ما هو الجديد من البدع المبتكرة؟
ما هو الجديد من البدع المبتكرة؟
نزار السامرائي
نشهد كل سنة اضافات من فنون اهانة العراقيين في عاشوراء او ( زيارة الاربعين)، ما يستفز كرامة اي عراقي يشعر بانه يقترب من تصفير رصيده من الكرامة الوطنية. لو توقف الامر عند ما هو حاصل منذ سنوات لقلنا لندع الافراد والجماعات كل يعبر عن الفرح أو الحزن بالكيفية التي تناسب مداركه العقلية ومستوى وعيه ونضجه، ولكن العراق يشهد في كل سنة إضافات وتطويرات هوليودية أو من السينما الهندية سنويا عليها،
هل رأيتم اهانة للعقال العربي أو لقيم الجندية العراقية وهما يداسان بالإقدام الفارسية، عندما أشاهد عسكريا عراقيا أو رجلا يضع فوق رأسه اليشماغ والعقال العربي، وهو ينادي على الزوار الفرس هلموا اغسلوا اقدامكم، ثم يضع قدم الفارسي على راسه، ويتبارك بشرب الماء الوسخ مما تساقط من أقدام الفارسي،
لا أفكر بأن صاحب العقال أو البدلة الخاكية يمثلان نفسيها أو بيتهما أو عشيرتهما أو محافظتهما، وإنما هو عمل مدبر في مكان ما من طهران وقم يريد أن يقول لقد دسنا على العقال العربي ومرغناه بوسخ اقدامنا، أو دسنا على شرف الجندية العراقية واخذنا ثأرنا من المؤسسة العسكرية العراقية التي جرعتنا كأس السم، و(العراقيون) يفعلون ذلك عن طيب خاطر وحب وعشق ويقين ويعتبرون ذلك من الايمان.
من يدري ماذا سيحصل السنة القادمة، مراكز تطوير السيناريوهات تعمل بدأب وعلى قدم وساق. لابتداع كل جديد ومبتكر من الصفعات، من أجل اهانة العراقيين. لقد بتنا نستورد كل مستهجن ومقرف ومهين، وإيران المشرف على تصدير البدع لنا، تعيش في عالم آخر من اللهو وكأنها دولة أوربية، فهل تجمع أشرار الأرض على العراق ليلقوا فوق أرضه كل نفاياتهم؟
أي بُعدٍ سياسي للردِّ الإيراني؟
أي بُعدٍ سياسي للردِّ الإيراني؟
حسن بيان
كثُرت القراءات السياسية للعملية العسكرية التي نفذها النظام الإيراني ليل الرابع عشر من نيسان، والتي أدرجها تحت عنوان الرد على العملية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق وأودت بحياة عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين الذين يديرون ويشرفون على المليشيات التي ترتبط بمركز التحكم والتوجيه الإيراني وتقوم بالمهام التي تخدم أجندة الأهداف الإيرانية بالدرجة الأولى.
وكما كثُرت القراءات السياسية لأبعاد هذه العملية، فقد كثُرت التباينات حول تقييم نتائجها. ففيما العدو الصهيوني اعتبر ان دفاعاته وخاصة ما يسمّى بالقبة الحديدية استطاعت أن تبطل مفاعيل المسيّرات والصواريخ التي كانت وجهتها فلسطين المحتلة، فإن النظام الإيراني اعتبر ان العملية حققت كامل أهدافها. ولهذا صوّر الإعلام الصهيوني كما الإعلام الإيراني والمواقف السياسية لكلا الطرفين بأنهما خرجا رابحين من هذه العملية.
وبعيداً عن البروباغندا الإعلامية التي تعاملت مع هذه العملية من موقعي «التضخيم» و«التقزيم» للنتائج التي ترتبت على ذلك، فإن هذه العملية بمقدماتها وسياقاتها ونتائجها إنما بينّت انها لم تحدث تدميراً ملحوظاً وكبيراً في البنى والمرافق العسكرية الصهيونية، ولم تؤدِّ الى إيقاع خسائر بشرية. وهذا يعود الى أن المسيّرات والصواريخ تم اعتراضها وتدميرها قبل أن تصل الى أهدافها.
لكن يبقى الأهم من كل ذلك هو البُعد السياسي لهذه العملية. في ضوء النتائج المادية التي تمخضت، يمكن القول ان العملية إنما تندرج تحت عنوان المناورة العسكرية بالذخيرة الحيّة، حيث اختبر العدو الصهيوني من خلالها فعالية دفاعاته وخاصة ما يسمّى بالقبة الحديدية، كما اختبر النظام الإيراني مدى قدرة مسيّراته وصواريخه في الوصول الى فلسطين المحتلة. لكن وبغض النظر عما أحدثته من تلك العملية من نتائج على الأرض، فإن ما يجب التوقف عنده هو حقائق أساسية أميط اللثام عنها من جراء هذه العملية. الحقيقة الأساسية الأولى،
إن هذه العملية التي كان طرفاها المباشرين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، أدّى دخول أطراف أخرى على سياقاتها العملية وخاصة دول أساسية في حلف شمال الأطلسي، الى إعادة استحضار ثابتة من ثوابت الاستراتيجية الأميركية التي تبلورت بعد الحرب العالمية الثانية والقائمة على ثلاثة ثوابت: أمن النفط وأمن أوروبا وأمن «إسرائيل». وان الحماية الدولية «لإسرائيل» وخاصة الأميركية منها، لا تقتصر على جانبها السياسي وحسب وإنما هي مشمولة بحماية عسكرية. وهذا ما بدا واضحاً من مسارعة أميركا لإرسال سفنها الحربية من مدمرات وحاملات طائرات مع بداية الحرب على غزة ومن ثم المشاركة في اعتراض المسيّرات والصواريخ الإيرانية.
وعلى ضوء هذه الحقيقة، فإن هذه العملية أفضت الى إعادة التعريف بالدور الوظيفي للكيان الصهيوني الذي كان وما زال وسيبقى تحت مظلة الحماية الدولية لمراكز التقرير في النظام الاستعماري الذي تسلس قيادته حالياً للموقع الأميركي. الحقيقة الأساسية الثانية، ان هذه العملية كانت محكومة بضوابط قواعد الاحتواء الأميركي وبضبط إيقاعٍ يحفظ لقوى الإقليم غير العربية، أدواراً محددة السقوف في ترتيبات إعادة تشكيل نظام إقليمي تكون «إسرائيل» وإيران وتركيا وأثيوبيا من بوابة الأمن المائي من قواعده الارتكازية تحت مظلة الراعي الأميركي. وما يؤكد بان هذه العملية نفذت ضمن قواعد التفاهم الأميركي – الإيراني المسبق، انه تم إبلاغ ضابط الإيقاع الأميركي قبل حصولها وتحديد زمانها ومداها. وعلى قاعدة التفاهمات المشتركة الأميركية – الإيرانية كانت النتائج في حدود الاحتواء لعمليات الاشتباك السياسي والعسكري. الحقيقة الأساسية الثالثة، ان الاشتباك الذي حصل ليل 13/14 نيسان، إنما حصل في الفضاء العربي، من حدود العراق شرقاً الى حدود فلسطين غربا، وهذا ما كان ليحصل لولا الانكشاف الحاصل في الواقع العربي بعد الزلزال الذي ضرب البنيان القومي انطلاقاً من فالق العراق بعد العدوان المتعدد الجنسيات عليه وإسقاط نظامه الوطني.
لكن ثمة تساؤل لا بد من التوقف عنده.. إذا كانت الخسائر المادية التي نتجت عن هذه العملية محدودة، ألم يكن بإمكان الأذرع الإيرانية أن تنفذ مثل هذه العملية، وهي موجودة على الأرض وفي حالة اشتباك مع العدو منذ اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، إن على جبهة لبنان – فلسطين، أو على «جبهة البحر الأحمر» وقد أصيب الكيان الصهيوني بخسائر بشرية ومادية تفوق كثيراً وبشكل لا يقاس بما أحدثته العملية الإيرانية المباشرة.
لقد أعطى النظام الإيراني تبريراً لذلك، انطلاقاً من كون القصف الصهيوني لمقر القنصلية في دمشق، إنما استهدف مكاناً يعتبر بحسب اتفاقية فيينا والمواثيق الدولية، مكاناً يتمتع بحصانة دبلوماسية وسيادية باعتباره يمثل امتداداً لسيادة الدولة الإيرانية. ولذلك فان استهداف القنصلية كان بنظره استهدافاً لموقع سيادي إيراني كاستهداف الأرض الوطنية، وبالتالي كان الرد يجب أن يكون من الأرض الوطنية الإيرانية، وأضاف النظام الإيراني سبباً آخراً، هو انه لم ينصب صواريخه ويطلقها كما المسيّرات من أرض دول عربية محيطة بفلسطين أو قريبة منه، حتى لا يشكّل إحراجاً لهذه الدول، وما يمكن أن يترتب من نتائج إذا ما حصل رد فعل صهيوني.
إن هذه الحجة الإيرانية، مردودة عليه لسببين: السبب الأول، ان النظام الإيراني ومنذ اندفع الى العمق العربي، لم يقم اعتباراً لمبدأ السيادة الوطنية في كل الدول العربية التي تغوّل بها. بل ان استباحته كانت على مستوى من الشمولية طالت الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. فما الذي حدا به لأن يتذكر مبدأ السيادة الوطنية ويبدي حرصاً عليها في لحظة اشتباك إعلامي وسياسي وعسكري مع الكيان الصهيوني بعد نيّفٍ وستة أشهر من الحرب على غزة يا ترى؟ ثانياً، ان الأذرع التي ترتبط بمركز التوجيه والتحكم الإيراني مهمتها الأساسية تنفذ أجندة الأهداف الإيرانية على مستوى الساحات الوطنية وفق ما تقتضيه مصالح إيران ولو تعارضت وتناقضت مع المصالح الوطنية. فلماذا لم يطلب منها الرد على قصف القنصلية في دمشق؟ وهو الذي لم يكتم سراً بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية!! في الجواب على هذا التساؤل ورغم كل ادّعاء معاكس فان النظام الإيراني، لم يطلب الى التشكيلات الأمنية والعسكرية المرتبطة به القيام بالرد على عملية القنصلية، وبادر الى تنفيذ ذلك مباشرة، لانه يدرك جيداً ان حضوره من خلال أذرعه، وان كان يحفظ له موقعاً على طاولة ترتيبات الحلول للأزمات البنيوية التي تعصف بأكثر من ساحة عربية، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلّا ان هذا لا يمكنه من الجلوس على طاولة الترتيبات على مستوى الكل الإقليمي مع بداية التداول بحلول للقضية الفلسطينية ومنها الترويج لحل على أساس «حل الدولتين» بحيث باتت موضوعاً على نار حامية. وبطبيعة الحال فإن من يريد أن يحفظ له موقعاً على طاولة إنتاج هذا النظام الإقليمي لا بد أن يكون على تماس مباشر مع نقاط ارتكازه الأساسية ومنها «إسرائيل» كما على علاقة تفاهم مع مهندسه الأساسي وهو أميركا. ولما كان الحضور على مستوى إنتاج النظام الإقليمي الأشمل، يفرض على أطرافه الأساسية الحضور المباشر للأصيل، وهو ما لا يمكن تحقيقه بواسطة الوكيل الذي يبقى دوره محصوراً في إطار «الخاص الذي يتموضع في نطاقه»،
عمد النظام الإيراني الى توجيه رسالة للمعنيين وخاصة الراعي الأميركي، للاثبات بأنه موجود على خطوط التماس المباشرة مع القضية التي تشكّل جوهر الصراع في المنطقة ولن يقبل بأن يكون دوره مهمّشاً وهو الذي عمل على الاستثمار بهذه القضية خدمة لأجندة مشروعه في تهديد الأمن القومي العربي من الداخل والمداخل. من هنا فإن عملية الرد الإيراني وكذلك الرد الصهيوني على الرد، إنما تم ويتم ضمن قواعد التفاهم والسقوف المرسومة، وإن ما يحصل على جبهة الاشتباك العسكري والسياسي والإعلامي بين النظام الإيراني والكيان الصهيوني، لا يعدو كونه اشتباك محدود في استهدافاته وهو نفّذ ضمن قواعد الاحتواء الأميركي لأدوار قوى النظام الإقليمي الجديد لإثبات أن أطرافه الميدانيين ومنهم النظام الإيراني يستوفون شروط عضويته المطلوبة أميركياً.
يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل
يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل
د. أحمد شوتري
الحركات التاريخية في حياة الأمم والشعوب، حركات متجددة على الدوام، وامل ممتد عبر السنين، حتى تتحقق جميع أهدافها المشروعة، التي صيغت في برامج طويلة الأمد. وتختلف الحركات التاريخية عن الثورات مهما كانت عظمتها، لأن الثورات محكومة بزمن وأهداف محددة، وتأخذ في بعض الأحيان صورة رد الفعل، لذلك وصف مؤسس البعث المرحوم أحمد ميشيل عفلق البعث بالحركة، لأنها تعمل لمئات السنين، وتتفاعل مع الزمن وارهاصاته، وتنتقل عبر الأجيال.
فالوحدة كهدف أسمى للبعث، رغم أنها ليست ابتداع أو اجتهاد، إنما هي استرجاع لحق الأمة الذي ضاع بفعل الزمن والصراع ما بين الأمم، وفواعل ميزان القوى والتقدم، فالأمة العربية كغيرها من الأمم مرت بعصر الولادة، والنمو والتقدم والقوة. واخذت من الزمن أمداً طويلاً، امتد لقرون، وضعفت وتراجعت لصالح أمم أخرى، واليوم هي تصارع الزمن والأمم المهيمنة بهدف استعادة حقها في الوحدة والحرية والتقدم، كحق تاريخي لها، وترفض أن تكون أمة ثانوية، لأنها أمة الرسالات والعدل والمساواة ما بين الأمم والشعوب، أمة اختارها الله سبحانه كأمة قائدة للتوحيد والقيم الإنسانية وشاهدة على الناس إلى يوم يبعثون.
لقد جاءت حركة البعث لاستنهاض الأمة وضبط مقدراتها، والارتقاء بها إلى مصافي الأمم الأخرى لاستئناف رسالتها التاريخية، وصاغ البعث مشروع الأمة في النهضة بشعاراته المعروفة: الوحدة والحرية والاشتراكية، والرسالة الخالدة. وتتقدم الوحدة شعاراته الأخرى، لأنه بدونها لا يمكن لأمة أن تنهض وتستأنف دورها، والحرية كشعار لإطلاق العنان لعبقريتها للإبداع، والتعبير عن رسالتها الإنسانية. والاشتراكية كعامل نهضة مادي لتحرير الإنسان العربي من التبعية، والشعارات الثلاثة بمجموعها تشكل عمل متكامل لصياغة مشروع النهضة. في ذكراه السابعة والسبعين لا تجد الأمة العربية مخرجاً لحالتها الراهنة للتحرر والتقدم إلا في مشروع البعث، أمام التحديات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم. والتي يشكل العامل الاقتصادي والتقدم العالمي الهائل عنوانها الرئيسي، فالأمة العربية لا تستطيع أن تجاري العالم وسط هذه الصراعات إلا بعد وحدتها. فكانت تجربة البعث في العراق المحتل نواة صلبة عبرت عن أهداف البعث بكل أمانة حيث أعطت للأمة العربية نموذجها المتكامل والمطلوب في النهضة، لذلك تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، داخلياً قبل الخارج، ورغم تعطيلها فإنها ماتزال تقاوم داخل العراق وتقدم التضحيات.
فالبعث سيظل دوماً حركة متجددة وأمل مفتوح على المستقبل ولا يمكن وقفه بإرهاصات عارضة مهما كانت شدتها وتداعياتها السلبية. فالبعثيون اليوم كقوة نضالية عربية موحدة موجودون على طول الوطن العربي وخارجه يناضلون ومسلحون بتجاربهم، وكلهم أمل في اعلاء صرح حزبهم، والتطلع إلى المستقبل بثقة، فالبعث في الجزائر مثلاً لم يكن في السنوات السابقة يستطيع أن يقيم حفلاً علنيّاً كبيراً، أو يفكر في المشاركة في الانتخابات، واليوم نحتفل بمثل هذا الزخم ونفكر في المشاركة وكلنا امل في تحقيق مكاسب جديدة لحركتنا النضالية. البعث حركة ثورية لا تقبل السكون ولا بأنصاف الحلول في قضايا الأمة المصيرية، وعليه يرى في معركة طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة خير معبر عن تطلعات الأمة في التحرير الكامل لفلسطين المحتلة من النهر إلى البحر، في وقت بدأ الكيان الصهيوني الغاصب يعد العدة لوأد ثورة شعبنا في فلسطين و طي قضيته الوطنية، فالطوفان أعاد احياء القضية الفلسطينية كقضية جوهرية في حياة الأمة كوصف البعث لها، وتعظيم التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا في فلسطين بفصائله المختلفة عبر أكثر من سبعة عقود، وعليه يحتفل البعث اليوم في ذكراه السابعة و السبعين على وقع ثورة فلسطين، التي وضعت حداً للتآمر الدولي و الرسمي العربي و يفتح الباب أمام ثورة الأمة بأجمعها من أجل تحرير فلسطين ووحدتها.
تحية اكبار وإجلال لشعبنا الثائر في فلسطين انطلاقاً من غزة الصامدة تحية لكل مناضلي البعث وأحرار الأمة.
تحية للجزائر بروح شعبها الثائر في مساندة شعبنا في فلسطين.
الرحمة على روح القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق.
الرحمة على روح قائد البعث الشهيد صدام حسين ورفاقه.
الرحمة على شهداء الجزائر والأمة العربية.
المساءلة والعدالة: مقصلة سياسية أم جدار لمنع “عودة البعث”
المساءلة والعدالة: مقصلة سياسية أم جدار لمنع “عودة البعث”
أحمد أبو داود
منذ صدوره في سنة 2003 بقرار من الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي للعراق بول بريمير، وقانون اجتثاث البعث والذي تحول فيما بعد إلى ما يسمى بقانون “المساءلة والعدالة” وهو يُستخدم لاستهداف وإقصاء العناصر الوطنية وخاصة العربية عن المشهد السياسي في العراق.
وبسبب ذلك تطالب القوى الوطنية واغلب شرائح المجتمع العراقي ومنذ سنوات بوقف العمل بهذا القانون المشبوه، وحل ما يسمى بهيئة المساءلة والعدالة، خاصة وانهما يحرمان العراق وشعبه من خيرة خبرات ابنائه والتي هو في أمس الحاجة إليها، وبالتالي يتم تكريس التخلف والفساد والإبقاء على المشاكل المستعصية التي تغرق بها البلاد تحت هذه الذريعة. ولقد تطور استغلال هيئة المساءلة والعدالة بعد عقدين من تشكيلها من استهداف الوطنيين المعارضين،
إلى أداة تستخدمها القوى المتنفذة للإطاحة بخصومها المشاركين معها في الميدان السياسي، ولاسيما خلال مرحلة الانتخابات. لكن القانون ما يزال ساري المفعول بعد مرور 21 سنة على صدوره، إذ تحول إلى وسيلة للانتقام من جهة، ووسيلة للاستهداف السياسي من جهة أخرى. أداة للثأر والانتقام واستهداف الوطنيين إن ما يسمى بالمساءلة والعدالة قد تحولت إلى أداة للثأر والانتقام والاستهداف الوطني والسياسي. علماً بأن هناك في العالم تجارب تحت اسم “المساءلة والعدالة” في دول أخرى أبرزها جنوب أفريقيا حيث كان الهدف منها هو تحقيق الإنصاف لذوي الضحايا في الفترات السابقة ، واطلاق حرية التعبير و اشاعة العلاقات الديمقراطية، حيث إن الغرض من التجربة هو تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاسبة المتورطين عن طريق القضاء حصرياً والتمهيد للمصالحة المجتمعية، وليس الانتقام المجتمعي لشرائح ومكونات اساسية للشعب او الانتقام السياسي من الخصوم. إن الإنصاف الذي بني على أساسه مفهوم المساءلة والعدالة في العالم يقتضي محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم فقط ،
حيث تتجه بعد ذلك الدول والمجتمعات إلى المصالحة المجتمعية الحقيقية، كما حصل في جنوب أفريقيا عبر المصالحة بين السكان الأصليين الأفارقة السود والمستوطنين البيض. ولكن ما حصل في العراق بعد 2003 بصدور قانون الاجتثاث سيء الصيت الذي أصدره الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي بول بريمر، وتطبيقه بطريقة تعسفية شملت الآلاف من تدريسيي الجامعات ومنتسبي القوات المسلحة وخيرة كوادر العراق والموظفين والخبراء في كل المجالات ممن صرف عليهم العراق لتأهيلهم المال والجهد والزمن لخدمة الوطن وشعبه، حيث تم حرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وغيرها وتشريدهم وتشتيت عوائلهم. إن التطبيق الثأري للقانون شمل ملايين البشر وهدد أوضاعهم الاقتصادية والمعاشية، مما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع العراقي وعلى مستقبل العراق وبالتالي يكرس التخلف فيه ويمنع عنه اية فرصة للاستقرار والازدهار.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها – الجزء الاول –
لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي
لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي
د. عامر الدليمي
في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة،
كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك،
والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه.
كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية.
إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا.
إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مِنْ فِكْرِ البَعْثِ والقائدِ الشهيد عِزَّة إِبْراهيم: العُروبةُ والإسلامُ جَناحا الأُمَّةِ وسِرُّ بَقائِها
مِنْ فِكْرِ البَعْثِ والقائدِ الشهيد عِزَّة إِبْراهيم: العُروبةُ والإسلامُ جَناحا الأُمَّةِ وسِرُّ بَقائِها
ناصر الحريري
في سنوات الاستقلال الأولى للأقطار العربية نجحت الهوية الوطنية القطرية في تهميش الهوية القومية للأمة، وتم التركيز على الهوية الوطنية والقطرية الضيقة ورُفِعَ شعار القطرية هي الحل، واعتبار كل قطر من الأقطار العربية يمتلك خصائص معينة يتم البناء على أساسها. إلا أن هذا التهميش لم يدم طويلاً،
فقد تفجرت الأزمات السياسية والاقتصادية التي كشفت عن ضعف الهوية الوطنية والقطرية، وعاد الحديث عن الهوية الأصلية وهي الهوية القومية عبر القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية. وكان من أوائل الأحزاب التي سلطت الضوء وأعادت الهوية القومية إلى الواجهة هو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي ركز على الهوية القومية للحزب دون إغفال الهوية الوطنية التي تشكل النواة الأولى في بناء القومية العربية.
تشترك تعريفات الهوية في إبراز عُنْصري التميز والاختلاف، ويمكن القول إن هوية شعب ما مختلفة عن هوية شعب آخر، فهي مجموعة من الخصائص تنفرد بها وتختلف وتتميز مقارنة بغيرها. وهوية أي أمة هي ما يُعَبَّر عنها بالهوية القومية التي هي عبارة عن مجموعة من الصفات العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها. والتي تجعلهم يتميزون ويُعرفون بتلك الصفات عمن سواهم من أفراد الأمم الأخرى.
فالهوية القومية مختلفة كل الاختلاف عن الهوية القطرية، فالأولى تتعلق بالأمة والثانية تتعلق بالدولة، فالهوية الوطنية قد تعني إيجاد تطابق وتوافق بين ناسٍ يعيشون في بقعة جغرافية محددة.
إن الهوية القومية تؤكد على تمييز الأمة عن غيرها من الأمم، فإذا كانت الأمة مجزأة إلى دول متعددة كالأمة العربية فإن هويتها تبقى ضعيفة ومعرضة للتآكل والضياع والهدم بسبب القطرية والطائفية والعشائرية، وقد يكون السبب الأكثر تأثيراً هو الأطماع الاستعمارية. برغم غياب التعبير عن الهوية القومية للأمة في بعض الأقطار وضعفه في أقطار أخرى إلا أنها تبقى الهوية العامة المشتركة بين هذه الأقطار، فالعلاقة التي تربط الهوية الوطنية بالهوية القومية هي علاقة تكامل وتفاعل وليست علاقة نزاع وصراع وانفصال.
فالعربي ليس وجوداً طارئاً أو جامداً بل هو هوية وجود ومصير، فأن يكون الإنسانُ عربياً هو بالضرورة أن يكون عروبياً تواقاً نحو الوحدة العربية، يحمل على كتفه وفي قلبه هموم الأمة وآلامها ومعاناتها وتطلعاتها، ويجسد إرادة الأمة وعزمها على الثورة على واقعها الفاسد المريض.
لقد اعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي القومية العربية “حقٌ مقدس للعرب في كل القوانين والشرائع والمواثيق الأرضية والسماوية، بعروبتهم وقوميتهم يتعارفون وبعروبتهم وبقوميتهم يتحابون ويتوادون ويتراحمون ويتواصلون، وتحت راية عروبتهم وقوميتهم يناضلون ويقاتلون أعداءهم أعداء الله وأعداء الإنسانية لتحقيق أهدافهم.
” فالقومة العربية لم تتشكل حديثاً او نتيجة تمازج قوميات أو أعراق، بل إن القومية العربية متفردة في كينونتها ووحيدة في ديمومتها، فاللغة العربية التي تعتبر الوِثاق الأكثر قوة بين أبناء الأمة هي ليست طارئة ولا مزيج أو خليط كما كثير من اللغات، ولكن اللغة العربية “التي جعلها الله سبحانه لغة أهل الجنة ولغة آدم أبو البشر ولغة رسالته الخالدة الخاتمة القرآن الكريم والدين الاسلامي الحنيف هي حقٌ مقدس باركته وأيدته وحمته كل قوانين وشرائع ومواثيق الأرض والسماء وهي من أقدم وأكرم وأعز اللغات وأغناها وأوسعها على الاطلاق.” ولم يغفل البعثُ عن المكون الأهم من مكونات الهوية القومية العربية وهو الجغرافيا،
فقد اعتبر البعثُ في أهم مبادئه أن الوطن العربي الممتد ما بين جبال طوروس وجبال بشتكويه والخليج العربي والبحر العربي وجبال الحبشة والصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط هو حق مقدس للأمة العربية أقرته وباركته كل شرائع وقوانين ومواثيق السماء والأرض، والوطن العربي لدى البعث يمثل وحدةً سياسية واقتصادية وجغرافية وتاريخية وحضارية لا تتجزأ، والوطن العربي عند البعث هو وطن العرب وحدهم ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وإعماره وتطويره وحفظ سيادته واستقلاله وحريته. إن البعث يؤمن أن الأمة العربية التي خصها الله تعالى بخصال ومزايا وصفات خاصة لا تمتلكها أمة أخرى من أمم الأرض قادرةٌ على الإبداع والنهوض والتجدد والانبعاث من جديد،
فقد اختارها الله لتكون الأمة الأفضل والأمثل فقد جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس تسعى إلى خير الإنسانية وسعادة الإنسان. فالبعث يجسد كل هذه السمات والقدرات والقيم التي منحها الله للأمة العربية ويجسدها في فكره وعقيدته ومبادئه ومنظومة أخلاقه التي يدعو إليها، فالبعث يمثل كما قال الرفيق الشهيد عزة إبراهيم: “جوهر الأمة العربية وروحها، وهو المرآة التي تُرى فيها الأمة العربية على حقيقتها”. لقد فرَّق البعضُ بين القومية العربية والإسلام، فمنهم من اعتبر القومية العربية دون الإسلامية، وآخر يؤكد على الهوية الإسلامية دون القومية العربية، ولكن الذي يميز البعث في فكره كما في كلمة الرفيق الأمين العام للحزب هو التطابق بين الإسلام والعروبة.
إن القارئ المتابع لفكر البعث ولكلمات الرفيق الشهيد عزة إبراهيم يلاحظ أن القومية العربية على علاقة وطيدة بالإسلام قد تصل درجة التطابق، فالإسلام يمثل رابطة قومية حقيقة لسكان الوطن العربي، لأنه العقيدة بالنسبة إلى العرب المسلمين، وهو يشكل أيضاً ثقافة وتراث وحضارة إلى العرب المسيحيين، وهو ما يؤكده مؤسس البعث الأول الرفيق ميشيل عفلق. لقد أوضح الرفيق الشهيد المجاهد عزة إبراهيم في كل خطبه وكلماته التي وجهها للعرب وللرفاق البعثيين،
وبشكل جلي لا يقبل الشك، عمق البعدين العربي والإسلامي في إطار مفهوم الهوية، والأمة العربية تمر في عصرنا الراهن بمرحلة من التشظي والتفرقة على كافة الصُّعُد القطرية والطائفية والعشائرية فهي أحوج ما تكون للعودة إلى هويتها الأصيلة التي يمثلها البعث التي ركناها العروبة والإسلام. إن وضع الأمة العربية المتردي بعد هذه الفوضى والتدخل الإقليمي والدولي في شؤونها الداخلية واحتلال بعض البلدان العربية يجعلها بحاجة ماسة إلى حق تقرير مصيرها مجدداً، مما يتطلب منها التمسك بهويتها القومية العربية للنهوض والتخلص من قِوى الاحتلال وصد الأطماع الاستعمارية للغرب والشرق، إن التمسك بالقومية العربية لتحقيق النهوض الشامل لا يعني نبذ الفكر الديني، بل علينا التمسك بالقيم الدينية كخطوط عامة لكل التوجهات التحررية القادمة.
إن التنوع الثقافي والديني والقومي والمذهبي الذي يميز الوطن العربي ويميز مجتمعات أقطاره يدعونا إلى تبني فكر البعث في إعادة بعث الأمة ونهوضها من كبوتها لأنه الفكر الذي لا يميز بين الأفراد على أساس ديني أو مذهبي او مناطقي. إن اعتناق فكر البعث هو السبيل الوحيد للتخلص من الصراعات المذهبية التي فُرضت علينا بعد الاحتلال والتدخلات الخارجية والتي ما جلبت إلينا سوى الويلات والمصائب ولننعم بالسلام والأمان أسوة بدول العالم.
* مرجعية المقال: خطاب الرفيق الأمين العام الشهيد المجاهد عزة إبراهيم في الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد البعث العظيم.
مثقفو الأمة، واعتناق الفكر المقاوم!
الإعلام العربي ومسؤولية كشف الحقائق
الإعلام العربي ومسؤولية كشف الحقائق
ناصر الحريري
أصبح الإعلامُ الناقلُ للأخبار والمعلومات والحدث عنصراً مهماً جداً في صناعة الحدث، وذلك من خلال قيامه بدور أساسي في صياغة الصورة الذهنية للمتلقي، والمحرك الأساسي للسياسات العامة، ما يعني أن الإعلام يقوم بدور فعال في صنعة وتشكيل صورة الحدث وتأثيراته على الرأي العام، لأنه تجاوز مرحلة توصيف الحدث إلى مرحلة رصد التحولات والتركيز على تحليلها، ويركزُ على نقد السلبيات، وتحويل الحقائق لتكون ملائمة لتوجهات أصحاب القرار السياسي الذي يعبرُ هذا الإعلام عنه وينطقُ باسمه. في هذه الحالة يُخرجُ الإعلامُ الحدثَ عن الواقع الموضوعي،
ما يجعله شريكاً أساسياً في صناعة الأحداث والتحكم في تطورها من خلال ما يوفره من معلومات تحدث تأثيراً على مجريات الأحداث، خاصة أن أدوات الإعلام المتقدمة جعلت الاهتمام الشعبي يزداد بها نظراً لدورها في بث المعلومات والأحداث التي تتعلق بالشؤون العامة والقضايا السياسية والقرارات ذات التأثير الكبير والحيوي في الحياة اليومية للناس اللذين تكونت لديهم مفاهيم ومواقف ترتبط ارتباطاً مباشراً بالصورة المنقولة عبر الفضائيات، التي تعتبر هي الأداة الأكثر تأثيراً من حيث إنها تقوم بنشر المعلومة والفكرة والخبر والثقافات وما يتعلق بالحضارة،
وكذلك تجعل الصلة وثيقة بين الجهة الناقلة أو الناشر والمتلقي، وتحاول من خلال ذلك تسويق أهدافها السياسية والثقافية والاجتماعية، كما تعمل على تعبئة الجهة المتلقية في الاتجاه الذي يخدم مصالحها، سواء أكانت هذه المصالح إيجابية بالنسبة للجهة المتلقية أم سلبية نظراً لأنها تروج مفاهيمها بشكل مستمر مما يبقى قطاعاً واسعاً من هؤلاء مرتبطاً بها. فحين يتم نشر ثقافة قائمة على القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة فإن النتائج ستكون إيجابية، ويكون الإعلام في هذه الحالة موضوعياً وسليماً وأكثر فعالية، لأنه ينشر ويحقق القواعد الأخلاقية للعمل الإعلامي بعيداً عن التزوير والتحريض والحملات المغرضة المخطط لها والتي تستهدف تشويه الصورة عند الناس.
لننتقل من العموميات إلى التخصيص، أي ما يتعلق بالأحداث التي تجري على الساحة العربية، فإن الإعلام يكون صادقاً وسليماً وموضوعياً حين يُمكِّن العرب من نشر ونقل كل ما يجسد قضايا الأمة في مختلف المجالات، السياسية والروحية والثقافية والقومية والتراثية والحضارية، و يتصدى للإعلام المعادي الذي يشوه صورة العرب وقيمهم الحضارية، ويعمل على بثّ الفرقة والفتنة بين أبناء الشعب الواحد، مثلما يعمل على إيصال صورة مشوهة عن الأحداث التي تجري في الوطن العربي بما يخدم مصالحه، وبكل أسف هناك أيضاً فضائيات عربية وأفلام إعلانية عربية وأقلام تصب في ذات الاتجاه لاسيما أولئك الذين يحرضون بما يسهم في توتير وتسميم الأجواء في هذا القطر العربي أو ذاك مما يعرضه إلى عدم الاستقرار ويصيبه في اقتصاده وقد تصل الأمور إلى سفك دماء أبنائه. فالإعلام العربي بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية يتحمل مسؤولية كبرى في توعية المواطن العربي بالمسارات الموضوعية للأحداث العربية والتوجيه السليم للمواطنين العرب عبر وضعهم في الصورة الحقيقية للحدث ونتائجه وانعكاساته، مثلما يتطلب من هذه الوسائل أيضاً نقل صورة الحدث إلى العالم وهذه مهمة أساسية للإعلام العربي، عليه القيام بها، وتتعلق بإيصال قضايا الأمة العادلة إلى الرأي العام الدولي ويأتي في مقدمتها قضايا التحرر الوطني والقومي، وفي مقدمتها قضية الصراع العربي الصهيوني، والاحتلال الإيراني لعدد من الأقطار العربية، وسعيها الحثيث لبث روح لتفرقة ولتجزئة والطائفية، وتهدد الأمن والاستقرار في منطقة هي من أكثر المناطق في العالم حساسية وأهمية، مثلما يتوجب على وسائل الإعلام العربية الدفع باتجاه التحرر من التبعية وبناء الدولة القومية، وهذه مهمة تاريخية يتوجب على الإعلام العربي العمل على تنفيذها، من خلال البث المستمر الذي يتولى التأكيد على مصالح الأمة العربية العليا ويمارس تأثيره التعبوي على الجماهير العربية في هذا الاتجاه، ويتصدى للرد وتفنيد ما يصدر عن وسائل الإعلام المعادية للعرب. قد يقول قائل إن الإعلام الغربي يتفوق بأدواته وإمكاناته، فإن ردنا على ذلك، نعم إن الإعلام الغربي يتفوق على الإعلام العربي،
ولكن يجب أن يكون ذلك حافزاً لتطوير قدرات الإعلام العربي والذي يجب ألَّا ينخرط في ترويج أهداف الإعلام الغربي مثلما يحصل أحياناً، ونحن في هذا الحال لا نظلم ولكن نشير إلى أمور واقعة، بخاصة فيما يتعلق بالأحداث الجارية في العراق وسورية واليمن ولبنان. إننا نؤكد على أن تكون رسالة الإعلام العربي هدفها إبراز الحقيقة، ومخاطبة الرأي العام الوطني والقومي والعالمي بلغة العصر، وإيصال ما هو حقيقي وسليم، كما أن عليه أن يقف لخدمة القضايا العربية العادلة للأمة.