أمثولة للبطولة : يحدث هناك

 
 
شبكة المنصور
ذكرى محمد نادر

الحويجة أخر مدينة دخلتها قوات الاحتلال الامريكية ,  طوقتها بأرتال مدرعات وحاصرت سمائها بالطائرات المروحية وقصفتها طيلة ساعات  ,  وباغتت المحتل بكمائن عسكرية فصرح الضابط المسؤول عن الهجوم : لا ندري ,  كيف يتمكن قرويون من أعداد كمائن بهذه الدقة ؟


مؤكدا للصحفيين المصاحبين جولته العسكرية بأنه سيكون هناك عشرات القتلى من المقاومين! لكنهم حين دخلوا المدينة ,  لم يجدوا جثث ,  لم يجدوا نساءاً تبكي ,  لم تفتح قبورا حديثة ,  وحتى فوارغ الاطلاقات المقاومة أختفت! ما دفع قوات الاحتلال الى تسميتها : بمدينة الرجال الاشرار!


مدينة أستعصت عليهم فكرهوها جداً.. وعندما اقتيد مختارها للسؤال عن أعداد القتلى قال: سقط لنا في هجومكم حمارا واحدا وبقرتان  ,  ودمر تراكتور!


حكاية مدينة الرجال الاشرار أو مدينة الهنود الحمر كما يسميها جنود الغرب ,  بأشارة الى أبادة أغلب رجاله ,  كما أبيد الهنود الحمرمن قبل على أيدي المرتزقة الامريكان ,  لا تختلف عن بقية المدن والقصبات العراقية ,  بصقت في وجوه الغزاة ,  وأخفت دماء ضحاياه ,  لانها لم تشأ للعدو أن يهنأ بلحظة فوز أو تشف ,  لم تتقبل عزاءاً بهم ,  لانها ما زالت تنتظر ألاخذ بثأرها .


أصبوحات المدينة الواقعة غرب مدينة كركوك بسيطة ,  ببساطة حقول القمح التي تحدها  ,  تحت نشوة الشمس ورعشة مناجل الحصاد ,  حقولها تقف حارسا للحدود  ,  فتسمع عند مرورك همس السنابل  , تشي واحدة لاخرى عن تحرك الارتال الغازية نحو المدينة لتبلغ الرسائل  ,  بساتينها نخل يحتضن أشجار البرتقال والنارنج  , فللربيع فيها عطر مديد.. سواقيها الخافتة بين البساتين تنقل شغف الاخضرار والنماء ,  مدينة ريفية تسكنها غالبية قبائل عربية تفتخر بأنسابها  ,  وتفتخر بصبر رجالها عند البأس ,  منائرها تصيح بوقت واحد مؤذنة لله أو للقتال ,  تزغرد نساؤها في الاعراس بعيون تدمع لفرح  ,  وتزغرد أيضا عند أستشهاد الرجال بعيون كجمرٍ يحمر غضب ,  فالحويجة  ,  ليست سوى موال يشبه غيره عراقيا !


لكنها منذ منذ أيام كتبت نشيداً منفرداً بحناجر أطفالها في" مدرسة النوارس "ألابتدائية.


ففي الساعة التاسعة من الصباح ألاخير لامتحانات المرحلة الابتدائية ,  جاءها رتل عسكري يحمل ضباطا جنودا ومراتب ,  طوقوا الطرق ,  وأفترشوا الشوارع  ,  وأحتلوا الباحة الداخلية للمدرسة حيث يرفرف العلم العراقي كعادة المدارس وسط ساحته الترابية .

 

وأمر كبيرهم: آتوني بالطلبة !
فجيء بهم من صفوفهم ,  أقلامهم بين أكفهم ما تزال ,  وأسئلة كبيرة في رؤوسهم الصغيرة  ,  لكنما بغير خوف أو تهيب ,  وقفوا أمامه.

بادرهم بغواية أبتسامته قائلا: جئنا اليكم بالهدايا لاننا نحبكم !


الاتريدون الهدايا كل الصغار يحبون الهداي ,  حلويات  ,  العاب الكترونية ,  كرات للعب  , واقلام ملونة!
مغريات  ,  مغريات لاطفال محرومين.


أنتظر الضابط ركض الصغار مهرولين اليه لأقتناص فرصتهم بالحصول على هدية لا يوفرها لهم فقرهم  ,  ولا يحملها لهم أب ماسور أو مقتول وبأحسن الاحوال مطارد.


لم يدر بخلد الضابط أن ألصغار سيواجهونه بشتمه وبطرده ,  ورفض الهداي ,  تقدم أحدهم قائلا : أنتم قتلتم أبي وانأ أكرهكم ,  " أنتو قتلة  , أحنة منريد هداياكم"!


وبصق على الهدايا. وأخر ضربها بقدمه بعيد ,  وثالث ,  ورابع  ,  وعاشر ,  و.  , و ,  أصوات رفض الصغار تعلو :
أنتم قتلة.. نكرهكم !

 

ألامهات من الشبابيك المطلة على ساحة المدرسة زغردن لبطولة رجال قادمين.. و لشوارب تنمو فورا فوق
شفاه طفولتهم ,  تشق عنهم كفن الخوف وتصفع المحتل تأنفا.


النخلات في الباحة لوحت بأذرع سعفها رفعت أكفها الخضراء تحية للعلم الذي يرف قلبه هناك ,  المدير منتصب القامة  ,  المعلمون يمسدون على قلوب طلبة "مدرسة النوارس الابتدائية" أن لا تهنوا ولا تخافو ,  في مدينة الحويجة  ,  نوارس بيضاء تحلق عاليا بأمثولة بطولة ورفض  ,  وخزت وجوه المحتل وأوغاده ,  والامريكي المشدوه لا يفقه كيف يرفض صغار جياع كل هذا الاغراء ,  عضو المجلس البلدي " ابراهيم حسن جلد" المرافق لقوات الاحتلال بزيارة الصباح  , هدد الصغار وهيئة التدريس بأنه سيجرهم جميعا للسجون وبأنه سيلقنهم درسا لن ينسوه! مهددا المعلمين بتهمة التحريض ضد الاحتلال واعدا أياهم بالويل والثبور!

 

هناك بمدينة الحويجة: تُحَضر الامهات الان ,  حقائب صغيرة لاطفال قد يزجون مبكرا في سجون رجولة مبكرة رفضت الاحتلال ,  ولكنهن لا يَذرفنّ الدموع .. لايذرفنها ترفعاً.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد  / ١٦ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٣٠أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور