تعاني أغلب مدن العراق الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، من تردّي الوضع الاقتصادي
والخدمي، وعلى مدى السنوات الماضيةن أقيمت إحتجاجات شعبية واسعة ترتفع وتيرتها تارة
وتنخفض تارة أخرى.
حيث شهدت مناطق جنوب العراق موجة نزوح كبيرة لمئات الأسر؛ في الأونة الأخيرة،
هرباً من واقع العيش المؤلم الذي يعيشه سكان تلك المناطق، بسبب شحّ وتسمّم المياه،
التي باتت تشكل خطراً كبيراً على حياة ملايين الأشخاص.
وإندلعت إحتجاجات كبيرة غاضبة سقط خلالها العشرات بين قتيل وجريح، كشفت حجم
المعاناة التي يعيشها أهالي مناطق الجنوب، وخصوصاً محافظة البصرة.
وتواجه البصرة كارثة إنسانية متمثّلة بتفشّي حالات التسمّم بسبب المياه الملوثة.
وقال مسؤول محلي في محافظة البصرة: إن “مئات العائلات العراقية بدأت بالنزوح من
البصرة إلى مناطق أخرى بحثاً عن بيئة ملائمة للعيش، بعد أن تحوّلت مدينتهم إلى محطة
للأوبئة والأمراض، ووكر للأحزاب الفاسدة التي كانت السبب الرئيس في ذلك”.
وأضاف المسؤول، الذي فضّل عدم الإفصاح عن هويته، إن “عشرات الشاحنات المحمّلة
بالأثاث المنزلي باتت تخرج يومياً من مناطق مختلفة من البصرة متّجهة صوب بغداد بسبب
تسمم المياه”، لافتاً إلى أن “ما يتعرَّض له أهالي المدينة من كوارث بيئية مفتعلة
هو عقوبة جماعية لأهلها؛ وذلك لخروجهم على الأحزاب الفاسدة”.
من جهته قال طه الأنصاري، أحد شيوخ البصرة: إن “المحافظة التي تُعتبر من أكبر
المناطق الغنية؛ لما تمتلكه من ثروات نفطية وموقع تجاري إستراتيجي، تعيش اليوم
وضعاً معيشياً مزرياً، ما دفع مئات العائلات إلى النزوح من مناطقهم إلى مناطق الوسط
حرصاً على حياة أبنائهم”.
وأضاف إن “أهالي البصرة يتعرّضون اليوم إلى إبادة جماعية تقودها الأحزاب
السياسية المسيطرة على المدينة منذ 2003 ولغاية اللحظة”، محمّلاً “الحكومة العراقية
مسؤولية الكوارث التي راح ضحيتها الآلاف”.
كما حمّل أهالي البصرة جزءاً من المسؤولية إثر صمتهم الطويل عما تشهده المحافظة
من إنتشار للفساد والسرقات في وضح النهار، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم.
وتابع الأنصاري حديثه قائلاً: إن “الأحزاب التي تتصارع اليوم على تشكيل الكتلة
الأكبر لتشكيل الحكومة عجزت عن إنقاذ البصرة، حتى إن أغلبها التزم الصمت ووقف
متفرجاً على أبناء المدينة كيف يموتون عطشاً وكيف يتلوّون من شدة الألم بسبب السموم
التي قذفتها جارة السوء إيران”، على حدّ وصفه.
وليس ببعيد عن البصرة شهدت مدينة النجف هي الأخرى نزوح مئات السكان المحليين من
إحدى المناطق الواقعة في جنوب المحافظة بسبب شحّ المياه.
وقال النائب الأول لمحافظ ذي قار، “عادل الدخيلي” في بيان له إن “أكثر من 1200
عائلة غادرت ديارها وممتلكاتها بسبب شح المياه الواصلة إلى مناطقها، وتوجّهت إلى
مدن ومحافظات أخرى بحثاً عن أماكن تتوفّر فيها مصادر المياه”.
وأضاف: إن “أزمة شح المياه وتلوثها تسبّبت بنفوق أعداد كبيرة من المواشي، كما
باتت تشكّل تهديداً كبيراً للثروة الحيوانية التي تعرّضت لضرر كبير في مناطق أهواز
الجبايش والحمّار والفهود، إلى جانب صعوبة توفير مياه صالحة للشرب أو للزراعة بسبب
تجاوز عدد من المحافظات على الحصة المائية للمحافظة”.
وكانت الحكومة العراقية قد اتّهمت طهران بقطع عشرات الروافد المائية عن العراق،
وقذف المياه المالحة والثقيلة في شط العرب؛ والتي أدّت إلى انخفاض منسوب المياه
وإرتفاع نسبة الملوحة إلى أعلى مستوياتها في هذا العام، وإنتشار الأمراض الجلدية
والمُعدية بين السكان، فضلاً عن نفوق أعداد كبيرة من المواشي والأسماك.
|