تأريخ العصابات البرزانية والطالبانية وتآمراتهم على العراق

﴿ الجزء الثاني

 
 

شبكة المنصور

نبيل ابراهيم

من الشخصيات الكردية  البارزة والتي لعبت دورا ايجاريا ومشرفا في التاريخ الكردي نذكر القائد الشهير صلاح الدين الأيوبي الذي خاض حروبا مظفرة ضد الدويلات الصليبية في بلاد الشام وحرر القدس مسجلا أروع الفصول في التاريخ الإسلامي. كذلك يذكر لنا التاريخ الإسلامي علماء أكراد كان لهم أثرا كبيرا منهم الإمام احمد بن تيميه والمؤرخ الكبير ابن الأثير والعالم الفقيه ابن حجر,ومن الشخصيات الكردية في التاريخ الحديث هناك أمير الشعراء احمد  شوقي, فيما يذكر لنا التاريخ من النساء الكرديات النابغات في ميادين العلم والمعرفة, شهده الدينورية و عائشة التيمورية و أسماء و جويرية ابنتي محمد الهكاري.

 

من خلال مرورنا السريع على تاريخ الأكراد وعلى كتابات المؤرخين والباحثين نستطيع أن نؤكد نقطتين  مهمتين هي  أن كل الحضارات والإمبراطوريات التي نشأت خلال هذه الحقب التاريخية لم تترك شيئا يدل على وجود حضارة أو شعب أو قومية بأسم  الأكراد والنقطة الثانية التي يمكن استخلاصها  هي أن  هذه الشعوب الكردية لم تكن في يوم متفقة فيما بينها وكان اغلب قادة وشيوخ العشائر الكردية  في حالة صراع مصالح دائم مع بعضهم البعض, وقد حملت التمردات الكردية عناصر فشلها لأنها لم تكن مستندة إلى إيمان منبثق من تبلور للوعي القومي أو الوعي السياسي فيما بينهم كما كان ينقصهم التعاون وكانت تسود  اغلب شيوخ وزعماء العشائر الكردية حالة من عدم الثقة و الخيانة فيما بينهم لتمسك كل واحد منهم بمصالحه الذاتية حيث كان كل زعيم كردي يهتم بمصالحه وامتيازاته غير معني بدعوات الزعماء الآخرين وان اغلب تلك التمردات قد أخمدت بسبب خيانة زعماء أكراد آخرين مناوئين بدوافع شخصية وثأرية. كما أن معظم هذه التمردات كانت ناجمة لدوافع إقطاعية بحتة مثل إلغاء بعض الامتيازات والمكاسب التي كان يحصل عليها زعماء القبائل الأكراد الممنوحة لهم من قبل العثمانيين أو أحيانا أخرى بسبب جمع الضرائب الباهظة التي كانت تثقل كاهلهم.

 

بروز الوعي السياسي للأكراد

 

بدأت الحركات السياسية الكردية من عاصمة الدولة العثمانية بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني و صدور الدستور العثماني و تولي حزب الاتحاد و الترقي أمور الحكم في 23 تموز 1908م.

 

وعلى غرار النشاط القومي للمثقفين والضباط العرب في اسطنبول لاحياء القومية العربية والمطالبة بحكم ذاتي كرد فعل تجاه القومية التركية ونتيجة للاتجاهات القومية التي انتشرت بين الشعوب في القرن التاسع عشر الميلادي بادر عدد من النواب الأكراد في مجلس المبعوثان إلى المطالبة بحق الأكراد في الحرية والمساواة و الإخاء و ظهرت جمعيات كردية ثقافية و صدرت صحف كردية لتنمية الوعي القومي.

 

كانت كل التنظيمات الكردية في اسطنبول تقف موقفا إيجابيا من حكومة الاتحاد والترقي فسمحت لها بالنشاط الثقافي على إنها فروع لحزب تركيا الفتاة.

 

عام 1898م اصدر الأمير مدحت بدرخان جريدة كردية وصارت هذه الجريدة لسان حال المثقفين الأكراد , وعلى اثر مرض صاحبها ورئيس تحريرها واصل شقيقه عبد الرحمن بدرخان إصدارها من القاهرة ثم من جنيف ثم من فولكستون وبعد إعلان الدستور العثماني 1908م عادت إلى الصدور من اسطنبول برئاسة الأمير ثريا بدرخان.

 

تأسست أول جمعية سياسية في اسطنبول عام 1908م تحت اسم كردستان تعالى جمعيتي أي جمعية تقدم كردستان على يد مجموعة من الأكراد البارزين مثل الأمير عالي بدرخان والفريق شريف باشا واحمد ذو الكفل باشا كما اصدروا جريدة الترقي والمساعدات الكردية المتبادلة.

 

 في الوقت نفسه تأسست جمعية أدبية فكرية كردية في اسطنبول بأسم جمعية نشر المعارف الكردية , وفي عام 1910م فتحت أول مدرسة في اسطنبول من اجل تعليم أبناء الأكراد في اسطنبول ولكنها كانت باللغة التركية.

 

أقفلت كل هذه المؤسسات من قبل حكومة الاتحاد والترقي بعد إمعان الحكومة في سياسة النتريك فاضطرت جمعية تقدم كردستان مزاولة نشاطها بالخفية.

 

 وبعد الهدنة عام 1918م تشكلت جمعيات أخرى عديدة و أعاد نخبة من الأكراد في اسطنبول إحياء جمعية تقدم كردستان واقتصرت مطالب هذه الجمعيات والمنظمات على الحكم الذاتي للاكراد وتقليص الضرائب وبناء مدارس و توظيف الأكراد بينما لم يكن لهذه الجمعيات أي تأثير في باقي أنحاء المناطق الكردية الغارقة في الجهل والبعيدة عن مركز نشاط هذه الجمعيات.

 

عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء و هزيمة الدولة العثمانية شعر فريق من الزعماء الأكراد بأن الحلفاء يبيتون لهم سوءا اذ عزموا على إنشاء دولة أرمينية تمتد حدودها من ساحل بحر قزوين حتى ساحل البحر الأسود وتنحدر غربا حتى ساحل البحر المتوسط فتشمل مناطق طرابزون و ارضروم و ديار بكر وهي المناطق التي يؤلف الأكراد غالبية سكانها.

 

لذلك نشط الحزب الوطني في اسطنبول الذي يرأسه الأمير عبد القادر شمدينان مع أبناء بدرخان لاقناع الحلفاء بتوحيد مناطق الاكراد ومنحهما حكمما ذاتيا, كما اخذ الجنرال شريف باشا السليماني والمقيم في باريس على عاتقه الجماعات السياسية الكردية في مؤتمر الصلح في باريس في 22مارس 1919م وقدم مذكرتين إلى ذلك المؤتمر ضمنتها المطالب الكردية.

 

معاهدة سيفر

 

فرض ممثلو  الحلفاء على الحكومة العثمانية المنهزمة معاهدة سيفر في 10 آب 1920م مقتضاها

 

منح الجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان
الاعتراف بكل من سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب
الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.
اعتبار مضائق البسفور و الدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.

 

وكذلك نصت المعاهدة على  تأليف حكومة أرمينية في ولايات طرابزون و ارضروم و وان فيما أشارت هذه المعاهدة الى نوع من الحكم الذاتي للأكراد القاطنين في تلك المناطق المشار إليها وهي طرابزون و ارضروم  و وان , على أن تكون حدودها شرق الفرات وجنوب بلاد أرمينيا تحدها تركيا و سوريا والعراق.

 

واشترط الحكم الذاتي باستفتاء أهالي المنطقة المشار إليها ثم تعرض نتائج الاستفتاء إلى عصبة الأمم لمناقشتها وإصدار قراره في ضوئها, على أن معاهدة سيفر ولدت ميتة فلم يكتب لها النجاح ولك يكتب لها التنفيذ اذ مزقتها انتصارات تركيا الحديقة بقيادة مصطفى كمال اتاتورك الذي دحر اليونانيين و حرر الأناضول وتفاهم مع الفرنسيين ثم عقد معاهدة لوزان في 24 تموز عام 1923م التي قضت على كل أمل في أن يكون للأكراد دولة مستقلة أو اعتراف دولي.

 

فيما انتهى موضوع الأكراد في معاهدة لوزان إلى استبدال نصوص حول وجوب واحترام الحقوق الثقافية والدينية للاقليات بدلا من نصوص الحقوق القومية والحكم الذاتي, وهكذا خرج الأكراد من الحرب العالمية الأولى  وهم موزعون بين أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا إلى جانب اقليات كبيرة في أرمينيا التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي.

 

نصوص المواد المتعلقة بالأكراد في معاهدة سيفر

 

المادة 62

تتألف اللجنة المقيمة في القسطنطينية من ثلاثة أعضاء ترشحهم رسميا حكومات بريطانيا و فرنسا و إيطاليا وخلال الأشهر الستة التي تعقب توقيع هذه الاتفاقية تقدم اللجنة خطة للحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تقطنها أغلبية كردية شرقي نهر الفرات و جنوب الحدود الأرمينية التي يمكن تحديدها فيما بعد, كما تثبت في الفقرات 27 , 11 , 2 , 3 , وإذا ما أخفقت هذه اللجنة قي الوصول إلى قرار إجماعي حول أي مسالة من المسائل يقوم كل عضو من أعضائها بطرح المسألة على حكومته و سوف يتضمن المشروع ضمانا تاما لحماية الآشوريين والكلدانيين وغيرهما من الاقليات القومية أو العرقية في هذه المنطقة , وتحقيقا لهذا الغرض ستقوم لجنة تشمل بريطانيا و فرنسا وإيطاليا وإيران بزيارة هذه المناطق للتحري و إقرار الإصلاحات إذا ما وجد منها شئ التي يمكن اتخاذها على الحدود التركية حسب شروط الاتفاقية المتعلقة بالحدود الفاصلة بين إيران و تركيا.

 

المادة 63

توافق الحكومة التركية بهذا على قبول و تنفيذ القرارات المتخذة من قبل اللجنتين المذكورتين في المادة 62 وذلك في غضون ثلاثة اشهر من إبلاغ القرار للحكومات المذكورة

 

المادة64

وإذا حدث خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الأكراد القاطنين في المنطقة التي حددتها المادة 62 إلى عصبة الأمم المتحدة قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا وفي حالة اعتراف عصبة الامم أن هؤلاء السكان اكفاء للعيش حياة مستقلة و توصيتها بمنح هذا الاستقلال فان تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة وستكون الاجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء و تركيا, واذا ما تم تخلي تركيا عن هذه الحقوق فأن الحلفاء لن يثيروا اي اعتراض ضد قيام اكراد الموصل بالانضمام الاختياري الى هذه الدولة.

 

من خلال ما تقدم نستنتج أن معاهدة سيفر التي يتشدق بها القومجيون الاكراد ما هي الا عبارة عن اعتراف بحكم ذاتي لمناطق كردية محددة اغلبها تقع في الاراضي التركية . بينما لم تمنح هذه المعاهدة الاكراد القاطنين في سوريا او ايران او العراق اي نوع من الحكم الذاتي سوى ما جاء بالمادة 64 , والتي تقول بأن الحلفاء سوف لن يثيروا اي اعتراض ضد قيام اكراد الموصل بالانضمام الاختياري , علاوة على ذلك فأن هذه المعاهدة اصلا الغيت وحلت محلها معاهدة لوزان والتي لا تعترف سوى بوجوب احترام الحقوق الثقافية والدينية لللاقليات القاطنين في المناطق المذكورة بضمنهم الاكراد.

 

والان بعد أن قدمنا خلاصة لحياة الاكراد وظروفهم السياسية في المنطقة سناتي الى شرح مطول حول الظروف السياسية الخاصة بحياة اكراد العراق منذ نشاة الدولة العراقية الحديثة بعد اتفاقيات سايكس بيكو  و الى يومنا هذا وسنبدا من حركة الشيخ محمود الحفيد.

 

حركة محمود الحفيد البرزنجي

 

بدأت عمليات التمرد الكردي المسلح في العراق الحديث مع المحاولات الأولى لإنشاء الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي على يد محمود الحفيد البر زنجي .

 

ينتمي هذا إلى أسرة كردية لها نفوذ ديني بين سكان مدينة السليمانية وكانت الدولة العثمانية آنذاك في صراع مع بريطانيا للحفاظ على وجودها في العراق , فعمد الأتراك الى استعمال محمود الحفيد ( لما يتمتع به من نفوذ ديني وقبلي بين ابناء المنطقة) في صراعهم مع البريطانيين فأمدوه بالمال والسلاح ووضعوا تحت تصرفه فوج عثماني بكامل تجهيزاته العسكرية عام 1918م كما عينوا الحفيد متصرفا في شؤون لواء السليمانية بكامله, لكن وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية في الحرب وانتصار بريطانيا , انضم  الحفيد الى الطرف الذي كسب الحرب, فتصل بالإنكليز بصورة سرية وتعهد لهم بتسليم لواء السليمانية بكامله لهم بل وبتسليم الفوج العثماني الذي كان تحت تصرفه, لقاء امتيازات خاصة يحصل عليها من البريطانيين.

 

رحبت بريطانيا على الفور بعرض الحفيد وقامت بارسال مندوبين عنها من كبار الضباط لاجراء مفاوضات معه في 6تشرين الثاني 1918م , لتسهيل دخول القوات البريطانية الى السليمانية واستقبلهم الحفيد بحفاوة بالغة. واعلن تسليم لواء السليمانية الى القوات البريطانية في تشرين الثاني 1918م ولم يكتف بذلك بل سلم لهم الفوج العثماني الذي كان تحت امرته, بضباطه وجنوده , فوقع هؤلاء اسرى في يد القوات البريطانية بعد أن كانوا سندا وحماية للحفيد, وبالمقابل كافئته بريطانيا بتعيينه حاكمدار على لواء السليمانية  مع راتب قدره 51 الف روبية, لكنهم عينوا معه الرائدين نوئيل و دانليس مستشارين له ( وكما حصل الان بالعراق حيث قامت دولة الاحتلال امريكا بتعيين الخونة من العراقيين وزراء في حكومة شكلتها امريكا نفسها وعينت معهم مستشارين امريكان).

 

مع مرور الايام لم يرض الحفيد بما حصل عليه من بريطانيا واعتبره ذلك غير كاف مقابل ما قدمه من خدمات لها , فهو كان يتطلع الى اكثر من أن يكون مجرد والي على السليمانية , بل كان يتطلع الى حكم المزيد من المناطق والمزيد من النفوذ والسلطة, فقرر مواجهة بريطانيا ظنا منه انه سيحصل على المزيد, وبدا البرزنجي يتصل بالحركات المناوئة للنفوذ البريطاني في العراقلا سيما منطقة شرناك الواقعة جنوب شرق الاناضول على الحدود السورية العراقية مما دفع الانكليز الى التفكير في التخلص منه, واستقر رأيهم على تعيين الميجور سون حمكما سياسيا على السليمانية في اذار 1919م لتقليص نفوذ الحفيد, فما كان من هذا  الاخير الا أن يختار العمل العسكري المسلح والمباشر للرد على تلك الخطوة البريطانية (لاحظ انه تمرد على الانكليز بعد أن خسر منصبه مباشرة),  مستعينا بقرقة عسكرية تسمى الشبانة وساندته في ذلك القبائل الكردية في ايران.

 

 

حقق البرزنجي في البداية بعض الانتصارات العسكرية واستطاع أن يعتقل الضباط الانكليز في بيوتهم وتولى هو و فرقته العسكرية السلطة المطلقة وقطع الخطوط السلكية في كركوك واستولى على قافلة تحمل اسلحة و ذخائر و اموال كانت متجهة الى كفري , واستولى ايضا على حلبجة في مايو 1919م , وبهذا استطاع الحفيد أن يوسع منطقة نفوذه وضم مناطق رانيا و حلبجة و كويسنجق .

 

على اثر ذلك وجه المندوب السامي البريطاني دعوة للحفيد للقدوكم الى بغداد من اجل بحث الاوضاع ومناقشتها وصولا الى حل يرضي الطرفين, لكن الحفيد رفض الدعوة , فسارع المندوب البريطاني الى توجيه انذار جديد الى الحفيد يتوجب عليه حضوره الى بغداد خلال مدة خمسة ايام والا فسوف تتخذ بريطانيا الاجراءات العسكرية الازمة ضده وايضا رفض الحفيد الانذار البريطاني.

 

ازاء ذلك سيرت بريطانيا حملة عسكرية كبيرة في المناطق الكردية في تموز 1919م بقيادة الجنرال فريزر, واحاطت هذه القوة العسكرية البريطانية بالحفيد وبفرقته وحاصرته في دربندبازيان, وتمكنت من اسره بعد اصابته بجراح اثناء المعارك كما اسرت العديد من اتباعه وارسلتهم جميعا الى بغداد وسيطرت القوة البريطانية على السليمانية تماما.

 

في بغداد تم الحكم على الحفيد بالاعدام لكن الحاكم البريطاني امر بتخفيف الحكم الى سجن عشر سنوات مع الننفي الهند.

 

عام 1921م جرى استفتاء عام في كل انحاء العراق لتنصيب الامير فيصل بن الحسين ملكا على العراق, رفض الاكراد في السليمانية المشاركة في الاستفتاء واعلن الشيخ قادر شقيق الحفيد مطالبته بحكم مستقل و رفض فكرة الانضمام الى العراق.

 

كانت تركيا تراقب الوضع في العراق بين الاكراد وبين الحكومة في بغداد وارادت أن تستغل الغضب الكردي للضغط على بريطانيا من اجل حل مشكلة الموصل المتنازع عليها بين تركيا و بريطانيا, فحشدت قواتها عاقدة العزم على الدخول في مواجهة مسلحة ضد القوات البريطانية مستفيدة من وجود قوات الشيخ قادر شقيق الحفيد بجانبها, وقد نجح الاتراك بالفعل في احتلال بعض المدن والقصبات مثل كويسنجق و هددوا مدينة عقرة واندفعوا باتجاه العمادية.

 

هنا فكرت بريطانيا في الاستعانة بالحفيد واستعماله من جديد خدمة لمصالحها ليقف امام المد التركي, وكذلك ارادت بريطانيا أن تضغط على حكومة الملك فيصل لكي توقع المعاهدة العراقية البريطانية الاولى والتي وقعت بالفعل عام 1922م, فعملت على  أعادة الحفيد  من منفاه الى السليمانية عام 1922م وعينته رئيسا للمجلس المحلي ثم حاكما عاما , وبدا الحفيد ينظم صفوف قواته  ويوسع نفوذه, لكنه شعر أن بريطانيا ستتخلى عنه بعدما انجز اهدافها فبادر للاعلان عن نفسه ملكا على الاكراد في نشرين الثاني 1922م وعلى اثر ذلك ارسلت بريطانيا حملة عسكرية لنزع سلطته بعد بضعة اشهر.

 

وعلى اثر الغاء معاهدة سيفر عام 1920م ,  وخلو معاهدة لوزان 1923م من اية اشارة الى منح الاكراد حق الحكم الذاتي الوارد في معاهدة سيفر, وفي محاولة من بريطانيا لتهدئة الاوضاع بشمال العراق, بادرت الحكومة الملكية العراقية بأيعاز من بريطانيا لاصدار بيان تتعترف فيه بحق الاكراد القاطنين بالعراق بالحصول على الحكم الذاتي في مناطقهم, فلم يهتم الحفيد لهذا البيان واستمر في العصيان العسكري المسلح , ولهذا سيرت الحكومة المركزية في بغداد حشدا عسكريا للقضاء عليه , وتمكن الجيش العراقي بالفعل من اعادة السليمانية في تموز 1924م بيد أن الحفيد استعاد السليمانية , فاعادت الحكومة الكرة مرة اخرى , وهذه المرة استرجعت السليمانية واجبرت الحفيد للهرب واللجوء الى الجبال كعادة الاكراد دائما وابدا, وتم تعيين احد الاكراد الموالين للحكومة متصرفا للواء السليمانية ,  فاستتب الامر الى حين.

 

الحفيد يتخلى عن حركته وعن رجاله مقابل رد املاكه الشخصية........استمر الحفيد هاربا في الجبال يمارس من هناك عصيانه العسكري حتى تشرين اول عام 1926م حيث عقد اجتماع مع مستشار وزارة الداخلية في بغداد وجرى اتفاق وقعه الحفيد بنفسه تعهد بموجبه أن يترك العصيان العسكري وان  يعيش هو و افراد عائلته خارج العراق مقابل اعادة كافة املاكه الشخصية له وتعيين وكيل من يعينه الحفيد بنفسه لادارة املاكه الخاصة, وهكذا غادر الحفيد السليمانية وترك كل شعارته التي كان ينادي بها وضرب كل مبادئه عرض الحائط مقابل استرجاع املاكه الشخصية,( والخاسر الوحيد هم من كان يقاتل معه من المواطنين  الاكراد الذين قتل منهم من قتل في المعارك والذين اسر وسجن قسم منهم او من اللذين تشرد جراء عمليات الحروب ). وعاش الحفيد في ايران في قرية بيران فيما هدأت الاوضاع في كردستان العراق حتى عام 1930م.

 

نظمت الحكومة العراقية في صيف عام 1930م انتخابات في المناطق الكردية فوقعت اشتباكات مسلحة قتل فيها اكثر من 45 شخص وجرح حوالي 200 شخص, فاستغل الحفيد هذه الاحداث مرة اخرى وعاد الى السليمانية واعلن عن مجموعة من المطالب منها ترك الحكومة العراقية المناطق من خانقين الى زاخو ليتولى هو حكمها, فلم تعجب هذه المطالب الحكومة العراقية , فقامت الاخيرة بتوجيه انذار للحفيد بوجوب مغادرة العراق وسحب عناصره المسلحة والعودة الى ايران والتمسك بالتعهد الذي وقعه بنفسه عام 1926م , لكن الحفيد تجاهل الانذار, ومضى في توسيع منطقة سيطرتهو مما دفع الحكومة الملكية في بغداد الى الطلب من المندوب السامي أن يوعز للقوة الجوية البريطانية للتهيؤ لقمع اعمال العصيان العسكري , وبالفعل توجهت قوة عسكرية واستمر القتال حتى اذار 1931م حيث سيرت الحكومة قوتين ضمت رتلين عسكريين توجه الرتل الاول نحو (جوارتة) قيما توجه الرتل الثاني نحو (بنجوين) كما شاركت الطائرات البريطانية في الحملة واستمرت المعارك لمدة عدة اشهر انتصرت فيها القوات الحكومية الملكية في مايو 1931م , وانهت التمرد المسلح للحفيد وسلم الحفيد نفسه للحكومة حيث فرضت الحكومة عليه الاقامة الاجبارية في مدن جنوب العراق , حيث نقل الى مدينة السماوة ثم الى مدينة الناصرية واخيرا نقل الى قصبة عانة ثم سمحت له الحكومة بالاقامة في بغداد كما قررت مصادرة كافة املاكه الشخصية في السليمانية.

 

ظل الحفيد قيد الاقامة الاجبارية بعيدا عن مدينة السليمانية حتى نشوب ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م حيث عاد الى السليمانية هاربا من الجنوب او بموافقة حكومة الكيلاني وهدد مرة اخرى برفع السلاح ما لم يسمح له بالعيش في مدينتهالتي استقر بها حتى توفي عام 1956م اثر مرض الم به ودفن هناك.

 

وبموته اسدل الستار على فصول اولى حركات التمرد والعصيان العسكري الكردي ضد الدولة العراقية الحديثة وسنشهد لاحقا فصولا اكثر دموية واكثر خيانة للعراق من قبل عصابات كردية ارتضت لنفسها أن تتاجر بدماء ابناء شعبنا الكردي وابطال هذه  التآمرات التي ستحدث هم من عائلة البرزاني والتي مازال هؤلاء يتآمرون على العراق وعلى وحدة العراق.

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وبعد اتفاقية سايكس بيكو كان هناك نوع من صراع مصالح بين بريطانيا من جهة و فرنسا من جهة ثانية للاستحواذ على اكبر قدر ممكن من الاراضي والنفوذ لذلك لجأت فرنسا الى استغلال اكراد العراق فلجأوا الى قبيلة بارزان وبالتحديد الى احمد البرزاني الاخ الاكبر للملا مصطفى البرزاني وامدوه بالمال والسلاح لخلق حالة من الاضطرابات في شمال العراق لاشغال بريطانيا بهذه المشاكل ولتضمن انتدابه سوريا تحت وصايتها في مارس 1931م بدات في منطقة بارزان اضطرابات بين الاكراد من جهة وبين القوات الانكليزية العراقية من جهة ثانية .

 

في 9 كانون اول قامت القوات العراقية بهجوم على منطقة بارزان وتم تسليم شيخ بارزان انذارا حكوميا بالاستسلام لكنه رفض الانذار واستمرت الفصائل الكردية بالعصيان المسلح , ومع مرور الوقت بدأ أسم الملا مصطفى البرزاني يبرز بأعتباره شقيق احمد البرزاني و أحد القياديين في حركته.

 

في 10 اذار 1932م المندوب السامي البريطاني يوجه انذارا اخر لاحمد البرزاني و بدوره يرفض احمد البرزاني مجددا.

 

في 15 مارس 1932م القوات العراقية الانكليزية تشن حملة عسكرية علىقوات احمد البرزاني وتنتصر عليه.

 

في ايار 1932م تصدر تركيا قانون لتهجير الاكراد وتفريقهم حتى يصعب عليهم القيام بأعمال تخريب وعصيان مسلح, كما تحكم على 30 كرديا بالاعدام وعلى 58 اخرين بالسجن المؤبد.

 

في تموز 1932م يسلم احمد البرزاني نفسه للقوات التركية , فيما تقوم تركيا بعقد اتفاق بينها وبين الحكومة العراقية لتامين الحدود بين البلدين سمي اتفاق شيروان وعلى اثره تركيا تقوم بتسليم احمد البرزانيالى الحكومة العراقية شرط الابقاء على حياته.

 

عام 1937م يتم التوقيع على اتفاق سعداباد بين كل من العراق و تركيا و ايران و افغانستان حيث قضت مادته السابعة أن يلتزم كل طرف من الاطراف المتعاقدة باتخاذ الاجراءات ضمن نفوذه ضد نشاطات العصابات المسلحة التي تحاول تقويض المؤسسات القائمة او تهدد النظام والامن في اي منطقة او على اراضي الطرف الاخر المتعاقد.

 

الملا مصطفى البرزاني

 

هو مصطفى بن الشيخ محمد البرزاني مواليد عام 1903م , سمي بالملا لمكانة عائلته الدينية التي ورثتها عن اجداده.

لديه ثلاقة ابناء هم..

 

ـ عبيدالله  الابن البكر له و شكك في موقف والده من مفاوضات الحكم الذاتي التي جرت بين النظام الشرعي الوطني للعراق وبين والده و فر الى بغداد عام 1974م واعلن هناك أن البرزاني الاب لا يريد اتفاقا للحكم الذاتي.  ـادريس  ولد عام 1944م وكان احد قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني و تولي الشؤون السياسية, كلفه والده بالنيابة عنه بالتفاوض مع الحكومة العراقية على رأس وفد كردي عام 1974م و توفي في قرية سيلفانة في اذربيجان الغربية الايرانية بالسككتة القلبية في 31 كانون الثاني 1987م   ـ مسعود ولد عام 1946م  خلف والده في زعامة الحزب , بدأ حركاته التمردية من الحدود الايرانية في تموز 1979م مع القوات الايرانية.

 

من عمر مبكر مارس مصطفى البرزاني العصيان المسلح فقد شارك على رأس قوة من مائتي مقاتل مع حركة التمرد التي قادها محمود الحفيد عام 1919م وكان عمره آنذاك 16سنة .

 

سافر الى تركيا مع اخيه احمد البرزاني للتنسيق مع سعيد بيران الذي قاد حركة واسعة ضد حكم اتاتورك و شارك بصحبة اخيه في مقاتلة القوات العراقية عام 1932م وبعد هزيمة اخيه نفي مصطفى البرزاني الى السليمانيةعام 1933م, ليبقى فيها مدة عشرة اعوام وفي عام 1943م يتمكن من الهرب عائدا الى قريته ويبدأ حركة عصيان مسلح جديدة .

 

استطاع البرزاني أن يحصل على الاسلحة بعد سيطرته على الكثير من مراكز الشرطة في شمال العراق ووجه تحذيرا الى حكومة نوري السعيد , لكن نوري السعيد رد بمطالبة البرزاني بالاستسلام الفوري.

 

في اواخر كانون الاول 1943م وافق البرزاني على اجراء المفاوضات مع بغداد وتم عقد لقاء بين مصطفى البرزاني وبين ضباط الاتصال بمنطقة ميركه سور وعرض البرزاني عدة مطالب بينها اقامة منطقة ادارية خاصة تضم اربيل والسليمانية وخانقين و دهوك و تعيين كردي نائبا لكل وزير في بغداد.

 

في 6 كانون الثاني 1945م يتم التوصل الى اتفاق يسمح لاحمد البرزاني و كل قادة الاكراد المعتقلين بالعودة الى بارزان وسافر مصطفى البرزاني الى بغداد لاستكمال الاتفاق الذي لم يتم لكثرة المطالب الكردية مما حدا بحكومة نوري السعيد الى رفضه. فيما استمرت اعمال العصيان المسلح وشنت الحكومة هجوما على مواقعهم في بارزان.

 

في شباط 1945م قدم البرزاني  الى بغداد وطلب السماح له بالذهاب الى منطقته لجمع الاسلحة وانهاء حالة التمرد واذن له , لكنه اخذ يتجول بين القرى ويحث القوم من المساكين على الاخلال بالامن فارسلت حملة عسكريةلتأديبه ففر الى ايران في اب 1945م.

 

عام 1946م يعلن اكراد ايران قيام جمهورية مهاباد ويتم تعيين الملا مصطفى البرزاني وزيرا للدفاع فيها, ولما قضي على هذه الجمهورية هرب مصطفى البرزاني مع مجموعة من رجاله تاركين جمهوريتهم حيث تم اعدام معظم قادة هذه الجمهورية فيما هرب هو برجاله الى الاتحاد السوفياتي وهناك اعتقله السوفيت و نفوه وعمل في احدى مزارع الدولة السوفياتية وكان مسؤولا عن وزن الفاكهة وتم نقله من باكو عاصمة اذربيجان الى طشقند قبل أن يتم استخدامه مرة اخرى. وبأمر من  ستالين التحق بمدرسة تابعة للحزب الشيوعي وقضى معظم وقته في تعلم اللغة الروسية والتدريب العسكريو دراسة الماركسية وكان يلقب بالملا الاحمر.

 

من الجدير بالذكر أن الملا مصطفى البرزاني كان قد اسس الحزب الديمقراطي الكردستاني اثناء وجوده في ايران سمي بالبارتي.

 

حركات التمرد الكردي المسلح في ظل حكم عبدالكريم قاسم

 

بعد ثورة تموز  1958م عاد مصطفى البرزاني الى العراق بعد أن عفا عنه عبدالكريم قاسم و منحه الكثير من الامتيازات منها اعطاءه مسكنا في احد القصور الملكية التي كان يسكنها نوري السعيد والامير عبدالاله و خصصت لهم رواتب شهرية عالية وميزات اخرى كما امر عبدالكريم قاسم مجلس الاعمار بأن يبني مدينة سكنية للاكراد العائدين من الاتحاد السوفياتي في ناحية بارزان وامر أن تصرف لهم رواتب والمعاشات الشهرية و مكن قاسم مصطفى البرزاني من استعادة نفوذه وسيطرته على منطقته.

 

كان هدف قاسم من كل هذا السيطرة على كامل شمال العراق والحؤول دون عمليات تمرد وعصيان مسلح جديدةخاصة بعد أن رأى الزعماء الجدد في العراق أن القضية الكردية جزء من الحركة الوطنية في العراق , اذ شارك الاكراد المثقفين في التخطيط للانقلاب الجمهوري لذلك فانه لدى تعيين مجلس السيادة الثلاثي على اثر الانقلاب كان احد اركانه العقيد خالد النقشبندي ممثلا للاكراد كما كان هناك وزير كردي من اصل عشرة وزراء اضافة الى تعيين ضابط كردي عضوا في المحكمةالعسكرية العليا الخاصة, كما لا تخلو املاءات روسيا للزعيم عبدالكريم قاسم بـشأن الاكراد حيث كان للملا مصطفى علاقات وثيقة بالسوفيت.

 

في 16تموز 1958م اعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني تأييده التام والكامل للحكم الجديد في بغداد في بيان خاص شدد فيه على مصير الشعبين الكردي والعربي في العراق.

 

في 26تموز 1958م تم الاعلان عن الدستور المؤقت للبلاد ونصت المادة الثالثة منه أن العرب والاكراد شركاء وان الدستور يضمن حقوقهم القومية في اطار وحدة العراق هي سابقة تعد الاولى في تاريخ الاكراد الذين شغلوا مناصب عليا في الدولة.

ادى ابعاد قاسم للقوميين العرب عام 1959م واعتماده على الشيوعيين والاكراد الى محاولة الضباط القوميين العرب الى حركة مارس في الموصل التي قادها الشواف وكان احد المشاركين بثورة تموز 1958م والتي استعان عليها قاسم بالشيوعيين والاكراد من انصار البرزاني في الموصل فقضوا على الحركة وقتل الشواف على يد كردي , ويرى المؤرخون أن سرعة تحرك الاكراد الناجمة عن التنسيق والاتصال السريع بين قاسم وبين البرزاني هو السبب في اخماد هذه الحركة.

 

بعد فشل حركة الشواف مباشرة سمح قاسم لاتباع البرزاني بالعودة من الاتحاد السوفياتي الى العراق وعبرت في 7 نيسان 1959م الباخرة الروسية غروزيا قناة السويس وعلى متنها 755 مقاتلا كرديا وقيل انهم 855 تتراوح اعمارهم ما بين الثالثة والعشرين والثالثة والثلاثين مسلحين تسليحا كاملا في طريقهم الى العراق وكان يواكب تلك الباخرة ثلاث اخر هي متشنكوف و نيكولاي و بيجوروف وهي محملة بالاسلحة والذخائر واعلن وقتها انهم اكراد العراق يعودون اليه بعد تحريره.

 

في 14 تموز 1959م اشترك الاكراد المسلحين مع المنظمات الشيوعية في ارتكاب مجزرة كركوك اثناء احتفالات الثورة بعيدها الاول وجرت اصطدامات دموية راح ضحيتها 79 قتيلا معظمهم من التركمان وكانت المصالح المشتركة بين قاسم في محاربة التيارات القومية العربية والدينية( حيث صادفت نفس اليوم ذكرى العاشر من محرم العاشوراء لتلك السنة) ومصالح الاكراد في محاولة زيادة نسبة تعدادهم في كركوك من خلال طرد التركمان الذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة في كركوك.

 

بعد هذه الاحداث توطدت علاقة البرزاني بقاسم اكثر مما شجع البرزاني على تقديم طلب لاشهار الحزب الديمقراطي الكردستاني في 9 كانون الثاني 1960م , واقرت داخلية قاسم الطلب واعلن في 9 شباط 1960م  وكان برنامجه في مجمله يسير على الخطوط الماركسية اللينينية ونص في مادته الثالثةان الحزب ينتفع في نضاله السياسي وفي تحليلاته الاجتماعية من النظرية العلمية الماركسية اللينينية وفي مادته الرابعة أن الحزب يناضل من اجل صيانة الجمهورية العراقية وتوسيع اتجاهها الديمقراطيو تعميقه, كما نص برنامج الحزب على توطيد اواصر الاخوة و الصداقة مع الحزب الشيوعي العراقي.

 

بعد انقلاب قاسم على الشيوعيين وبدءا من اذار 1960م بدأ الجفاء يباعد ما بين قاسم و البرزاني بسبب ضغوط البرزاني بتطبيق المادة الثالثة بحذافيرها وبدأت جريدة خبات الناطقة بلسان الحزب الكردي تهاجم الحكم العراقي , فأغلقت الصحيفة وتمت مطاردة واعتقال اعضاء الحزب الكردي وادت هذه النزاعات الى مغادرة القيادات الكردية السياسية سرا الى شمال العراق و بدأ فصل جديد من فصول التآمر على التراب العراقي من قبل العصابات الكردية حيث قدم البرزاني جملة مطالب منها...

 

ـ جعل اللغة الكردية اللغة الرسمية الاولى في المناطق الكردية

ـ جعل الشرطة كردية بالكامل وكذلك وحدات الجيش المتمركزة بالمناطق الشمالية      كردية بالكامل كما أن الاوامر في وحدات الجيش يجب أن بالكردية.

ـ صرف قسم كبير من العوائد النفطية المستخرجة من كركوك والموصل للاكراد

ـ أن يكون نائب رئيس الوزراء ومساعد اركان الحرب والوزراء المساعدين اكرادا

ـ تستخدم وحدات الجيش الكردية خارج المناطق الكردية بموافقة القيادات الكرديةة فقط

 

كان من الطبيعي أن يرفض قاسم هذه المطالب فيما اعلن البرزاني منطقة كردستان دولة كردية مستقلة.

 

في 6 ايلول 1961م حاصر الاكراد العمادية و زاخو ونقلوا مقر قيادتهم الى اربيل وفي اليوم التالي قصف سلاح الجو العراقي منطقة بارزان.

 

في 4 تشرين اول 1961م سلم احمد البرزاني احمد البرزاني الاخ الاكبر لمصطفى البرزاني نفسه للحكومة العراقية و تعهد بالولاء لقاسم واتاحة الفرصة ليكون وسيطا بينه وبين مصطفى البرزاني, فيما انضم الى التمرد الكردي المسلح العديد من كبار الاقطاعيين الاكراد والاغوات الذين كانوا قد فروا الى ايران بعد ثورة تموز 1958م, كما احتلت البيشمركة الكردية سد دربندخان و حرض القادة الاكراد القبائل الموالية لهم ضد القبائل الموالية للحكومة واعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الاضراب العام في مناطق شمال العراق و في 9تشرين اول 1961م اندلع القتال بين الطرفين واستمر حوالي 17 شهرا متصلا احيانا ومتقطع احيانا اخرى حتى سقوط قاسم.

 

ويلخص الباحثون والمحللون السياسيون اعمال العصيان الكردي المسلح الى أن عدة جهات قد حرضت البرزاني على ذلك منها..   ـ طبقة كبار الاقطاعيين والاغوات الذين شملهم قانون الاصلاح الزراعي و فروا الى ايران فوجدت فيهم طهران  اداة مهمة للتأثير في النظام العراقي الجديد

 

ـ الدوائر الاستعمارية المتمثلة في حلف شمال الاطلسي والادارتين البريطانية و الامريكية و شركة نفط العراق و جميعها تأثرت بثورة تموز 1958م

 

ـ الهاء حكومة قاسم عن المطالبة بالكويت خصوصا أن قاسم حاول استرجاعها ومن الطريف والمهم  بالذكر أن الامريكان قاموا بارسال صفقة اسلحة الى جكومة بغداد عبر تركيا وايران لاستخدامها في القتال ضد الاكراد خلال حكم قاسم عام 1961م...! كما قامت الولايات  المتحدة الامريكيةباسداء النصيحة الى جلال الطالباني (كان آنذاك احد القياديين في الحزب الديمقراطي الكردستاني) بأيقاف عمليات العصيان الكردي  المسلح بقيادة مصطفى البرزاني ضد حكومة بغداد والتي كان قد بدأها عام 1961م وتم تنفيذ ذلك فعلا وقد اوقف البارزاني اعمال العصيان المسلح فعلا.

فيما يلخص احد قادة الاكراد اسباب هذا العصيان المسلح في خطاب القاه امام جمعية الطلاب الاكراد في مدينة هانوفر في المانيا عام 1964م الى الاتي..

 

ـ ارباك الوضع الداخلي في البلاد واضعاف حكومة قاسم في المفاوضات الجارية وقتها بين حكومة بغداد والشركات النفطية الاحتكارية والضغط على حكومة قاسم بغية الاستسلام والتراجع عن المطالب العراقية الوطنية المشروعة

 

ـ اعاقة تطبيق قانون الاصلاح الزراعي في مناطق شمال العراق التي تأثر بها الاغوات الاكراد , كما انه يؤدي الى ضغط الفلاحين الايرانيين على حكومة الشاه من اجل اصدار قانون اصلاح زراعي مماثل .

 

الواقع أن الوقائع التاريخية قد ايدت ذلك حيث اتهم قاسم في مؤتمر صحفي عقد في مبنى وزارة الددفاع بتاريخ 23 اب 1961م الشركات النفطية الاحتكارية بتحريض الاقطاعيين الاكراد والبرزاني على اعمال عصيان مسلح ليمارسوا ضغطا على الحكومة العراقية من مجالين..

 

ـ مفاوضات النفط الجارية وقتها بين الحكومة العراقية و الشركات النفطية الاحتكارية الاجنبية. 

ـ مطالبة العراق بالكويت والانزال البريطاني فيها.

 

كما اتهم قاسم السفارة البريطانية من صرف نصف مليون دينار على هذه الاعمال العدوانية, فيما اعترف السفير البريطانيفي بغداد, همفري تريفيليان بأنه جال في شمال العراق وانه اجتمع مع الشيوخ والاغوات هناك.

بيد أن من اهم نتائج هذه الحركة هي لفت نظر بعض الجهات الغربية الى اتخاذ الاكراد وسيلة للتأثير في الحكم العراقي وللتدخل في شؤون العراق الداخلية لمصلحتها.

 

ـ يتبع ـ

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ١٧ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م