شبكة ذي قار
عـاجـل










كان البعث ولا يزال، رمزاً لمعاناة الأمة، فهو حامل الهّم العربي في هذا الطور المتميز من نهضة العرب الحديثة وكان في رحلته النضالية الشاقة الطويلة، ينطلق من الإيمان والثقة بالأمة، وأنها تجتاز مرحلة انبعاث، أي أنها تبني نفسها من جديد، ومعنى ذلك إن وعينا وإرادتنا عنصران مهمان في تكوينها الجديد. وأننا بمقدار ما نكون أحراراً في صنع كياننا القومي ومصيرنا المشترك بمقدار ما نكون أمناء لأصالة أمتنا، لان الأصالة هي وحدها التي تقدر على تحقيق الانبعاث والتجدد السليم.


وكان البعث يدرك إن قوميتنا ليست رجوعا إلى التاريخ، بل هي تطلع إلى المستقبل من خلال مشاكل الحاضر، وأن التاريخ يلقي ضوءاً على طريقنا، ولكنه ليس قيداً لنا ولا حتمية مفروضة علينا وأن مستقبلنا أمامنا لا وراءنا. فقد كانت المسألة منذ البدء، كيف تتكون حركة عربية ثورية وتبقى مالكة إرادتها، مسيطرة على نفسها، تلتزم الصدق مع النفس ومع الشعب في كل الظروف والأوقات وتمتلك رحابة في الصدر مستمدة من رحابة الأرض العربية.


وكان لنشأة البعث أوائل الأربعينات، معنى الولادة لمرحلة تتفتح عبرها آفاق التفاعل الحر بين المناضلين العرب في شتى أرجاء الوطن الكبير، وتنتظم فيها إرادة النضال المصيري الموحد، فقد كان البعث لكل العرب في المشرق والمغرب، وكان أحرار اليمن وقيادات الحركة الوطنية في السودان، ومناضلو المغرب وتونس والجزائر، يحملون إليه هموم نضالهم، ويعبرون عن إيمانهم بوحدة الأمة العربية، وكان شباب البعث، وهم إذ ذاك بضع مئات في جامعة، دمشق ومدارسها، يملئون الدنيا نشاطاً فكرياً وحركة نضالية تدعو إلى وحدة النضال العربي وتتظاهر انتصارا لهذا القطر العربي أو ذاك.


وفي مثل هذا الشهر، قبل خمس وثلاثين سنة كان شباب البعث، يتوجهون إلى فلسطين ويلتقون مع أخوتهم المجاهدين الفلسطينيين والمتطوعين العراقيين والمصريين، وكانت روح العروبة ترفرف عليهم، وهم يتعارفون ويتحاورون ويتوحدون في النضال، على اختلاف بلدانهم وأحزابهم.


أربعون عاماً مضت، والبعث يؤكد خلالها حضوره الفكري والنضالي في مسيرة الكفاح القومي، ويزداد قرباً من ضمير الأمة وروح الشعب، ويزداد ثقة بأصالة دوره وصدق تمثيله للمبادئ والأهداف التي نذر نفسه لها.


وتتجدد المناسبة، في كل عام، لكي يطرح على نفسه من جديد، ومن خلال الأحداث والظروف المستجدة، الأسئلة ذاتها التي تزدحم وتتدافع في صدر المناضلين، تبحث عن أجوبة مقنعة تبدد الظلام المنتشر، وتزيل الشكوك والحيرة من طريق الانبعاث والنهضة.


أن ذكرى الماضي لا تستعاد إلا لأن بالزمن الحاضر حاجة الى استنطاقها، فماضينا، سواء ماضي الحزب أو ماضي الأمة يكتبه الحاضر كل يوم كتابة جديدة مختلفة، فالمناضلون الذين يرون الحياة جهاداً ورسالة وعطاء وتضحية وبطولة يكتبون تاريخ الأمة بالعرق والدم، في حين أن أعداء الأمة والنهضة والبعث وصنائعهم يكتبونه كتابة مزورة ويسعون بكل وسائل العلم الحديث وأساليب التضليل والتخدير لتشويه تاريخنا القومي وتاريخ حزبنا المناضل، لكي يسحبوا من عقول الأجيال العربية الجديدة، ونفوسها ثقتها بأمتها وبأصالة هذه الأمة، ورسالتها ووحدتها.


فالبعث يتخذ من هذا التذكّر الحي للماضي مناسبة للمراجعة والوقفة الصريحة مع النفس ومع الجماهير العربية، وللكشف عن أبعاد التآمر على النهضة العربية وأجيالها المؤمنة بحتمية انتصار القضية العربية ولاسيما في ظل الظروف القومية الراهنة حيث تقف الأمة ومستقبلها على مفترق طرق.


فالأنظمة الممثلة للعجز والتردي، تريد وتسعى لكي تكون المرحلة المقبلة مرحلة تصفية للقضية الفلسطينية، ولكل أمل في تحقيق الوحدة العربية فهي ترضى بأن تبقى كيانات ثانوية تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة ل "إسرائيل" والإمبريالية في الوقت الذي يطرح فيه ضمير الأمة، وتهتف أرواح ألوف الشهداء العرب، من عليائها، غاضبة مستنكرة، وهي تلهم المناضلين الصبر والثبات فالجماهير العربية والفئات الثورية التي تجسد إيمان هذه الجماهير وصمودها وإرادة النضال والبقاء والتقدم عندها، تعتبر المرحلة الجديدة مرحلة الوضوح والجد والتضحية، وتعتبر أن قضية فلسطين أخذت ابتداءً من الآن، وبعد الامتحان العسير الذي اجتازته المقاومة وصمدت فيه صموداً بطولياً، طريق القوة والحياة والثورة، كما أن القضية القومية بعد مفاجأة العروبة الجديدة لنفسها على الجناح الشرقي للوطن العربي ومن خلال ثورة العراق وانتصارها على المؤامرات المتعددة الأطراف، وما بثته من روح جديدة وما فجرته من طاقات خارقة، قد ارتفعت الى مستوى جديد وافتتحت عهداً جديداً من البطولة.


صحيح أن النضال العربي في هذه المرحلة لم يبلغ النضج الكافي من حيث درجة الإيمان بالعلم والعقلانية وبالتالي الديمقراطية والتمسك بالقيم الأخلاقية في العمل السياسي.. ولكن هذا لا يعني أن النضال العربي لم يسر في طريقه نحو استكمال تلك الشروط..


فهذا العراق يخوض حرباً مفروضة عليه، ولكنه بالوعي والبطولة والتضحية استطاع أن يعطيها معظم سمات النهضة العربية الحديثة، فهي حرب حضارية لصد عقلية التخلف والهمجية، وحرب للدفاع عن شخصية الأمة العربية ووحدتها، ودورها القيادي. وحرب وطنية لصد الأطماع التوسعية عن العراق والحفاظ على نهضته وطريقها ومكتسباتها.


فالبعث وهو جزء من حياة الأمة ونهضتها الحديثة، يشعر بالقوة تسري إليه من صمود المقاومة الفلسطينية، كما يشعر أنه بنضاله القومي المتمثل في تجربة العراق الثورية، وفي نضال البعثيين في لبنان والسودان، وفي أقطار أخرى من الوطن العربي، يدعم الصمود وإمكانات النهوض والتحرر في مسيرة الثورة العربية كلها.


فإذا كان البعث لا يستخف بحجم التآمر عليه من القوى الشريرة وبخاصة في هذه الحرب التي يخوضها العراق باسم المبادئ القومية، والمستقبل العربي، فان الحزب بالاستناد إلى الصلة الحية العميقة التي تصله بضمير الأمة وروح الشعب لا يخشى تلك القوى، رغم كثرتها لأنها شتات سلبي لم يجتمع إلا على الأحقاد وأغراض الهدم، بينما تمثل معركة العراق، إرادة البناء والتقدم والثورة في ضمير الأمة والشعب فنحن بنفس القوة التي نعلن بها ثقتنا بقدرة أمتنا على الصمود والتغلب على الهجمة الامبريالية الصهيونية الشرسة، فأننا نعلن ثقتنا بحزبنا وبقدرته على الصمود وتحقيق الانتصارات والأهداف القومية الكبرى.

 

 





الاحد١٩ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩/ أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة