريكية عن الإستمرار المتواصل في تشخيص الحالات المرضية النفسية والعقلية التي يعانيها على نحو مضطرد الجيش الأمريكي في حروبه داخل العراق وأفغانسان. ولعل التقرير الصادر مؤخراً من مكتب الرقابة الطبية التابع إلى البنتاغون يكشف عن مدى تنامي هذ الوضع المرير. إذ في 31 صفحة يؤكد التقرير بأن هذا النوع من الأمراض هو السبب الأول لإدخال المجندين إلى المستشفيات والمصحات، وإنه السبب الثاني بالنسبة إلى المجندات وعلاجهن في العيادات والمراكز الطبية.


وعندما يشير التقرير إلى النقاط التالية:


أ- إزدياد المشاكل العقلية والنفسية التي أخذت تجتاح عناصر الجيش على شكل موجة واسعة، لاسيما بين صفوف الوحدات القتالية ومهماتها العسكرية.


ب- إن الأزمات النفسية الناتجة عن حالات ما بعد الصدمة قد أرتفعت وتيرتها ستة مرات في الفترة الممتدة ما بين 2003-2008.


ت- إن الجيش الأمريكي يتعرض لأسوء أنواع أزمات ما بعد الصدمة، حيث ظهور الأمراض التي تحتاج إلى وقت طويل بغية العلاج والنقاهة والشفاء التام. ومن بينها التوتر والكآبة والثنائية القطبية والإدمان على تناول المخدرات والمسكرات.

ث- إن حجم القوى العاملة التي فقدها الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان جراء هذه الأمراض النفسية والعقلية تفوق ضعف ما فقدته القوات البحرية، وبنسبة ثلاثة أضعاف عن خسائر القوات الجوية، نظراً لفترات


الخدمة الطويلة التي قضاها الجيش في هاتين الدولتين.


معنى هذا، إن مستقبل الإحتلال العسكري الأمريكي للبلدان الإسلامية سيلاقي آجلاً أو عاجلاً حقيقة التاريخ بأن المحتل سائر نحو الزوال. وفي نفس الوقت ستصل المقاومة إلى هدفها التحرري المنشود وتحقيق النصر المبين على العدو الغازي طال الزمن أو قصر.


إن هذا التقرير بالقدر الذي يكشف لنا عن الأزمة النفسية والعقلية وما تخلقه من مشاكل حادة للجنود الأمريكان والتي غالباً ما تؤدي بأفرادها إلى اليأس والقنوط ثم الإقدام على الإنتحار، فإنه يوضح لنا أيضاً عن مدى الأزمة التي يجابهها صناع السياسة داخل البيت الأبيض والتي تنعكس جلياً في إتخاذ القرارات الواجبة. ولقد لاحظنا ذلك في موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما حيال إستراتيجيته الجديدة في أفغانستان، أو دور إدارته تجاه الشهور التسعة التي تمخضعت عن حكومة العراق المترهلة والسقيمة.


نعم إن تفشي الأمراض العقلية والنفسية داخل وحدات الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان إنما هي إنعكاس طبيعي لردة فعل السياسة الأمريكية التي إتخذت من شن الحروب أداةَ لفرض هيمنتها وتطبيق مخططها الاستعماري في الشريط الكوني الإسلامي. وإذا كان هناك من يتحالف أو يتعاون مع المشروع الأمريكي في المنطقة، كالنظام الإيراني وحكومتي الإحتلال في بغداد وكابل أو غيرهم، فإن المجاهدين في فصائل وجبهات المقاومة قد أثبتوا للعالم أجمع بأنهم قد كسروا شوكة الجيش الأمريكي، وحطوا من عليائه المتكبرة، وإنهم ماضون في نيل إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة.


إن هذا التقرير الذي أعده مكتب الرقابة الطبية يُعتبر إنذاراً من بين الإنذارات الكثيرة التي صدرت من وزارتي الدفاع أو الخارجية أو بعض المؤسسات الأمريكية الأخرى، وهي على الجملة تؤدي واجبها الوظيفي أو الأكاديمي لكنها لا تمتلك القرار بتغيير ما يجب تغييره بحق جنودهم المطحونين في رحى الحروب التي لا تمت بصلة حقيقية للأمن القومي المزعوم. فهل يستطيع أوباما في السنتين المتبقيتين من رئاسته أن يحدث هكذا تغيير بإيقاف الحروب الأمريكية؟ ربما ليس بمقدوره! بيد إن تفاقم جنون الجنود الأمريكيين قد يجبر الإدارة القادمة بعد إنتخابات عام 2012 أن تتخذ قراراً يغير مجرى الحال ويسعف الجيش الأمريكي من أمراضه العقلية والنفسية التي تجتاحه كموجة متنامية، كما جاء في التقرير.

 

 





الجمعة٢٥ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة