دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة الثامنة ﴾

 

 

شبكة المنصور

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين  وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:


فإن المقلب لصفحات تاريخنا الإسلامي العربي المشرق لاسيما المعارك التي خاضها الرعيل الأول من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام يجد أن أغلب تلك المعارك كانت غير متكافئة من حيث العدد والعدة فدائما المؤمنون أقل من الكفار عددا وعدة لكن النصر يكون حليفهم فالله تعالى لم ينصر عباده بالأسباب المادية بل نصرهم بصدقهم وتكاتفهم فكانت الملائكة تقاتل معهم تارة أو يقذف الله تعالى الرعب في قلوب الكافرين أخرى أو يجتمع الرعب وقتال الملائكة تارة أخرى ولذلك  قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : ﴿ أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ من الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لي الْغَنَائِمُ وكان النبي يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى الناس كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ صحيح البخاري ج1/ص168، فكان جيش الكفار يقذف فيه الرعب قبل وصول جيش المسلمين بشهر.


ومما تجدر الإشارة له هو أن المقاتل يستشعر دوما أن النصر قادم لا محالة فكل يوم يمر علينا نرى أن عدونا يزداد ضعفا ونحن نزداد قوة ، أمريكا فقدت وخسرت حلفائها الواحد تلو الآخر ، أين إسبانيا وأين إيطاليا , وأين الحليف العنيد أستراليا الكل انسحب أو أعلن انسحابه ، ثم نقارن بين القاعدة الشعبية والجماهيرية التي يتمتع بها المجاهدون الأبطال وما آلت إليه حكومة العمالة من الرفض الكامل والتام من كل أبناء الشعب العراقي بكافة أطيافه كل يوم يمر نزداد فيه قوة ويزداد العدو خسرانا.


واعلموا أيها الأبطال أن ساعات الحسم قادمة وقريبة وأن هذا العام هو عام النصر إن شاء الله تعالى
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴿البقرة:٢١٤


ألا إن نصر الله قريب
ألا إن نصر الله قريب
ألا إن نصر الله قريب


واعلموا أيها الأحبة أنه لم تكن جيوش الحق يوما تستلهم قواها من العدد ولا العدة بل كانوا يؤمنون بالمبدأ القرآني في النصر وهو قوله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿آل عمران: من الآية١٢٦ وهذا الأسلوب يسمى في العربية أسلوب الحصر أي ليس النصر بالعدة ولا بالعدد (وإن كنا مأمورين شرعا أن نأخذ بالأسباب) بل النصر من عند الله تعالى حصرا ويبين القرآن الكريم وقائع حصلت غلبت فيها القلة الكثرة يقول تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿البقرة: من الآية٢٤٩﴾ فالنصر حليفنا عند التوكل على الله تعالى وطلب المدد والعون منه وعدم التوكل على الأسباب بل التوكل على رب الأسباب والنظر بهذا المنظار القرآني ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ انظروا أيها الإخوة عندما خرج المسلمون من هذه النظرة القرآنية العظيمة ونظروا إلى القوة المادية التي يتمتعون بها معجبين بها يظنون أن هذه القوة المادية هي التي ستنصرهم  وأعني بذلك يوم حنين يقول تعالى في ذلك: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴿التوبة: من الآية٢٥﴾ هذه الكثرة وهذه القوة لم تغن شيئا أبدا عندما شاءت إرادة الله تعالى أن لا يكون النصر حليف المسلمين ، فنحن لا ننظر إلى إمكانياتنا المادية ولا إلى تسلحنا العسكري بل إلى القلوب المتحابة المتآلفة المترابطة المتوكلة على الله تعالى حق التوكل ، وهنا لا يفوتني أن أبين سنة عظيمة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب ألا وهي ما يسمى في المصطلحات العسكرية بـ (السبق العسكري) أو قل إن شئت (عنصر المباغتة في التكتيك الميداني) وسأعطي على ذلك ثلاثة أمثلة:


أولا: في غزوة بدر ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوبا جديدا في القتال لم يكن معروفا من قبل وهو نظام (الصفوف) حيث جعل ﴿صلى الله عليه وسلم المقاتلين على هيئة صفوف الصلاة ، الصف الأول أصحاب الرماح الصف الثاني أصحاب النبال مع وجود قوة احتياطية بيد القائد العام يعالج بها المواقف السريعة .


ثانيا: في غزوة أحد سبق النبي عليه الصلاة والسلام المشركين إلى أحد وجعل ظهر الجيش إلى جبل أحد ووجهه إلى المدينة ووضع الرماة على إحدى التلال القريبة من جبل أحد ويسمى (جبل عينين) فأخذ المرتفع من الأرض وأجبر عدوه على أن ينزل في الأماكن المنخفضة ، ولا شك أن هذا المكان الاستراتيجي في الحروب التقليدية يعطي قوة للجيش فجاذبية الأرض هنا تقاتل مع الجيش في الأماكن المرتفعة على حساب الأماكن المنخفضة .


ثالثا: السبق العسكري الفريد في غزوة الخندق عندما  حفر المسلمون خندقا في السهول الواقعة شمال المدينة لأنها وحدها كانت الجهة المكشوفة للعدو ويمكن أن يتسلل منها وهو الذي أشار به سيدنا سلمان ﴿رضي الله عنه وكانت العرب لا تعرف مثل هذا النوع من التحصن في الحروب.


هذه سنة عظيمة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب (السبق العسكري) ندعو أحبابنا وإخواننا أن يقتدوا هذا الأثر العظيم ويباغتوا العدو دوما بما لا يتوقعه منهم ويفكروا دائما بعمليات نوعية تهزم العدو وتزعزع معنوياته ، العدو اليوم ألف طرقنا التقليدية في قتاله (العبوات والصواريخ والقنص) لكننا إذا باغتناه بطرق جديدة في القتال فإن هذا سيربكه ويذعره ، كما فعل بعض الأحبة حينما نصبو للعدو (عبوة وهمية) وعندما تحشد العدو عندها وأراد إبطالها انهالت عليه قذائف الهاون حيث كانت المجموعة قد حددت هذه النقطة بالجي بي أس وأوقعت خسائر بالعدو لم يكن يتوقعها ، وروح (السبق العسكري) التي يدعونا لها النبي عليه الصلاة والسلام في سيرته العطرة تتفاوت بتفاوت الزمان والمكان.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ١٣ شـوال ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٢ / تشرين الاول / ٢٠٠٨ م