شبكة ذي قار
عـاجـل










عجبا كيف يتحول (نائب رئيس) جمهورية العراق طارق الهاشمي الى ناطق رسمي باسم السفارة الايرانية في بغداد، فيجهد نفسه في تفسير وتأويل تهديدات السفير الايراني الجديد في العراق، التي اكد فيها انه سيقاضي من يدعي بوجود تدخل ايراني في الشأن العراقي امام المحاكم، ليتوصل الى ان السفير المذكور (كان يقصد بتصريحه هذا قائدا امريكيا اتهم ايران بالوقوف وراء تصعيد العنف في العراق وليس القائمة العراقية او طرفا اخر) بل انه ذهب ابعد من ذلك عندما أكد (ان رغبات ايران التي نقلها سفيرها في تشكيل حكومة عراقية باسرع وقت ممكن وعدم التدخل في الشأن العراقي ومعالجة الكثير من الملفات العالقة بين البلدين، تشير الى وجود نوايا طيبة لدى ايران تجاه العراق) وكأنه لم يسمع بمطالبة السفير بتعويضات عراقية لايران عن حرب الثماني سنوات، فهل نسي (نائب الرئيس) تصريحاته السابقة التي كانت جميعها تؤكد وجود دور تخريبي ايراني في العراق؟ وهل كانت ادانة تصريحات السفير الايراني التي جاءت على لسان زعيم القائمة العراقية، وكذلك الناطقة الرسمية باسم القائمة من دون علم السيد الهاشمي؟ ألم يسمع بتصريحات مستشار الامن القومي موفق الربيعي وهو يؤكد ان قاسم سليماني له القول الفصل بالملف العراقي؟ ام ان الهاشمي لم يقتنع طوال السنوات السبع الماضية بكل التصريحات التي اطلقها القادة العسكريون الامريكان الذين لا ينطقون عن الهوى، والتي اكدت على الدور الايراني السلبي في المشهد العراقي؟ ام ان الرجل حرص على ان تتناغم تصريحاته مع ما قاله (رئيسه) الطالباني الذي وصف فيه السفير الجديد بانه خير خلف لخير سلف، وتناسى ان حكومة السلف والخلف تقصف يوميا قرى الشعب الكردي في شمال العراق منذ فترة طويلة وتقتل وتهجر ساكنيها؟


يقينا ان موسم الهجرة الى الشرق قد بدأ يراود اذهان قادة القائمة العراقية، فكان لابد من تليين الخطاب السياسي كي يجدوا مقبولية لهم لدى الجانب الاخر، خاصة بعد اعلان الانسحاب الامريكي من العراق، فالذي كان يمارس دور القاضي بين الشراذم السياسية عندما كانوا يهرولون نحوه لحل مشاكلهم رحل بعد ان ضمن مصالحه، ولم تعد له كل تلك الهالة العسكرية التي كان يستطيع ان يفرض بها ارادته على الاخرين، مما جعل الجميع في مواجهة المصير والواقع الذي وضعوا لبناته الاساسية نهبا وسلبا وطائفية وفيدراليات، وما على العراقية الا ان تواجه المصير نفسه الذي يواجهه الاخرون، بعد ان راهن زعيم القائمة السيد اياد علاوي وتوسل بقوى دولية واقليمية وبمنظمات عالمية وبالفصل السابع، لتحقيق استحقاقه الانتخابي وتشكيل حكومته، بل ذهب الى ابعد من ذلك وهو يحاول استدرار عطف الرأي العام المحلي والعربي والدولي بتفاصيل محاولات اغتياله لتوظيفها ضد الخصوم السياسيين كي يزيد من اسهم وصوله الى السلطة، لكن الراعي الامريكي كان واضحا جدا معه، فالمصلحة الامريكية تتطلب دعم اياد علاوي احد ابرز عرابي الاحتلال الى ابعد الحدود لكن ليس بلا حدود، وان مراهنته على جر الامريكان للدخول في معركة سياسية مصطفين معه، ضد خصومه من البيت الشيعي لغرض تنصيبه رئيسا للوزراء مجرد خيال، لان الاخرين ايضا حلفاء مهمون لهم، بل قد يكونون ضمن الاجندة الامريكية اكثر اهمية منه، لانهم هم الذين يمسكون بتلابيب السلطة في العراق، وتبارك وجودهم على رأس السلطة مرجعية دينية سبق وتحدث الامريكان بلسان حاكمهم المدني (بريمر) بانها لم تعترض على الغزو والاحتلال، بل اعلنوا مرات عديدة عن امتنانهم لموقفها لانها نزعت فتيل مقاومة مقلديها بفتاواها التي حرمت معارضة الغزو وشجعت على الانخراط في العملية السياسية، كما ان اللعبة الامريكيشة بنيت اساسا على ضرورة استلام احزاب الاسلام السياسي الشيعي الحكم في العراق لا سواهم، على الرغم من ان المخابرات الامريكية تعلم جيدا انهم حلفاء حتى النخاع للنظام السياسي والديني في ايران وهذا هو بيت القصيد، فهم القناة الاقـــرب للوصول الى اصحاب القرار السياسي الايراني، خاصة انهم موزعـــو الولاءات، كما يقول السيد جواد الخوئي (فهناك من ارتبط مع المؤسسات الايرانية من بوابة السياسة، واخـــــرون من البوابة الامنية، وهناك من ارتبط من بوابة المذهب الشيعي) مؤكدا انهم يتلقون الدعم من جهات ايرانية متعــــددة (فهـــناك دعم من المؤسسة العسكرية، واخر من وزارة الخارجية، وهناك دعم من المؤسسة الدينية (المرشد الاعلى) وكل مؤسسة تدعم جهة من اجل مصالحها)، مما يعطي مساحة حركة واسعة للادارة الامريكية للتحرك باتجاه صناع القرار الايراني صقورا وحمائم من خلال ممــثليهم العراقيين، وايجاد قاسم مصالح مشترك معهم على الارض العراقية.


لقد تعاملت السلطة في ايران بكبرياء وتعال مع وفد القائمة العراقية الذي توسل اللقاء بهم في خضم موجة الحج الى ايران التي تلت اعلان نتائج الانتخابات، لانهم شعروا بالنجاح الذي حققوه في فرض وجودهم كقوة على كافة القوى السياسية، وحتى المعارضة لفعلهم في الساحة العراقية، التي ذهبت تطلب الوصال معهم، وكانوا يأملون ان تعزز القائمة العراقية ولاءها بالمزيد من الافعــــال لا الاقوال وان تفهم متطلبات الاكثرية الطائفية، لكـــــن القائمة لم تفهم المطلب الايراني حيث تصوروا بان بكائياتهم على ما حل بالتيار الصدري على يد المالكي سيزيدهم قربا من ايران، او ان التيار سيكون شفيعهم لدى اصحاب القرار الايراني، او ان لقاءاتهم مع عمار الحكيم وتنزيهه لهم كونهم ليسوا قائمة بعثية سيجعلهم في صدارة الاجندة الايرانية التي تفكر في منح شرف تشكيل الوزارة لهم، متناسين ان ايران تبحث عن مصالحها وليس مصالح اتباعها، فكان ان حمل مقتدى الصدر رسالتهم الواضحة جدا اليهم في لقاء دمشق من ان الخط الاحمر على توليهم رئاسة الوزراء لن يزول مهما فعلوا، وان الاعتراض الايراني على المالكي او اعتراض حلفائهم عليه لن يغير من الامر شيئا، فقد يكون الاعتراض موجودا اليوم لكنه قد يزول غدا اذا تطلبت مصلحتهم ذلك اولا ومصلحة المذهب الذي يتاجرون به ثانيا.


لقد اثبت اياد علاوي، الذي تباهى يوما بانه تعامل مع الكثير من اجهزة المخابرات العالمية، انه لم يجن الخبرة الكافية من ذلك التعامل، ولم يفهم متطلبات القوى الدولية التي قد تضحي بحلفائها من اجل مصالحها الا متأخرا، بعد ان افهمه الروس حقيقة الموقف الامريكي فخرج معلنا (ان الولايات المتحدة تقف ضدي وموقفها معروف في المجتمع العراقي، وهي تحاول ان تدعم فقط من له علاقة جيدة مع طهران)، فهل كان ذلك دليلا على ان الرجل حرق آخر مراكبه التي اعدها للابحار باتجاه الشرق، بعد ان فهم اللعبة وخفتت الاصوات العربية التي دعمته بعد ان علا صوت العراب الامريكي رافضا الصدام مع الحليف الايراني المقبل من اجل عيون اياد علاوي وبعض الدول العربية؟ نعم انها اللعبة التي لم يفهمها اياد علاوي كما لم يفهمها البعض من قادة القائمة العراقية الذين لازالوا يراهنون على نجاح الهجرة نحو الشرق، ولازالوا يتوهمون ان السفير الايراني قادر على تحقيق استحقاقهم الانتخابي فيضعون على لسانه حسن النية التي ليست وسيلة تعامل سياسي في عالم اليوم، او يدبجون التصريحات التي تؤكد تطلع العراقية لاقامة افضل العلاقات مع دول الجوار (ومنها ايران التي يجب ان تأخذ العلاقات معها شكلا ومضمونا مختلفين عن السابق) كما يقــــول اسامة النجــــيفي، وهو الداء الذي تعانية العراقية وتتخبط فيه منذ قيامها ولحد الان نتيجة عجزها عن احداث انصهار فكري وعملي بين اطيافها المتعددة، فالمذهب ليس فاعلا لديهم كما لدى الاخرين كي يضغط باتجاه وحــــدة القرار، ومصالح الحكم والسياسة واستحقاقات المنصب، كل منهم ينظر اليها من زاوية مختلفة وهذا ما اكده عضوها حسن العلوي (بوجود تضارب في المصالح بين مكونات القائمة قد تصل الى حد اراقة الدماء، وان العراقية ستحتاج الى ثلاثة اشهر لتجاوز مرحلة تسمية مرشحيها لشغل المناصب الوزارية)، بل انهم اضاعوا ايضا الاستحقاق الانتـــخابي الذي وضعه الشعب في صـــندوقهم، والذي كان يأمل منـــهم ان يكونوا امينين عليه وان لا يبيعوه في سوق المزايدات الرخيصة، كما ان جمهورهم بات يعاني الاحباط وهو يسمع ويرى، هرولتهم مرة نحو ائتلاف الحكيم ومرات نحو تحالف المالكي وثالثة نحو الصدريين، وسط بيانات وهمية عن مفاجآت ستعلن خلال الساعات المقبلة والتي لم تأت ابدا.


لقد سقطت خيارات العراقية جميعها، كما سقطت دعاوى الامريكان بوجود اسلحة دمار شامل وعلاقة بالقاعدة، واخرها كانت ورقة الديمقراطية التي قاموا بنقضها علنا من خلال الموافقة مع الرغبة الايرانية في جعل رئاسة الوزراء للاكثرية الطائفية وليس للاكثرية السياسية، بينما ظل منهج المقاومة الوطنية العراقية هو الطريق الوحيد الصائب والثابت والقائم على رفض الاحتلال وما ترتب عليه وصولا للتحرير الشامل.

 

 





الثلاثاء٢١ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة