شبكة ذي قار
عـاجـل










السفير كما هو متعارف عليه يمثل رئيس الدولة في البلد المعتمد به، يعين بمرسوم جمهوري أو بإرادة ملكية، ويتم إختياره وفق مواصفات خاصة قد لا تتطلبها بقية المناصب بما فيها منصب رئيس الجمهورية أو الحكومة أو الوزراء. ويفترض ان يمثل الوجه المشرق لبلاده من حيث قدرته على تقديم صورة ناصعة لحضارة بلده وتأريخه وثقافته وقيمه العليا واخلاقه. وهو يخضع إلى سياقات معينة قبل وبعد إعتماده حيث ترشح الحكومة أحد سفرائها للعمل في دولة ما وتنتظر موافقة تلك الدولة على ترشيحها. ومن حق الدولة المضيفة أن ترفض ذلك السفير دون الحاجة إلى تقديم مبررات الرفض، وفي حال عدم إجابتها لمدة معينة فيعتبر ذلك رفضا أيضا. وهذا السياق تأخذ به دول العالم كافة بلا إستثناء. عندما ترشح الحكومة سفير ما فإنها ستأخذ بنظر الاعتبار حزمة عوامل منها أهمية الدولة المضيفة وطبيعة ومستوى العلاقات الثنائية ومعرفة السفير بلغة ذلك البلد أو على الاقل اتقانه أحدى اللغات الخمسة المتعارف عليها في الأمم المتحدة ومستوى خبرته وكفائته في الحقل الدبلوماسي، وتمكنه من التفاعل مع المحيط الذي سيعمل فيه والتعامل مع المجتمع الجديد ضمن إطار المصالح العليا لوطنه، إضافة إلى الشروط الأخرى التي تضمنتها إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.


تتحاشى الدولة أن ترشح سفيرا من الممكن أن يثير حفيظة الدولة المضيفة لسبب ما. فعلى سبيل المثال إذا كانت الدولتان سابقا في حالة حرب فليس من المنطق أن يرشح سفيرا شغل موقعا عسكريا أو سياسيا أو استخباريا خطيرا في بلاده خلال الحرب لأنه سيكون شخصا غير مرغوب به رسميا وشعبيا. وستعتبر الدولة المضيفة الترشيح بمثابة إستفزازا لها ولشعبها فترفضه, أو أن يمتلك السفير المرشح مثلا جنسية البلد الذي سيعتمد به أو كان من رعايا الدولة المضيفة سابقا أو كان من المعارضين لنظامها السياسي، لأن ذلك الأمر بالتأكيد سينعكس سلبا على العلاقات الثنائية هذا إذا افترضنا جدلا ان الدولة المضيفة ستقبل بترشيحه وهي حالة شاذة ومحدودة إذا لم تكن مستحيلة. كما أن السفير لا يمكن أن ينجح في عمله في مثل هذه الظروف.


لكن في العراق المحتل لا توجد دبلوماسية رصينة وإنما تخبط دبلوماسي يتوافق مع التخبط العام السياسي والإقتصادي والثقافي وغيره سواء بالنسبة إلى سفراء العراق المعتمدين في الخارج أو السفراء الأجانب المعتمدين في العراق. سفراء العراق معظمهم يحملون جنسيات اجنبية وبعضهم اعتمد في الدولة المتجنس بجنسيتها التي أقسم الولاء لها. وبعضهم لا يعرف اللغة العربية أصلا! والبعض الآخر لا يعرف العراق أبدا حيث ولد وترعرع خارجه. والبعض غاب عن العراق منذ اكثر من عقدين ويجهل الأمور المحيطة بالعراق. والبعض الآخر مايزال يستلم الرواتب أو المساعدات من البلد المتجنس به أي (إزدواجية الدخول) وهي حالة مرفوضة ومخالفة للقانون في معظم دول العالم. وأطرف ما في الموضوع ما جاء على لسان النائب( وائل عبد اللطيف وهذا مصدر من بطن العملية السياسية وليس من ظهرها) يقول بأن" أثنين من السفراء الجدد كان يفترض إحالتهما إلى المصحة العقلية"! وهما حاليا سيمثلان ويتحفان الدول المضيفة بأروع ما في جعبتهما من هوس وجنون! فهل سيمثل هذان المجنونان مصالح العراق العليا؟ والأنكى منه كما يشير النائب" ان بعض المرشحين خرج عن حدود اللياقة العامة أمام مجلس النواب، فكيف سيتصرف عندما يكون سفيراً في الخارج؟ وان احدهم نزل عن منصة البرلمان وأخذ يتبجح بخطواته وكأن اختياره سفيرا هو أمر مفروغ منه، والتزم رئيس البرلمان الصمت واكتفى نائباه العطية وطيفور بالتفرج على ذلك" هذه نماذج منهم.


النتيجة المؤكدة إنهم سفراء فاشلون لن يتمكنوا من التفاعل مع أقرانهم السفراء الأجانب بسبب قدراتهم العقلية والوظيفية المتدنية وعدم وجود رؤية متكاملة لطبيعة مهامهم، إضافة إلى سوء سلوكهم الذي بنى حاجزا أمام تواصلهم مع نظرائهم من جهة والجالية العراقية من جهة أخرى. ولاشك ان وزارة الخارجية هي التي تتحمل مسؤلية ذلك الأخفاق، وعذرها في المحاصصة البريمرية (نسبة إلى المندوب السامي الأمريكي بول بريمر)انما يزيد الطين بله.


بنفس القدر فقد فشلت الوزارة في تعاملها مع السفراء العرب والأجانب المعتمدين في العراق. فالوزير ورؤساء الدوائر لايفقهون مهامهم ولا إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ومنها حدود صلاحيات السفراء الأجانب, وهذا الجهل أو التهاون والتقصير جعل الوزارة مكتوفة اليدين أمام تطاولات بعض السفراء الذين لا يحترمون الوزارة ولا العراق فيتصرفون بطريقة إستعلائية، بل ويتمادون في إطلاق تصريحات خطرة تمس سيادة العراق الملثومة، وبعضها يمثل تدخلا سافرا في شئونه الداخلية، بل اعتداءا وتجاسرعلى الشعب العراقي لأنها تمس كرامته, والحقيقة ان هؤلاء السفراء لا يجسرون على إطلاق مثل هذه التصريحات في أية دولة في العالم بإستثناء العراق لأنهم يدركون عواقبها الوخيمة عليهم.


وخير مثال على ذلك هو تعيين السفير الإيراني الجديد في العراق (حسين دنائي فرد/ من التبعية الفارسية المطرودين من العراق) حيث يمثل دنائي الدناءة بأبشع صورها وربما أشتق أسمه منها! فإختيار دنائي كسفير في العراق يمثل حالة شاذة في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويعكس مدى الإستهتار الايراني بالمسئولين العراقيين حتى العملاء منهم لإيران! فلا الحكومة الايرانية احترمت نفسها بترشيح هذا المسخ الدبلوماسي. ولا الحكومة العراقية احترمت نفسها وشعبها فرفضت ترشيحه. وهذا يدل على أن السفيرين الأمريكي و الإيراني في العراق هما حكام فوق العادة وليس سفراء فوق العادة لأنهم لا يخضعون للسياقات البروتوكولية المتعارف عليها، ولا توجد قوة عراقية يمكن أن تقف أمامهما.


السفير الإيراني من مواليد بغداد 1962 طرد مع بداية الهجمة الخمينية الصفراء على العراق وقبل أن ينال رتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني عمل لسنوات عديدة ضمن ما يسمى(حركات التحرر الإسلامية) وساهم في تشكيل (فيلق بدر الذراع العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية). نقلت بعدها خدماته الى القوى البحرية (الخاصة بالحرس الثوري) وشغل منصب نائب القائد العام (علي شامخاني). من ثم أشرف لمدة خمسة سنوات على ما يسمى (لجنة مبين الثقافية) التي تنفث السموم الطائفية لتدمير الذهنية العراقية. وقبل أن يشغل منصبه الحالي كسفير تسلم الملف العراقي كمساعد للرئيس احمد نجادي، وصار رئيسا لما تسمى( لجنة تطوير العلاقات الإقتصادية العراقية الإيرانية) ليشكل ويشرف أيضا على عدد من الواجهات الإستخبارية العاملة تحت مسميات شركات وهمية إقتصادية وإنسانية وثقافية ودينية وغيرها. ومنذ وجود جواد(نوري) المالكي كلاجيء في إيران كانت لديه علاقات متميزة مع السفير حسين دانائي. الذي غالبا ما يحضر إجتماعات المالكي مع القيادة الإيرانية. وتدور في الكواليس احاديث عن إشتراكهما في صفقات مشبوهة بملايين الدولارات, وأن معظم الصفقات التجارية مع إيران تتم بواسطة السفير دانائي لقاء عمولة للمالكي. وللسفير دانائي أيضا علاقات مميزة مع الزعماء الأكراد فقد قام بزيارات عديدة لاقليم كردستان تمخضت عن فتح مكتب تجاري سرعان ما غير الزيً فتحول الى قنصلية في أربيل! وهي نفسها التي إقتحمتها القوات الأمريكية الغازية عام 2007 وألقت القبض على خمسة من قادة الحرس الثوري الإيراني ادعى نظام الملالي إنهم دبلوماسيين! وقد أطلق مؤخرا سراحهم بصفقة مع ميليشيا عصائب الحق المرتبطة بإيران( يمكن للقاريء الفاضل أن يطلع على المزيد من خلال ما كتبه الاستاذ عبد الله الفقير).


السفير دنائي أول ما وصل عتبة الباب التي طرد منها شر طردة حتى بدأ يسهل من فمه بتهديدات وقحة وعصبية عبر عن حقد دفين زلزل كيانه الهش ولم يصبر على كتمانه. وهذه حالة شاذة لاتتوافق مع طبيعة منصبه الدبلوماسي الذي يستلزم الهدوء والحكمة والأدب في التعامل مع الدولة المضيفة. إنها تهديدات لم يجرأ عليها أي سفير منذ فجر الدبلوماسية. اطلقها أمام عدد من الصحفيين الذين لم يفتح أي احد منهم فمه ليسأل السفير فيما إذا كانت هذه هي البداية الصحيحة لمباشرته العمل كممثل لبلاده في العراق؟ وهل ستخدم بتهديداته هذه مصالح البلدين؟ لكن لاغرابة في خرسهم فجميعهم من صحفي الحكومة أوالمطبلين لشعاراتها! فمنهم من عبدة الدولار ومنهم من عبدة التومان. أما البرلمان والحكومة فلا عتب عليهما فمن لا غيرة له على شرفه لا غيرة له على وطنه. فولائهم محسوم للولي الفقيه في طهران ولا ينتظر منهم ردًت فعل. وهذا عهدنا بهم منذ اليوم الأغبر الذي جاءوا فيه مع قوات الإحتلال. ولو جرى هذا الأمر مع أية حكومة لديها ذرة من الكرامة لأعتبرته شخصا غير مرغوب به وقذفت به خارج حدودها.


السفير دنائي ذكر في أول مؤتمر صحفي له في بغداد بأن" التعويضات حق واجب على الحكومة العراقية ! وان حكومتي ستسعى بالتعاون مع اصدقائها في بغداد لتحديد الكيفية التي سيسدد العراق بها تلك التعويضات".


لسنا بصدد الحديث عن هذه النقطة التي أشبعت بحثا من قبل الكثير من المحللين والكتاب والتي أثبتوا بطلانها! طالما ان هناك مسئولين عراقيين من خدم الولي الفقيه يعزفون على نفس النغمة. وسبق ان حذرنا وغيرنا من مغبة إطلاق تصريحات مشبوهة في هذا الموضوع من قبل حكام العراق ولاسيما فيما يتعلق بالطرف الذي بدأ الحرب! لأن هذا الأمر سيعد ذريعة للملالي في طهران للمطالبة بالتعويضات. لكن من يسمع؟ فقطنة الولي الفقية معبئة في أذهان خدمه, وهذا ما حصل فعلا.


المصيبة إن هذا الجرذ الدبلوماسي سمح لنفسه بأن يكون حاكما على العراق مهددا بكل صفاقة بأحالة أي شخص عراقي يشير إلى تدخل إيران في الشأن العراقي إلى القضاء! كلنا يعرف مهزلة القضاء العراقي المسيس. السفير أكد بأنه لا يوجد مثل هذا التدخل وكلامه ختم على أفواه حكام العراق، لذلك لم يحرك أي منهم شفتيه بل بلعوا ريقهم. لكن المثير في الأمر أنه في نفس اليوم كشف القيادي في كتلة الحوار الوطني( محمد تميم الجبوري عن"ضبط (30) طناً من مادة السيفور شديدة الانفجار في البصرة خلال الاسبوع الماضي دخلت عن طريق ايران". وكانت القوات الأمنية قد ضبطت قبل اسبوعين( 4) مخازن للأسلحة والمتفجرات يحمل العديد منها علامة (ساخت إيران) في مناطق متفرقة من العراق. وقد احتوت بعض المخازن على كميات كبيرة من المواد الخطرة التي تستخدم في تفخيخ السيارات وصناعة العبوات الناسفة والصواريخ متوسطة المدى".


سؤال غير بريء للسفير: ماهو الغرض من إرسال مادة السيفور المتفجرة للعراق؟ وهي كما نعلم لا تنفع في صناعة الألعاب النارية وإنما للتفخيخ والتدمير. وهل هذا تدخل في شئون العراق أم ان العراق أمسى جزء من مملكة كسرى تعيثون فيه الفساد كيفما شئتم؟


وهل سيقاضي السفير دنائي صاحب التصريح السيد(محمد تميم الجبوري) أمام القضاء العراقي ويتحول الأمر ألى قضية إرهاب كما جرى للنائب(محمد الدايني)؟
بالتأكيد لم تكلف وزارة الخارجية الإيرانية نفسها لتنبيه السفير على خطأه الجسيم تجاه الشعب العراقي أو إعتبارها زلة لسان كما جرى للرئيس بوش عندما شبه غزو العراق بالحرب الصليبية. أو أن تقدم الوزارة أعتذارها للشعب العراقي فقط دون حكومته! على أعتبار ان الحكومة العراقية لا تستحق منها إعتذار! فالسيد عادة لا يعتذر لعبده.


الأنكى منه أن وزارة الخارجية العراقية أيضا لم تكلف نفسها عناء إرسال مذكرة إحتجاج لنظيرتها الخارجية الإيرانية! أو أن تستدعي السفير وتنبهه الى خطورة ما جاء في تصريحه. أو تعتبره شخص غير مرغوب به، أو تطرده إحتراما لكرامة شعبها الذي أهين إهانة لا تغتفر لم يجرؤ عليها سفير الإحتلال الأمريكي نفسه ولم تحصل في تأريخ الدبلوماسية العراقية. لكن عذر الزيباري أن الأمر لا يخص كردستان! وان السفير دانائي لو أطلق العنان للسانه بتصريح مماثل يخص الأكراد لقامت قيامة الزيباري وتحول إلى إعصار لا يهدأ.

 

 





الاربعاء٢٢ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ضحى عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة