شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد صمد العراق وانتصر في معارك شرق البصرة الأخيرة في قتال متواصل طوال أكثر من شهرين، وهي تعتبر من اكبر ما عرفه تاريخ الحروب من حيث عنفها وشراستها وضخامة الأعداد البشرية التي زجت فيها وأنواع الأسلحة الفتاكة المتطورة التي زود بها العدو من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بقصد حسم الحرب لصالحه. فكان هذا الانتصار العظيم الذي حققه العراق وحطم فيه آلة الحرب الإيرانية ودمغها بالعجز النهائي، هو أيضا إفشال للمخططات والمؤامرات الصهيونية والامبريالية، وإيذان بدء عهد جديد للأمة العربية، تسترجع فيه سيطرتها على مقدراتها، بعد أن دفع عنها العراق أخطارا جمة جسيمة، وأعطاها القدوة البليغة في الصمود والاقتدار وفتح لها طريق المستقبل الصاعد بفضل تضحياته السخية، وشجاعته النادرة وبطولاته الخارقة.


فالعراق اليوم أمام ذاته وأمام أمته العربية وأمام العالم  والإنسانية  قدر بطولي تجسد في شعب وقائد وجيش.. لقد صان العراق بصموده البطولي الشرف العربي والكرامة العربية وحمى الأمن القومي  والسيادة القومية. ووصل انتصاره إلى أسماع وقلوب العرب في كل مدينة وكل قرية من مدن وقرى الوطن الكبير. فالأمة العربية استيقظت على نداء العراق وعلى روعة البطولات والمرؤآت التي جسدها. فكان صموده  التاريخي الحد الفاصل بين ظروف العجز والشذوذ و الخيانة، وبين المرحلة الجديدة التي لم تعد تحمل إلا الوقوف الواضح الصريح مع الحقيقة القومية الناصعة التي يمثلها العراق.


فهي إذن لحظة تاريخية تلخص في آن معا تاريخ نضال الحزب وخلاصة سنوات الحرب، وتطل من خلالهما على المستقبل. وهي وقفة تاريخية لوعي الأمة ولضميرها ولمن يقتربون من تمثيل هذا الوعي والتجاوب مع هذا الضمير.. وقفة تاريخية لقول الكلمة المسؤولة في أمور وقضايا مصيرية أمست في أجواء المرض والهزائم والتردي، موضع شك وإنكار، وتلاعب وتآمر.


وهي منطلق لتعليل القضايا الأساسية للأمة من اجل الوصول إلى قرار تاريخي يعبر عن خلاصة الوعي العربي  النهضوي في هذا القرن، لكي يبدأ منذ الآن مستقبل عربي مختلف نوعيا عن الأوضاع المتردية التي سادت ربع القرن الأخير، والتي أفرزتها الهزائم ومؤامرات أعداء الأمة ومخططاتهم وما أصاب عناصر الثورة والنهضة في المجتمع العربي  من ضعف وتراجع نتيجة لعدم اكتمال نضج هذه العناصر، وفشلها في توحيد صفوفها.


فالمستقبل الذي تتطلع إليه الأمة هو الذي يعبر عن جدارتها وجدارة عناصرها الطليعية المخلصة المناضلة، بالاستخلاص السليم والعميق، للدروس التي تضمنتها تجارب سنين النكسات والتردي، وهو المستقبل الذي  يعبر بالتالي عن المصالح الحيوية للأمة العربية وإرادة البقاء والارتقاء والتقدم لدى أبنائها ويشكل بداية جديدة لاستجماع الأمة لكامل وعيها وإرادتها وسيطرتها على ظروفها..
 

ولقد عبرت الشعوب الإسلامية في اكثرمن مناسبة عن حاجتها الملحة إلى ومجود الأمة العربية بكامل مقوماتها، بل والى دورها الرائد لكي تقدر على حمل رسالة الإسلام، لأنه قدرها الذي لا ينازعها فيه احد  وقد جسد العراق في هذه الحرب هذه الأفكار وهذه الحقائق، ومهرها بأغلى التضحيات وازكي الدماء.. لقد تحمل أعباء الحرب دفاعا عن سيادته وعروبته وقومية الأمة وشخصيتها وأمنها، وبنفس القدر من الحماسة وروح الفداء، دافع عن الإسلام وقيمه وتراثه ومقدساته وعن علاقته المصيرية بالعروبة. وجسد ذلك بصورة حية في المعارك اليومية على امتداد سنوات الحرب.. إذ يستلهم المقاتلون العراقيون القيم والنماذج البطولية الخالدة في تاريخهم العربي الإسلامي..


فارتباط العروبة بالإسلام ظل مئات السنين خلال التاريخ، عبارة عن الحياة التي يحياها العرب ويتنفسونها كالهواء، ولا يحتاجون إلى براهين وأدلة عليه، وعلى كونه ارتباطا عضويا حيا ومصيريا، هو ناتج القرون والأجيال، ولكنه قبل كل شيء  هو إرادة الهية طبعت الحياة العربية. وهو قد ظل أيضا بالنسبة إلى الشعوب الإسلامية غير العربية، بمثابة الحقائق البدهية، اللهم إلا إذا استثنينا هذه الشعوبية الظلامية الحاقدة على العروبة والإسلام.. والتي مثل الخميني ونظامه ذروة شرها وفسادها وطغيانها.


إن خميني الذي يدعي التصميم على تدمير "إسرائيل "يتزود بالأسلحة منها في عدوانه على العراق. و"اسرئيل" تزود بالسلاح الجيش الذي يدعي بأنه سوف يحرر القدس. فكان لابد لمحاولة الخميني التي افتعلت التناقض بين العروبة والإسلام، أن تفشل، وان ينتهي نظامه إلى تلك الفضيحة.. وكان لابد ان ينتصر العراق لأنه يواجه العدوان بقوة المبادئ  وبروح العروبة والإسلام، ولان حرب العراق هي حرب النهضة العربية والثورة العربية ونضال نصف قرن من تاريخ الحزب، فكل هذا الموروث الثوري التاريخي قد تجمع في حرب العراق: التاريخ العربي، مبادئ الرسالة وتاريخ نشرها ومعاركها.. كلها كانت حاضرة في هذه الحرب. كما كانت حاضرة كل تجارب النضال القومي: معارك النضال ضد الاستعمار، وتجربة عبد الناصر، وثورة الجزائر والنضال الفلسطيني، وحرب تدخلها كل هذه الروافد، وتلخص كل هذه المراحل والتجارب، تستلهمها وتستمد منها.. حرب من هذا النوع مؤهلة لان تكون بداية لمستقبل عربي حضاري أنساني، وفيها ركائز لبناء هذا المستقبل. وكان لابد أن توصل إلى كشف فضيحة التعاون والمؤامرة الصهيونية الإيرانية الأميركية وان تصل من خلالها إلى إسماع العالم قاطبة ليس كأخبار صحفية فحسب، وإنما كقضية أخلاقية إنسانية كبرى، هي قضية الأمة العربية في صراعها التحرري وفي نضالها الوحدوي ضد أشرس ما عرف من قوى عاتية، متعددة الأطراف، يجمعها شيء واحد هو التآمر على وحدة الأمة العربية ونهضتها، لما يشكله ذلك من خطر على السياسات والكيانات الاستعمارية والعدوانية التي تعمل بمنطق الغزو والاغتصاب والتوسع، وأكثر من ذلك الخوف من تجديد الرسالة العربية بقيمها الأخلاقية وآفاقها الإنسانية عندما تتمكن الأمة العربية من مقدراتها وتوحد أجزاء وطنها..


فالولايات المتحدة تعلن الحياد في حرب الخليج، وتدعو إلى إنهائها في العلن، ثم يظهر إنها ليست حيادية، وإنها تعطي السلاح لمن يمارس الإرهاب، وتريد للحرب أن تستمر تحقيقا لمصالحها ولمصالح الكيان الصهيوني. فأي عبرة تستخلص غير ضرورة اليقظة أمام هول المؤامرة وأخطارها والبحث عن التضامن بأقوى وأعمق معانيه....وعن الوحدة وتفجير الطاقات والغيرة القومية إلى أقصاها؟


فالفضيحة كانت معروفة قبل انكشاف امرهاء وهي إن الخميني مع "إسرائيل"  ضد الأمة العربية وضد العراق العربي، لتدمير جيش العراق العربي القوي والمتفرد بقوته العصرية، ولتدمير نهضة العراق، فالخميني كرر نفس الشيء الذي فعله الشاه وجعل إيران تتورط في معاداة العرب.. ولا نريد أن نسلم بان هذا هو قدر إيران الذي لايقاوم، ونتمنى أن يكون لإيران بعد ما قاسته في ظل هذا الحكم من ويلات قلما عرفها تاريخها، نهج جديد بعد سنوات الحرب، وان تنبت هذه الويلات والآلام
الإنسانية. قوى وعقولا وإرادات تضع لهذه الظاهرة حدا نهائيا، لكي تبنى بين شعوب إيران وبين الأمة العربية وبقية الشعوب الإسلامية علاقات سليمة للتعاون والتضامن في وجه الأعداء المشتركين، ومن اجل امن هذه الشعوب وسعادتها، فالقومية العربية قوة أساسية قائدة في خدمة الإسلام، وتدميرها ليس إلا ضربا لمصلحة الإسلام في الصميم.


فقد نهض العراق ودخل امتحان البناء والحرب، وصمد وحقق انتصارات ما كان احد يعتبرها ممكنة، وحقق في الحرب والبناء من الانتصارات والمنجزات ما هو قريب من المعجزة، لان العراق اعتمد مبادئ النهضة والانبعاث العربي التي هي مبادئ قومية إسلامية إنسانية. لذالك فان أي تصور للمستقبل يجب ألا يقل طموحه عن شمول هذه الإبعاد، بمعنى إن النهضة في العراق تنطلق من عمق الأمة والثقة بها وباستعدادها للانبعاث والدور الحضاري، ومن الثقة بالإسلام وفعله الثوري النهضوي في الشعوب الإسلامية. وباتالي بإمكانية بناء علاقة صميمية بين نهضة الأمة العربية وحركتها نحو التحرر والتقدم والوحدة، وبين هذه العوامل نفسها بالذات، التي تحرك نضال الشعوب الإسلامية، لأنها تواجه نفس الأعداء ونفس المشكلات. 


وطبيعي ان يكون المدخل الى مثل هذه العلاقات الصحية مع الجيران، هو المستقبل العربي الذي  قدم العراق في حربه العادلة المبدئية والطليعية، اكبرضريبة دم، وجهد بشري، وصمود بطولي، كعناصر اساسية لبنائه وتشييده. فالمفروض ان تخرج من هذه التضحيات والمعاناة الانسانية النادرة في التاريخ، صورة للمجتمع العربي كله مبرأة ومطهرة من سائر امراض التخلف والتفكك والانقسامات والعصبيات المؤذية، والتي لاتليق بأمة لها رسالة كالامة العربية، وان تتم عملية الصهر من خلال النضال الموحد، الصهر الواعي والمتجه نحو مشروع حضاري كبير، كما صهر الاسلام خلافات المجتمع العربي الجاهلي وانقساماته، عندها شرف العرب بمهمة نشر الرسالة. فالصهر الوحدوي للخلافات والاختلافات داخل الاقطار وفيما بينها، هو اهم هدف للواقع العربي الراهن الا ان الحاحنا على نواحي اليقظة النفسية والروحية، وتحريك النزوع الحضاري والبطولي والرسالي، لاينفي عن النهضة العربية ومشروعها المستقبلي، الصفة المكملة، والتي هي طابع المرحلة التاريخية، صفة البناء العقلاني للنهضة  الذي تمتحن فيه الجدارة العربية في القدرة على دخول العصر، واحتلال المكانة اللائقة فيه..


ومعركة العراق، لها في المنظور التاريخي، هذا المعنى الكبير، بانها لخصت مراحل تلمس النهضة العربية لطريقها السوي، وانقذت المصير العربي من محاولات خبيثة ومشبوهة لوضع الاسلام ضد العروبة، والتذرع بالاسلام للانقضاض على الامة العربية بقصد التوسع على حسابها، والتواطؤ مع اعدائها لتمزيق كيانها وتفتيته، واطالة اجل الاغتصاب الصهيوني والاستغلال والنهب الاستعماري، وتعويق نهوض العرب وقيامهم بدورهم الانساني.

 

 





الجمعة٢٤ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة