في عيادة المجتمع عودة أخرى للمرجعيات

 
 
شبكة المنصور
حديد العربي

شهد عام 2004م تجسيداً حيّاً لواقع الانحراف الخطير الذي توغل عميقاً في جسد الأمة وبين ثناياها، لا سيما في مواقف بعض علماء الدين الكبار، تميزت بازدواجية تكاد تكون فريدة من نوعها، أفصحت بجلاء عن واحدة من مسببات ضعف الأمة وتري أحوالها ونكوصها عن أداء دورٍ لها، كان يفترض بها أن تؤديه وتعاود النهوض به، كما كانت من قبل، فقيادة العراق كانت مسلمة وشرعية في نظر عدد من أولئك العلماء، طالما لم تكن على خلاف مع حكامهم، أو لم يفرض عليهم عدائها من قبل القوى التي تستند إليها أنظمتهم، فخلال معارك القادسية الثانية كانوا يحرضون ويشجعون على نصرتهم، لكن الصفعة التي وجهتها قيادة العراق لحكام الكويت العملاء جعلتهم ينحرفون عن قناعاتهم السابقة ويفتون بكفر البعث وقيادته، وليس هذا فحسب بل أوجبوا حربه وأباحوا الاستنجاد بالكافرين والمنافقين وتوليهم من أجل ذلك، مع إن حزب البعث كان موجوداً منذ أكثر من أربعين عاما، وصدام حسين يحكم العراق منذ 22 عاما، ولم يفطنوا "لكفرهم" إلا حين تعرضوا لمصالح حكامهم، فالحقيقة أن أمثال هؤلاء، وهم موجودين في كل زمان، لا يقيسون تصرفات الحكام على العقيدة الإسلامية وشريعتها، لكنهم في الغالب يوظفونها لخدمة سياسات حكامهم وتبريرها بمختلف الأساليب الملتوية.


فصدام حسين رحمه الله كان أكثر منهم ومن حكامهم التزاماً بالشريعة الإسلامية حين منع على الجهال والمغررين من الشيعة أن يمارسوا طقوساً شركية فرضها عليهم التشيع الفارسي الصفوي منذ قرون طويلة، التصقت بهم بنتيجة الجهل ودون أن يعلموا حقيقتها وبتشجيع من المنتفعين من العوائد المادية والمعنوية لتلك الممارسات، فمنع الطواف بصيغته المعروفة لديهم ومنع قصد المراقد سيراً على الأقدام ومنع التطبير واللطم والقراءات، فكان خير عون للشيعة العرب في مساعيهم للتخلص من دسائس الفرس التي انحرفت بالتشيع إلى حالة تبتعد كثيراً عن العقيدة الإسلامية، بعدما ألصق به الفرس الكثير من مفردات تراثهم المجوسي المرتبط بأصالتهم القومية الشعوبية الحاقدة على كل ما هو عربي، فالتشيع العربي حين يجرد من الدس الفارسي الشعوبي فإنه لا يشكل إلا مذهباً فقهياً لا يختلف كثيراً عن المذاهب الأخرى، وذلك ما كان صدام حسين رحمه الله قد سعى لتحقيقه، لكن تآمر أولئك الحكام ومفتيهم مع من تآمر وأشهر العداء قد فوتوا تلك الفرصة التاريخية، التي قد لا تتكرر، فيما هم انفسهم اليوم لا يستطيعون منع الممارسات الشركية للفرس في عقر دارهم بما يحدث في البقيع وغيره، وذلك لم يكن كل ما بناه صدام حسين رحمه الله ونظامه الوطني بل لقد اعتنى بلغة القرآن وحصنها من الدس ومحاولات التشويه والتغييب، وقاد حملة إيمانية كبيرة لحفظ القرآن الكريم والتعريف بأحكامه بعيداً عن المذهبية والطائفية المقيتة، وجعله سبباً حاسماً في تقييم الناس، وأعفى من يتبرع ببناء مسجد من الضرائب، بالإضافة إلى توفير المواد له بنصف الكلفة، وهو وليس غيره من دك أوكار الصهيونية المجرمة بأكثر من 40 صاروخ صنعته العقول والأيدي وإرادة الاقتدار العراقي، والتي أراد منها أن تكون في خدمة الأمة وعقيدتها وقضاياها، وكان أعظم انجازاته حين تمكن من توحيد الشعب العراقي على جوهر العقيدة الإسلامية بعيداً عن المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية، فكان حكام أولئك المعممين أداة وسبب تدميرها خوفاً منهم على عروشهم البائسة، ونظام صدام حسين رحمه الله هو الذي وقف وحيداً بوجه الحملة الجديدة على الأمة والإسلام، والتي افتتحها الخميني بمحاولته تصدير التشيع الفارسي كستار لغزو الأمة والتنكيل بها وبعقيدتها ثأراً من أسلافها الذين أذهبوا إمبراطوريتهم القومية المجوسية، وردها بفضل الله ونصره على أعقابها والأنظمة ووعاظها كانوا حينها في صف المتفرجين، واليوم وبعد غياب العراق وقائده، ها هم عاجزون عن مواجهة ذلك الهجوم الشعوبي الصفوي وهو يقتحم عليهم ديارهم الواحدة تلو الأخرى.


ولأن هؤلاء الرجال أعجز من حكامهم فإنهم يسعون لأن يضللوا الناس بهدف تعجيزهم عن أداء دورهم وواجبهم في دفع العدو الكافر الصائل على العراق وأهله، وقد يكون من بين أسبابهم الدفينة، أنهم يخشون من عودة الذين أحرجوهم وحكامهم حين كانوا يشعرونهم بالعجز والتخاذل والخنوع للأجنبي، فيما لو تمكنوا من طرد الغزاة وحرروا أرضهم واستعادوا دورهم، فلا أحد يمكنه المزايدة على مواقف العراق تجاه الصهيونية المجرمة، لأنه البلد الوحيد الذي لم يصافح اليهود ولم يوقع معهم هدنة، ولم يرضخ للواقع الذي فرضه حلفائهم الصليبيين منذ عام 1948م وحتى الاحتلال عام 2003م، شعباً و جيشاً وأنظمة.


فهذا المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ قد ساير سلفه الشيخ ابن باز رحمه الله وعفا عنه، الذي انتخى لجاهلية حكام الكويت الخونة، وانصاع لإرادة القوى الإمبريالية الحامية لحكمهم، فأفتى بكفر العراق وقادته وأحل ما حرم الله من تولي اليهود والنصارى والاستنجاد بجيوشهم لذبح العراق العربي المسلم عام 1990م، فأهل العراق مسلمين كما هم أهل الكويت، وهما بعد ذلك عرب اجتمعت لهما أخوة العقيدة والنسب معاً، وتاريخنا العربي الإسلامي لم يشهد سابقة كالتي ابتدعها مفتي الوهابيين، إلا ما فعله ابن العلقمي والطوسي حين استنجدوا بالمغول بحجة التشيع، وهما من الفرس وليسا من العرب، فمعاوية بن أبي سفيان حين أدركته الهزيمة في معركة صفين لم يستنجد بالروم لمواجهة جيش الإمام علي بن أبي طالب، وكان يمكنه ذلك لو أراد، فقد كانوا قريباً منه، والروم كانوا كأخلافهم الصليبيين اليوم أشدّ حرصاً على تمزيق صف العرب المسلمين، وما كانوا سيرفضون طلب معاوية لو فعل، لكنه لم يفعل، بل ولم يفكر في ذلك مطلقاً، مع إن معركته كانت مصيرية.


وكان يمكن للعرب أن يفضوا النزاع العراقي الكويتي بكل يسر وسهولة لو كانوا يريدون ذلك، أو يملكون القدرة عليه، لكنهم في الحقيقة لم يكونوا يملكونها، لأن أمرهم مرتهن بإرادة أسيادهم الصليبيين، ولا يستطيعون الخروج عن طوعهم، ففي ذلك ذهاب لكراسي حكمهم ومصالح دنياهم، فخلاف العراق مع الكويت كان يتعلق بسرقة الحكومة الكويتية لنفط العراق خلال انشغاله بالدفاع عن أرضه وعنهم ضد العدوان الفارسي الشعوبي، وكانت دول الخليج لو كانت حقاً تملك أمرها قادرة على سداد المبالغ المستحقة على الكويت وينتهي جانب من المشكلة، أما الجانب الآخر والذي كانت تشترك فيه مع أنظمة السعودية والإمارات بإغراق السوق بالنفط تجاوزا لحصصهم المقرة في منظمة أوبك من أجل إرهاق الاقتصاد العراقي المتعب أصلاً بفعل الحرب الطويلة، فأمرهم بأيديهم، وكانت ستنتهي كل المشكلة. وما كان أولئك المفتين بحاجة لأكثر من حماسة مشابهة لحماستهم في تكفير العراق وتحليل، بل وإيجاب غزوه وتدميره من قبل جيوش الغرب الكافر، لكي تحل تلك المشكلة المفتعلة من قبل الحكام الخونة المتآمرين على الأمة وعقيدتها، تحقيقاً لأغراض أسيادهم.


فالشيخ عبد العزيز آل الشيخ أكمل ما بدأ به غيره حين سفه جهاد الغزاة الكفار الصليبيين على ارض العراق بعد احتلاله بقوله عام 2004م:" إن الذهاب إلى العراق ليس سبيلا لمصلحة لأنه ليس هناك راية يقاتل تحتها فالذهاب إلى هناك من باب التهلكة" كما نشرتها صحيفة عكاظ حينها.


أما صالح اللحيدان فقال في ذلك العام أيضاً: "العراق في حال لا يحسن أن يذهب إليه احد لما يسمى بالجهاد، لذلك أرى أن أي شاب يخرج من بلادنا للذهاب للعراق مسيء إلى نفسه ولأسرته ولبلاده وهذا ليس من الجهاد، هؤلاء الذين يذهبون للعراق من أي بلد عربي أو إسلامي في هذه الأحوال الفوضوية من حروب في العراق هم في الحقيقة أشبه بمن يزيد النار اشتعالا تأكل الأخضر واليابس"


أما الشيخ صالح بن فوزان الفوزان فقد ساير غيره بالقول:" احفظوا أولادكم هم يسمونه جهاداً لأجل أن يرغبوا الناس فيه ويأتون بآيات الجهاد وأحاديث الجهاد وما حدث ليس جهاداً، هو تجنيدٌ ضدكم، يريدون أن يجندوا أولادكم في نحوركم ويكونوا هم في راحة يشغلونكم بأولادكم هذا الذي يريدون، فلا تترك ولدك يذهب مع أناس لا تعرفهم ولا تعرف عقيدتهم ولا تعرف منهجهم لا تتركه أبداً أنت المسؤول عن ولدك"


وسايرهم على ذلك أيضا الشيخ الراجحي، لكنه حين كثر اللغط ادعى انه قد أفتى بمنع الجهاد يوم كان صدام يحكم واليوم هو متوقف عن الفتوى في هذا الأمر ويحيله لغيره.


