شبكة ذي قار
عـاجـل










إن إعلان أميركا إنهاء عملياتها القتالية في العراق لا يعني أنه وضع حداً لوجودها المباشر، نظراً لبقاء خمسين ألف جندي أميركي، موزعين على عشرات القواعد وفي مختلف المناطق العراقية تحت عنوان الإشراف والتدريب للقوات العراقية وتقديم المساعدة بناء للطلب واستناداً إلى أحكام الاتفاقية الأمنية بين أميركا والإدارة السياسية التي كانت تدير العراق في ظل الاحتلال.


هذا الوجود المباشر لقوى عسكرية أميركية، والذي قيل أن المدى الزمني الأقصى لبقائه هو نهاية 2011، لا يعني أن هذا التاريخ سيكون قطعياً وملزماً للتنفيذ، نظراً لوجود بنودٍ في الاتفاقية الأمنية تجيز "للحكومة العراقية" الطلب من هذه القوات البقاء إذا ما اقتضت الضرورة وبطبيعة الحال فإن هذه الضرورة ستكون متوفرة، لأن الاحتلال الأميركي أفرز نتائج سياسية تصب في خدمة المصالح الأميركية والاستراتيجية الأميركية بشكل عام، ولذا فإن التواجد العسكري الأميركي على أرض العراق سيكون معنياً بحماية هذه النتائج.


لقد أدى الاحتلال إلى جعل التقسيم المناطقي واقعاً سياسياً قائماً خاصة وأن هذا التقسيم يتكئ على نصوص دستورية لم يجر تعديلها رغم الوعود التي قطعت من أجل توسيع المشاركة في ما سمي بالعملية السياسية.


إن الاحتلال الذي قوض مقومات الدولة، وألغى وأجهض كل الانجازات التي حققها العراق على مدى العقود السابقة أقام نظاماً سياسياً، أثبتت معطيات الواقع الحسي المعاش، إنه نظام لا يمكنه أن يكون إلا نظاماً لإدارة أزمات تتناسخ يومياً وترخي ثقلها وأعبائها الضاغطة على التركيب المجتمعي بكليته. ولعل أبرز مثال حسي على هذا الواقع المأزوم، عدم قدرة "المكونات السياسية التي أفرزتها العملية الانتخابية على تشكيل حكومة أو إعادة تركيب المؤسسات المسماة دستورية.


إن الأزمة السياسية المفتوحة على الزمن، أن وجدت حلاً مؤقتاً لها عبر تسوية ما، فإنها لا شك ستعيد إنتاج نفسها وبشكل أكثر حدة وأكثر تعقيداً لأنها تتغذى من سلة غذائية واحدة وأن تنوعت محتوياتها.


هذه الأزمة التي كشفت عجز القوى التي تتولى إدارة الشق الداخلي منها، تدفع العراق إلى مزيد من الانكشاف السياسي والأمني الذي يغري كثيرين بالتدخل وخاصة أولئك الذين يعتبرون أن لهم مشروعهم الخاص في العراق وتحديداً النظام الإيراني.


والمقاومة التي أخذت على عاتقها مهمة التصدي للاحتلال واستطاعت أن تحقق نتائج عظيمة في هذا المجال، لا يمكن اعتبار نجاحها كاملاً ووضعه تحت خانة الانتصار الحاسم إلا إذا استطاعت أن تضع حداً للوجود العسكري المباشر وتسقط معه أيضاً كل النتائج السياسية التي أفرزها الاحتلال، وهذا ما يطرح أمامها تحديات إضافية نظراً لحجم التعقيدات التي تولدت عن الاحتلال وتعدد القوى المستفيدة من الواقع القائم أو تلك التي تعد نفسها بحص من قالب الجنبة العراقية.


وانطلاقاً من كون المقاومة العراقية وككل مقاومة لمحتل ومستعمر، هي مشروع سياسي كامل ومتكامل، فإن مهمتها لا تقتصر على المقاومة المسلحة للمحتل بل هي معينة بإعادة إنتاج عراق متحرر ليس من الاحتلال العسكري بل أيضاً بكل ما أفرزه هذا الاحتلال من نتائج سياسية وقوى مستفيدة من هذه النتائج.


إذاً المقاومة العراقية، كمشروع سياسية نقيض للاحتلال معنية بإعادة توحيد العراق ككيان وطني وبإعادة الاعتبار لمركز الدولة الضابط للإيقاع السياسي والخدماتي، وإعادة بناء العراق على قاعدة أن ثروة العراق هي له، يحدد توظيفاتها في الاتجاه الذي يخدم ويلبي مصالح الشعب في كل المناطق وعلى قاعدة أولوية المواطنة على أي انتماء آخر.


وعندما يركز على دور المقاومة العراقية في إنجاز مهمة التحرير وإسقاط كل الإفرازات السياسية للاحتلال، فلأنها تشكل النقيض الموضوعي للمحتل والتي استطاعت أن تفرض على هذا المحل أن يضع عجلاته على سكة الانسحاب، ولولاها، لكان العراق بقي مترنحاً تحت الاحتلال إلى أمد عرفت بدايته لكن لا تعرف نهايته.


وعلى هذا الأساس، فإن كل مراهنة على دور للقوى والمكونات السياسية، التي مارست وتمارس دوراً في العملية السياسية في ظل النظام القائم، لأن تغادر مواقعها التي تستفيد منها، هي مراهنة في غير محلها، لأن هذه القوى التي تفتات وتعتاش من مغانم هذا النظام لن تغادر مواقعها التي تشغلها حالياً إلى مواقع أخرى تكون أكثر اقتراباً من الأهداف الوطنية، لسببين.


الأول: ان الغالبية العظمى من هذه هي قوى طائفية ومذهبية في التركيب البنيوي والمعتقد الأيديولوجي، ومن يكون طائفياً فكراً وتنظيماً وممارسة لا يمكن أن يكون وطنياً بمفهوم المشروع السياسي الوطني، والأمر ينطبق على الأقليات القومية التي تريد تحقيق ذاتها من خلال كيانية خاصة ترتقي إلى مستوى الانسلاخ عن الوطن الحاضن.


والسبب الثاني: ان هذه القوى سواء كانت طائفية ومذهبية وأقلوية قومية،ثبت انها مرتبطة بمراكز تقرير خارجية وهي تكيف أدوارها السياسية في الداخل بما يخدم مصالح مراكز التقرير هذه، وأياً كانت النتائج الكارثية التي تترتب على هذا السلوك اللاوطني. ولهذا لم يكن مستغرباً، أن يصنف العراق في ظل الاحتلال و ادارة أطراف العملية السياسية دولة فاشلة ينخرها فيها الفساد وتفشي الرذيلة السياسية والنهب الشره لثروة العراق الوطنية بما فيها تراثه الأثري.


من هنا، أن القوى التي لها مصلحة أساسية في إعادة الاعتبار للعراق كياناً موحداً ومستقلاً ومتحرراً من كل أشكال التبعية والاحتواء وإعادة تأهيله سياسياً واقتصادياً ومواطنية، هي تلك التي تكون عابرة في تكوينها التنظيمي ومنطلقاتها الفكرية للطوائف والمذاهب وحدود الأقلوية. وقد ثبت من خلال التعامل مع الاحتلال من موقع المقاوم والمهادن والملحق، أن المقاومة الوطنية هي الطرف الأكثر مشروعية في التعبير عن الطموح الوطني المحرر من القيد السياسي المذهبي والطائفي والأقلوي القومي. وهذا لا يعني ان المقاومة تحتكر لنفسها هي الصفة التمثيلية السياسية الشاملة ، بل تشاطرها قوى وشرائح اجتماعية وشعبية، في رؤيتها لعراق وطني وأن لم تشارك في الفعاليات العسكرية ضد المحتل الأميركي ومن شاركه.


وباعتبار أن المقاومة الوطنية كانت المبادرة لمواجهة المحتل واستطاعت أن تحقق إنجازات عظيمة، فإن عليها الآن أن تكون صاحبة المبادرة لإكمال الشق الثاني من مشروعها السياسي الرامي إلى استكمال تحرير العراق وإخراج كافة القوى الأجنبية، وإعادة توحيد العراق على الأسس الوطنية.


وإن اولى المهمات المطروحة أمام المقاومة، هو أن تطلق نداء سياسياً يحتوي على كل عناصر التطمين للشعب في العراق بكل أطيافه وتكويناته، وأن تفتح ذراعيها لاستقبال كل رفد سياسي وشعبي، لتكوين أوسع اصطفاف سياسي وشعبي أيضاً حول شعار إكمال مسيرة التحرير وإعادة التوحيد للبلد الذي مزقه الاحتلال شر تمزيق.


إن المقاومة بإطلاقها هذا النداء لا تقدم نفسها باعتبارها "أم الصبي" وحسب، بل باعتبارها تمثل المركز الوطني الجاذب الذي بدونه لا يمكن وضع لهذا التشظي السياسي الذي ينهش بجسم العراق، والذي بدونه لا يمكن رؤية عراق واحد موحد قادر على مواجهة القوى التي تريد إبقاء العراق ضعيفاً كي يبقى عرضة للوصاية والاحتواء وأيضاً القوى التي لا تجد دوراً لها االا من خلال عراق مقسم فاقد للهوية الوطنية والقومية.


إن المقاومة الوطنية العراقية وفي ظل المشهدية السياسية التي تولدت وتتولد عن مرحلة ما بعد القرار الأميركي، أمامها فرصة الاختبار في اكمال تنفيذ المقلب الثاني من برنامجها السياسي وإذا ما أثبت نجاحاً في مواجهة قوى التدخل الخارجي وقوى التبعية والتي تقتات من مناخ التقسيم، فهذا يعني أنها حققت انتصارها الكامل والناجز وتكون بذلك قد أسقطت الاحتلال وكل ما أفرزه من نتائج.


لقد سبق للمقاومة ان اطلقت خطاباً سياسياً فيه تطمين لكل من يريد ان يمارس دوراً في الحياة السياسية على قاعدة المسلمات الوطنية الاساسية لعراق واحد موحد ،عربي الهوية والانتماء،


وديمقراطي الممارسة السياسية والمرحلة الجديدة تتطلب اطلاق نداء جديد: اننا بانتظار هذا النداء السياسي....

 

 





الاحد٢٧ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة