تقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام أزمة المياه التي تعاني منها العديد من
المحافظات العراقية لاسيما الجنوبية ، وأثرت بشكل كبير على القطاع الزراعي ، وتسببت
في نزوح الكثير من الأهالي ، وفي هذا الصدد ، بات الجفاف المتزايد يهدد الزراعة
ومختلف جوانب الحياة في جنوب العراق.
ويبحث الفلاح أبو علي بدقة داخل حفرة لتشغيل محرك كهربائي صار الوسيلة الوحيدة
لأهالي محافظة ذي قار الجنوبية للحصول على الماء ، ويقول هذا المزارع أبا عن جد إن
مياه النهر بدأت تجف منذ العام الماضي، والان انقطعت بالكامل. ولم يبق لدينا سوى
آبار المياه للعيش.
واستطاع أبو علي (73 عاما)، الذي يسكن في قضاء سيد دخيل الواقع إلى شرق مدينة
الناصرية ، إعادة إحياء مزرعته من مياه بئر كلفته نحو مليوني دينار عراقي (حوالي
1600 دولار).
ويضيف الفلاح أبو علي أن “مياه البئر تشرب منها أبقارنا وأغنامنا، ورغم طعمها
المر فإننا نستخدمها للشرب”.
ودفعت الحاجة أبو علي إلى شراء نحو 18 مترا مكعبا من الماء أسبوعيا ووضعها في
خزانات وزعها في باحة منزله، بمبلغ يصل إلى عشرين ألف دينار، لكنها لا تسد حاجة
عائلته.
أبو علي ما زال صامدا، لكن الجفاف الذي ضرب البلدة، كما هو حال في مناطق واسعة
من جنوب البلاد، دفع بسكان نحو عشرين قرية إلى النزوح.
ويقول المهندس “مهدي رشيد” مدير عام السدود والخزانات المائية في وزارة الموارد
المائية العراقية ان “انخفاض منسوب مياه الأنهار سببه انحسار الأمطار للموسم الثاني
على التوالي وارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز عادة الخمسين درجة خلال موسم الصيف
، ويضيف أن الأمطار تشكل ثلاثين في المئة من موارد العراق المائية ، فيما تشكل مياه
الأنهار السبعين في المئة الباقية الممتدة من إيران وتركيا”.
ويكشف رشيد عن قيام “إيران بتغيير مجرى نهر الكارون بالكامل وإقامتها لثلاثة
سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كانا يمثلان مصدرين رئيسين للعراق ، ويشير المهندس
المائي إلى أن العراق كان يشترك مع إيران من خلال 45 رافدا مائيا، لم يبق منها
اليوم سوى ثلاثة أو أربعة فقط ، فيما يلفت إلى أن الأمر نفسه مع تركيا ، الآن
نتواصل مع تركيا بخصوص سد إليسو الذي كان مقررا دخوله العمل في مارس/آذار الماضي”.
وتعد تركيا التي يتدفق منها نهرا دجلة، الذي يصب مباشرة في العراق والفرات الذي
يصل إلى سوريا، من المصادر الرئيسية للعراق الذي عرف من خلالها عبر قرون ببلاد ما
بين النهرين.
ورغم وجود خزانات مائية وسدود رئيسية في البلاد، بينها سدود الموصل وحديثة
ودوكان وأخرى متفرقة صغيرة، تصل طاقتها الخزنية الكلية إلى 96 مليار متر مكعب فإن
المتوفر فيها حاليا حوإلى 12 مليار متر مكعب، وفق المسؤول نفسه.
وتمثل الأهوار في العراق، بينها خمسة رئيسية أبرزها الحمار والحويزة، وتمتد
عشرات آلاف الكيلومترات في جنوب البلاد، عاملا للتوازن البيئي ومصدر عيش للساكنين
فيها. ويؤكد “جمعة الدراجي” عضو الجمعية العراقية لإحياء وتطوير الأهوار، أن
“الأمور وصلت الآن لدرجة عدم الحصول على مياه كافية للشرب، لا للسكان ولا حتى
للحيوانات ، مضيفا أنه لم يتبق سوى منخفضات وبرك ماء متناثرة ، ويشدد الدراجي على
أن “الجفاف الحالي هو الأشد في تاريخ الأهوار”.
ويهدد شح المياه، على غرار محافظتي البصرة وذي قار، حيث تمتد مساحات واسعة من
الأهوار، محافظات القادسية والمثنى وميسان. ويسكن في تلك المحافظات الخمس ما يقارب
25 في المئة من سكان العراق ويعتمدون بصورة رئيسية على الزراعة.
ففي محافظة الديوانية التي توجد فيها 7500 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، لا
يمكن توفير مياه الري خلال موسم الزراعي الصيفي المقبل سوى ما يغطي أقل من 500
كليومتر مربع ، وفقا لمدير زراعة المحافظة “صفاء الجنابي”.
وتقول أم عقيل وهي إحدى سيدات ناحية سومر الواقعة في شمال الديوانية، ان ولدها
عقيل فقد ذراعه خلال المعارك ضد ( داعش ) في مدينة الموصل في شمال العراق، بعدما
كان (التنظيم) قد سيطر على نحو ثلث مساحة البلاد ، وتخبر أم عقيل بأسى يملأ صوتها
“ابني تطوع في الجيش، لان الزراعة تدهورت، بسبب شح المياه”.
|