شبكة ذي قار
كوارث الهواء الأصفر

كوارث الهواء الأصفر
د. محمود عبد الرحمن


يتواصل مسلسل الكوارث في عراق الاحتلال الأمريكي الإيراني، حيث تنهار المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، فكل يوم جديد يحمل في طياته، أنباء عن انهيار في ميدان من ميادين الحياة، وهذا نتيجة حتمية لطبيعة سلطة العمالة والفساد الجاثمة على صدر هذا الشعب الصابر المظلوم.
فمنظومة الفساد المتحكمة في مفاصل الدولة، والتي بلغت شأناً لا حد له وغير مسبوق، جعلت من دولة العراق وسيلة للتكسب الحرام، ولخدمة المشروع الإيراني الصفوي في الهيمنة على المنطقة، بعيداً عن مصالح شعب العراق، ومعالجة مشاكله التي لا تعد ولا تحصى، والتي جاء الاحتلال الإيراني ليجعل من العراق حديقة خلفية، ومصدراً لا ينضب للثروة، وتمويل مشاريعه في تصدير الثورة، ومد التغلغل والنفوذ الإيراني لمناطق واسعة من المشرق. وما يجاوره.
ومن آخر هذه المشاكل المفتعلة، تلوث هواء العاصمة بغداد بالكبريت الأصفر، دون أن تحرك سلطة العمالة والفساد نفسها لحماية العاصمة وساكنيها من أخطار هذا التلوث المرعب، وقد قيل في هذا الشأن إن سبب السكوت المطبق هذا، هو رغبة المتنفذين في الاستحواذ على أراض يقع عليها مصفى الدورة الذي بدأ تشغيله عام ١٩٥٥، وقد أصبحت هذه المنطقة الحيوية من بغداد محط أنظار مستثمري السحت الحرام، فقام هؤلاء بفتح منافذ غاز الكبريت ليلوث العاصمة ويعطي المبرر للحكومة بغلق المصفى وبالتالي استحواذهم على الأرض المقام عليها المصفى.
هل توجد دولة في العالم القديم أو الحديث، يجري فيها كل هذا الفساد واللصوصية والاستهتار بأرواح الناس وصحتهم وممتلكاتهم، إلا في عراق الاحتلال الصفوي.
إن الحديث عن التلوث البيئي في كل أنحاء العراق بسبب العدوان الأمريكي واستخدامه لليورانيوم المنضب، واستمر هذا التلوث بسبب عدم اتخاذ الوسائل التكنولوجية الحديثة في استخراج النفط، وما عزز ذلك غياب الدولة واضمحلالها لحساب الميليشيات المتنفذة التي باتت أذرعها الاقتصادية تمتلك عشرات المليارات من الدولارات توظفها في خدمة المشروع الصفوي في المنطقة.
إن من أولى واجبات أي دولة في العالم المعاصر حماية مواطنيها والاعتناء بهم وبصحتهم وطرق معيشتهم، إلا في عراق الاحتلال الإيراني، حيث تبدد الثروة الوطنية، وتسرق مرتين، مرة في مشاريع دون المواصفات المطلوبة، ومرة بسبب العمولات والسرقات التي تنخر أي مشروع، ناهيك عن الفساد الإداري المستفحل والذي بات ظاهرة علنية لا تخفى على أحد.
أما الاهتمام بالمواطن وبصحته، فهذه المستشفيات والمراكز الصحية تنبئ عن حالة الاهمال والفساد الذي يخيم على هذا القطاع شأنه شأن كل مرافق الدولة الأخرى.
وأي سائل يسأل ماذا اتخذت الحكومة من إجراءات لمعالجة تسرب الكبريت الذي غطى سماء العاصمة وجعل حياة الملايين مهددة، وصحتهم عرضة لسقم لا شفاء منه لخطورة هذه الغازات السامة على الحياة البشرية. الجواب واضح فهؤلاء الشراذم البشرية لا يهمهم الإنسان العراقي، ولا صحته ولا ممتلكاته، أليس هم من استباحوا الدماء، فكيف نطلب منهم الاهتمام بالمواطن وحمايته من التلوث البيئي، الذي فاق الحدود المسموح بها علمياً لنسب تلوث الهواء.
وأنت لك الله يا شعب العراق، مع هؤلاء الحثالات من البشر الذين تربعوا على مقدراتك، واستهانوا بكل شيء، فلوثوا البشر والحجر والهواء، وإن يوماً قريباً ستشرق شمسه ساطعة على بغداد، لترمي بهؤلاء في أحط مزابل التاريخ، جزاء لما اقترفوه بحق شعب العراق من جرائم يندى لها جبين الإنسانية.

كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟

كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟

أحمد صبري


يوصفُ الصحفي في بُلدان عدَّة بأنَّه شريكٌ وقائد بالمُجتمع،
وهذه المقولة عبَّرت عن الدَّوْر الَّذي يضطلع به الصحفي من حيث المهام والتَّأثير والرِّسالة الموَجَّهة للجمهور، بمقابل هذا التَّوصيف نجد الكثير من وسائل الإعلام تخلَّت عن دَوْرها ومهامِّها. فبدلًا من أن تكُونَ عونًا للجمهور في مواجهةِ التَّحدِّيات تحوَّلتْ إلى عبءٍ، ما وضعَ الجمهور والصحفي في خانق باتَ من الصَّعب التَّفكير بكيفيَّة الخروج مِنْه، فخسر الطَّرفان. وباتَتْ مصداقيَّة الإعلام على المحكِّ والَّتي أثَّرتْ كثيرًا على المعايير الصحفيَّة، وجعلتْها تبتعد عن المصداقيَّة؛ لأنَّنا في سُوق يعجُّ بالبضائع المتنوِّعة والمشاهد، والقارئ هو الهدف. وكُلَّما كنتَ صادقًا وقريبًا من نبضِ الشَّارع اتَّسعَتْ شهرتُكَ وتأثيرك. وأعزو غياب المعايير الصحفيَّة إلى الدّخلاء وأنصاف الصحفيِّين وشراء الذِّمم والمال السِّياسي الَّتي تُسقط الصحفي في المحظور، وتحوَّلتْ إلى فَوضى إعلاميَّة ما زلنا نُعاني مِنْها؛ لأنَّها خارج سياقات المعايير الوطنيَّة الَّتي ينبغي أن تضطلعَ بها وسائل الإعلام. فبدلًا من أن تكُونَ صَوتًا للشَّعب وتطلُّعاته تحوَّلتْ إلى بُوق يُروِّج لهذا الحزب أو ذلك، ويُلمِّع صورة رموزه، ويُبرز أهدافه السياسيَّة.
والسُّؤال: هل التَّطوُّر التكنولوجي السَّريع في نقلِ المعلومات والأخبار ومواكَبَتِها أثَّر على الصّحافة الورقيَّة؟
والجواب: رغم ما أصابَ الصّحافة الورقيَّة من تغوُّل التكنولوجيا على مستقبلِها إلَّا أنَّها تُقاوم هذا التَّحدِّي بالانتقال من الأساليب القديمة إلى أساليب مبتكرة وحديثة؛ لمواجهةِ سُرعةِ انتقالِ الخبر والحدَث لحظةَ وقوعِه عَبْرَ استقصاء الخبر والحدَث وتحليلِه، والانتقال بالصّحافة الورقيَّة إلى مرحلةٍ جديدة في عَرض بضاعتها للقارئ وتجربة المذياع (الراديو) أمامَنا صمدتْ عِندما ظهرَ التلفزيون ولم تندثرْ. وفي العراق رغم مرور (21) عامًا على غزوِه واحتلالِه ما زالتِ التَّجربة الصحفيَّة تُعاني من أمراض الاحتلال ومشروعِه، ما أضاع دورَها الرَّقابي في مواجهةِ الفساد، والحفاظ على المال العامِّ، وتعبئة الجمهور والتَّحدِّيات الَّتي تواجِه المُجتمع لا سِيَّما البطالة والفساد والمخدِّرات والعُنف الطَّائفي ما انعكسَ سلبًا على مزاج الجمهور واهتماماته. وهُنَا نتساءل: كيف يُمكِن للصحفي أن ينهضَ بِدَوْره ويجسِّدَه على أرض الواقع؟
نقول: المدخل هي الفكرة وبلْوَرتِها وتجسيدها على الواقعِ المعاش هي من اشتراطات المدخل للكِتابة، فمن دُونِ تحديد بوصلتِها لا يُمكِن للصحفي أن يُظهرَ مهارتَه، ويبسطَ الفكرة والضَّوء عَلَيْها ويعرضها للجمهور.
رغم مَن يقول إنَّ الموهبةَ والذَّكاء من أهمِّ صِفات الصحفي النَّاجح.. نَعم هذا صحيح، ولكن يُضاف إِلَيْها الخبرة والمعرفة وعلاقاته واندماجه بالمُجتمع ومصادره وتنوُّعها لِتكُونَ معينًا له في مَسيرته الصحفيَّة. لقد واكبتِ الصّحافةُ العراقيَّة قَبل الاحتلال وبعدَه كيف يُمكِن أن نقارنَ بَيْنَ الحقبتَيْنِ من حيث الحُريَّة والانفتاح والدَّوْر؟

  • حقبتانِ مختلفتانِ من حيثُ المهامُّ والدَّوْر والوسائل. فالحقبة الَّتي سبقَتِ الاحتلال كانتْ وسائل الإعلام فيها مركزيَّة ولهَا مهام التَّعبئة لمواجهةِ الأخطار الَّتي كانتْ تحيقُ بالعراق، لا سِيَّما مخاطر استمرار الحصار، وإبراز مخاطر التَّهديدات الَّتي كانتْ تواجِه العراق ومستقبله. وصحيح أنَّ سقفَ الحُريَّات في الحقبة الأولى كان محدودًا، والسَّبب يَعُودُ إلى أنَّ الصّحافة كانتْ حكوميَّة ومموَّلة من الدَّولة، إلَّا أنَّها اضطلعتْ بِدَوْرٍ وطني دفاعًا عن العراق ومستقبله. أمَّا حقبة ما بعدَ الاحتلال فإنَّها تختلف رغم تمتُّعِها بسقفِ الحُريَّات والانفتاح، فتحوَّلتْ هذه الحقبة إلى سُوق لعَرضِ البضاعة من أيِّ مكانٍ ويشتريها أيُّ إنسانٍ، فحوَّلَها المال السِّياسي إلى صحافة استرزاق غابتْ عَنْها المعايير المهنيَّة واستدارتْ عن الفاسدين ومُبدِّدي المال العامِّ. ونخلص إلى القول: أي الحقبتين أفضل من حيث المهامُّ والأهداف والدَّوْر والمرتكزات؟
    كاتب عراقي