الموصل - ١٠ ملايين طن من الأنقاض وألفي جثة تحتها




شبكة ذي قار

في الوقت الذي تهمل فيه الجهات الحكومية ، عمليات انتشال مئات الجثث المطمورة تحت أنقاض مدينة الموصل بفعل العمليات العسكرية ، تهتم وتنشط في عملية نقل الأنقاض من المدينة ، لما يعود عليها بالنفع المادي من وراء ذلك ، فما زالت شاحنات نقل الأنقاض والحديد تتردد على مدينة الموصل فجر كل يوم منذ أشهر، بلا أمل لنهاية قريبة لقصة الأنقاض وما تحتها من جثث المدنيين أو ما تبقى من تلك الجثث. فحطام المدينة المدمرة، وضمن ساحلها الأيمن تحديداً، يحتاج إلى جهود جبارة وإنسانية أيضاً، وبات هرس الهياكل العظمية للضحايا ظاهرة تتكرر تحت عجلات الجرافات التي ترفع الأنقاض إلى شاحنات كبيرة، قبل بيع الأنقاض إلى مقاولين يملكون ما يُعرف محلياً بـ”الكسارات”، المخصصة لإعادة تدوير الحجارة والإسمنت من خلال فرمه وتحويله إلى مواد أولية وبيعه لاستخدامه في تعبيد الطرق أو ردم المستنقعات.
 
 التقديرات التي يؤكدها مسؤولون محليون تتحدث عن نحو 10 ملايين طن من الأنقاض في الساحل الأيمن من دجلة فقط، في الوقت الذي كشف فيه مسؤول عسكري عراقي لصحيفة العربي الجديد ، عن وجود ما لا يقل عن ألفي جثة ما زالت تحت أنقاض المدينة، غالبيتها تحولت إلى هياكل عظمية وسُحق قسم منها تحت الجرافات وعجلات شاحنات التحميل. بينما حالف الحظ ذوي أربعة آلاف و983 ضحية في العثور عليهم تحت الأنقاض وتم دفنهم في مقبرة استحدثتها بلدية الموصل تقع على بُعد 15 كيلومتراً جنوب غربي المدينة، وأطلق عليها اسم مقبرة الشهداء 3 ، وفقاً لما كشفه أحد أعضاء مجلس محافظة نينوى ، وأكد المسؤول أن “من تم رفع جثثهم من شوارع الموصل ومبانيها أكثر بثلاثة أضعاف من الذين انتُشلوا من تحت أنقاض المنازل والمباني المدمرة، موضحاً أنه بذلك يتجاوز العدد الإجمالي للضحايا المدنيين في الموصل بين قتلى ومفقودين عتبة الثلاثين ألفاً، نحو 62 في المائة منهم أطفال ونساء، جراء الحرب التي أسفرت عن تحرير ما تبقى من الموصل وأهلها من قبضة ( داعش )”.
 
 غالبية الضحايا ممن تم انتشالهم من تحت أنقاض الموصل من قبل لجنة حكومية مشتركة من وزارتي الصحة والدفاع، سُجلت كـ”شهداء” من ضحايا ( داعش ) على الرغم من أنهم قُتلوا في منازلهم بواسطة القصف الأميركي والعراقي الجوي والصاروخي. كما سُجل ضحايا لعمليات انتقامية للمليشيات في الخانة نفسها ضحايا ( داعش )، على الرغم من أنهم أُعدموا في مناطق سيطرة الحكومة والحشد الشعبي ، وفقاً لعضو مجلس المحافظة ذاته، الذي شكا من أن ضحايا ( داعش ) الحقيقيين من قام بإعدامهم في ساحة الإعدام أو قطع أيديهم ورماهم من أسطح المباني العالية خلال فترة احتلاله المدينة لم يتم اعتبارهم شهداء حتى الآن، فيما ذووهم يراجعون من أجل ذلك لكن تتم مطالبتهم بشهود عيان وأدلة تدعم أقوالهم.
 
 واعترف الجيش الأميركي في وقت سابق بتسبّب القصف الجوي على مدينة الموصل بسقوط مدنيين قال إنهم بالعشرات، متعهداً بفتح تحقيق وإعلان النتائج، غير أنه وعلى الرغم من مرور أشهر على الاعتراف، لم يعلن الجيش الأميركي عن أي نتائج لهذا التحقيق ولم يتم إشراك العراقيين به من الأساس.
 
 الجراح العراقي “سالم السعد” الذي يحمل الجنسية الدنماركية ووصل أخيراً إلى الموصل للمساهمة في إعادة ترميم صالة العمليات الكبرى في مستشفى المدينة على نفقته الخاصة، قال للعربي الجديد إن “الموصل مغلّفة بالشعارات والوعود فقط ، وأضاف: أنا في المدينة منذ نحو أسبوعين ولم أرَ أياً من السكان يبتسم أو يضحك، بعضهم يصطنع ذلك فقط عند مروره عند نقاط التفتيش حتى لا يُفهم من عبوسه أنه ناقم على القوات العراقية فيدخل في دائرة الاتهام بالتعاون مع ( داعش ) ، ولفت السعد إلى أن هناك جيشاً من الجرحى، فتيات فقدن أطرافهن، وشباناً بلا مستقبل بسبب إعاقة وبينهم من حاول الانتحار بسبب فقدانه الأمل ، معتبراً أن المدينة تحتاج لحشد إنساني بعيداً عن الدين والمعتقد والعِرق، فقد تعرضت لشيء يشبه قيام الساعة أو نهاية العالم”.
 
 ويقول سكان محليون إن عملية رفع الأنقاض تحصل عادة من قبل منظمات أو حملات تطوعية، لكن هناك مقاولين أو تجار حروب يدخلون بمزاعم مساعدة الأهالي وأنهم متطوعون يقومون برفع أنقاض المدينة ونقلها إلى ساحات عامة يتم من خلالها فرز الأنقاض والبحث عن أي شيء ثمين فيها ومن ثم نقلها إلى مكائن الطحن لتحويلها إلى مواد تُستخدم في مشاريع بناء.
 
 وقال المواطن “محمد الطائي” للعربي الجديد إن “أحد سائقي الشاحنات وجد بين الأنقاض عظاماً وجزءاً من جمجمة طفل، قام بوضعها في كيس وتسليمها للدفن في المقبرة. وأضاف أن الشركات تأخذ الحديد والنحاس والمواد التي يتم العثور عليها في أنقاض منازل الناس التي كانت عامرة ومنها حطام السيارات، وهي تجني الكثير، وبهذا باتت الجثث أرخص ما هو موجود الآن في المدينة مع الأسف”.
 
 من جهتها، قالت النائب في البرلمان عن مدينة الموصل “نورة البجاري” إن “كمية الأنقاض كبيرة جداً وقُدّرت بحوالي 11 مليون طن، فيما هناك جثث كثيرة جداً لضحايا مدنيين ما زالت تحت الأنقاض وهم من أبناء مدينة الموصل القديمة بالغالب وأيضاً لمقاتلي ( داعش ). وأشارت إلى أن قسماً من الأهالي ممن نجوا من الحرب لا يملكون مبالغ مالية كافية مما اضطرهم إلى القبول بالعرض المُقدّم لهم برفع أنقاض منازلهم بلا مقابل، خصوصاً أن الحكومة والمنظمات الدولية لم تباشر برفع الأنقاض من مدينة الموصل القديمة”.
 
 أما القيادي في تحالف القوى “محمد نوري العبدربه” فأكد أن “هناك عملية بيع للأنقاض لأننا نرى المواطن وصل إلى مرحلة عدم اهتمام ويأس من تقديم الحكومة أي خدمة له، فبحث عن طرق بديلة ولم يجد سوى عملية بيع الأنقاض. وأضاف أن غالبية الحكومة المحلية منشغلة اليوم بالمشاريع الوهمية ولم تقدّم شيئاً إنسانياً ملموساً للناس، فأوصلت رسالة واضحة للمواطن بأن يتدبر أموره بنفسه”.
 
 فيما أوضحت النائب “انتصار الجبوري” للعربي الجديد أن “الشركات التي تشتري هذه الأنقاض تستفيد منها، فيما المواطن هو الخاسر الوحيد ، معتبرة أن على الحكومة أن تبحث موضوع رفع الأنقاض والجثث. ولفتت إلى أنه تم أخيراً رفع أكثر من 300 جثة بحسب المواطنين وشهود عيان، بينها جثث وُجدت داخل حفر كبيرة في مناطق خارج الموصل”.
 
 يُذكر أن الحكومة كانت قد أطلقت عمليات عسكرية لاقتحام مدينة الموصل منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2016 بمشاركة نحو 100 ألف جندي وعسكري وعنصر من البشمركة وميليشيا الحشد الشعبي ، وبدعم كل من سلاح الجو الأميركي والفرنسي والأسترالي والبريطاني فضلاً عن العراقي، واستمرت المعارك حتى العاشر من يوليو/تموز 2017 ، أدت وفقاً لتقرير وزارة التخطيط إلى تدمير نحو 80 في المائة من الموصل، في وقت ما زالت فيه أعداد الضحايا المدنيين تتراوح ما بين 24 ألفا إلى 30 ألف قتيل ومفقود، بينما يصر مسؤولون عراقيون مثل وزير الخارجية السابق “هوشيار زيباري” على أن المعركة حصدت أكثر من 40 ألف مدني.


الجمعة ٢٠ رجــب ١٤٣٩هـ - الموافق ٠٦ / نيســان / ٢٠١٨ م


اكثر المواضع مشاهدة

القيادة العامة للقوات المسلحة - بيان القيادة العامة للقوات المسلحة رقم ( ١٧١ ) في الذكرى السادسة والثلاثين لتحرير مدينة الفاو
الشاعرة ساجدة الموسوي - أفــــــــولُ الطّـــــــوفـــــــــــــــــــــــــــــان
ساجدة الموسوي - ليلـــــةُ تشييـــــــعِ الغـــــريبـــــــةِ ( عــــــدالــــــة )
علي العبيدي - غزو العراق ٢٠٠٣ جريمة القرن وكل القرون
بقلم : السفير سعيد الموسوي - قوة الحق في مواجهة حق القوة : قصة معركة الوزير ناجي صبري ضد الجبروت الأمريكي
الرفيق عز الدين أبو حمرة - إلى / رفاق البعث في العراق وامتنا العربية : تحية رفاقية .. معلومات مهمة جدا ! .. ودمتم للنضال ولرسالة امتنا المجد والخلود ( ح / ٨ )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل
سحبان فيصل محجوب - رومانسكي وجوناثان والفانوس السحري
د. أبا الحكم - كيف نفهم الصراع في المنطقة..؟
الرفيق مسؤول مكتب الطلبة والشباب المركزي - برقية الرفيق مسؤول مكتب الطلبة والشباب المركزي في ذكرى تأسيس البعث العظيم
الرفيق مسؤول تنظيمات محافظة المثنى لحزب البعث العربي الاشتراكي - تهنئة الى مقام الرفيق القائد المجاهد عزت ابراهيم ( رعاه الله ) الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الاعلى للجهاد والتحرير
د. سامي سعدون - غــريــب امــور ، عجيـــب قضيـــــــة !
الرابطة الوطنية لأبناء وعوائل الشهداء الأبرار - الوجبة الثالثة - شهداء عشائر ( ربيعة ) السراي ( مدينة الثورة )
زامل عبد - دروس وعبر من غزة الصابرة المحتسبة لله من ظلم حكام العهر والرذيلة - الحلقة الأخيرة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق يصدر بيان ( ٤٥٢ ) المتعلق في الذكرى التاسعة والتسعين لاحتلال دولة الاحواز العربية من قبل إيران الفارسية
أحدث الاخبار المنشورة
٢٧ / كانون الثاني / ٢٠٢٤