يتحججون بولي الأمر والراية، وهم يعلمون أن المثنى بن حارثة الشيباني يوم نازل الفرس في معركة ذي قار لم يكن مخولاً بإمرة ولا راية، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على ذلك النصر بقوله: " الْيَوْمُ أَوَّلُ يَوْمٍ انْتَصَفَتْ فِيهِ الْعَرَبُ مِنَ الْعَجَمِ وَبِي نُصِرُوا " كما جاء في تاريخ الطبري والكامل لبن الأثير، وإن كان في رواية الحديث ضعف فإن أحداً لم يقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاب على ربيعة ومن تحالف معها من القبائل العربية قتالهم للفرس بهدف دفعهم عن موطنهم، وصون عرض النعمان بن المنذر وشرفه، ولم يكن مسلماً، فذلك حق لهم، كما هو اليوم حق للعراقيين، بل وواجب عليهم، وكيف لا يكون واجباً عليهم بعد نعمة الإسلام وشرف التكليف لهذه الأمة بحمل رسالة ربها تعالى!


كما أن تعدد الولاءات والرايات لا يمنع من الجهاد، فالدولة العربية الإسلامية حين غزاها الصليبيين لم تكن موحدة خلف راية، بل كانت مفرقة، وهي في أضعف أحوالها، بل هي اليوم أيسر حالاً مما كانت عليه آنذاك، لكنهم جردوا سيوفهم للغزاة الصليبيين تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي، وهو قائد عسكري استحوذ على موقعه بالسيف، وليس خليفة منتخب بالشورى، ومع ذلك فقد جعل الله تعالى على يده ومن جاهد معه تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، ودحر الهجمة الصليبية رغم قوتها وهمجيتها، ورغم ضعف الجبهة الداخلية بفعل التآمر الفارسي على يد العبيديين والنصيريين وغيرهم.


وهذا الشيخ ربيع بن هادي المدخلي يلخص تبعية هؤلاء الشيوخ المساكين الذين يعيبون على العراقيين أن لم يجاهدوا ولي أمرهم القائد العربي المسلم الشجاع صدام حسين رحمه الله وحزبه الذي نهل من معين العقيدة الإسلامية متجاوزا لكل مفاهيم الانحراف والغلو والتطرف والتفريط، والذي وقف كالجبل أمام مشنقة الصليبيين والصهاينة والمجوس وصدح بالشهادتين على أحسن ما يُنطق بها في أقسى ظروف الشدة، والذي لم يخضع للطاغوت كما خضعوا هم وأمرائهم وساستهم، ولم يفرط بتراب العرب في فلسطين كما فرطوا ووهبوا، ولم يعدّل في مناهجه الدراسية وفقاً لمطالب الصهيونية وقوى الصليب كما فعلوا، ولم يبخل بأولاده ونفسه من أجل الأمة وعقيدتها، ولم ينس فلسطين ومقدسات المسلمين وهو يرفس بقدمه تاج الذل والخنوع، التاج الذي استعبد غيره من الحكام العرب والمسلمين، لأنه لم يكن من عشاق السلطة ولا من هواتها، بل هو صاحب قضية نبيلة وشريفة، دافع عنها في كل الميادين، حتى كللها ببذل النفس، فهذا الشيخ يبذل قصارى حيلته ومكره كي يعجز العراقيين بتبريراته الواهية عن جهاد الكفار أعداء الله والإسلام، فهو كما ورد في فتواه الهزيلة الماكرة يعيب على العراقيين أن لم يتمردوا على ولي أمرهم العربي المسلم، ويستشهد بمثل من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لأجل تسويق فريته، التي لا يقره عليها حتى الجاهل الأمي الذي لا يفقه من الدين شيئا، فيما يعيب عليهم أن يجاهدوا الغزاة المحتلين الكافرين، رغم كل جرائمهم ووحشيتهم ووضوح نواياهم وحقدهم على الإسلام وأهله، فتجده لا يستند إلى العقيدة الإسلامية في فتواه وأحكامه، بل هو يلتحف بمنهج التطرف والغلو الدخيل على العقيدة، والهادف في خفاياه إلى تشويهها وحرفها عن منهجها الصحيح تلبية لغايات من أوجدوا ذلك المنهج التكفيري الحاقد المريض، يقول هذا المدخلي في فتواه :


" إلى الإخوة السائلين من العراق وفقهم الله؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،أما بعد:
فهذه إجابات على أسئلتكم:


أولاً: أ- قلتم في السؤال الأول أصبح العراق بلداً محتلاً بشهادة القاصي والداني وبشهادة المحتل نفسه إلخ.
فأقول: إنَّ العراق أصبح بلداً محتلاً منذ قامت الثورة الشيوعية فيه وحكمها، ثم خلفهم البعثيون.


والحركات التي تقاوم الاحتلال الجديد لا شك أنها تكفر الشيوعيين والبعثيين فما هو السر في عدم جهادهم للاحتلال الأول؟ فإنْ قالوا السبب هو العجز؛قلنا: أنتم الآن أشد عجزاً.


وإن قالوا: إنَّ المحتل الأول عربي مواطن؛ قلنا: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه بدءوا بجهاد العرب المواطنين الأقربين.


ب- وقلتم:" هل الجهاد فرض عين"؟
وأقول: نعم هو فرض عين على أهل العراق؛ولكن فرض العين قد يسقط عن العاجز؛ فالحج ركن من أركان الإسلام ولا يجب في العمر إلا مرة على المستطيع، وصلاة الجمعة تسقط عن المسافر وهي فرض عين والصلاة الرباعية الظهر والعصر والعشاء تسقط من كل منها ركعتان عن المسافر من أجل المشقة فضلاً عن العاجز عنها، والعاجز عن القيام والقعود في الصلاة يسقطان عنه للعجز وهما من فروض الأعيان.


وأهل العراق في نهاية العجز فلا قِبَلَ لهم بجهاد أمريكا وأحلافها ومؤيديها من الشرق والغرب؛ فأين السلاح الجوي والبري والبحري الذي أمر الله بإعداده؟ بقوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.


فهذه المقاومة الهزيلة التي تقوم بها الحركات عندكم لا تزيد العدو إلا طمعاً فيكم وفي بلادكم؛ لاسيما وليس لهذا الجهاد راية إسلامية، وسلاحها من بقايا سلاح النظام البائد كما ذكرتم.


ولا سيما وهو يؤدي إلى إهلاك الأبرياء وانتهاك حرماتهم وأعراضهم واعتقال الكثير منهم، الأمر الذي لا يعدوا أن يكون تحريشاً يعقبه هروب المحرشي"ا.هـ.


يتحجج برخص الصلاة والحج وغيرهما من العبادات، وهو يعلم قبل غيره أن الاحتلال الصليبي الصهيوني الصفوي لو قدِّر له أن ينعم بالموادعة والخنوع من قبل العراقيين الأباة لذهبت الصلاة ورخصها ولذهب الحج ورخصه ولاستبدلت المساجد بأديرة ومعابد للنار.


ثم يعيب السلاح الذي بأيديهم لأنه من بقايا سلاح النظام البائد، والذي يستمع لقول هذا الدجال يتصور أن سلاح نظامه موروث من الصحابة الكرام وليس من صنع الصليبيين واليهود، وهو قد لا يعلم بسبب الحقد والمرض الذي يتملك عقله أن أغلب أسلحة العراق صنعتها أيدي أبنائه النشامى، وبها مرغوا أنوف أسياده الأمريكان في وحل الهزيمة على أرض العراق، ثم يسندها بكذبة أخرى، حين يبرر سبب رفضه للجهاد أن لا راية إسلامية لهذا الجهاد، فقد أعمى الله بصره كما أعمى بصيرته فلم ينظر مرة إلى راية العراق المطرزة بـ"الله أكبر" عالية فوق الهامات الشامخة، الراية التي لا يليق غيرها بفرسان الجهاد وأسود العراق.


ثم يدعي أن الجهاد يؤدي إلى إهلاك الأبرياء وانتهاك حرماتهم، وهو يعلم يقيناً أن الذي يفعل ذلك ليس من يجاهد، بل هم أسياده الغزاة المجرمين، وأمثاله الذين رضعوا من ثذي التطرف الوهابي، الذي تغذى هو أمثاله منه، فهم والقاعدة منهج واحد وموئل واحد، لكن الخلاف بينهما أوجدته فيما بعد مصالح الدنيا وتنافسهم فيما بينهم عليها لا أكثر، والقاعدة وإن كانت تدعي اليوم العداء لقوى الصليب، فإنها بالأمس، وفي أفغانستان كانت ترتضي بها سنداً وداعماً، فليس من شك أن المخابرات الأمريكية هي التي بادرت إلى تكوين ما سمي فيما بعد بالقاعدة، فحلال الأمس لهم كلهم، صار اليوم حرام لبعضهم وحلال لبعضهم الآخر، وهذا ظاهر خلافهم.


جدير بالذكر أن الفترة التي تلت احتلال العراق وحتى نهاية عام 2004م لم تشهد استهدافاً للمدنيين بشكل واسع من قبل العصابات العاملة بإمرة المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية والموساد الصهيوني وفيلق القدس الإيراني، وبعض الوافدين من إفرازات التطرف تحت مسمى القاعدة أو الجهاد والتوحيد، فالعلاقة بين السنة والشيعة كانت طيبة جداً تمثلت في مواقفهما المشتركة خلال معارك الفلوجة والنجف، فلم يكن لهم عذر في ذلك الحين بتلك الدعوى الباطلة.


فانظر لهذا المنطق المنحرف الضال المضل كيف يجهد عقله في تبرير الخنوع والخضوع للغزاة الطغاة، مجافياً بذلك حتى فطرة أضعف مخلوقات الله تعالى حين تذود عن أعشاشها وأفراخها رغم ضعفها وقلة حيلتها، وكل ذلك لأجل مصالح ارتبطت بمصالح السلطان، المرتبطة هي الأخرى برضا وقبول ذلك العدو الكافر المتجبر، الذي فرض عليهم القبول بمنهج الحوار والتقارب بين الأديان، رغم إن أحداً منهم لو سئل عن مدى شرعية ذلك لقال لا يجوز ومتعاطيه كافر، لكنهم مع دعواهم بعدم التجويز فإنهم يفعلون، وقد فعلوا هم وساستهم معاً.


ومع إن أحداً من هؤلاء العلماء لم يعترض على جهاد السوفييت حين احتلوا أفغانستان، رغم إن احتلالهم كان بدعوة من حكامها بناء على معاهدة بينهما، ولم يشترطوا فيها آنذاك أميراً ولا راية، ولم يقولوا للآلاف من المتطوعين للجهاد في أفغانستان: لا قبل لكم بالجيش الأحمر، ولم يقولوا لهم: أين طائراتكم وأسلحتكم البرية والبحرية، ولم يقولوا لهم: أن مقاومتكم للجيش الشيوعي عبث، كما لم يصف أحدٌ منهم تلك المقاومة بالهزيلة، ولم يقولوا لهم إنكم ستطمعون بنا وبكم المعسكر الشيوعي كله، وهو متمدد حينذاك على طول الأرض وعرضها، فالسبب في ذلك ليست التخرصات والحجج الواهية التي يتذرعون بها اليوم من أجل تسفيه مقاومة المحتل الأمريكي في العراق، بل هي تعود لسبب أن السوفييت لم يكونوا حلفاء لحكامهم، بل ليسوا أولياء أمرهم كما هم الأمريكان، ولم يكونوا محتلين لبلدانهم بقواعدهم العسكرية العديدة. وقد لا يكون في عرفهم من يضع لله أنداداً ويجعله ثالث ثلاثة كمن يلحد به من الشيوعيين.


ولعل الأغرب من كل ذلك أن قام الشيخ عبد المحسن العبيكان وهو من كبار العلماء ومستشاري الحكومة السعودية في تلك الفترة بكتابة مقال في جريدة الشرق الأوسط المعروفة بارتباطاتها تحت عنوان ( ما يحدث في العراق عنف وليس جهاد) بتاريخ 3-11-2004م، يعبر فيه عن منهج التضليل المتبع في المؤسسات الدينية المرتبطة بسياسات أنظمتها العميلة والمتخاذلة حيال مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق، الأمر الذي أوجب على جيش الاحتلال الأمريكي أن يقدم لعالم السعودية الجهبذ رسالة شكر وامتنان على تلك الأفكار التي تضمنتها مقالته، فقد اعتبروا ذلك المنهج إلهاماً لعلوجهم المتمركزين على أرض العراق، مع إنه يعلم جيداً أنهم لم يفعلوا في تمركزهم ذاك إلا ما أراد لهم الشيطان أن يفعلوا، وهو وإن لم يكن من أتباع الشيطان لكن مصالح الحكام اقتضت منه أن يكون كذلك، وإلا فقد يفقد امتيازاته ومصالحه الدنيوية، أو قد يفقد حتى حريته، وهاكم جانب من تلك الرسالة:


No Jihad in Iraq
Thank you for articles like “Violence in Iraq Is Not Jihad” by Abdul Mohsen Al-Obaikan (Nov. 3). Your continuing commitment to peace and tolerance is an inspiration to me every day. As an American soldier stationed in Baghdad , I can tell you that there is nothing that we’d like better than go back to our homes. I pray for a successful Iraqi election, and I pray for the people here that have to live outside our gates and under the constant threat of the “jihadists” who are committed to proving at any cost that America cannot be successful here
.


الأمر الذي اضطر بعض الدعاة ممن لم يمنحوا صلاحية الإفتاء رسمياً للردّ على تلك التخرصات المريبة من قبل كبار علماء السعودية بتاريخ 5-11-2004م بخطاب مفتوح موجه إلى الشعب العراقي كمحاولة منهم لرتق الفتق الذي أحدثه العلماء بتحريمهم جهاد الكفار في العراق بأعذار واهية وأساليب ملتوية، تعبر أصدق تعبير عن تبعيتهم لأهواء حكامهم، وانحيازهم لمتطلبات مصالحهم الدنيوية، التي لا تتحقق إلا برضا حكامهم وانسجامهم مع سياساتهم المعروفة، مما زلزل مكانتهم جميعاً أمام المسلمين، وبخاصة الشباب السعودي، فكانت تلك الرسالة تداركاً للأمر ومحاولة واعية لتصحيح واقع تم تشويهه بالكامل، وهي في الحقيقة تشكل صورة لمنهج سليم وصائب يتجرد كثيراً من سطوة السلطة ومتطلباتها، ففيها الكثير من الواقعية ومن التجرد والتمرد على فقه التطرف المذهبي، ففيها رؤية مبصرة تتفق مع جوهر العقيدة الإسلامية ومنهجها وأخلاقياتها، وفيما يأتي نصها كاملاً:


"الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وبعد:
فقد دعا إلى تدوين هذا الخطاب الحال الاستثنائية التي يمر بها أهلنا في العراق، والتي توجب التناصر والتضافر وتبادل الرأي والمشورة والنصيحة التي هي من حق المسلم على أخيه.


ولن نألوا جهداً فيما نراه صواباً ومصلحة لإخواننا المسلمين في هذا البلد العريق الذي يتعرض لحرب خطيرة على الأصعدة كلها، خاصة والبلد مفتوح على كافة الاحتمالات بغير استثناء من حرب داخلية إلى تفكك وانقسام إلى قيام حكومة مهيمنة تابعة للمحتل. ونوجز رؤيتنا في ما يلي:


1. وأعظم نصيحة هي الإخلاص لله وإرادة وجهه والتخلي عن المطامع الدنيوية والمصالح الشخصية والحزبية والفئوية، قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص فليعلم الله في قلوبكم جميعاً يا أهل العراق - وخصوصاً من له رتبة أو جاه أو تأثير مادي أو معنوي - التوجه الصادق والنية الصالحة والتخلي عن حظوظ النفس واقتفاء سنة محمد عليه الصلاة والسلام؛ كما قال سبحانه:


{ إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (70) سورة الأنفال.
وليكن من أول ذلك التعاون وإمضاء العدل والإنصاف فيما بينكم، ورفق بعضكم ببعض، وتجنب أسباب الفتن وموجباتها التي تطل برأسها في هذه المرحلة الحرجة. ومن أعظم أسباب الفتن التعاند وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وأن يظن بنفسه الصدق والصواب، وبالآخرين الريبة وسوء النية. وهذا يمهد للحرب التي ينتظرها الكثيرون من خصوم هذه الأمة، ويسعدهم أن تقع بأيدينا لا بأيديهم.


2. ثم إن من شروط النجاح فهم الظرف والمرحلة والواقع الذي يعيشه الإنسان فهماً جيداً؛ فإن أي طموح أو تطلع لا يعتد بالرؤية الواقعية ولا يقرأ الخارطة بكل تداخلاتها وتناقضاتها وألوانها؛ فإنه يؤدي به إلى الفشل وإذا كان الله تعالى قال: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } (60) سورة الأنفال فإن أعظم القوة هي قوة العقل والنظر والرؤية الإستراتيجية.


وأكثر الإشكالات تأتي من جهة اختلاف الرؤية للواقع، وعدم تمثله بشكل صحيح، أو من النظر إليه من زاوية واحدة، أو من التعويل على صناعة المستقبل دون اعتداد بالحاضر، أو إدراك لصعوباته.


وهذا شأن يعز إدراكه على الكثيرين ويحتاج إلى رؤية جماعية ذات معايشة وفهم ودراية ودربة وتعقل وتجربة.
3. ولا شك أن جهاد المحتلين واجب على ذوي القدرة وهو من جهاد الدفع، وبابه دفع الصائل، ولا يشترط له ما يشترط لجهاد المبادأة والطلب، ولا يلزم له وجود قيادة عامة، وإنما يعمل في ذلك بقدر المستطاع كما قال تعالى : "فاتقوا الله ما استطعتم".


وهؤلاء المحتلون هم ولا شك من المحاربين المعتدين الذين اتفقت الشرائع على قتالهم حتى يخرجوا أذلة صاغرين بإذن الله، كما أن القوانين الأرضية تضمنت الاعتراف بحق الشعوب في مقاومتهم.


وأصل الإذن بالجهاد هو لمثل هذا، كما قال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39) سورة الحـج. وقد قرر سبحانه سنة التدافع التي بها حفظ الحياة وإقامة العدل وضبط الشريعة فقال: "{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج.


فالمقاومة إذاً حق مشروع، بل واجب شرعي يلزم الشعب العراقي الدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه ونفطه وحاضره ومستقبله ضد التحالف الاستعماري كما قاوم الاستعمار البريطاني من قبل.


4. ولا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة، ولا أن يدل عليهم فضلاً عن أن يؤذي أحداً من أهلهم وأبنائهم، بل تجب نصرتهم وحمايتهم.


5. يحرم على كل مسلم أن يقدم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان.


أما ما يتعلق بمصالح البلد وأهله - من توفير الكهرباء والماء والصحة والخدمات وضبط المرور واستمرار الأعمال والدراسة وديمومة المصالح العامة ومنع السرقة ونحوها- فلا بد من السعي في توفيرها بحسب الإمكان.
6. إن من مقررات الشريعة الثابتة المستقرة - التي لا خلاف عليها بين أهل الإسلام - حفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.


ولم يرد في القرآن وعيد على ذنب بعد الشرك كما ورد في وعيد من قتل مؤمناً متعمداً قال الله سبحانه {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء
وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة مرفوعاً أن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ » .


وفي الصحيحين عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».


وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ».


ولسنا نعرف لغة أقوى وأوضح وأصدق في إقامة الحجة وقطع المعذرة عن المتأولين والمتحايلين والمتساهلين وأكثر حفظاً لدماء المسلمين وأعراضهم من هذه اللغة النبوية المحكمة. ولهذا يجب أن يحفظ هذا الأصل الذي هو حقن دم المسلم وتحريم ماله وعرضه وعدم فتح باب التأويل في ذلك.


7. من المصلحة الظاهرة للإسلام والمسلمين في العراق وفي العالم ألا يستهدف المستضعفون ممن ليسوا طرفاً في النـزاع وليست دولهم مشاركة في الحملة العسكرية على العراق كمن يقومون بمهمات إنسانية أو إعلامية أو حياتية عادية لا علاقة لها بالمجهود الحربي، وقد قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".


وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل المنافقين وعلله بقوله صلى الله عليه وسلم: « لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ».


فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداري مثل هذا ويدفعه بترك من قد يكون مستحقاً للقتل في الأصل فكيف بغيره؟! خاصة والإعلام اليوم قد سلط الأضواء كثيراً على مجريات الوضع في العراق، وعلى كل عمل يقوم به أهل الإسلام.


فالواجب تحري مردود الأعمال التي تقع ومدى تأثيرها على الشعوب من المسلمين وغيرهم.


8. إن المحافظة على وحدة العراق مطلب حيوي وضروري.
وهناك أصابع خفية تحاول إيقاد نار الفتنة، وتمزيق العراق إلى طوائف، وإثارة المعارك الداخلية بين الشيعة والسنة، أو بين الأكراد والعرب.


ومثل هذا الاحتراب الداخلي - الذي قد ينجر إليه المتسرعون من كل فئة- ضرر ظاهر وخدمة مجانية لليهود الذين يتسللون إلى العراق، ولقوى التحالف التي توظف الخلاف في ترسيخ سيادتها، وتسليط كل طرف على الطرف الآخر يقتل رموزه، ويفشي أسراره، والمحصلة النهائية أن كل فئة تقول : الأمريكان خير لنا من هؤلاء. ولهذا يجب أن يتواضع العراقيون جميعاً على أن حقهم أن يعيشوا بسلام - تحت راية الإسلام - بعضهم إلى جوار بعض. وهذا وضع تاريخي مرت عليه قرون طويلة، وليست هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق بالفرصة الذهبية التي يطمع كل طرف أن يوظفها لصالحه. والأولوية في هذه المرحلة هي لترسيخ وحدة البلد والمصالحة الداخلية وتجنب أسباب الفتنة والاحتراب، وكف بعض الطوائف عن بعض، فهذه مصلحة مشتركة.


9 . إذا استطاع أهل الإسلام عامة والمنتسبون إلى الدعوة خاصة أن يتجهوا إلى الإصلاح والبناء والإعمار المادي والمعنوي والأعمال الإنسانية والتربوية والعلمية والمناشط الحيوية، وكانوا قريبين من نبض الناس ومشاعرهم، متصفين بالحلم والصبر وسعة الصدر، وتركوا خلافاتهم جانباً - إذا استطاعوا ذلك - فسيكون لهم في بناء البلد وإعماره وقيادة مؤسساته تأثير كبير. والبلد الآن في مرحلة تشكل وتكون، والأسبقية مؤثرة ، خصوصاً إذا صحبها إتقان لفنون الإدارة والتدريب العملي والعمل الجماعي المؤسسي.


ولذا يجب الاستفادة من المساجد والمدارس وغيرها في توجيه الناس ومخاطبتهم واستثمار وسائل الإعلام من الإذاعات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات وإقامة الدروس والمحاضرات والحلقات على هدى وبصيرة وعلم وتأسيس صحيح بعيداً عن التحيز والهوى والموقف الشخصي والحزبي، وبعيداً عن إقحام الناس في الانتماءات الخاصة والمواقف الضيقة والخلافات المذهبية التي تؤدي إلى الشتات والفرقة والاختلاف والتطاحن.
10. ونوصي إخواننا المسلمين في العالم بالوقوف إلى جنب إخوانهم في العراق بالدعاء الصادق والتعاطف والتراحم والنصرة قدر الإمكان كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً وهم يشهدون معاناتهم في قبضة المعتدين بالقصف العشوائي والتدمير والقتل الأعمى الذي طال معظم مناطق العراق، ولعل من آخرها ما نشهده اليوم في مدينة الفلوجة الصامدة المنصورة بإذن الله وما حولها.


ونوصيهم بإعانة إخوانهم بالرأي السديد والنظر الرشيد المتزن البعيد عن التسرع والاستعجال، وأن يكف عن إطلاق الفتاوى المربكة ذات اليمين أو ذات الشمال مما يتسبب في اضطراب الأمر بينهم.


ونوصيهم بمؤازرة الشعب العراقي في محنته الأليمة، وأن تسارع الجمعيات والمؤسسات الخيرية إلى السعي في سد حاجة العراقيين للغذاء والدواء واللباس وضروريات الحياة.


نسأل الله أن يحفظ شعوب الإسلام في العراق وفلسطين وفي كل مكان، وأن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه والحمد الله رب العالمين


الموقعون:
الشيخ الدكتور. أحمد الخضيري أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود.
الشيخ الدكتور. أحمد العبد اللطيف أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى.
الشيخ الدكتور. حامد ين يعقوب الفريح أستاذ التفسير بكلية المعلمين بالدمام.
الشيخ الدكتور الشريف. حاتم العوني أستاذ الحديث بجامعة أم القرى.
الشيخ الدكتور. خالد القاسم أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود.
الشيخ الدكتور. سعود الفنيسان أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الإمام -سابقا-.
الشيخ الدكتور. سعيد بن ناصر الغامدي أستاذ العقيدة في كلية الشريعة – أبها.
الشيخ الدكتور. سفر بن عبدالرحمن الحوالي أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى سابقا.
الشيخ الدكتور. سلمان بن فهد العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم.
الشيخ المحامي. سليمان الرشودي محام.
الشيخ الدكتور. صالح بن محمد السلطان أستاذ الفقه في جامعة القصيم.
الشيخ الدكتور. عبدالرحمن بن أحمد علوش مدخلي أستاذ الحديث في كلية المعلمين.
الشيخ الدكتور. عبد العزيز الغامدي أ ستاذ الفقه بجامعة الملك خالد بأبها.
الشيخ الدكتور. عبدالله بن إبراهيم الطريقي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام.
الشيخ الدكتور. عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام.
الشيخ الدكتور. عبدالله بن وكيل الشيخ أستاذ الحديث في جامعة الإمام.
الشيخ الدكتور. عبدالوهاب بن ناصر الطريري نائب مشرف مؤسسة الإسلام اليوم.
الشيخ الدكتور. علي بن حسن عسيري أستاذ العقيدة في كلية الشريعة – أبها.
الشيخ الدكتور. علي بادحدح أستاذ الحديث وعلوم القرآن - جامعة الملك عبدالعزيز.
الشيخ الدكتور. عوض بن محمد القرني أستذ أصول الفقه في جامعة الإمام -سابقا-.
الشيخ الدكتور. قاسم بن أحمد القتردي أستاذ التفسير في كلية االشريعة – أبها.
الشيخ الدكتور. محمد بن حسن الشريف أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الملك عبدالعزيز.
الشيخ الدكتور. محمدبن سعيد القحطاني أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى سابقا.
الشيخ الدكتور. مسفر القحطاني أستاذ الفقه بحامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
الشيخ الدكتور. مهدي محمد رشاد الحكمي أستاذ الحديث في كلية المعلمين – جازان.
الشيخ الدكتور. ناصر العمر المشرف على موقع المسلم."ا.هـ.


إن التناقض والاختلاف بين علماء الدين العرب بحسب ما تمليه المصالح السياسية للحكام والأنظمة، وبما تمليه عليهم سياسات القوى الصليبية والصهيونية، لا ينحصر بمعضلة العراق فحسب، بل يتعداه ليشمل كل ما يتعلق بمناهج سياسات حكامهم، ففي شهر كانون الثاني 2009م أفتى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفيد محمد بن عبد الوهاب ومفتي السعودية العام بعدم جدوى مقاطعة بضائع الأعداء، في محاضرة له بجامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض، والتي نشرتها صحيفة الحياة اللندنية بعددها الصادر يوم 11-1-2009م، حيث قال:"انه من الواجب علينا الابتعاد عن الطعطعة، فأنت تضر نفسك وتضر الناس، والعالم الآن كالحلقة الواحدة لا يغني بعضه عن بعض، فالعالم كله كما يحتاجون لنفطك، تحتاج أنت لسلعتهم، والتهديد بالمقاطعات التجارية لبعض المنتجات لا يخدم شيئا". فكان مناقضاً للعديد من علماء الوهابية المعاصرين أو السابقين له في ذلك، والذين لم تكن مواقفهم إلا بحدود ما كانت تسمح به متطلبات السياسة حينها.


لكنهم جميعاً لم يسارعوا من قبل لتسفيه أو استنكار المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها قوى الكفر والطغيان الصليبي والصهيوني على العراق منذ عام 1990م واستمرت ثلاثة عشر عاماً، ونفذتها أنظمتهم بكل حرص واهتمام، ولم يتحمس أحد منهم ليستنكر جريمة ذلك الحصار الجائر الذي أدى إلى وفاة أكثر من مليون ونصف المليون من أطفال العراق وشيوخه، رغم أن مبرره الظاهر قد انتفى، فالعراق خرج من الكويت، وعادت مرة أخرى إلى أحضان أسيادها الامبرياليين، ورغم أن أداة تسلطهم المسماة بمجلس الأمن الدولي قد استقطعت من العراق أراض جديدة وألحقتها بما سرق منها من قبل، وفرضت عليه مبالغ تعادل أضعاف ما كان يملكه الكويت قبل استعادته كتعويضات لحكامها وأسيادهم، ورغم أن العراق اضطر من أجل تجاوز شعبه لمحنته للاعتراف بالحدود التي فرضها أسياد حكام الكويت.


والأعجب من ذلك أنهم لم يفعلوا شيئاً حيال دولة الفرس التي احتلت جزرهم العربية أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى، والتي لا تقل في أهميتها ومساحتها عن الكويت، لم يؤلبوا عليها أسيادهم، ولم يطلبوا منهم غزوها أو حتى فرض حصار عليها كما فعلوا مع العراق، بل ولم يقولوا بكفرهم رغم أنهم يكفر بعضهم بعضاً في الخفاء، فالفرس في عرفهم روافض، وهم في نظر الفرس نواصب، ولم يثوروا ضدها حين تدعي في كل يوم تبعية إحدى الأقطار لها، فمرة تدعي بفارسية البحرين، ومرة الإمارات وأخرى قطر والكويت نفسها، وهم يرون اليوم كيف يعبث الفرس وتشيعهم الصفوي المجوسي في واقع دول الخليج العربي، ويعملون على تهديد أمنهم وسلامة كياناتهم، حتى منعوا عليهم أن ينطقوا بتسمية الخليج العربي، فخيرهم لا يستطيع أن يتجاوز القول دول الخليج العربية وليس العربي.


أن الخلل الأكبر لا يكمن فقط في منظومة السلوك والثقافة العربية المنحرفة عن أصولها في جوانب عديدة منها، بسبب التفاعل الحضاري غير المتزن مع الثقافات الأخرى، والتي تتحكم بنشأة الفرد العربي الأولى، فتطبع آثارها غائرة في عمق الوعي، كأنها نقش على حجر صلد، قبل أن تتشكل خصائص التأثير الأخرى للوعي، والتي لا تملك القدرة على محو آثارها ونفيها مهما امتلكت من قوة وتأثير، ففي أحسن أحوالها لا تملك أكثر من قدرة التمويه عليها.


لكنه يكمن أيضاً في أنظمة الحكم ومؤسساتها، التي تفرض تلك الانحرافات على السلوك فتطبعه بشرعيتها المزيفة، أو التي تتوغل في السلوك والثقافة الاجتماعية بشتى الأساليب والوسائل والإغراءات دون أن يكون لولي الأمر ومؤسساته دور الرادع لها، فالسكوت أو التغاضي عنها يعزز مكانتها ويمنحها القدرة على العبث في صياغة الوعي الاجتماعي الأولي.


وبذلك فإن أمراض اجتماعية كثيرة وخطيرة تستوطن اليوم في مجتمعنا العربي، وتترك آثارها على سلوكه، فيتساوى بسببها، وفي كثير من المواقف، المتعلمون والأميون، المثقفون والرعاع، ويحدث بذلك العجب من سلوك هذا وذاك، ممن لا توحي بها مستوياتهم العلمية أو مكانتهم الاجتماعية.

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٢ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٠٥ / حزيران / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور