أئتلافات وطنية عراقية أم أتحادات طائفية وقومية ؟

 
 
شبكة المنصور
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
في خضم تراجيديا الغزو والاحتلال والتطبيق القسري لكل ماجائت بها أجندات الغزاة المحتلين فقد أسرت أرض السواد وشعبه بمفاهيم براقة المظهر خاوية الجوهر , تضمر التقسيم والتفتيت


ضمانا لمصالح دولية وأقليمية , وأبعادا لثقل بشري ومادي ومعنوي لاكبر قطر عربي , شكل وعلى مدار عقود من الزمن , تهديدا واضحا للاستراتيجية العدوانية العالمية وربيبتها أسرائيل التي لم يخفي قادتها أبتهاجهم بما حل بالعراق من دمار وتخريب وتقسيم , ومؤكدين على أن كل ذلك هو تثبيت للوجود الصهيوني في المنطقة العربية , وتهديم لكل الحجابات والسواتر والخطوط الحمر التي وضعت أمام قبولهم بين دول المنطقة , والتعامل معهم على أساس دولة مجاورة , ولنا أن نتذكر حجم التنازلات العربية التي قدمت لاسرائيل , وعدد الاختراقات التي نجحت في أرسائها السياسة الاسرائيلية في الوطن العربي , منذ بدايات الصفحة الاولى في العدوان على العراق في العالم 1991 وحتى عام الاحتلال في 2003 , لنقيس في ضوء ذلك عظم الشوكة التي كان يمثلها العراق في الفم الصهيوني , والعائق الكبير الذي كان يمارسه ضد المشروع التوسعي الصهيوني , على المستوى الشعبي والعربي والاقليمي والدولي .


أن نظرية ( الضرب اسفل الجدار ) التي نظر لها بريجنسكي في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم, والتي جائت تلبية لحاجات ستراتيجية أمريكية, وملخصها هو أثارت النعرات الطائفية والقومية في الوطن العربي تمهيدا لنخره وأنتهاءا بهدم جدرانه , بغية تفتيته الى وحدات أصغر فأصغر , أنما كان ميدان تطبيقها الاوسع والاشمل في العراق منذ العام 1991 عندما صدر قرار تقسيمه على أساس خطوط العرض , التي حظر فيها على الطيران العراقي التحليق في نطاقها , وتهديد حلفائهم من الاحزاب الكردية بعدم التعامل مع الحكومة العراقية الشرعية , ثم الايعاز لهم بالشروع بتنظيم كيان شبه مستقل في شمال العراق , وماتلا ذلك من مؤتمرات لما يسمى (المعارضة العراقية ) برعاية مخابراتية أمريكية وأوربية , حرصوا فيها على تشكيل كيانات تقوم على أساس تقسيم الوطن على أسسس طائفية وقومية , ومن ثم توزيع المناصب الحكومية فيه وفق معادلة رياضية تقبل القسمة فقط على ثلاثة ( كردي , شيعي , سني ) , ثم السعي لايجاد أعراف قوامها حصر المناصب في السلطات التشريعية والتنفيذية , بطائفة وقومية محددة لايمكن فيها أن يغادر المنصب الى الطائفة الاخرى أو القومية , فكان منصب رئيس الجمهورية حصرا بالكرد , ورئاسة الوزراء حصرا بالشيعة , ومجلس النواب حصرا بالسنة , وكأن هذه المناصب هي ملك للطوائف والقوميات وليست ملكا للشعب والوطن , وقد رافق كل هذه التقسيمات سباق محموم على أثارة العداء بين الشعب الواحد وقومياته المتأخية من قبل الادارة الامريكية , فها هو الحاكم الامريكي ( بريمر ) يذكر في كتابه عن تجربته في العراق , مؤكدا أنه كان يدور على زعماء الاحزاب الطائفية مذكرا أياهم بعدم السماح للطائفة الاخرى ( بتغيبهم ) عن السلطة ثمانين عاما أخرى وهم الاكثرية , ثم يذكر الطائفة الاخرى بضرورة المشاركة في الحكم كي لاتأكلهم الطائفة الاكبر , ويدغدغ عواطف الاحزاب الكردية بأن الفرصة قد اتت لهم كي يحققوا كل طموحاتهم الانفصالية , كما أنشأت القنوات الفضائية التي تنظر للطوائف والقوميات , وصدرت المئات من الصحف التي تنطق بأحقية حصة كل طرف , وتأسست المئات من الجمعيات وما تسمى ( منظمات المجتمع المدني ) التي تبحث في كيفية تكريس التقسيم وتهويل الحدود والاختلافات بين كل طرف , وفي ظل كل هذه المؤثرات أبدع تطبيق نظرية ( الضرب أسفل الجدار ) خدعة ماسمي الانتخابات لتكريس كل هذا التقسيم وتغليفه بما يسمى شرعية صناديق الاقتراع , كي يشهرون هذه الشرعية الزائفة في وجه كل من ينادي بالولاء للوطن أولا , ويدعو للاستظلال بالخيمة الوطنية , مؤكدين زورا بأن الشعب هو الذي أختار وأنتج هذا الحاصل الهجين والمشوه في ( ثورة الاصابع البنفسجية ) الاولى .


