المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام ، دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع الفارسي

﴿ الجزء الرابع عشر ﴾

 
 
شبكة المنصور
حــديـد الـعـربي

الباب الرابع
الرسالة الخالدة
الفصل الأول
خصوصية التكليف


لا يمكن تصور نهضة أي أمة من الأمم ما لم تستحوذ على أسباب قوتها ومنعتها وقدرتها على الفعل والتفاعل الحضاري، وامتلاكها القدرة على استحضار قيمها الحضارية بالتفاعل الخلاق المبدع والتواصل، وما لم تتمكن من خلق النموذج الكفاحي القادر على قيادة مسيرة النهوض وبناء قاعدة رصينة تتحمل أعباءه، خاصة إذا كانت هذه الأمة كأمتنا، ذات عمق تاريخي وكم هائل من المنجز حضاري الموغل في القدم، وتملك من أسباب الحفاظ على سجلات ووثائق أحداثه ما لا تملكه أمة سواها، ومنها ما وثقته أصدق الأقوال وأجلّ الوثائق، تلك كتاب الله المنزل، فأمتنا تتفرد من بين كل الأمم بخصائص وميزات عديدة، تجعل من الأمم الأخرى تتوجس من نهضتها، وبعضها تسعى بكل ما تملك من قدرات وطاقات لمنعها من أن تنهض أو تخطو باتجاهه، ذلك لأن أمتنا كانت خيار الله تعالى ليكون أجيالها تلاميذ لمدرسة السماء، في مسيرة إنضاج البشرية وإيصالها إلى جادة الصواب، فكل الأنبياء والرسل كانوا من بين تلاميذها،وكل رسالات رب الكون كانت تتخذ من أرضها مهبطاً ومنطلقا، وكل تصحيحات السلوك البشري في هذه المسيرة المباركة كانت تستهدف بعضاً من أسلافها، وكذا آيات العقاب لا زالت أثارها شاخصة على ثراها، وقد قال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} (1) وقال جلّت قدرته: {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (2) وقوله تعالى: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ} (3).


ثم جاءت الرسالة المحمدية لتكمل مسير الدرس والتحصيل في أخر صفوفها، وأعلاها مرتبة، وأجلّها شهادة، فاكتملت في أمته صلى الله عليه وسلم قدرة العقل على التفكر بآيات الله واستخلاص الحقائق منها، والتي تجعل من الإيمان بالله تعالى والعبودية له أمراً مبنياً على أسس ودعائم شاخصة، بعد أن وضعته العقيدة الإسلامية في موقعه الصحيح من الروح الطاهرة النقية المنسجمة مع فطرتها التي فطرها الله عليها، وبذلك صارت الأمة مهيأة كليا لخلافة الأرض وعمارتها، ومقتدرة على النهوض بتبليغ ونشر الرسالة الخاتمة، التي بشر بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وأنذر عواقب التخلي عن مهمة حملها وتبليغها، بقول الله تعالى مخاطباً إياها: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (4).


لقد أنضج الله سبحانه وتعالى أمة العرب وهيأها ليستخلفها الأرض ويجعلها أداة بطشه بالكافرين والمشركين والمنافقين إلى يوم الدين، ولذلك أوجب عليهم الجهاد، وفقاً لنظام الحياة الجديد، والذي أراد للبشرية جمعاء، ولنوع العلاقة التي تربطها بخالقها، فقال تعالى في وصفه لحقيقة موقعهم بين الأمم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (5) وقال أيضاً: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (6).


على إن هذه القدرة وهذا الاستخلاف مرتبط بأسبابه على الدوام، إن تمسكوا بها دام استخلافهم، وإن فرّطوا بها سلبها منهم واستخلف غيرهم، فقال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}(7).


كما حذّرها تعالى أن ترتدّ كما فعلت أمم قبلها، بعد أن هيأ لها كل السبل والوسائل والرؤية الجلية الواضحة لتنطلق بقيادة الحياة وفقا لما أراد وما أقرّ بكتابه وبهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال وقوله الحق سبحانه: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}(8) قال تعالى أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (9).


والعرب هم أساس أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أرضهم توالت المخاضات العسيرة والاختبارات الإلهية العظيمة، فاكتسبوا بها ومن خلالها خصالاً وخصائص لا يمكن لأي أمة أن تملكها أو تتفهم مغزاها وتتعض بعبرها، وتنصقل من خلالها نفوس أبنائها فتختزن السمين من هذه القيم العظيمة، وتتخلى عن الغث منها أو على الأصح الدخيل عليها، التي ما جعل الله تعالى أرضهم ساحات عملٍ ودعوة لأنبيائه جميعا، وبطشه تعالى بمن أخذه العناد وغوايات الشيطان إلى حيث عذابه المباشر على يد ملائكته {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(10) ولم يجعل عقاباً واحداً منها على يد أنبيائه الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم، إلا لتكون دلائل معجزات إلهية ودروساً وعبراً شاخصة على مرّ الدهور والعصور أمام أنظار العرب، فهم المكلفين بحمل راية الرسالة، والمكلفين أيضاً لأول مرة بعقاب الكفار والمنافقين على غير ما كان يحدث قبل الإسلام، فالأقوام السابقة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كان عقابها جمعياً مباشراً من الله تعالى، عن طريق الملائكة وليس البشر؛ قوم نوح استكبروا وكذبوا رسالة ربهم، فتولى الله تعالى عقابهم بذاته العلية، عن طريق الملائكة المكلفين بذلك {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ}(11) وكذلك فعل مع عاد قوم هود {فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ}(12) وثمود قوم صالح الذين استكبروا فكان عقابهم من الله تعالى {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}(13) وقوم لوط الذين أخذتهم الفاحشة بعيدا عن أمر الله تعالى فبطش بهم{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}(14) ومدين قوم شعيب كذبوا برسالة ربهم {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}(15) وفرعون الذي أرسل إليه موسى وهارون، فتجبر وتكبر وهو يبصر آيات الله البينات {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}(16) أما بني إسرائيل فقد تبعثرت خطاهم، يراودهم الكفر والشرك كلما أعجزهم الامتحان فاتخذوا العجل إلهاً، ثم نسوا ما ذُكِّروا من أمر السبت والحوت، فمسخهم الله تعالى {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(17) والذين دخلوا الكفر والشرك كما خرجوا منه بعد آيات الله تعالى على يد عيسى بن مريم فأرادوا قتله {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}(18).


إنّ اكتمال مراحل الإنضاج للبشرية بدعوة الإسلام، بعد هذا الكم الكبير من الأحداث التاريخية ودلائلها وعبرها وخزين خبرتها، جعلت عقابه على يد عباده المؤمنين من البشر هذه المرة، وليس مباشرا من السماء، وإن كانت كلها بإرادة الله وأمره، فالرسول صلى الله عليه وسلم لقي وأصحابه من الكفار والمشركين ما لم يلقه نبيّ قبله، لكنّ الله تعالى لم يخسف بهم الأرض ولم يغرقهم باليم أو بالطوفان، ولم يأخذهم بالرجفة أو يمطرهم بغضب، كما كان يفعل مع أعداء رسله وأنبيائه، ولم يرسل الطير الأبابيل التي انقضَّت على ابرهة الحبشي وجيشه حينما أراد غزو مكة وهدم الكعبة في ذات العام الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فيِ تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول}(19) بل وجعل من معدات الحرب ووسائلها وسبلها المادية هي الأداة للعقاب، كما جعل من قدرات الإنسان وإمكاناته الجسدية والعقلية هي المحرك، وحتى المدد الإلهي فقد كان بصيغة المعونة والمؤازرة الحربية، كما حدث في معركة بدر، وفي هذا دلالة كبيرة على نوع التكليف، الذي تميز بنضج المكلفين، وامتلاكهم لقدراتٍ سلّحهم بها الله تعالى، كنتيجة لما سبق، وكنتيجة منطقية لكم التجارب الإنسانية خلال تلقيها لرسالات الله تعالى المتوالية، وكلها وقعت على أرض العرب، وفي هذا يكون الاستخلاف أبعد مدىً وأعظم أثراً في الحياة، وإنضاجاً لخصائص الفاعلين فيها، فقد أكتمل الوعي البشري ليكون قادراً بهذا التمهيد الرباني العظيم من التصرف خيراً أو شرّاً وفقاً لمعطيات وعيه ومدى إيمانه، فكانت الرجفة والصاعقة التي أخذت كفار قريش إلى حيث القليب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وبسيوفهم في معركة بدر، ولأنها المرة الأولى في تكليفٍ كهذا، فقد كان لملائكة الله دوراً سانداً ومؤازراً {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (20) ثم تلتها معركة أحد فكان الفعل البشري، المتمثل بتخلي المجموعة المكلفة بحماية ظهر المسلمين عن أداء واجبها من أجل الغنائم وغرور الانتصار، هو العنصر الحاسم في قلب موازنة المعركة من نصرٍ مؤزرٍ إلى خسارة فادحة كادت تستأصل شأفة المسلمين لولا إرادة الله تعالى ومشيئته، وكذلك في معركة الأحزاب، فقد كان للإرادة واليد والعقل البشري السيادة في مجرياتها، فالعقل البشري كان وراء حفر الخندق حول مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيف الذي احتزّ رقبة عمرو بن ود العامري كان بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذاك الزبير بن العوام رضي الله عنه يخرج لنوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي الذي سأل المبارزة فيضربه ضربة تشقه نصفين.


والعقل النقي بسمو الروح كان المتصدي لدسائس اليهود، فقد كان سلام بن أبي الحقيق النضري وحيي بن اخطب النضري وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار الوائلي هم الذين حزبوا قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحيي بن أخطب هو الذي أغرى كعب بن أسد القرضي وأجبره على نقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكاملت حلقات الخطر بعد أن صار الأعداء من فوق المسلمين وأسفل منهم، وهنا أيضا كان للعقل والفكر امتحان ودرس، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة سيد الخزرج وسعد بن معاذ سيد الأوس ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير قال: انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا حق ما بلغنا عنهم فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين وان كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس (21).


وفي هذا درس في الحرب كبير، ولما تحقق لرسول الله صلى الله عليه وسلم غدر اليهود ذهب مرة أخرى لفعل العقل وتدبيره، فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع الصلح بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أمرا تحبه فاصنعه أم شيئا أمرك الله به ولا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا فقال بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا عليها.(22)


ولما طال أمد الحصار كان لابد للنبي صلى الله عليه وسلم من شحنة يقوي بها المعنويات، فجعل يبشرهم ويقول:" والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة واني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنا وأن يدفع الله إلي مفاتيح الكعبة وليهلكن الله كسرى وقيصر ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله"(23). وهذه كلها معجزات تحققت، لكن الاختلاف فيها عن سابقاتها من المعجزات التي جاء بها الأنبياء والرسل، أنها تعتمد في تحقيقها كلياً على الإرادة والقدرة البشرية.


وفيها أيضا من دروس الإيمان وصدق الدعاء عند البلاء، فعن أبي سعيد الخدري قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال: "نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" قال فضرب الله وجوه أعدائه بالريح(24). وهذه هي المؤازرة، التي لا تتم إلا حين يبذل الإنسان المؤمن مسعاه ويجهد جهده، فالريح التي أمرها الله تعالى كانت تؤازر كفاح العرب المسلمين في حفرهم للخندق وسيوفهم المشرعة على محيطة.


ثم نعود لفعل العقل والتفكير المنسجم مع الروح المشبعة بالإيمان في مهمة نعيم بن مسعود الغطفاني الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله إني قد أسلمت وان قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة" فخرج حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال لبني قريظة: قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم. فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وان قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره فليسوا كأنتم فان رأوا نهزة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه. قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وانه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني، قالوا: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم فأرسل إليهم أن نعم فان بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا، ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل، ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنيع الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم إنا لسنا بدار مقام هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا من رجالنا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وان كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله الريح في ليلة شاتيه شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم(25). فالخدعة التي ينهض بها العقل لا تنسجم ونقاء الروح إلا في مواضع محددة، محورها دفع الأذى، وهي الحرب بأشكالها وألوانها، حيث إن الحرب لا تنحصر على القتال بل تتعداه، كالعامد إلى قطع زرق غيره عن فمه، والمانع على الظمآن أن يرد الماء، فكل هذه وغيرها إرادات حروب، والحرب هنا ليس بهدف إلحاق الأذى بالغير لكنها الدفاع عن كل ما هو صحيح، وإلا لو أُطلق العنان للعقل بالخدع لتحول إلى أداة مكر فتشيطن، وهذا هو جوهر التقنين الفطري.


لقد أراد الله تعالى بالإنسان أن يستثمر نعمة العقل ضمن إطار فطرة الروح، تمهيدا لاستخلافه في الأرض، والسعي فيها دون حاجة لوحي ورسول يجددان له الإنذار والوعيد، فالعقل صار قادراً على فعل ذلك.


ولهذا كانت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أصعب الرسالات السماوية وأشدها، لأنها اعتمدت بشكل أساس على قدرات البشر وخصائص العقل، على العكس من كل الرسالات السابقة لها، والتي كانت تعتمد كليا على المعجزات الإلهية، فالله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بالقول: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}(26) وذلك كان يحدث مع الأقوام السابقة والرسالات التي عنتهم، لكنه كان يريد للإنسان في مرحلة نضجه أن يتحول إلى معجزات الواقع بكل مفرداته، يكتشفها ويستشعر بعظمتها من خلال العقل الناضج، آيات لا تعدّ ولا تحصى، يتفكر فيها الإنسان بعقله، دون حاجة إلى معجزات تأتيه من السماء، كي يوقن بقدرة خالقه ووحدانيته، والله تعالى لفت أنظارنا إلى بعض من هذه الآيات الاعجازية في كتابه الكريم، فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}(27)وقال:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}(28) وقال:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}(29) وقال:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(30) وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ}(31) وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}(32)وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(33)وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}(34)وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(35) وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}(36)وقال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}(37)وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(38)وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}(39)وقال: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}(40)وقال: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(41)وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}(42)وقال: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}(43) وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}(44)وقال: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}(45) وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}(46)وقال: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}(47)


هذه آيات، وغيرها ما لا يحصى، كلها توجب على العقل التفكر فيها ومعرفة إعجازها الذي يتجاوز الكثير من المعجزات التي جاء بها الأنبياء عليهم السلام قبل الإسلام، من حيث قدرتها على ترسيخ يقين المخلوق بقدرة الخالق ووحدانيته، لو كانت واحدة فقط من هذه الأشياء التي ذكرها الله تعالى قد خلقها غير الله لحدث التناقض والتعارض وصراع الإرادات ولذهبت السموات والأرض ومن فيهما، فهي أدق تعبير وأصدقه عن وحدانية الخالق سبحانه، الشمس تمنح الأرض أشعتها ودفئها وضوئها فتحقق لها منافعها دون مقابل وبلا منَّة، وهذا تعبير عن كونها هي وكل المخلوقات الأخرى خاضعة لإرادة خالق واحد، يتحكم فيها بمشيئته، ويحدد لها واجباتها دون اعتراض منها أو تقاعس، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ* خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}(48) والعلم لا يتم إلا بنعمة الله تعالى فيما أودعه العقل من قدرة وإمكانات، {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ* أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}(49)


إنَّ الإيمان الذي يتحقق وفقا لوعي العقل بنعم الله تعالى أكثر رسوخا من اثر المعجزات التي تأتي من السماء مباشرة، فغالباً ما يذهب أثرها بذهاب المرسلين الذين حدثت المعجزات الربانية على أيديهم إلا ما ندر، لأنها معجزات تحدث خارج نطاق العقل وقدرته، ولهذا فان عقيدة الإسلام بقيت راسخة وفاعلة في الحياة، لأنها اعتمدت على معجزات استمر العقل يكتشف لها كل يوم سبيلا، أينما توجه وجد من المعجزات ما لا يعد ولا يحصى، وسيستمر يكتشف ويتسبب في إيمان الإنسان بربه أمد الدهر.


واليوم مع تعقيدات الحضارة المادية البعيدة كل البعد عن الإيمان وخصائصه نجد فيها أسبابا ومعجزات تنقل الكثير من روادها وصناعها إلى الاهتداء لحقيقة وجودهم فيسلموا لله الواحد الأحد.


وهذا في الحقيقة جانب من السر الإلهي في ديمومة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتجددها في كل حين واستجابتها لكل متطلبات العصور والدهور حتى يوم القيامة، على عكس الأديان السماوية التي سبقتها.


فقد تحولت معجزة العصا التي ضرب بها موسى عليه السلام البحر لينفلق بإرادة الله فينجو ومن معه ويغرق فرعون وأتباعه في لجته، إلى فعل بشري خالص في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت كل مواجهاته مع الكفار والمشركين تعتمد على القدرات البشرية الخالصة، من خلال نضح العقول وإبداعها وفعل السواعد، بعد أن وضعت في مواقعها الصحيحة ضمن محيط الروح الطاهرة المؤمنة المستجيبة لفطرتها التي خلقها الله عليها.


فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه يركنون إلى إيمانهم وعقولهم وإراداتهم وسواعدهم في مواجهة الأعداء، ولم يركبوا الفلك ويتركوا لله تعالى بمعجزاته إغراقهم، كما فعل مع نوح عليه السلام، بل جردوا السيف وشحذوا العقل ليردوا كيد أعداء الله تعالى.


ولقد أراد الله تعالى أن تبدأ دولة العرب الإسلامية وتنهض وتنطلق من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن تتكامل أسس كيانها الروحي والمادي معاً، وهي المدينة التي كانت تتسم أكثر من أية مدينة أخرى على أرض العرب وفي جزيرتهم، بالفرقة والتناحر والاقتتال بين مكوناتها الأساسية، وفي ذلك حكمة ربانية بالغة، فلو كانت مكونات مدينة يثرب الاجتماعية متجانسة منسجمة متوائمة أمنة لما شعر العرب بأهمية الوحدة وضرورتها كأساس متين لبناء الدولة، ولما شعر أهلها بالتناقض الكبير بين ماضيهم وواقعهم الجديد، فكانت مشيئة الله تعالى في اختيار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لمدينة يثرب مقرا ومنطلقاً لتأسيس الدولة درساً كبيراً، فيه عبرا عظيمة، ليست الوحدة كشرط للبناء الرصين هي العبرة الوحيدة فيها، لكنّ العبرة الأخرى والأهم من سابقتها، هي كيفية تحقيق الوحدة، وهنا سرّ الاختيار، فكيف تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من جمع قلوبٍ شتى وإرادات متناحرة متنافرة؟ وكيف تمكن من تحويل الأحقاد والعداء فيما بين مكونات هذه المدينة إلى محبة عظيمة ومبهرة، وتسابق إلى الخيرات والعظيم من الإنجازات، بعد حروب وعداء دبَّ بينها لمدة تجاوزت المائة بعشرين عاما؟


لقد أبقى الرسول الكريم والمعلم العظيم صلى الله عليه وسلم كيان المدينة على حاله، ولم يغير في هياكله المادية شيئا، فأبقى الخزرج خزرجاً وأبقى الأوس أوساً، لكنه استهدف الروح والعقل، فوظفهما لما خُلقا من أجله؛ استبدل التنافس وحوله من منهجه الدموي الكافر المحل للحرمات والمبيح للمنكرات، إلى حبٍّ عظيم وتنافس شريف على فعل الخير بكلِّ سجاياه، تنافس على سجايا الإيمان بالله واحتضان رسالة نبيه، ثم التنافس كأنصار لله ولرسوله، بعد أن تجمعت مكوناتهم وكياناتهم تحت هذا الاسم الكبير في دلالاته، على ضيافة المهاجرين إليهم من مكة المكرمة، فكان هذا التنافس ترسيخاً لقيمٍ قديمة في مفهومها، جديدة في منهجها ومبهرة في مفعولها، فأعجزوا من أعقبهم ومن سبقهم بعظيم فعلهم، من نكران للذات وانحياز كامل لمصالح الجماعة، وبهذا فقد كانت طبيعة الحياة الجديدة محط اعتزاز وحرص شديد على ديمومتها من قبل الأنصار أنفسهم، لأن الماضي المغير لا زالت صوره المقززة والمنفرة ماثلة أمام أعينهم وفي وعيهم وإدراكهم وحين عرضه على الواقع الجديد وعقد المقارنات بينهما، وكلما حاول البعض استعادة إحداها، تصدوا له وزاد تمسكهم بالحياة الجديدة، وتحسبوا من انحرافها. وذلك نابع أصلا من حالة التضاد والتناقض بين اسلوبين للحياة، يفصل بينهما الوعي والتجربة.


فكيف تحقق كل هذا الانسجام بعد الخصام؟ إنه الروح، الروح التي سمت فأدركت حقيقة وجودها وطبيعة دورها، فأحكمت قبضتها على العقل والجوارح والغريزة، فنظمت عمل كلٍّ منها وحددت لها مساراتها وحدود فعلها، فعادت بها إلى الفطرة التي أراد الله لها في الخير، وتلك من معجزات النبوة والرسالة المحمدية.


ولكي تحافظ الأمة على ما أفضل عليها الله تعالى بعقيدة التوحيد، فقد أرشدها إلى ما يجعلها قادرة على هذا التمكين بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (50) فقد جعل التوحد أساس القدرة، لكنه قبل ذلك جعل الإيمان به وأمر الذات والغير بالمعروف ونهيهما عن المنكر أساس التوحد وقاعدته، لأن الوحدة بلا هذا الشرط ستكون قوة غير منضبطة لابد من انحرافها ليكون من بين دوافعها الشر وتهديد الخير وأهله، كما إن وحدة كهذه ما تلبث يسيرا حتى ينفرط عقدها وتنفصم عراها، فلكي تكون الوحدة مبنية على ألفة القلوب ومحبتها لا بد أن يكون بناؤها على أساس الإيمان بالله، الذي لا يزيد المؤمنين إلا حباً وألفة وتماسكاً وصلابةً، وذلك كان السرّ العجيب في نهضة الأمة في عهد الإسلام الأول، فملكت ما لم يملكه غيرها من الأمم حتى وقتنا الحالي، ونشرت عدل ربها تعالى وتعاليم رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم.


إن من أهم أسباب النهضة ومتطلباتها إذن هي تنقية الأصول الثقافية لمنظومة السلوك الاجتماعي، التي رسمتها العقيدة الإسلامية في أول عهدها، من كل ما هو طارئ على البيئة الاجتماعية أو دخيل عليها أو محشواً فيها أو منحرفاً عن أصولها.


وعندها، وتمهيداً للنهوض، يبدأ العمل على إيجاد القاعدة الاجتماعية الرصينة التي يُركن إليها في إدارة مرحلة النهوض، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان قد بدأ ببناء هذه القاعدة الاجتماعية وأنضجها عبر مراحل تكوينها وصيرورتها حتى اكتمل الإسلام تنزيلاً وتلقياً وتأثيراً وفهماً وتطبيقاً، فكان برحيله صلى الله عليه وسلم عن الدنيا قد حقق لهذه الأمة ما يُمَكِّنَها من مواصلة المسيرة وحمل راية الرسالة، وقد فعلت.


كانت هذه القاعدة الاجتماعية التي صفَّ لبناتها الرسول صلى الله عليه وسلم هي الصورة المثلى للقيم التي جاء بها الإسلام من خلال المنظومة الاجتماعية التي تشكلت بسلوكهم الجديد، فسنّته وسلوك النخبة من صحابته وآل بيته رضي الله عنهم أجمعين كان الجانب المحسوس والملموس من الإسلام، وصورة مفصحة بجلاء عن واقعه الجديد، الذي صار الآخرون يرونه ثم يحدثون برؤيته المقارنات والمفاضلات مع قيم سلوكهم الجاهلي، فتتعرى أخطاؤها وخطاياها وانحرافاتها وسقمها، لينتج بذلك عامل التغيير الحقيقي النابع من داخل النفوس وليس المفروض عليها من خارجها.


ولهذا فإن إخضاع كل الظواهر الاجتماعية لعملية التقييم بعرضها على الثابت من منظومة مبادئ وقيم الإسلام، وهي في كثير من جوانبها قيم إنسانية درج عليها العرب فأقرهم الله تعالى عليها بعد أن طهرها من التشويه والانحراف، وصحح أهدافها وغاياتها، وتحديد الموقف الصائب منها وفقاً لذلك، ثم عرضها لعملية التحليل لفرز الدخيل والطارئ عليها ولبيان أسبابه ومسبباته والظروف التي ساعدت على وجوده، تشكل حاجات ملحة للطلائع كي تصوغ مفردات سلوكها بصورة سليمة وأصيلة.


وعند ذاك تكون المرحلة الأولى من المهمة العسيرة والشاقة قد أُنجزت، وهي كذلك حقاً لأن المحفزات التي كانت آنذاك غير موجودة اليوم، فالوجود المادي للرسول صلى الله عليه وسلم وتواصل الوحي عليه كان يشكل عاملاً مضافاً وحاسماً في ترشيح تلك القيم وتنقيتها من الدخيل والشاذ عنها، لكن الواقع تتفاعل فيه قدرات الإنسان الاعتيادي بقيمه التي طرأ عليها من التحريف والتشويه الكثير عبر قرون التخلي والانحراف والردَّة.


أما المرحلة التالية ففيها يُعاد تركيب عناصر القيم الاجتماعية، فبعد أن تمت تنقيتها وفرز الغث عنها بالتحليل ومعرفة خواص كل جزء من أجزاء ومفردات هذه المنظومة المتكاملة، تأتي مرحلة إعادة صياغتها أو تركيب عناصرها بشكل سليم يتناسب مع متطلبات الواقع الجديد.


لكنَّ هذا لا يفي بمفرده لتحقيق نهضة إن لم يستحضر عامل التعجيل، لأن المجتمع إذا أمسك بمتطلبات النهضة سيبقى في مساره متخلفاً عن مسارات سبقته، إن لم يوجد عامل التنقية والتعجيل للحركة الاجتماعية، الذي يختصر مراحل مسيرة النهوض ويختزل زمنها بما يؤمن للأمة اللحاق بالركب ومن ثم التجاوز الخلاق، دون أن يفقد المجتمع عناصر الدقة والإبداع والانجاز المتميز والتوازن المطلوب، فيما يمتلك بهذا العامل قدرة المحافظة على الخصائص السلوكية بنقائها وثباتها وحصانتها من الانحراف مجدداً.


فما هو هذا العامل الحاسم في تحقيق قدرة النهوض؟
انه الإيمان بالله تعالى وبرسالة نبيه صلى الله عليه وسلم مجرداً من كل التشويهات وعناصر الدس التي أُلحِقت به في مسار الفتن والتراجع بفعل سموم الأفعى الصليبية واليهودية والمجوسية والجاهلية العربية. العقيدة التي لا تبيح غايةً إلا أن تكون نبيلة، ولا وسيلة لتحقيقها إلا أن تكون على منهج غايتها.


الإسلام الذي يطهر الروح ويطوع العقل والغرائز في سياقهما الصحيح، العامل الذي يربط الفعل الحضاري بدوافعه فيحيطه برعاية تقيه السقوط في مهاوي التشتت والضياع الذي ينقلب بالمجتمع منتكساً دون إبطاء.


على أن لا يستحضر بصيغة التراجع والتدهور إلى الوراء، بل بصيغة التفاعل مع معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، فالحياة لم تعد كما كانت قبل 1400سنة، وهذا يتطلب أن نعالج الواقع بروح الإسلام لا بشكله الذي كان عليه من قبل، فالإسلام في جوهرة عقيدة ثابتة، لكن الحياة التي تستجيب لهذه العقيدة متغيرة ومتطورة من زمن لأخر، والقيم ثابتة لكن التعبير عنها يختلف ويتطور من زمن لأخر، كما تتغير الوسائل والأدوات.


لكن هذا الفعل الحضاري إن لم تكن دوافعه إيمانية خالصة سيجد له الشيطان ما يحرفه إلى حيث يريد، والشيطان لا يريد للأمة أن تمارس دورها الذي أمرها الله تعالى به، لأن فيه اندحاره وهزيمته الكبرى، وذلك الذي جعل أمتنا كأنها تدور في حلقة مفرغة لا تنطلق من مثابة حتى تدور فتعود إليها منهكة وحيث كانت، فاقدة بذلك الجهد والتضحيات بلا منجزات ما خلا الخيبات والإحباط.


لقد كان الفعل العربي ينهض فيدور بحلقته المفرغة تلك فلا يحقق من فعله إلا ذكريات البطولة، لأن البطولة مهما كانت مبهرة فهي غير قادرة على قيادة نهضة ما لم تُخلق القاعدة الاجتماعية وما لم يحكم حركتها وأهدافها ونواياها وصيغها عامل التركيب والتعجيل، فمن طبيعة هذا الدور البطولي" انه لا يلتفت إلى حل المشاكل التي مهدت للاستعمار وتغلغله داخل البلاد"(51) كما لا يملك الرؤية الواضحة لمحو أثاره السلوكية.


واهمون من تصوروا أن شجاعة العرب وفروسيتهم هي التي حققت وأنجزت فعلا حضاريا بمفردها، وواهم أيضا من تصور أن الوحدة بصيغتها الكمية والعددية كانت هي العامل الحاسم في ذلك، كما لم تكن الأهداف والدوافع هي الأخرى كذلك، فلكلٍّ أهدافه ودوافعه ولا يرى الصحة والمصلحة في غيرها ولا يجد تحقيق وجوده إلا بها ولا ينظر إلى مصيره إلا من خلالها، وإلا لما قاتل وضحى من اجلها.


إنما العامل الحاسم والأساس الذي قاد الفعل الحضاري كان عملية إعادة صياغة الإنسان العربي مجددا من خلال القيم التي جاء بها الإسلام، والذي تعهد الروح أولا فطهرها ثم سلحها بقيمه النبيلة واخضع لإرادتها العقل والغرائز وسائر الجسد كل منهم يؤدي واجبه ودوره وفقا لقيمها وإغراضها وأعرافها الجديدة، وهذا الذي أعطى للوحدة أفقا جديدا وأعطى للسلاح مضاءً أكبر ومنح للشجاعة دورها وفعلها الصحيح، لأنه وحدّ مكونات الإنسان ذاته، وجعلها منسجمة فيما بينها على أهدافها الواضحة، المتمثلة برسالة الإنسان في الحياة وسبب وجوده، فذلك الذي هيأ للقوة الفتية التي لا تملك الكثير من العدد والعدة أن تنتصر باقتدار على قوة تفوقها بالعدد والعدة أضعافا مضاعفة.


لقد تصدى العرب للاحتلال العسكري باستحضار قيم البطولة وتحفيزها في نفوس المتحمسين، سواء كانت قبلية أو حزبية أو فئوية أو حتى مذهبية، دون استحضار القيم التي جعلت من كل هذه المفردات وحدة متماسكة، فلكي تكون البطولة القبلية فاعلة وتحقق الهدف عليها أن تركن وتستند لمنظومة الثقافة الاجتماعية والسلوكية الإسلامية الحقة، وليس استعارة بعض مفرداتها مع كثير من جاهليتها لتعزيز الفعل البطولي، لأن مرور الزمن كفيل بنفي مفردات الاستعارة لعدم رسوخها ولكونها عاطفية تولدت من الحاجة الظرفية إليها، فيما تبرز القيم القبلية والمناطقية والفئوية والحزبية كعامل أساس وحاسم في توجيه النوايا النهائية، لأن هذه القيم لا تمثل إلا الجهة التي تتبناها وتعتنقها فسرعان ما تصطدم بغيرها من القيم ممن يشغل معها حيزا من ساحة المنازلة، وعندها سيذهب الجهد هباء، وسيجد حينها الأعداء منفذهم المضمون للتفريق ومن ثم الانفراد بالواحدة تلو الأخرى من هذه الكيانات فيقضي عليها جميعاً.


والحقيقة الغائبة عن بال العربي أن هذا المسار في طلب التحرير كان السبب الأساس والأرضية التي مهدها العرب بأنفسهم لتقسيم الكيان العربي الواحد إلى دويلات وأقطار وأقاليم فكانت سايكس بيكو مجرد انعكاس لهذا الواقع وجد فيه الأعداء ضالتهم، حيث لم تتسم معارك التحرير العربية كلها إلا بطابع الفئوية والقطرية والقبلية، فكان من الطبيعي أن يبحث كل أصحاب منجز عن ثمارٍ لمنجزاتهم بكيان لا يُشرك فيه الآخرين.


كما ترافق مع هذه البطولات دعوات هي الأخرى لا تتلمس من شمول الحل إلا قدراً يسيرا، فقد أراد بعض المثقفين والمتحمسين أن يضعوا لمشاكل الأمة بعداً سياسياً واقترحوا لحلها وسائل سياسية مختلفة، بينما كان بعض رجال الدين يرون بإصلاح العقيدة في نفوس المجتمع من خلال الوعظ والإرشاد حلاً ومطلباً، وكلها كانت أفكار مبتورة وجهود قاصرة تدور في حلقات مفرغة لم يتحصل للأمة بنتائجها سوى المزيد من الوهن والإعياء، لأنها لم تكن تملك أدوات التغيير أو الإصلاح، كما لا تملك الرؤية الشمولية للواقع.


إن طلائع الحركة التاريخية التي نشأت في العراق، كانت تعتمد أصلاً على أساس انقلاب هذه الطلائع على ذاتها قبل كل شيء، لتتطهر من كل الأدران التي مسخت الإنسان العربي وعطلت قدراته وطاقاته، فتخلق قدرة التأثير بطريقة النموذج المشع وسط الجماهير، فيكون التحول اختياراً من قبلها وليس أمراً يفرض عليها فلا يتسم بالرسوخ، وإن كان يلبي مصالحها ويستجيب لطموحاتها، لكنهم افتقدوا للعدة والأداة المثلى التي لم تكن لتكفي كي تؤدي مهمة كهذه، فالمحاولات الجادة والحثيثة التي بُذلت من اجل تكوين القاعدة الاجتماعية الرصينة لم تكن كافية لتخلق قاعدة بمستوى القاعدة المُثلى التي ذكرنا، نتيجة العوامل الخارجية والداخلية التي ارتبطت بها غالباً، خاصة وان التشيع الفارسي كان قد سرق شطراً من هذا الجهد والكيان ومسخه مسخاً كاملاً من خلال تسلط عملاء رؤوس الأفعى الشيعة النصيرية أحفاد سليمان الأسد على القطر السوري، وممارستهم لكل عمليات التعويق والتشويه المطلوبة منتحلين اسم البعث ومدعين فكره ظلماً وعدوانا.


كانت انطلاقة طلائع الأمة في العراق خطوة بالغة الأهمية، لكنها أخطأت التقدير حينما دُفِعت للانطلاق متخطية مرحلة النهوض قبل اكتمال مراحل تكوينها إلى مرحلة الفعل الحضاري، فهذه الخطوة لا تصح خطوة تليها إلا باكتمالها ورسوخها، فلو كانت القاعدة تلك قد اكتمل بناؤها في العراق لما احتجنا لطائرات ودروع لتصفع خونة الأمة حكام الكويت، بل لكانت الصفعة قاتلة لهم ولعارهم من قبل أبناء الكويت أنفسهم لو كانت أعينهم قد أبصرت ما كانت تحلم به في سباتها الطويل منذ قرون واقعاً ملموساً قد تحقق على أرض العراق، وإن كانت هذه الحاجة هي ناتج عن عمليات التعويق وردٌ عليها، بالإضافة إلى أن الحلم الذي جعله صدام حسين ورفاقه حقيقة على أرض العراق قد داهمته وأفزعته كوابيس الأعداء منذ اليوم الأول مروراً بكل صفحات التخريب والتعويق التي تكللت بالغزو الصليبي الصهيوني المجوسي الجاهلي عام 2003م.


المجتمع العربي اليوم مثقل بمظاهر الانحراف السلوكي والفكري، فلم تعد مظاهر الجهل والتخلف والمرض والبطالة هي كل أمراضه، بل لقد تمكنت رؤوس الأفعى من إثقال الواقع العربي بأمراض لا تعدّ ولا تحصى، لم تكن أيام الاحتلال العسكري المباشر هي كل أسبابها، إنما كانت حالة الوهن والضعف واليأس العربي سبباً هاماً في تقبل كل بضاعة اجتماعية وسلوكية فاسدة تُعرض عليه.


كما إن العربي المسلم الذي أفقدته عصور التخلف والانحطاط قدرة الاتصال والتواصل الروحي بمنظومة الأخلاق لعقيدته التي لم يتبق منها إلا اسمها وبعض مفرداتها المشوهة لم يعد قادراً على عرض المفردات المسوقة إليه بشتى الوسائل والأساليب ومنها وسائل الاتصال الحديثة على عقيدته العربية الإسلامية ومنظومتها الأخلاقية وقواعدها السلوكية الأصيلة ليمكنه فرز الصالح منها عن الضار، مما سهل حشرها كمفردات قيد التداول، ساعد على ترسيخها أعداد من المسلحين بثقافة وسلوك أغلبها من إفرازات الحضارة الغربية وبعضها لأقوام الأخرى مجاورة وغير مجاورة، فوضعوا لها فلسفة تحبذها كبديل سلوكي للواقع السيئ معتقدين أو متصورين أن فيها الخلاص وقدرة النهوض.


كما إن الشعوبية التي ما انفكت هجماتها تتلاحق على الأمة كانت هي الأخرى قد ساعدت كثيراً على مسخ القيم والكيان الاجتماعي العربي برمته، معتمدة في نشاطها على عاملين متلازمين، هما الكيان القومي العربي وحالة التردي التي خلقها العرب أنفسهم بتخليهم عن أداء دورهم الرسالي أو الخروج عن سياقه الصحيح وركونهم إلى الدنيا ومتطلباتها، ولهذا كان لزاما على دعاة الشعوبية أن يتخذوا من الإسلام ذريعة كي تحض طروحاتهم بالقبول من قبل العرب، فيتحقق لهم حين إذن اختراق صفوف العرب والعبث فيها كيف شاءت مناهجهم الخبيثة ومتى أرادت.


وقد شهد القرن العشرين نوعين من المواجهات التي خاضها العرب ضد مظاهر الاحتلال الشكلية المتمثلة بالاحتلال العسكري دون التفكير الجدي بالتصدي لما هو أخطر وأمضى منه، والمتمثل بالغزو الثقافي والسلوكي الذي رافق الاحتلال العسكري ومكث بعد انتهائه حتى ترسخ في المجتمع كقيم بدت وكأنها قيم أصيلة وليست مفروضة، متوهمين أنها قد اختفت باختفاء الجيوش الغازية:


أما النوع الأول فهو الذي يحمل الطابع القومي، اتخذ من القومية العربية حافزاً يتوحد عليه الشعب في تصديه للمحتل، كما حصل في المشرق العربي خلال تصديه للاحتلال العثماني، وقد كان هذا الخيار منطقياً تطلبته هوية المحتل ذاته، فالدولة العثمانية احتلت أرض العرب باسم الإسلام وقبلهم فعل الفرس أيضا، فلا يعقل أن يتصدى العرب لاحتلالهم باسم الإسلام أيضا، ولأن المفهوم القومي إذا جُرِّد من الإسلام أو أُخرج عن محيطه سيتحول إلى كم وتراكم عددي ومادي قد يستطيع إنجاز مهمات مقارعة المحتل وإخراجه من الأرض عسكرياً لكنه لن يكون قادراً على التخلص مما هو أخطر منه، لأنه لا يملك حينها الرؤية والعقيدة التي يستند إليها والسبيل الذي يسلكه والدافع الذي يحفزه والميزان الذي يعرض عليه الواقع ليفرز الغث من السمين فيه.


أما الثاني: فكان يحمل طابعاً إسلامياً، كما حصل في المغرب العربي، لأن احتلاله كان من قبل دول لا تدين بالإسلام، مما جعل من استنهاض الناس لمواجهة المحتل بالإسلام أمراً مفيداً وممكناً، وقد تحقق النصر على الجيوش الغازية وطُردت من أرض المغرب العربي كما حدث في المشرق، لكن الذي لم يتحقق هو القدرة على طرد كل مظاهر الاحتلال الأخرى، وأثارها العميقة التي تركها المحتل في سلوك المجتمع العربي المسلم وقيمه، والتي تشوهت وأبطلت مفعول العروبة والإسلام معاً في أن يؤديا دورهما الفاعل والأساسي في تحرير السلوك الاجتماعي من آثار الاحتلال، وخلق القدرة على النهوض ومعاودة المسير، فكما مرَّ علينا كان الإسلام والعروبة قد تعرضا لعمليات تشويه وتمزيق وتشتيت بمؤامرات ودسائس ترسخت على مرِّ الزمن المنصرم من عمر الأمة العربية الإسلامية، فلم يسلم من الدس حتى المذهب الفقهي الواحد داخل الإسلام من بذر أسباب الخلاف والتناقض فيه، كما لم يسلم من الكيان القومي العربي قطراً واحداً من مظاهر الاختلاف والتناحر وتضارب المصالح وتباين الإرادات، حتى كان احد أهم أمراض الأمة أن اغلب أبنائها كانوا ينحون بكل الأخطاء والانحرافات الاجتماعية ومظاهر التخلف والعجز والظلم على الأعداء المتربصين والمحتلين، والتي أقصت قيم العروبة والإسلام عن أداء دورها وفعلها. ثم تفاقم المرض واستفحل حينما توهموا أن بزوال مظاهر الاحتلال العسكري ستزول معها كل هذه الأمراض والانحرافات، فحينما شهد منتصف القرن العشرين تحررا شكليا للعرب من مظاهر الاحتلال، كانت المفاجئة والشعور بالنكبة والانكسار بعدها مباشرة عندما وجدوا إن هذه الأمراض والانحرافات باقية راسخة في كياناتهم ولم تختف بذهاب المحتل وعساكره، بل لقد أرعبتهم بعضها بتفاقم آثارها على المجتمع بعد تحرره، فصار لزاما أن تلقي بهذه المشاكل وأسبابها على عاتق احد، ولما لم يعد هناك محتل ظاهري فقد تفرق الجمع على البديل، فمنهم من أوعز أسبابها للمحتل ذاته وفقا للمفهوم السطحي للمؤامرة، ومنهم من ألصقها بفئات اجتماعية أو حزبية أو قبلية أو عرقية أو مذهبية ظهرت بينها آثار تلك الانحرافات والأمراض الاجتماعية أكثر من غيرها، فيما ذهب الكثير لتحميل الحكام العرب وكياناتهم السلطوية الذين تسلموا زمام الأمور بعد التحرير والاستقلال كلَّ أسبابها وتبعاتها، وهم جميعاً عرب وكلهم مسلمين باستثناء لبنان، فاختل التوازن اختلالاُ كبيرا، حتى تصور قسم من العرب المأخوذين من حيث لا يدرون ولا يُبصِرون أن العروبة والإسلام غير قادرين على تحقيق ما كان يطمح ويريد، فراحوا يبحثون عن منقذ وسبيل من خارجهما، فكانت أسواق الفكر لمن كان له محتلا أقربها، لأن أغلبهم لا يدرك أن المحتل خرج من الباب ودخل عليهم من الشباك دون أن يترك لهم فرصة لالتقاط الأنفاس، وتلك أيضاً من الإفرازات التي أنبتتها ثقافات الاحتلال أو ساعدت على إنباتها وتعهدتها بالرعاية والإنماء.


فيما كان البعض الآخر قد وجد نفسه في مفترق طرق، نتيجة قصور فهم واستيعاب لحقائق التاريخ والواقع، بين المفاهيم القومية والوطنية والإسلامية التي أثمرت عن تحرر من سطوة المحتل العسكرية واستقلال عن تبعته السياسية لكنها لم تخلق له البديل القادر على التغيير الإيجابي، وبين أن يسلك طريقاً آخر جديداُ لم يكن قد لوثه من أُلقيت عليه التهم التي كانت تلقى على المحتل من قبل، فكانت الشيوعية وغيرها من منابت الفكر الغربي للبعض طريقاً وحلا، فيما كانت الظاهرة الدينية المسيّسة طريقاً أخر، والتي كانت رؤوس الأفعى قد هيأت لها أرضيتها وأسباب وجودها ونموها، واضعين في أنيابها كل السموم والأمراض التي يسعى العربي المسلم للشفاء منها، فكان التطرف الديني عاملاً حاسماً في تعميق الفرقة وتعزيز أسبابها، مما جعل علاجها هذه المرة أصعب مما كان عليه من ذي قبل، فقد اتسمت الفرقة هذه المرة بالقدسية الدينية وليس المصالح الدنيوية كما كانت قبلها.


وقد ساعدت على ذلك حالة الإحباط الكبرى التي خيمت على العرب عموما منتصف القرن العشرين نتيجة وجود الكيان الصهيوني وعجز الكيانات العربية عن مواجهته متفرقة ومجتمعة، رغم الاهتداء إلى الأسباب الحقيقية التي أدت لذلك، لكن دون القدرة على تلمس أسباب علاجها، الأمر الذي أدى إلى فصل الأمة جبهتين وفريقين رئيسين، أحدهما: قانط يائس بائس مستسلم لواقعه المرير، متأقلم معه يصوغ مفردات حياته وفقاً لمتطلباته، وثانيهما: غالٍ مفرط في تطرفه حتى تشعب إلى اتجاهات مختلفة وأحياناً متناقضة، فمنهم من انحرف إلى التطرف الديني ومنهم من صار كافراً ملحداً شيوعياً أو وجوديا وفيهم من وجد في أعداء الأمس حلاً ومخرجا فانحاز لمنهجهم وتلمس فيه علاجاً لواقعه.


وذلك كله كما قلنا ناتج عن تأثير المتغيرات التي سلبت الروح مكانتها وحفزت العقل والتفكير للتمرد عليها، ولأن " اختيار البدائل الفكرية، ونظريات العمل القادرة على استيعاب شروط الحياة وقوانينها ليست مهمة سهلة وعلى هذا الأساس فحيثما فشلت الحالة الفكرية، أو السياسية المحددة، أهدافاً ووسائل، فإن جانباً من المعنيين، والمجتمع غالباً ما يرتدون إلى التعميم، أو التعلق بقيم ترتفع عن أرض الواقع الذي سبب الإحباط، حتى عندما لا تكون هي السبيل للخلاص و الإنقاذ من الناحية الواقعية"(52) وقد لاقت هذه التوجهات رواجاً في أوساط الأمة، وبخاصة الدينية منها، لأنها الحالة المثلى التي تسحب إليها جماهير المحيطين في المجتمع، وهي عادة تكون الأكثرية حيث الجهل والتخلف والعوز، لما تنطوي عليه الحالة الدينية على تعلق روحي وشعور بالاطمئنان والثقة، دون الالتفات إلى حقيقة أن الأتراك والفرس كانوا هم الآخرين قد سلكوا هذا المسلك في مسار تدميرهم للأمة على مدى قرون عديدة من الزمن.


وقد ساعدت على ذلك الحكومات الوطنية والقومية وحتى الدينية التي أمسكت بزمام الأمور بعد الخروج الشكلي للاحتلال فكانت قد أعدت نفسها لتخليص الأمة وشعوبها من الاحتلال، ولم تكن قد أعدت نفسها جيداً لما بعده، فكانت كمن يُبْحِر في لجة المحيطات وأمواجها المتلاطمة، وهو لا يملك من خبرة الربان والبَحَّار شيئا، حتى وجدوا كلهم، على اختلاف مناهجهم وشعاراتهم، في حضارات الغرب والأمم الأخرى، التي امتلكت أسباب القوة المادية، فجعلتها تملك قدرات التوسع على حساب الغير فتحتل أوطانهم، أفضل منهلٍ متاح لينهلوا من ثقافته، حيث كانوا يتصورون أن فيه العلاج، وهذا هو الشباك الذي فتحوه بأيديهم للمحتل كي يعود للهيمنة عليهم فكرياً بدلاً من الهيمنة العسكرية. الأمر الذي أخفى أثر المحتل في الواقع الذي يصوغ مفرداته بريشة فنان بارع، فجُمِعَ العداء كله لهؤلاء الحكام على أنهم هم سبب البلاء والمصائب كلها، وبهذا الجزء المبتور من الحقيقة ضاع سائرها وأغلب جوانبها، فلاهم أنجزوا ولا أمكنوا الحاكم لينجز بعض ما أراد إنجازه، وكانت الطريقة التي تشكلت فيها الأنظمة الحاكمة قد ألحقت ضرراً بالغاً بالأمة، حيث أشعرت بسلوكها المستوحى في جوانبه الرئيسة من ثقافات الغرب الدخيلة على الإرث الجمعي بالتناقض، مما ولد حالة الرفض والتقاطع المستمر بين الحكام والمحكومين، حتى صارت ثقافة المعارضة السلبية هي العقدة الحاكمة في العلاقة بينهما على الدوام.


ومن هنا نمت ظاهرة الكل يكفر الكل ويخطؤه ويخونه، حتى صار المجتمع كله متهماً، فلم يخلف حاكم على سلطة إلا اتهم سلفه وجرَّم فعله، يمحو كل آثاره من أجل أن يبرر وثبته على السلطة ويجعل له عذراً وسببا. وانسحب الأمر سريعا على النظام الاجتماعي بما أفقد الأمة واحدا من أهم خصائص كينونتها، ذلك هو التآزر والتكاتف الاجتماعي في السلوك والعمل، حتى استحكمت قاعدة سلوك التخريب في النفوس، فما يبنيه الحاكم تسعى الرعية لتخريبه، وما تبنيه الرعية يخربه الحكام، ولا يخرج عن سياق التخريب هذا إلا ما تبنيه اليد والخبرة الأجنبية، وبذلك فقد حرم المجتمع نفسه من تراكم البناء وإن كان بسيطا كجزء من توفير متطلبات ومستلزمات بناء القاعدة.


-----------------------------------
سورة المؤمنون، الآية: 68.
سورة الأعراف، الآية: 74.
سورة النمل، الآية:62.
سورة آل عمران، الآية: 110.
سورة البقرة، الآية: 143.
سورة النور، الآية: 55.
سورة الأنعام، الآية: 133.
سورة الأعراف، الآية:56.
سورة المائدة، الآية: 54.
سورة آل عمران، الآية: 105.
سورة الأعراف، الآية: 64.
سورة الأعراف، الآية: 72.
سورة الأعراف، الآية: 78.
سورة الأعراف، الآية: 84.
سورة الأعراف، الآية: 91.
سورة الأعراف، الآية: 136.
سورة الأعراف، الآية: 166.
سورة آل عمران، الآية: 55.
سورة الفيل.
سورة آل عمران، الآية: 123.
ابن كثير، البداية والنهاية، ج6،ص37، دار هجر ط1 القاهرة 1998.
نفس المصدر، ص39.
نفس المصدر،ص51.
رواه احمد والبزار.
ابن كثير، المصدر السابق، ج6،ص59-61.
سورة الشعراء، الآية: 3-4.
سورة الشعراء، الآية: 7.
سورة الروم، الآية: 19.
سورة الروم، الآية: 20.
سورة الروم، الآية: 21.
سورة الروم، الآية: 22.
سورة الروم، الآية: 23.
سورة الروم، الآية: 24.
سورة الروم، الآية: 25.
سورة الروم، الآية: 46.
سورة الروم، الآية: 54.
سورة لقمان، الآية: 10.
سورة لقمان، الآية: 29.
سورة النحل، الآية: 72.
سورة الأنعام، الآية: 95.
سورة النحل، الآية: 69.
سورة النور، الآية: 43.
سورة الروم، الآية: 48.
سورة الزمر، الآية: 21.
سورة الرحمن، الآيات:19-22.
سورة الطارق، الآيات: 5-7.
سورة المؤمنون، الآية: 21.
سورة العنكبوت، الآية: 43-44.
سورة الروم، الآية: 7-8.
سورة آل عمران، الآية: 103.
مالك بن نبي، شروط النهضة، ت. عبد الصبور شاهين، ص19، دار الفكر دمشق 1986م.
صدام حسين، الحركات السياسية الدينية والحركات المغطاة بغطاء الدين، مجلة ألف باء، العدد972، 13/5/1987م بغداد.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس  / ٠٥ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ١٩ / أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور