شبكة ذي قار
عـاجـل










هذا هو حال الباحث عن الماديات فقط في الحياة ،  والذي لاتهمه أبد ، الاعتبارات المعنوية ،  والقيم الرفيعة ، والمثل العالية ، وقد سادت ثقافة الكسب ،  قديما وحدث ،  وحفل التاريخ العربي بالذات ،  بالكثير من هذه المعاني.فقال الله تعالى في تبيان أصحاب الحال الميكافيلي ألذرائعي ، على باب الذم(ما أغنى عنه ماله وما كسب).في حين امتدح أصحاب المواقف المبدئية ،  على باب التبجيل والإجلال (ورفعنا لك ذكرك). ومع الاحتلال الأمريكي البربري للعراق ، في العام 2003 ،  واجه العرب هذه الحقيقة عمليا بمرارة. فقد كان سكوتهم على الاحتلال ،  والقبول بالأمر الواقع ،  كارثة كبرى على العرب ، في التاريخ المعاصر. إذ وجدوا أن طاطاة رؤوسهم ،  وسكوتهم على ما جرى ويجري ،  من تآمر جلي على مصيرهم ، لا يغني عنهم من الأخطار القادمة شيئا. فها هو الخطر يداهم القاعد منهم ،  والجالس ، المتقاعس ،  والجاد ، على حد سواء.


ومن هنا فان السكوت على ما يجري ،  وأن الاكتفاء بتكفي الشر ،  والرضا بالدوني ،  من الماديات الزائفة ، بحجة الواقعية ، وبزعم أن ما يجري حولهم ، هو مفسدة ،  ينبغي دفعها بقبول أهون الشرين ،  لم يعد مبررا أبد ،  بدليل أن السكوت على الاحتلال الأمريكي للعراق ، دفعا لاحتلالات أخرى اكبر ، لم يثبت صحة مثل هذا الاجتهاد المتواضع ،  ذي الصفحة الواحدة في الحساب. فما يجري الآن في اليمن ،  من تآمر على وحدة أراضيه ، والسعي لحراك التشطير ، أصبح سياسة مستمرة ، ومدعومة من أطراف محسوبة صديقة للعرب والمسلمين ، وقد تأخذ هذه السياسة مداه ،  بقليل من الانتظار. كما أن تقسيم السودان بذريعة الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب ،  أصبح في حكم الأمر الواقع. بل إن وحدة الأراضي السعودية ، التي تعني الكثير للعرب بمنظوره المعنوي ،  تتعرض لخطر الشرذمةٍ في السر والعلن ،  فقد شهدت مؤخر ،  كما يذكر الجميع ،  اضطرابات ،  ومناوشات في المنطقة الشرقية ، وعلى منطقة العسير ،  كانت أشبه بجس نبض ، لرد الفعل العربي ،  الوطني السعودي منه ، والقومي.


كما لاحظ العرب ،  أن الارتماء في حضن الأجنبي ، لايحميهم من سوء ،  مهما كان ذلك الحضن في اللحظة دافئ ،  وان الانقطاع عن العمق الحضاري للأمة ،  بذريعة العصرنة ، والانفتاح على الحداثة ، والإصلاح الديمقراطي ، والتنمية المستدامة ، وفقا لمراد الآخرين ، واقتباس نموذجهم ،  وركوب موجة العولمة ، هو الآخر علاج غير سليم ، ولا يناسب علة الأمة ، بدليل أن الأنظمة العربية التي جارت الضغوطات ،  وسايرت متطلبات العولمة ،  تعيش اليوم أزمات هيكلية خانقة ،  اقتصادية ،  واجتماعية ،  وسياسية.وان كل احتقاناتها مؤجلة ،  بانتظار موعد اجل التفجير ، ليس إلا.


فما هو المطلوب اليوم من العرب إذن ،  لمواجهة تردي الحال ،  وإيقاف حالة التداعي ،  والوقوف بوجه التحديات؟


لعل الإجابة سهلة جد ،  وترقى إلى مستوى البديهية ،  وهي أن المطلوب من العرب ،  هو أن يرتموا بحضن الأمة ، حتى وان كانت عجوزا منهكة ،  بفعل علل تاريخية مزمنة ، فهو ادفأ وأكثر أمنا لهم ،  من أحضان الغير.وان ينتبهوا إلى ربط رشيد ،  بين الأصالة والمعاصرة ،  في عملية توازن متئدة ،  بحيث لا تنسخ الماضي ولا تستنسخه ، لمغادرة حالة الضياع التي يواجهونه ، في حاضرهم المنبهر بالغير ،  وان تتوحد مساعيهم بحساب الحد الأدنى ،  بما يحافظ على الأقل ،  على الوضع الراهن ، حتى بقطريته المنهكة ،  ولا يسمحوا للغير ، أن يمارس المزيد من التجزئة المؤذية للحال ، تحت أي ذريعة.


وهذا يتطلب إعادة النظر بسرعة ،  في أساليب العمل العربية الجمعية ،  وتفعيل مؤسسات الجامعة العربية ، على كل سلبياته ، بما يمكن العرب ، من الوقوف على إقدامهم ،  قبل أن يتهالكو ،  ويطرحوا أرضا للذبح ، آحادا أو امة ، لا لمجرد قطع الأوصال والتعويق.


أما إذا بقوا على هذه الحال ،  يتخبطون كالشاة العائرة بين غنمين ،  تتجاذبهم المصالح الضيقة ،  وتتناكفهم الأنانيات القطرية المقيتة ، ويعملوا بأسلوب أل(اليلحس دبس بشاربه) ،  فان المصير الذي واجه العراق بالأمس ، سيواجههم اليوم قبل الغد , وعندها سيخسرون فرصة الاستفادة من هذا الدرس البليغ ، للحفاظ على الوجود ، وليضعوا في حسبانهم ، أنهم إذا ما لم يحملوا العصا بيمناهم ،  ليهشوا بها على الطامعين بهم ،  فانه سوف لن يقوم احد ، ليمسك به ، ويدافع عنهم.

 

 





السبت١٥ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هداج جبر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة