المعالجات الفكرية لبعض شؤون النضال القومي والاشتراكية في خطاب الرفيق القائد المجاهد عزة ابراهيم لمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد البعث 

المعالجات الفكرية لبعض شؤون النضال القومي والاشتراكية في خطاب الرفيق القائد المجاهد عزة ابراهيم لمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد البعث 

الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق 

مدخل:

لم تنتج الأمة العربية في تاريخها الحديث حزبا عربيا منطلقاته فكرية أصيلة نابعة من صميم حاجات الواقع العربي مدركة لتناقضاته وارهاصاته المختلفة و دارسة مجتهدة لوضع الفكر في خدمة التغيير المنشود سوى حزب البعث العربي الاشتراكي.فالبعث حركة تغيير ثوري جذري شامل تهتدي بفكر قومي حضاري علمي موضوعي يتسم بالأصالة التي تعني ان النظرية تنبع من البيئة العربية وانها تستجيب لها ولعوامل استبدالها الى نقائض المتناقضات القائمة فتصارع الجهل لتلد المعرفة وتواجه الفقر لتبدله بثراء المادة والروح وتقاتل الاستغلال بعدل الاشتراكية وتصوب جهدها للاستلاب لتحل محله الحرية والكرامة والديمقراطية .البعث أول حزب عربي فكره عربي وأدواته عربية لا شرقية ولا غربية وطرائقه تنفتح على ثوابت العلم والبحث العلمي التي تقول بالافادة من موروث الامة العربية ومن النظريات والمعارف الانسانية بكل سبل الأخذ والعطاء المعروفة .

المرتكزات النظرية للبعث ولمناضليه:

عمل البعث جاهدا على توحيد الفكر البعثي مع ممارسة البعثيين أفرادا وتشكيلات تنظيمية مختلفة عبر عمل ثقافي دؤوب ومتواصل تصاعديا ولذلك نجد ان معظم البعثيين يمتلكون المعرفة بالاسس الفكرية والنظرية لعقيدتهم ومضامينها الوحدوية القومية الاشتراكية التحررية .و البعثي يدرك عادة سمات البعث التي حددها الحزب بالعلمية والشعبية والثورية والاخلاقية ويفهم في جدل الترابط بين الاهداف الثلاثة المقدسة (الوحدة والحرية والاشتراكية )ويجادل البعثيون بكفاءة في موضوع العلمانية المؤمنة وافتراقها والبون الشاسع بينها وبين العلمانية التي توصف بالالحاد ويدركون الحدود الاساسية للاشتراكية العربية تفريقا لها عن الاشتراكية الشيوعية ويفهمون في اسس الانقلاب على الذات ويميزون بين هذا الانقلاب التربوي السلوكي الاخلاقي المعني بذات الانسان وينتج الثورة العظمى التي يتحقق فيها التغيرات الجذرية لكل مكونات التخلف والجهل واليأس والقنوط وبين الانقلاب العسكري الذي يغير عادة السلطة ويستبدلها بسلطة أخرى .ويمكن لاي بعثي أمسك بناصية الثقافة البعثية أن يحدد صلة البعث بالدين والتراث وان يطلق العنان للتعبير عن زهوه بالربط البعثي المبدع لصلة الحزب بالدين كرسالة وكجذور للارتواء بالايمان في صناعة الانسان والتنظيم الرسالي دون أن يسعى الحزب لمنافقة الدين كما فعلت الاحزاب الاسلاموية .البعثي عموما يمكنه التنظير ولو بأدنى حدود مقومات التنظير لصلة القومية بالانسانية ولصلة الحاضر بالتاريخ ويفهم التنمية بروافدها المختلفه ودورها في بناء الانسان الذي يعتبره الحزب هدف و وسيلة وغاية.والبعثيون يعرفون تماما لماذا اعتنقوا مبادئ البعث وعقيدته ورسالته القومية الخالدة .

ان من يعتمد القراءة المدققه الفاحصة المتأنية المستندة الى ثوابت التقصي والتحليل العلمي لخطاب الرفيق القائد عزة ابراهيم في ذكرى ميلاد البعث الثالثة والسبعين سيجده يغوص في بحور الفكر ويغرف من هذه البحور انجازات وتطبيقات ومواقف وقرارات أكدت ان الفكر ينتج الوقائع وان الوقائع تثري الفكر وتجدده وتوسع روافده وتفتح المزيد من النوافذ على انفتاحه على القريب والبعيد في عمليات النسغ المتبادلة دون تكبر وبعيدا عن الوقوع في متاهات الاحساس بالتخلف والضعف و جلد الذات .خطاب نيسان ٢٠٢٠ وثيقة بعثية قومية انسانية فكرية عرضت أخطر ما تعرضت له الامة في العصر الحديث والمعاصر بربط فكري ينساب برشاقة تستفز القارئ المتعمق وتحرك أعماقه و ظاهر يبرق جليا لكل ذي بصر وبصيرة وعرضت وتطرقت الى أخطر و أعظم ما انتجته الامة ،وخاصة في تجربة البعث في العراق، أيضا بروح مرتكزة الى فكر البعث ومستعينة به وتضيف له كما هائلا ونوعا جديدا متجددا باقتدار لا تنتجه الا عرين الاسود ومعاناة الجهاد وتوسد البندقية وتوسد كتابين هما القران المجيد وفي سبيل البعث .

الربط بين اهداف البعث في خطاب القائد :

يقول الرفيق القائد في الخطاب 

((البعث عبر مسيرته الطويلة التي مضى عليها ثلاث وسبعون عام قد حقق انتصارات فكرية وعقائدية وثقافية وتربوية هائلة …فهو الوحيد في الامة من ربط ربطاً عضوياً بين وحدة الامة وحريتها وعدالتها الاجتماعية أي ربط بين الاشتراكية والقومية وأكد على حقيقة ان الاشتراكية يجب ان تكتسب سماتها ومعالمها وحيويتها وتراثها من ظروف الامة الزمانية والمكانية ومن بيئتها الوطنية والقومية))

وأول ما يلفت الانتباه في هذا النص هو استخدام القائد لعملية ربط بين كلمة انتصارات وبين مصطلحات محددة هي مصطلحات ومفردات فكرية أي بمعنى انه اكد على ان للفكر انتصار وللعقائدية انتصار بمعنى ان ثمة نصر تحققه العقيدة وانتصارات ثقافية وتربوية وهو هنا يشير الى ان البعث قد حقق انتصارات في الثقافة والتطبيقات والنظرية البعثية للتربية وليس فقط انتصارات في التنمية مثلا .ان هذا الاستخدام الذي يتسم بالجدة (على حد علمنا )هو نقل خلاق لهذه المفردات ذات الافاق النظرية او التي يطغي عليها السمة النظرية الى بيئتها الميدانية التنفيذية من جهة ومن جهة أخرى فهو استخدام ابداعي كونه يؤشر الصلة العضوية بين فكر البعث وبين سعيه الحثيث ونجاحه في تطبيقه كونه فكر مشتق من الواقع .

وعموما ، يجدد القائد في النص أعلاه احدى علامات التفرد الفكري لحزب البعث العربي الاشتراكي الا وهي ربط الحزب العضوي الجدلي بين أهدافه الثلاث حيث لا وحدة عربية دون حرية الانسان والوطن وديمقراطية منبثقة من الارث الاجتماعي الاخلاقي للامة تنأى عن الديمقراطية الليبرالية حيث تتسم بثوابتها الاخلاقية والدينية وبمرتبطة ارتباطا صميميا بارث الامة الاجتماعي والحضاري وكذلك لا وحدة دون قواعد عدل تحقق رفاه الفرد والمجتمع وتنمي الدخل القومي وتطور مؤسسات الانتاج العام والشخصي المحدد بتعريف عدم العبور الى مستوى استغلال الاخرين .البعث هنا وحدوي دون انغلاق على حدود المشتركات القومية من جغرافية وتاريخ ولغة وثقافة بل يتعداها الى تاطيرها بالحرية وبالاشتراكية التي تنبع وتنمو وتتطور من ثنايا وطيات الواقع العربي القائم وبصلة حية بارثه وبمنتجاته الثقافية التي لا تلغي الفرد لتنتج ديكتاتورية الجماعة ولا تحبس النظام العام كنظام شامل بقيود تكبل انطلاقته الحية التي تخدم العام المجتمعي غير المتجاوز لحقوق الفرد الشخصية على خلاف تجارب اخرى تسحق الفرد .واشتراكية البعث العربية أيضا هي قومية لا تاخذ كامل مدياتها الا بتكامل ثروات الامة البشرية والاقتصادية ماءا وارضا وسماء .

ويقول الرفيق القائد في الاقتباس أدناه من الخطاب :

((ان اشتراكية البعث قومية عربية مؤمنة ان عقيدة البعث مرجعيتها عقيدة الامة العربية وفكر البعث هو فكر الامة المتجذر والمطبوع والمولود من عقيدتها وفكرها ومبادئها وقيمها وتراثها وهو منفتح على فكر الامم كما هي اشتراكيتنا منفتحة على تجارب العالم))

فهو يؤكد هنا حماه الله على صلة الاشتراكية بالايمان لابعاد النظره الالحادية للاشتراكية التي ارتبطت بالاشتراكية الماركسية فاشتراكيتنا ليست شيوعية والاشتراكية ليست فكرا شيوعا في الاساس بل اننا نجد له قوائم ومكونات في تراث الامة وفي الرسالات السماوية المباركة التي حملتها أمتنا وخاصة رسالة الختم المحمدية المباركة .والاشتراكية بمعناها ومضامينها العلمية هي منتج بحثي علمي انساني قابل للتعديل والاضافة والتبديل والاشتقاق منه في مفاصل معينه منها أي ان النظرة الى الاشتراكية على انها بنت عقيدة اسمها الشيوعية هي نظرة قاصرة تماما .لقد برهن البعث قطعا ان الاشتراكية العربية هي مسار قومي يعبر عن حاجات العرب وينبع من بيئتهم وارثهم وتطلعاتهم لحياة حرة كريمة مزدهرة وهذا ما بلغه خطاب القائد.