باحتشادهم في ساحة التحرير وفي مدن جنوبية عدة، كسر العراقيون على مدى الليلتين الماضيتين حظر التجول، وهم يراقبون المناورات السياسية، مؤكدين في الوقت نفسه أنهم لن يقبلوا بأقل من رحيل جميع المسؤولين.
ولا يزال مصير رئيس الوزراء عادل عبد المهدي اليوم الأربعاء، بين أيدي شركائه في البرلمان الذين يناقشون سحب الثقة منه، مع اتساع الاحتجاجات في الشارع الذي يواصل المطالبة بـ”إسقاط النظام” بعد مقتل ٢٤٠ شخصا في التظاهرات وأعمال العنف.
وقال زعيم مليشيا بدر وتحالف الفتح هادي العامري، الذي أيد عبد المهدي من قبل، إنه يوافق على “العمل مع” زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يدعو منذ أوائل أكتوبر إلى استقالة حكومة كان قد ساعد في تدريبها قبل عام.
وحث مقتدى الصدر اليوم الأربعاء العامري على التحرك لتجنب “تحويل العراق إلى سوريا أو اليمن”، الدولتين اللتين تحولت فيهما التمردات ضد السلطة إلى حرب أهلية.
ليل الثلاثاء الأربعاء، اتفق الصدر والعامري، الشريكان الرئيسان لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، على أنهما سيتعاونان لـ”سحب الثقة” من رئيس الحكومة الذي يطالب الشارع بإسقاطه منذ مطلع أكتوبر الجاري.
لكن الصدر عاد اليوم الأربعاء ليشدد للعامري على وجوب التحرك، لأن التأخير “سيجعل من العراق سوريا واليمن”، حيث تحولت ثورتا شعبي البلدين إلى حرب أهلية.
وأصبح مصير عبد المهدي اليوم الأربعاء، بين يدي البرلمان الذي لا تزال جلساته مفتوحة حتى إشعار آخر.
وكان البرلمان دعا عبد المهدي للحضور إلى البرلمان “فورا”، لما قد يتحول إلى جلسة مساءلة وتصويت على سحب الثقة، بحسب ما أكد العديد من النواب.
لكن رئيس الحكومة لم يعلق حتى الآن على تلك الدعوة، كما أن البرلمان لم يحدد موعدا لالتئام مشرعيه لاستئناف جلسته.
ولكن أثير مالك، الذي جاء من الديوانية للانضمام إلى المتظاهرين في ساحة التحرير، اعتبر أن “الشعب هو مصدر السلطات! هو من أتى بكل هؤلاء إلى السلطة”.
وأضاف البالغ من العمر ٣٩ عاما “يريدون استبدال عبد المهدي بشخص من حزب آخر سيكون مثله”.
أما حسين نوري، متظاهر آخر يبلغ من العمر ٥٥ عامًا، فأكد “نريد استعادة بلدنا الذي سرقوه منا”.
ولفت علاء خير ( ٦٣ عامًا ) إلى أنه “بسببهم لدينا نقص في المدارس والمستشفيات، لذا عليهم أن يستقيلوا جميعهم وأن تتشكل حكومة إنقاذ وطني”.
بين البرلمان والشعب حاليا، جسر الجمهورية الذي يفصل المنطقة الخضراء حيث المقار الحكومية، عن ساحة التحرير التي صارت مركزا للحراك، وهناك تمطر القوات الأمنية المتظاهرين بين الفينة والأخرى بالغاز المسيل للدموع، لثنيهم عن التقدم.
ومنذ بداية الحراك الشعبي في الأول من أكتوبر في العراق احتجاجا على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، قتل ٢٤٠ شخصا وأصيب أكثر من ثمانية آلاف بجروح، عدد كبير منهم بالرصاص الحي.
وشهدت التظاهرات المطلبية أيضا سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط ١٥٧ قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من أكتوبر الجاري، و٨٣ قتيلاً حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس الماضي.
ويرى مراقبون أن عبد المهدي غير المدعوم حزبيا أو شعبيا، لا يزال رهينة زعماء الأحزاب التي أتت به إلى السلطة ويتهمها المحتجون بالتقصير في توفير الوظائف والخدمات، وبملء جيوب المسؤولين بأموال الفساد الذي كان سبب تبخر أكثر من ٤٥٠ مليار دولار في ١٦ عامًا، بحسب أرقام رسمية.
وقالت الباحثة في معهد الأزمات الدولية ماريا فانتابي إن استقالة أو إقالة عبد المهدي “سينظر إليها كنقطة تحول من قبل المتظاهرين”.
لكن ذلك قد يؤدي إلى “استراحة“ للحراك أكثر منه “نهاية للحراك”، وفق فانتابي، إذ إنه باحتلال الساحات في المدن الكبيرة من البلاد، “يؤكد العراقيون وجودهم” في وجه مسؤوليهم.
وشددت الباحثة نفسها على أن “انتخابات مقبلة وفق القانون الانتخابي نفسه، ستأتي بالوجوه نفسها إلى البرلمان وستؤدي إلى التحالفات نفسها، لإيجاد رئيس للوزراء”، في برلمان منقسم حيث يتبادل أعضاؤه الاتهامات بالولاء لإيران أو للولايات المتحدة، والسعودية، وتركيا.