أن هذا السينايو القاتم السواد الناتج عن تفصيل الوطن وفق الاهواء والمصالح الضيقة , وتفتيته خدمة للمحتل أولا , ولصالح أمراء الطوائف والقوميات ثانيا , قد رسخ حقيقة أن الاحزاب المشاركة في العملية السياسية هي أحزاب طائفية المنهج والتشكيل , التقت طائفيتها مع نزعة المحتل بأنشاء كيانات كسيحة وغير قادرة على الفعل , لذلك من غير المنطق أن نقرر بأنها قد غادرت طائفيتها , وعبرت حدودها الضيقة الى رحاب الوطن الفسيح , بمجرد أن أنظم اليها من أنظم ممن يدعي تمثيل الطائفة الاخرى , لان الخيمة الوطنية ليست عملية رياضية تساوي جمع أرقام,بل أنها أحساس وشعور وأيمان وعقيدة قائمة على أساس أنصهار المجموع في خدمة الكل , وأن تغطي هذه الاحزاب بالاردية الوطنية لن يؤدي الى عدم ظهور عوراتها مجددا , وهذا ماكشفته الايام التي يمر بها العراق منذ الانتخابات الاخيرة وحتى اليوم .


أن من محاسن الانتخابات الاخيرة , وما سمي (ثورة الاصابع البنفسجية ) الثانية , أنها عرت المشاركين فيها وفضحت تخفيهم تحت شعارات الوطنية , فنتائجها أشارت بوضوح مجددا الى هوياتهم الطائفية والقومية الضيقة , وأكدت على أن تلك القوائم والتحالفات لم تكن سوى أتحادات بين من يدعون تمثيلهم لطوائف المجتمع العراقي , للقفز مجددا الى نفس المركب الذي جمعهم فيه الغزاة أول مرة , فبان ألانقسام واضحا في عموم الخريطة العراقية , بين شمال لم يفز الفائزون فيه ولابمقعد واحد في الوسط والجنوب , وجنوب لم يفز الفائزون فيه ولا حتى بكرسي مقهى في أحدى مقاهي السليمانية , وغرب وشرق تربع فيه العلمانيون بنتائج حاسمة ولم يحصل فيه غيرهم على مقعد , لالعلمانيتهم بل لان القائمة التي أنتموا اليها كانت أتحادا طائفيا عشائريا مناطقيا بأمتياز , فالسيد طارق الهاشمي قطب طائفي جلس على كرسي نيابة الرئاسة المخصص( للسنة) طوال أربع سنوات, وكان يتزعم حزبا طائفيا ولايمكننا أن ننزع عنه صفة الطائفية لمجرد تخليه عن الحزب , والسيد رافع العيساوي قطب عشائري , والسيد أسامة النجيفي قطب مناطقي لم يحصل على أي مقعد سوى في محافظته , فهل يعقل أن نطلق على كل هذه القوائم والاتلافات صفة الوطنية ؟ وأذا كنا نسمع اليوم صوت زعيم المجلس الاعلى يردد أجمل العبارات الوطنية , ويتغزل بالقائمة العراقية , فليس دليل ذلك تخليه عن طائفيته , فلازال في قائمته من ينادون بديكتاتورية الطائفة التي ينتمون اليها , وحاكمية الاكثرية الطائفية , بل هي نكاية بغريمه المالكي الذي توسل فيه أن ينظم الى أئتلافه قبل الانتخابات لكن الاخير رفض بعد أن توهم بأنه سيحقق فوزا كاسحا , يشكل فيه حكومة أغلبية برلمانية كما كان يدعي .


أن قانون الاحزاب التركية وهي القريبة الى واقعنا العربي , يشترط على الاحزاب الفائزة أن تحصل على مقاعد في كل محافظات تركيا بجزئيها الاسيوي والاروبي كي تثبت أنها وطنية ومقبولة من جميع أطياف الشعب التركي , فما حكمنا نحن اليوم على أحزاب العملية السياسية في العراق الذي تقسم العراق بنتائجهم ؟ وأذا كان البعض يصر على التوسل بأن صناديق الاقتراع هي التي أفرزت هذه النتائج , فنحن نقول بأن العملية الانتخابية ليست صناديق أقتراع وحبر بنفسجي ومفوضية وبطاقة ناخب , بل هي وعي وثقافة وقوائم وطنية حقيقية وأعلام جامع لامفرق وفوق كل ذلك وطن مستقل صاحب سيادة , فالعملية الانتخابية كالمعادلة الكيميائية , تختلف نتائجها بأختلاف الظروف التي تحيط بالوسط الذي تجري فيه المعادلة , وتكون نتائجها وفقا لذلك . فهل كانت الظروف التي رافقت( العملية الانتخابية ) في العراق صحيحة وصحية ؟؟

 

 

للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا  
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ١٠ جمـادي الاخر ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٤أيـــار / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور